21 سبتمبر، 2024 2:43 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (12).. معاناة الكاتب الفرديةِ لا تنفصلُ عن المعاناةِ الأكبرِ لوطنهِ

الرواية والمعاناة (12).. معاناة الكاتب الفرديةِ لا تنفصلُ عن المعاناةِ الأكبرِ لوطنهِ

خاص: إعداد- سماح عادل

قد تنبع معاناة الكاتب والروائي الفردية من معاناة مجتمعه، وكذلك معاناة شخصيات الرواية، فغالبا ما تكون المعاناة الفردية وليدة لمعاناة جماعية أكبر وأشمل وأقسى، معاناة تخلف شخصيات تعاني من عدم إتزان نفسي واجتماعي، وبالضرورة تظهر تلك المعاناة بكافة أنواعها وأشكالها في الرواية، كمرآة عاكسة للمجتمع.
هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:
. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟
. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟
. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟
. 4هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟
التعبير عن المهمشين..
يقول الكاتب والشاعر اليمني “صالح سالم عمير”: “بداية نود الإشارة إلى أن الرواية الحديثة وبعضها، وكما يسميها البعض من مدرسة مابعد الحداثة (واسيني الأعرج أنموذجا)، تختلف عن مدرسة نجيب محفوظ الروائية على سبيل المثال، فهاتان اثنتان من المدارس الأدبية التي تمثل اتجاهات فنية وفكرية مختلفة، إذ أنّ
مدرسة نجيب محفوظ الروائية التي تُعتبَر من أبرز المدارس الأدبية في العالم العربي، وقد اشتهر محفوظ الروائي بقدرته على رسم صورة واقعية وعميقة للحياة في مصر والعالم العربي، تتناول أعماله الروائية العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية، ويعبر عن تحولات المجتمع المصري والعربي على مر الزمن. وتتسم رواياته الواقعية أو الفلسفية بالأسلوب الراقي والشخصيات المعقدة والتعمق في النفس البشرية، ويُعتبر توجّه مدرسة نجيب محفوظ الروائية توجها واقعيا وتحليليا..
بينما مدرسة واسيني الأعرج ومعظم الروايات الصادرة حديثا، تُعبّر عن حركة أدبية وفلسفية نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين، ولعلّ واسيني الأعرج من أبرز ممثلي هذه المدرسة. وتتمحور فكرة مابعد الحداثة حول الاعتراض على القوالب التقليدية والقوانين الثابتة والأفكار المثبتة، وتؤكد على ضرورة التشكيك في اليقينيات وتحطيم الهيمنة الثقافية، وتتسم بالتجريب والتلاعب باللغة، والتحليل النقدي للثقافة والسلطة، وتعتبر مدرسة مابعد الحداثة توجهها الانفتاح والتحرر من كل القيود التقليدية.
باختصار، الفرق بين المدرستين كبير، وربما يكمن في الاتجاهات الفنية والفلسفية التي تمثلها كل مدرسة”.
ويضيف: “ونود هنا أن نشير لكتاب الدكتور أسامة محمد البحيري، أستاذ النقد الأدبي والبلاغة، بكلية الآداب جامعة طنطا، الموسوم “الحداثة وما بعد الحداثة في الرواية العربية المعاصرة” منشورات دار النابغة للنشر. يقول د. البحيري في مختصر كتابه:
تشير ” الحداثة” في مفهومها اللغوي إلى الجدة والابتكار والإبداع غير المسبوق، وتعلي في محتواها الفكري والسياسي قيم التنوير والعقلانية وتحكيم المنهج العلمي في جميع نواحي الحياة وإعلاء شأن المركزية الأوروبية، وتتبنى في جوانبها الثقافية والفنية والأدبية رفض الواقعية والانعكاس الآلي للواقع بتفاصيله الدقيقة ..
وقدمت تيارات “ما بعد الحداثة” رؤية مخالفة لقيم الحداثة ” عبر مفاهيم التشظي والتفتيت والتفكيك والتعددية، والاحتفاء بالهوامش والمهمشين، والثورة على المركزية والرؤية الواحدة، وإزالة الفوارق بين ثقافة النخبة والثقافة الشعبية.
وقد ترددت أصداء ” الحداثة” و”ما بعد الحداثة “في الروايات العالمية والعربية، فتميز عدد كبير من الروايات بالتشظي والتفتيت والتفكيك على مستوى البناء الروائي، وعلى مستوى العناصر السردية، فافتقدت نماذج كثيرة من الرواية الجديدة مفهوم الحبكة بمعناها التقليدي، واتسمت الشخصيات بالعدمية وافتقاد الهوية الثابتة، وبرز البطل الضد الذي تطغى صفاته السلبية على صفاته الإيجابية في كثير من الروايات، وتميزت الأحداث بالتفكك وانعدام الوحدة وغياب المركز الذي يجمعها، وغلفت الضبابية الفضاء الروائي في بعده المكاني والزماني، وبذلك أصبحت الرواية الجديدة تتسم بشكل بنائي مفتوح على إمكانات تشكيلية إبداعية لا حد لها، ولا نهاية لتنوعها .ووجدنا اهتماما كبيرا من الروائيين العرب بالتعبير عن المهمشين اجتماعيا، وعرقيا، ودينيا، ولونيا، وجنسيا”.
أدب المذكرات الشخصية..
وتقول الكاتبة العراقية “أمل مطر”: “بالنسبة للمعاناة التي يمر بها الكاتب وخاصة في وقتنا الحالي الذي نمر به وتمر به دولنا العربية، من مأساة والحروب والاضطهاد القسري والقتل والتحريم والحرام، وكل مايحيط به الكاتب، لابد وأن تكون هناك إسقاطات ذاتية. وأنت تعرفين ذلك الكم العائل من أدباء الغرب الذين كتبوا عن الحروب، الحرب العالمية الأولى والثانية مثل “الحرب والسلام” و”الفجر كان هادئً هنا”، وغيرها الكثير والكثير من كتبوا تلك المأساة التي زامنت عصرهم.
وتضيف: “إن رصد المعلومات بغير منافذ للحلول لم أعتبرها رواية إذا لم يكن لها ثيمة لكل شخصية من شخوصها ،وكيفية تقديم الحلول إما بالإيجاب حتى نرى الضوء المبهج، وإما أن تكون الضربة النهائية مخجلة دون حل أو ما تسمى مبتورة. وأنا بالنسبة لي اعتبر كاتب تلك الرواية ضعيف وليس له القدرة على الكشف أو التنوير” . إذا كان الكاتب يكتب بإسقاطات ذاتية فقط فلا اعتبره كاتب يريد طرح مشكلة مجتمع إلا إذا أسميناه بأدب المذكرات الشخصية مثلها مثل أدب الرسائل”.
معاناة وطن..
وتقول الروائية المصرية “شيرين شحاته”: “أرضُ المجتمعِ العربيِ غزيرةً الآلامِ، متشابكةً الهمومِ، لا تفصلها عنْ بعضها الصراعاتِ كما تفعلُ الحدودُ، فما بينَ رقعةٌ سلبتها الحربُ سلامها، يرتفعَ العلمُ الأخرى منهمكا بفعلِ ظروفٍ مجتمعيةٍ ضاغطةٍ أثرتْ على كافةِ أفرادِ المجتمعِ ومنهمْ الكاتبُ المتضاعفُ الهمُ بفعلِ قلبٍ مثقلٍ بأحزانِ كلِ ما حولهُ، أدواتهُ كلمةً قدْ تكبرُ معَ مرورِ الأوجاعِ عليها لتصبح عملاً أدبيا، منشأهُ الأصليَ معاناتهُ المتعددةَ ما بينَ حروبٍ وصراعاتٍ وظروفٍ بمجتمعهِ حتى معاناتهِ الفرديةِ لا تنفصلُ منْ واقعِ المعاناةِ الأكبرِ لوطنهِ وما لحقَ بهِ، بلْ إنَ حداده على معاناتهِ الشخصيةِ ينصهرُ داخلَ الحدادِ الأكبرِ لوطنهِ”.
وتضيف: ” تتنوعَ الشخصياتُ وأبطالِ الرواياتِ العربيةِ ما بينَ أبطالِ تحملِ غربةِ الأوطانِ بقلوبهمْ وغيرهمْ يصارعونَ أيديولوجياتُ بهِ لا سمةً ثابتةً يمكنُ وصفَ بها بطلُ الروايةِ العربيةِ، بلْ هيَ متعددةٌ بطولِ العملِ وما يتعرضُ لهُ داخلهِ منْ أزماتِ ومواقفَ قدْ تنزعُ عنهُ جلدهُ وقدْ لا تفصلهُ عنهُ، ولكنْ منْ المؤكدِ أنَ الأزماتِ الوطنيةَ تصنعُ منْ الشخصيةِ الروائيةِ بطلاً لا ينسى وإنْ مضى لقاءَ القارئِ بهِ أعوامَ”.
وتواصل: “تصويرُ المعاناةِ يكونُ برصدِ التفاصيلِ الداخليةِ والمحيطةِ بالبطلِ الروائيِ، معَ عدمِ الإغفالِ عما قدْ ينقلُ قلبَ القارئِ منْ حالةِ الإنعاشِ إلى الإفاقةِ، ومنْ الموتِ إلى أرضِ الروايةِ حيا مناضلاً ومتعايشا معَ أسطرِ الروايةِ بكلِ جوارحهِ”.
وتؤكد: “وقدْ تكتفي بعضَ الرواياتِ بعرضِ المشكلةِ وتشريحها دونَ الوقوفِ على حلٍ، تنتقلَ بحرفيةٍ بينَ الجوانبِ المتعددةِ معَ تركٍ لعقلِ القارئِ مرونةَ الإجابةِ على كافةِ الأسئلةِ المطروحةِ داخلها، تمنحهُ الوقتَ والمساحةَ الكافيتينِ ليختارَ منْ متعددٍ فتحهُ العملَ الروائيَ، وعلى الجانبِ الآخرِ نجدُ أعمالاً روائيةً تضعُ على عاتقها وضعَ الحلولِ الإيجابيةِ بمنتهى الوضوحِ، ليكونَ العملُ الأدبيُ منْ وجهةِ نظرِ كاتبها مكتملاً باعثَ الهدفِ”.

توجيه الأنظار للمعاناة..
وتقول القاصة “ميرفت الخزاعي” من العراق: عن هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية: “سأجيب عن هذا السؤال بسؤال: هل يتوجب ربط الرواية بالمعاناة؟، ولماذا يتم اعتماد المعاناة أساسا للرواية دائما والاتكال عليها؟! إذا جزمنا بربط الرواية بالمعاناة فماذا يفعل الكاتب الذي لا يعاني؟، هل يتوقف عن الكتابة مثلا أم يقوم بخلق أو صنع معاناة ما ليستمر في الكتابة؟!.
اتفق في كون معاناة الكاتب الشخصية أو معاناة غيره قد تكون سببا لكتابة رواية، لكن هناك أمورا أخرى بنظري ربما يستمد الكاتب منها موضوع روايته، كالأسئلة الوجودية والقضايا الفلسفية أو الجدلية (الدين، الجنس، السياسة وغيرها)”.
وتضيف عن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون: “المعاناة واردة لكنها ليست الموضوع أو المشكل الأعظم أو العقدة الأكبر.
والمعاناة أنواع فقد تكون الشخصيات مهمشة أو انطوائية أو محبة للعزلة أو مكبوتة أو واقعة تحت تأثير ظروف قاهرة حسب مفهومها، يعني معاناتها نفسية أو شخصية وداخلية بحتة، وقد تكون معاناة جسدية (كالإعاقة أو الحبس والسجن والتهجير والتشرد واليتم وغيرها) أو معاناة مشتركة”.
وعن كيفية تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة تقول: “من المفترض أن يقوم الكاتب باختيار شخصيات روايته بعناية ودقة وبعد دراسة ظروفها ووضع ملامحها ومعرفة تفاصيلها، ومن ثم أن تكون الشخصيات ملائمة للأحداث ومناسبة لها، أما عملية تصوير تلك المعاناة فتتبع وعي الكاتب وفهمه للشخصيات وقربه منها وإدراكه لدور كل واحدة منها. فأحيانا ينجح في تصوير ونقل تلك المعاناة وربما يعجز ويفشل في أحيانٍ أخرى”.
وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج تقول: “أظن أنه ليس من واجب الكاتب إيجاد الحلول للمشكلات ووضع النهايات، بل أن مهمته تكمن في طرح القضايا أو تسليط الضوء عليها أو توجيه الأنظار لها”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة