13 نوفمبر، 2024 2:17 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (1).. هل تصوير المعاناة بمثابة وضع أصبع علي الجرح؟

الرواية والمعاناة (1).. هل تصوير المعاناة بمثابة وضع أصبع علي الجرح؟

خاص: إعداد- سماح عادل

هل المعاناة تفرض وجودها علي السرد العربي؟، هل تشغل مساحة كبيرة في الحكايات التي تحويها الروايات العربية في الوقت الحالي؟، وكيف تكون تلك المعاناة، جماعية، فردية، تخص الكاتب أو الشخصيات أم المجتمع ككل..

هذا ما سنحاول فهمه في هذا الملف، الذي تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

1. هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

2. هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

3. كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4. هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

صراع سردي..

يقول الكاتب المغربي “عزيز ريان”: “الكتابة بشكل عام هي نقل ما يعيشه المجتمع، والمعاناة يجب ضبط تعريفها أو ضبط ماهيتها. بالنسبة لي رواية مناطق الحروب أو الصراعات تنطلق من معاناة واضحة تختلف أساليب التطرف إليها فنيا أو أدبيًا. والرواية المعاصرة لا تبتعد عن أنها تقترب من معاناة ما عامة ومعاناة خاصة للكاتب الذي يجد نفسه قد سقط في فخها لنقلها العالم أو أرشفتها على الأقل ورقيا. إذن هو فعلا تلاقي بين معانات جماعية وفردية تلتقي لتتشابك في عمل أدبي واقعي. إلا أن بعض الأعمال الروائية تنحو نحو الخيال والابتعاد عن نبض الفرد والمجتمع بشكل قصدي أو غير قصدي”.

ويضيف: عن الشخصيات والأبطال في الروايات العربية: “أغلب الشخصيات نجدها تعاني بشكل أو بآخر حتى تحمس المتلقي للتتبع أو تشويقه للمطالعة. وقلة نادرة لشخوص لا معاناة لها وبالتالي هذه هي معاناتها كفراغ داخلي يدفعها للاغتراب ومحاولة مسائلة الوجود. بعض الكتاب يعتبر المعاناة إلزامية في الشخوص الأساسية كوسيلة لرسم صراع سردي مبني على أسس علمية دقيقة لرواية كاملة أدبيًا. كما أن القارئ العربي غالبا يحب أن يتابع أبطالا تعاني كما لو ليخفف عن ما يحسه يوميا”.

وعن تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات يقول: “هناك طرق تصوير للمعاناة بحسب اشتغال كل كاتب وتختلف بحسب كل حساسية كل روائي وثقافته أو طريقة كتابته عامة. بالنسبة لي أرى أن تصوير المعاناة مرتبط بفكرة النص الروائي والتي تفرض طرقا بعينها في نقل المعاناة بشكل دقيق أو سطحي أو واقعي أو تخييلي لخدمة السير العام للأحداث السردية بالنص الروائي. فمسارات الأحداث وتطور الشخصيات تفرض أساليب متنوعة لنقل هذه المعاناة أو هموم كل شخصية بحسب حضورها وتأثيرها في الرواية وبحسب نوعية كل رواية”.

وعن اكتفاء بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج يقول: “الروايات ليست مطالبة بتقديم حلول كيفما كانت لأن الروائي ليس سياسي أو رجل قرار. وهناك بعض الكتاب الذين يقترحون حلولا ما قد تكون مناسبة أو لا. أخيرا تبقى روايات الحروب هي المرجع الأساس لمعاناة واضحة تختلف درجات تبلورها فوق الأرض وفوق النص ليبقى السلم ووقف الحروب هي الهدف الأساس لكل ناقل لهذه المعاناة”.

أصبع علي الجرح..

ويقول الكاتب العراقي “نواف خلف السنجاري”: “أغلب الروايات العربية ولدت من رحم المعاناة، فالشعوب العربية ربما تكون من أكثر شعوب العالم تعاسة!! نتيجة ما شهدته من حروب، وظروف معيشية صعبة، وحرمان من أبسط حقوق الإنسان السوي.. ولأن الكاتب هو مرآة عصره، فنرى انعكاس تلك المعاناة على أغلب الروايات العربية.

معظم الشخصيات في الروايات التي ذكرتها- ابنة المعاناة- يعانون من أزمات نفسية، وعزلة رهيبة، واغتراب، وشذوذ، وحرمان عاطفي. هذه النفسيات المتأزمة تكون مستعدة دائماً للانتحار، او ارتكاب جرائم القتل، والاغتصاب، والسرقة، وفعل كل ما هو غريب، يصل أحيانا إلي الجنون أو التشرد والضياع”.

ويواصل: “إن ما يعانيه الفرد في مجتمعاتنا المغلوبة على أمرها، يفوق الخيال أحيانا، وإلا كيف تفسرين الجرائم التي ارتكبها (داعش) وما اقترفوه من بشاعات بحق الأبرياء وخاصة الأقليات- ونحن منهم- فوصل شذوذهم وكراهيتهم إلى حد قتل طفل صغير، وطبخ جثته وإطعامها لأمه..!!! لذلك لا يحتاج الروائي العربي إلى كثير من الخيال، ليصور تلك المآسي التي يراها امام عينيه”.

ويؤكد: “الروائي والفنان عموما، يرصد المعاناة، ويسلط الضوء عليها، ويضع اصبعه على الجرح ويفتحه، ويصب البنزين فوق النار.. ولكنه لا يقدم الحلول لأن ذلك ليس من اختصاصه!”.

الرواية مرآة عاكسة..

ويقول الكاتب المغربي “مصطفي لغتيري”: “إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرواية وليدة التحولات الاجتماعية العميقة التي عرفها المجتمع الأوروبي في مرحلة من تطورها حتى أنها سميت بملحمة البرجوازية، لأنها كانت المعبر الحقيقي عن الطبقة الاجتماعية التي أنتجتها أو ظهرت معها، وبذلك اكتسبت الرواية هذه الميزة المرتبطة بالتصاقها بالمجتمع، حتى أنها تصبح مرآة عاكسة ولو بشكل غير مباشر لطموحات الناس وهمومهم ومشاكلهم المادية والنفسية، وإذا كان المجتمع محملا بالإخفاقات وغارقا في المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإن الرواية تأتي معبرة عن هذه الهموم.

فهي في المحصلة النهائية ابنة بيئتها والناطقة بلسانها، والمصورة لإشكالاتها، وبالطبع تنطق بلسان الأزمة إذا كان المجتمع مأزوما، حتى وإن اتخذ التعبير عن ذلك طرقا ملتوية تجنبا للرقابة، كالسخرية والفنتاستيك وتوظيف التاريخ والتراث”.

ويضيف: “الأبطال في الرواية العربية متنوعون لأن المجتمعات العربية متنوعة ومختلفة عن بعض بشكل كبير،حتى وإن بدا للبعض عكس ذلك، فإشكالات المتجمعات الخليجية تختلف عن نظيراتها في مصر أو بلاد الشام أو المغرب العربي، لذا يتخذ البطل والشخصيات عموما مسارات مختلفة تتعدد حسب الظروف الاجتماعية التي أنتجتها، ومدى قدرة الكتاب على صياغتها ورسم ملامحها، فقد تجد بطلا بسيطا بساطة الاشكالات الاجتماعية المطروحة اجتماعيا، وقد يكون بطلا إشكاليا عميقا حسب انتمائه لبيئة اجتماعية معقدة تتداخل فيها عدة معطيات لتحديدها”.

ويكمل: “قد ارتبط تصور المعاناة بالأدب الرومانسي الذي يقدم نفسه كأدب يغالي في تعاطيه مع العاطفة إيجابا أو سلبا، وقد حاول رواد الواقعية الحد من ذلك، لكن بعض رموزها سقطوا في فخ محاولة عكس الواقع في نصوصهم، لكنهم اصطدموا بسوداوية الواقع التي وسمت كتاباتهم بنظرة سوداوية مبالغ فيها، وربما هذا ما انتبه إليه بعض الأدباء فالتجأوا إلى بدائل تعبيرية، تحاول تقديم صورة ساخرة عن الواقع بدل الرضوخ للتصور المباشر له، والبحث عن معادل موضوعي يحفظ للأدب مكانته، باعتباره شكلا فنيا يسعى إلى التلميح بدل التصريح”.

ويؤكد: “عموما لا يسعى الأدب إلى تقديم حلول، بل يكتفي بإيقاظ الإحساس والفكر تجاه ظواهر معينة يحبل بها المجتمع، لأن الأدب وضمنه الرواية فن تعبيري مهمته هي تقديم صورة فنية تخاطب عقولنا ونفوسنا ومشاعرنا، وربما ساعدنا ذلك في فهم أنفسنا وفهم المجتمع من حولنا وربما ساعدنا ذلك في إيجاد حلول لبعض مشاكلنا لكن ذلك ليس من وظائف الرواية والأدب عموما”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة