14 نوفمبر، 2024 11:46 ص
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (2)..الناجح يشعر بمعاناة غيره ويصورها كأنها معاناته الشخصية

الرواية والمعاناة (2)..الناجح يشعر بمعاناة غيره ويصورها كأنها معاناته الشخصية

خاص: إعداد- سماح عادل

حين ينجح الكاتب في رصد المعاناة التي يعايشها المجتمع هل يدل ذلك علي رهافة حسه ورقة إحساسه، وهل الرواية شاهدة علي المجتمعات ومعاناتها. وكيف تكون المعاناة الفردية أو الجماعية وهي مجسدة في حكاية روائية بمثابة علامة فارقة في تاريخ الأدب؟.

هذا ما سنحاول فهمه في هذا الملف، الذي تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:

1. هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟

2. هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟

3. كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟

4. هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟

معاناة زجاجية..

يقول الكاتب الليبي (محمد مفتاح الزروق): “في الواقع، ليست الرواية العربية وحدها بل جل الروايات العالمية التي تركت أثرا في النفوس سواء كان هذا الأثر تغيرا للأفضل، أو ألما وأحاسيس محزنة (وهي الأغلب)، خاصة في الأدب الفرنسي والروسي والإنجليزي إضافة إلى آداب المجتمعات الآسيوية الشرقية والإفريقية، هي وليدة الألم والمعاناة وحتى الجوع والفقر والحروب.

وهذا الأمر جلي في مقولة روبرت فروست الخالدة أنه بدون دموع في عين الكاتب لا دموع في عين القارئ. في الغالب لا يتذكر الإنسان الراشد كثيرا اللحظات التي ضحك فيها، لكنه لا ينسى اللحظات التي بكى فيها.

الكاتب إنسان قبل كل شيء والمعاناة الفردية جزء لا يتجزأ من معاناة الغير. الكاتب الناجح هو الذي يشعر بمعاناة غيره ويصورها كأنها معاناته الشخصية”.

ويواصل: “بالتأكيد فإن الكاتب يركز على الشخصيات ثلاثية الأبعاد لأنها هي التي تجتذب القارئ وتترك فيه الأثر المطلوب، وهذه الشخصيات غالبا ما تكون غريبة ثرية بالتفاصيل والتناقضات، ولا يتوقع أحد رد فعلها. إن الإبداع بشكل عام هو توأمة الطرائق مع الجنون والتوفيق بين المنهج والخروج عن المألوف، وبين استجلاب المجتمع بما فيه من مشكلات والتفكير خارج الصندوق.

كلنا نتذكر زوربا وأحدب نوتردام وشيخ (همنغواي) وسي السيد عند (محفوظ) والزروق لدى (النيهوم)، لأن هذه الشخصيات هي الباقية في ذاكرة الإبداع وهي وحدها التي يمكن أن تكون مجتمعا في شخصية أو شخصية في مجتمع، بما فيه من ثراء في التفاصيل وتناقض في التفكير وخصوصية في الهوية.

لأن هذه الشخصيات غريبة، فإن ما فيها من خصائص يبدو كأن أصحابها مغتربون يعيشون في غير بيئاتهم، لكن الواقع هو أنهم أبناء البيئة وأولاد المجتمع، غير أن معاناتهم زجاجية شفافة الملامح، تبدو واضحة لغيرهم، ولا تجعلهم يعجبون بها إلا لأنهم يرون أنفسهم بشكل شجاع، عجزوا أن يظهروه لغيرهم فاكتفوا بالإشادة والتصفيق والدهشة”.

ويتابع: “لا بد من المبالغة في كثير من الأحيان، لكن علينا معشر الكتاب أن نتوخى الحرص في هذه المبالغة لأنها سلاح ذو حدين. المبالغة المفرطة تبدو ساذجة ومثيرة للشفقة، فالقارئ ليس بسيطا لندغدغ عينيه بمشاهد بوليوودية قديمة، غير أننا في الوقت ذاته لا يمكن لنا أن نقدم له أحداثا تقريرية كما في الأفلام الوثائقية. للكاتب الإبداعي عين يرصد بها الواقع بطريقة مختلفة عن الصحفي ومعد البرامج، وفي الوقت ذاته لسان يروي به هذه الأحداث وفق انفعالاته وتصوراته، وهنا عليه ألا يستهين بالمتلقي.

هناك قاعدة تعلمناها في مدارس الكتابة الإبداعية: أنه من الضروري عندما تقود سيارتك بسرعة ويقطع أرنب الطريق أمامك أن تتفاداه، ولكن من الحمق أن تتفاداه لتدهس المارة. هذه القاعدة توضح لنا كيف لنا أن نكون عاطفيين بشكل موضوعي أثناء الكتابة”.

ويؤكد: “يقول الكاتب الليبي الموسوعي (الصادق النيهوم): إن الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة تموت نتيجة تناول الدواء الخطأ.. لهذا ليس على المجتمع أن ينتظر من الكاتب الإبداعي أن يقدم له حلولا. الحلول يقدمها الاستراتيجيون والبحاث الاقتصاديون والاجتماعيون والمختصون في مختلف جوانب الحياة.. ربما أنا على الصعيد الشخصي يمكن لي أن أقول شيئا بهذا الصدد فقد درست إلى جانب الكتابة الإبداعية الهندسة والإدارة والجودة والتغيير والقيادة الإدارية.. مع أنني عندما أكتب نصا إبداعيا أتجرد من كل هذه الدراسات إلا في حالات نادرة.

إن الروائي ينير بصيرة المتلقي نحو (صحة مجتمعه) وهذه أمر يساعد كثيرا في عدم تلقيه (العلاج الخطأ)”..

الرواية شهادة علي المجتمع..

ويقول القاص المصري” حسين منصور”: “الرواية ليست بنت المعاناة الشخصية للروائي، وإنما هي بنت الملاحظة والتفاعل المتأني مع كل الأزمات، وهى فن اجتماعي في المقام الأول، وكتابة رواية عن البؤساء، أو المأزومين نفسيا، لا يعنى مرور الكاتب بنفس ظروف الأبطال حرفيا، هذا لا يعنى عدم احتمال ذلك مطلقا، فالرواية هي نتاج المشاهدة الصامتة على الأحداث، وأزمات الشعوب، ولو من خلال نموذج مصغر: قرية، أو مدينة، أو حي أية شريحة تمثل

مجتمعا.

والمعاناة الشخصية الفردية تنتج القصة القصيرة غالبا، وإذا قدم الروائي بطلا فرديا، فهو يعمد إلى استنطاقه، كشاهد على ما مر به مجتمع ما على المستوى الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو على مستوى الأحداث المصيرية.

وهذا واضح جدا في نموذج الرواية التاريخية، التي تمثل جانبا هاما في عالم الرواية العربية”.

ويضيف عن الشخصيات: “تتنوع شخصيات الرواية العربية حسب ما قرأت بين نموذج المغترب داخل مجتمعه، ونماذج أخرى، لكن يغلب عليها نموذج البطل الذى يشعر بالاغتراب لأن الرواية بمثابة شهادة على المجتمعات، وليست شهادة لها، وذلك لأن الأدب يطمح إلى خلق مجتمع العدالة والحق، وهذا يتحقق عن طريق رصد حال البطل وسط مجتمع يخالف ما يتبناه من قيم.

وهذا يتضح في الروايات التي تطرح قضايا المرأة، أو المختلفين، وأنا هنا لا أقصد نمطا مختلفا بعينه، فرواية (المهدى) لعبد الحكيم قاسم قدمت نموذج المختلف في الدين وأسلوب تعامل مجتمع الأغلبية المخالفة له بإدخاله في دين غير دينه، دون إرادة منه، أو مجرد استشارته، ودون التحقق من قبوله أو رفضه لذلك”.

ويواصل: “الرواية مثل فنون اللغة جميعا، تقتلها المبالغة والإفراط وتحول بينها وبين المتلقي الذى غالبا ما يعي قيمة الصدق؛ فرسم شخصية روائية يحتاج حساسية خاصة لا تتوافر إلا لروائي موهوب، ثم إن المبالغة تخرج بالعمل من دائرة الجدية إلى دائرة الهزل، وما أتصور حدوثه عند قراءة رواية بنيت على المبالغة أو الخطابة، هو تعامل القاريء معها على أساس أنها مسلية أو وسيلة لقتل الفراغ وهو ما لا يمكن قبوله من روائي جاد أو حصيف”.

ويكمل: “ما يعتقده الكثيرون أن الرواية لا تعنى بطرح الحلول المباشرة، أو ما يمكن اعتباره الحل الأمثل، ولكن في الحقيقة أن الرواية تفتح الباب لما هو أهم من الوصاية على عقل القاريء، وهو تناول الأزمات من كل جوانبها، وآلية الحوار هي السبيل الأمثل لطرح الحلول، أو ما تعتقد الشخصية أنه الحل، والرواية أيضا تطرح أو تقدم الحلول من خلال إثارة التعاطف مع بطل الرواية، ودفع القاريء/ المجتمع على اتخاذ جانبه أو تبنى فكرته؛ فينعكس ذلك على تعاطى القاريء/ المجتمع مع مشكلات واقعه ، وهو ماتفعله المجتمعات الواعية بقيمة الأدب، والمؤمنة بوعى الروائي وشمولية رؤيته ، والرواية المهمة هي التي تثير في ذهن القاريء/ المجتمع

الأسئلة، من أمثال: ما مغزى اختفاء عاشور الناجي في رواية في رواية (الحرافيش) أو لماذا مات بطل رواية (المهدى) وهو يرى القديسين؟ أو من المجرم الأصلي؟ في (اللص والكلاب) أو هل نهاية دونكيشوت هي النهاية المثلى للبطل الطيب؟.

كل هذا يعتمد في النهاية على وعى القاريء/ المجتمع ونزوعه ناحية التغيير، أو تصويب مسار القيم، دون توجيه مباشر من الروائي”.

رهافة الإحساس..

وتقول الكاتبة العراقية (صبيحة شبر): “قليل من الروايات العربية في الوقت الحالي تصدر من غير المعاناة التي يعيشها الكاتب ويصورها، ناقلا إياها على الورق ليس كمعاناة فردية وانما معاناة كبيرة يعيشها المجتمع، والتي أضحت كبيرة بفعل الصراعات والحروب وظروف الحياة غير اللائقة ببني الانسان، فالرواية تصور الآلام الكبيرة ناقلة لها إلى القاريء، الذي يطلع على قصص وحكايات الأمم القوية من ضمنها أمته، التي تحاول النهوض مهما حاول الأعداء أن يهزموها.

الروائي لا ينقل لنا معاناته الفردية فالرواية تنقل معاناة عدد من شخصيات الرواية وصراعهم المستمر من أجل تغيير الحياة”.

وعن الشخصيات والأبطال في الروايات العربية: “شخصيات الرواية أبطال قد يكونون حقيقيين أو من الخيال، وليس الأبطال الحقيقيون ممن يعانون من الاغتراب رغم الأمية المتفشية في المجتمعات ومحاولة الفرد العربي النأي بنفسه عن الخوض في أتونها، لكن الروائي الذي يصور تصويرا حقيقيا آلام الناس ومعاناتهم ناقلا إياها على الورق، وطامحا أن يجعل الناس يتغيرون، فالمعاناة ليست فردية، وإنما يكتب فرد يتميز برقة الإحساس ورهافة الشعور عن المجتمع الذي يحبه، ويريد أن يساهم في جعل حياته أفضل”..

وعن تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “يختلف هذا باختلاف الأدباء وتباين نظرتهم إلى المجتمع، وكيف يرونه، فأبطال الروايات هم أشخاص حقيقيون يعانون كما يعاني الناس، وكاتبو الروايات قد يبالغون في رسم المعاناة والتعبير عنها، ومع هذا أقول أن معاناتنا كبيرة جدا ومؤلمة، ولا توجد مبالغة كبيرة في تصوير الكاتب لها، وإن كانت المبالغة أحيانا تخدم الناحية الفنية في الرواية وتعززها”.

وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج تقول: “لا نجد الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع في قراءتنا للروايات، الكاتب ينقل لنا المعاناة ويصفها وصفا فنيا يجعلنا نتعاطف مع بطل الرواية الذي يواجه المشكلة ونتمنى أن نقف معه في محاولته تذليل الصعوبات والتغلب عليها، ولكن الروائي لا يملك العلاج الناجع لكل الأمراض التي نعاني منها وأصبح مجتمعنا مكبلا بها، نحتاج إلى محللين وأطباء وقوانين تحفظ لنا الحقوق وتصف لأمراضنا المستعصية العلاج”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة