21 سبتمبر، 2024 2:49 م
Search
Close this search box.

الرواية والمعاناة (20).. الروائي مؤرّخ المشاعر الإنسانيّة ومفكّر يتخفّى خلف جمله

الرواية والمعاناة (20).. الروائي مؤرّخ المشاعر الإنسانيّة ومفكّر يتخفّى خلف جمله

خاص: إعداد- سماح عادل

يستعين الكاتب بعناصر لكي يستطيع أن يصور المعاناة بطريقة أكثر احترافية، ومن الروائيين من يحاول أن يقدم حلولا، أو يقدم المعاناة من خلال رؤية إيجابية.
هذا الملف تجيب عنه مجموعة من الكاتبات والكتاب من مختلف البلدان العربية، وقد طرحنا عليهم الأسئلة التالية:
. 1 هل الرواية العربية في الوقت الحالي تصدر من المعاناة، سواء من الحروب والصراعات، أو من ظروف المجتمعات التي أصبحت مأزومة، أو من معاناة الكاتب التي يصورها علي الورق كمعاناة فردية؟
. 2 هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون؟
. 3 كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة؟
4 . هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج؟
الروائي مؤرّخ المشاعر الإنسانيّة..
تقول الكاتبة اللبنانية “أماني غيث”: “تكثر النّقاشات حول موضوع الرّواية، تعريفها، تقنيّاتها ودورها. وما لا يختلف عليه رأيان، أنّ لها دورًا كبيرًا في عكس المجتمع والواقع وما يحدث، الصّراعات والإشكاليّات الجدليّة الكبرى، قضايانا ومعاناتنا وحياتنا كأفراد أو كمجتمعات. بعض الدّارسين يرى أنّ كلّ نصّ سردي هو شهادة كاتبه عمّا يجري في زمانه، ومكانه. وممّا لا شكّ فيه أنّ الروائي مؤرّخ المشاعر الإنسانيّة، هو الفيلسوف أو المفكّر الّذي يتخفّى خلف جمله وعباراته، هو صوت عصره وزمانه، ومراقب مجتمعه”.
وإن كان أحد المنظّرين الكبار في عالم الرّواية ينوّه أنّ على الرّوائيّ ألّا يتخطّى عدد موضوعاته الأساسيّة الفكرتين أو الثلاث، إلّا أنّنا نجد أنّ الرّوائي العربيّ يصطدم بمكانه الحافل بالقضايا، وبأزمنته الّتي لم تكن مرّة إلّا صاخبة ومزدحمة بما يجب أن يقال، وبطرح وابل من الأسئلة ليتبعها بمحاولاته في الإجابة”.
وتضيف: “ليست فوضى سرديّة بل إنّه الواقع. فغالبًا ما تكون المعاناة موجودة في الأعمال السّرديّة العربيّة، إن كانت بوصفها متعلّقة بفرد أم بجماعات.
باختصار، أن تكون روائيًّا عربيًّا، يعني أمامكَ الكثير لتقوله، أكان عن حياة واحدة بكلّ ما فيها من صراعات، أو عن مجموعات بكلّ ما تتخبّط به من أزمات صغيرة أم كبيرة.
أن تكون روائيًّا عربيًا، يعني أمامك عملٌ شاقّ”.
وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال اشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، او الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون تقول: “نسمع كثيرًا أنّ الرواية الحديثة ترتكز على موت البطل، لكنّ الرّواية العربيّة قديمةً كانت أم حديثة، تشبه عالمنا، بشخصيّاتها الّتي تعاني جدًّا، بصراعاتها وتناقضاتها وأزماتها النّفسيّة، بما ترغب وما يجب، بما تحلم وما يُمنع، بإشكاليّاتٍ كبرى وجدليّات لا تنتهي.
معظم الروايات تشبه الفحص السريري، لا يخضع له إلّا كلّ من يتألّم ويتوجّع وينازع ويشكّ بسلامته. ومعظم الرّوايات العربيّة تقدّم للقارئ العربي شخصيّاتٍ تشبه يوميّاتهم: ضحايا الفساد والدكتاتوريّة، شخصيّات تنتمي إلى أقليّات مهمّشة ومضطهدة، الفقر والاضطرار للانتقال إلى بلاد أخرى حيث نرى الصراع الحضاريّ وضياع الهويّات والفرق بين شرقٍ وغرب، دون أن ننسى الموضوع النسوي وعذابات المرأة ومعاناتها من مجتمع شرقيّ وذكوريّ مزدوج، ولا ننسى الأفكار المطروحة مؤخّرًا من تحرّش ومثليّة و…
وعن كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة تقول: “مهما اتّهمنا الكاتب أو الرّوائي العربيّ بالمبالغة إلّا أنّ الحقيقة والواقع يريانا ما هو أكثر فظاعة، فمن سفن الموت، إلى التشرّد في عوالم الغربة وصقيعها، والحروب الشّرسة المتوحّشة الّتي لا ترحم، إلى البطالة الولّادة للجرائم والإرهاب، إلى العصبيّة والتطرّف والتّمييز. الواقع دائمًا أكثر شراسة، وأكثر بؤسًا.
ولا توجد طريقة واحدة أو منهجيّة معيّنة متّفَق عليها لتجسيد كلّ هذه المعاناة في النّص الرّوائي، فلكلّ كاتب أسلوبه وأدواته وطريقة تعبيره، وبعضهم يتقصّد طرح فكرته بسلاسة وبأسلوب غير صادم، مخافة إخافة القارئ الّذي يهاب الجرأة والموضوعات الجدليّة وأي فكرة جديدة، وبعضهم لا يجد أمامه إلّا أن يكتب ما يفكّر به دون أيّ اعتبارات.
وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج تقول: “غالبًا ما يكون الأدب محاولة، وفي الرّواية تُطرح الأسئلة، وبعضها يقدّم فرضيّة ومنها ما يقدّم أكثر. مجرّد طرح المشكلة، يُعدُّ جرأة وخطوة إلى الأمام. أن نضع إصبعنا على الجرح، يعني اكتشاف موضع الألم، وذلك يعلن بداية مشوار العلاج.
ناهيك عن أنّ القارئ قد لا يكون مستعدًّا لتقبّل أيّ اقتراحٍ أو حلول، لخوفه من التّغيير واعتياده على نمطيّة وسلوك معيّنين.
بعض الرّوايات تجيد إفهامنا، ولو بطريقة غير مباشرة أحيانًا، بحلول قد تكون أوليّة، وقد تسهم في الوعي ولو استغرق الأمر الكثير من الوقت.
فيكفي الرّوائي شرف أن يحاول ويتجرّأ. فالتغيير ليس مسألةً بالغة السّهولة إنّما تتطلّب استعداد القارئ لهذه المرحلة، ومحاولات كثيرة، والوقت”.
وجه موحش للعالم..
يقول الصحفي والكاتب “عبد الله الزائدي” من ليبيا: “السردية العربية اليوم تحمل الكثير من هموم الواقع إن لم نقل أنها مثقلة به، ولأن السؤال عن الرواية بوصفها فناً سردياً، فهي المرتبطة على نحو وثيق بالبيئة بكل مشاكلها، حتى تلك المعاناة الشخصية للراوي العربي ليست إلا قطعة من تعقيدات مجتمعه الثقافية والفكرية والسياسية، وإن ثمة من ينصرف إلى التوثيق التاريخي كصنع الله إبراهيم، ومن يناقش القضايا من خلال الصراع كأحمد مراد وعلاء الأسواني وعصام يوسف، ثم في يقيني أنه لا فصل بين المعاناة الفردية أو الرؤية الفردية للكاتب وتجربته الخاصة وما يكتبه على مسرح روايته”.
وعن هل الشخصيات والأبطال في الروايات العربية أبطال إشكاليون يعانون من الاغتراب عن المجتمع، أو الاستلاب، أو من عدم التحقق وغيرها من مشكلات تجعلهم يعانون يقول: “هذا السؤال الرائع والذي احببته لأنه يجعلني استرجع متعة قراءة عدد من الروايات الحديثة، وكيف كان أبطالها نماذج لكثير من تجليات واقعنا العربي الذي يعيش مرحلة فيها الكثير من معالم الاختلاط بين قيم ومفاهيم وأسلوب حياة شرقي، وبين قيم وأسلوب مفاهيم الحضارة الغربية المجتاحة للعالم عبر تقنيات الاتصال الحديثة، حاملة معالم الحضارة الغربية، مثلا في رواية هناك حيث ينتهي النهر للكاتبة “مريم عبدالعزيز”، تخوض بطلة الرواية “سلمى” مغامرة السفر، والبحث عن أرض تشبه أحلامهما المشبعة بإرث الأجداد، عندما أصبحت سلمى يتيمة تعاني سلوك جيرانها العدواني، لتأخذنا معها في مغامرة وهي تقرر السفر إلى رشيد للبحث عن قبر والدها، وهناك تكتشف وجها موحشا للواقع، هذه الرواية نموذج لما لمعاناة البطل في عالم الرواية”.
وعن كيف يتم تصوير تلك المعاناة التي يحب الكاتب تجسيدها في مسار الأحداث ورسم الشخصيات، وهل هناك بعض المبالغة في تصوير تلك المعاناة يقول: “عادة المبالغة مكون من الرواية أصلا، وهذا أحيانا مهم، وأنا لست ناقدا متخصصا في هذا المجال إلا أنني أجد كقارئ شغوف بالأدب والرواية خاصة أرى أنه يعتمد على موهبة الكاتب في تضخيم المعاناة، دعيني استشهد برواية “طلال فيصل” الغابة والقفص وهي حالة تخيلية يتحرك على مسرحها مرضى نفسيون يسردون حكاياتهم ومشاعرهم لطبيبهم النفسي المعالج، وبالمناسبة فالكاتب طلال فيصل هو طبيب نفساني، وفي روايته هذه نجد الراوي الذي يتغير في كل مرة بصوت الطبيب النفسي الذي يستمع لمرضاه في فصول الرواية الثمانية وهي تعج بالمبالغة والمتعة أيضا، وكم نجد هنا في مثل هذا النموذج قدرة في تصوير المعاناة”.
وعن هل تكتفي بعض الروايات برصد المعاناة سواء فردية أو جماعية دون تقديم حلول إيجابية للتخلص منها أو مخارج: “أليس الكاتب يناقش ويحلل وأحيانا يقترح حلولا كل ذلك على لسان شخصياته التي يحركها في روايته، لا أعتقد أن رواية تكتفي بالرصد جديرة بالقراءة فضلا عن اعتبارها رواية حقيقية أصلا، ليس بالضرورة أن تكون المناقشة والتحليل للتخلص أو لإيجاد مخارج ففي النهاية الروائي ليس مفكرا استراتيجيا، ولكن عنصر التفكير والتأمل والتحليل المعمق هو ما يجعل العمل الروائي جديرا بالقراءة والاحترام”.
الاستعانة بعناصر أكثر تغقيدا..
ويقول الكاتب السوداني “محمد الخير حامد”: “في تقديري الرواية العربية كانت حتى وقتٍ قريب تقليدية جدا، كانت واقعية واجتماعية وروايات سيرة ذاتية وغيرية فقط، لكنها حاليا وصلت مرحلة من التطور بدرجة جعلتها تتنوع في مشاربها، وتتجاوز الملهمات القديمة: معاناة الكاتب، التي هي معاناة المجتمعات والشعوب بالضرورة، صراعات البشرية، وظروف المجتمعات وصراعاتها، تجسيد الواقع ومعالجته بمحاولات ومقاربات سردية تحاكي وتشابه الواقع.
لجأت الرواية مؤخرا ونزعت إلى توظيف عناصر أكثر تعقيدا، كالتاريخ والفنتازيا والخيال العلمي والأسطورة والأمثولات الشعبية، وكلها تمثلات للهروب من الواقع الحالي الذي أصبح أكثر مأساويةً مما يُكتب ويُشاهد.
معظم الأبطال إشكاليون، لأن الأعمال في ذاتها إشكالية، فأصل وأساس رواية الحاضر المشكلات المجتمعية، الاستلاب، عدم الاندماج، اليأس، التفكك، الضياع، وغيرها من الإشكالات الاجتماعية التي تلقي بظلالها على شخصيات الأبطال”.
ويضيف: “النجاح أو الفشل في تصوير وتجسيد المعاناة يختلف بدرجات قوة واحترافية وقدرات الكاتب. والأمر من ناحية فنيّة متوقف بشكل كبير على فنيات الكاتب وتشرّبه بالقضية موضوع الكتابة، ومدى إحساسه وملامسته لواقعها. واطلاعه، وفي أحداث أو شخصيات روايات اليوم أية مبالغات. المبالغات في تقديري مؤشر للضعف الفنّي أكثر مما هي معيار جودة.
مع أن دور الأدب يمكن أن يقتصر فقط على إلقاء الضوء، وإبراز المشكلة أو المعاناة إلى السطح، فالأديب كائن اجتماعي يتفاعل مع المجتمع، وليس بالضرورة باحثًا وإداريا واقتصاديا وسياسيًّا ليقدّم مع مقارباته الإبداعية حلولًا متخصصة في كل مجال. مهمة الأدب قد تكون مجرد الإشارة إلى نقطة الإشكال، وقد تزيد وتمتد أكثر. ومع ذلك قدمت الكثير من الأعمال الروائيّة حلولًا للمشكلات والقضايا بمختلف أشكالها، بل إن هناك روايات وأعمال عديدة كانت بمثابة نبوءات أو إرهاصات بمشكلات حدثت فيما بعد، والروايات قدمتها بحلولها أيضًا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة