خاص: إعداد- سماح عادل
دوما ما كانت الاختلافات ما بين المرأة والرجل محط اهتمام الدارسين والباحثين، وحتى الأناس العادية، دوما ما نحب معرفة مدي الاختلافات ما بين المرأة والرجل، وقد اختلطت المفاهيم التقليدية لأدوار المرأة والرجل، وأصبحت عائقا في سبيل الدراسات والأبحاث العلمية المفترض أن تكون محايدة.
الاختلافات الجسمانية بين المرأة والرجل..
في تركيب الجسد بالإضافة إلي ما بين الجنسين من اختلاف في أعضاء التناسل الفعلية، أيضا الحوض عند المرأة أكبر في نسبته إلى الجسم منه عند الرجل، والأجزاء العليا من الساقين تختلف في تركيبها عند الجنسين، والمرأة في تنفسها تجذب الأنفاس من أضلاع الصدر أكثر مما تجذبها من جوفها على خلاف مع الرجل، وبنية المرأة أرق وأشد لينا ولطفا. هذه الفوارق تختلف قوة أو ضعفا باختلاف أجناس البشر.
الذكر الكامل النمو في الجنس البشري، كما في مختلف أنواع الحيوان الأعلى، أثقل وزنا من الأنثى الكاملة النمو. وخفة جسم الأنثى ورقَته بالنسبة إلى جسم الرجل تمتدان فتشملان الرأس والعنق والمخ.
لاحظ “متشنيكوف” في كتابه «طبيعة الإنسان» إن الحياة البشرية مليئة بالمفارقات فأنثى البشر صالحة للقاء الجنس واشتعال الغريزة قبل بلوغ سن يسمح لها أن تحمل الأجنة بعشر سنوات، ويمكن أن يفرض عليها اللقاء الجنسي رغم إرادتها، ولا يشاركها من إناث الحيوان في هذا إلا عدد قليل جدا. في كثير من الجماعات البدائية بل ومن الجماعات المتحضرة، نمو عدد كبير من النساء نموا كاملا يُشجع علي إجبار النساء على الوظيفة الجنسية قبل حينها.
والحياة الجنسية عند الرجل أقوى عاطفة وأشد عنفا منها عند المرأة ولكنها أقل دواما من حياة المرأة الجنسية لأنه إذا ما ثارت فيه عاصفة الجنس ثم هدأت خلص من إلحاح الدافع حينًا ما، واستأنف ما كان ماضيًا فيه من عمل. فالفرصة أمام الرجل أفسح مجالًا ليبلغ بنفسه حد النضوج ما مكَّنته من ذلك قواه الذاتية ومَلَكَاته الفطرية.
الميل الجنسي الطبيعي..
نتيجة للحرمان الذي فرضته الطبيعة على المرأة بحكم العادات والتقاليد في سائر الجماعات الإنسانية، أصبح الميل الجنسي الطبيعي عند الرجل أو عند المرأة غير معروف في أية مرحلة من مراحل النمو، استمرت الحقيقة مخفية طويلا حتى بلغ الظن بالناس في إنجلترا وأمريكا الشمالية أن أغلبية النساء باردة ويقصدون أنهن ليس لديهن حدة الرغبات الجنسية، وأن القليلات منهن اللاتي يستمتعن بالجنس شاذات يجب لومهن، استمر هذا الاعتقاد موجودا حتى عهد قريب. ومع التطور وترك ذلك التفكير العقيم اتضح أن كثير من النساء لديهن إحساس جنسي وسهولة في الاستثارة، إن لم يكن أشد منه وأسرع من الرجل، وإن الفرق بين الاستثارة لدي الجنسين هو في مدة دوامها لا في نوعها.
رغم طول فترات إرغام المرأة وقهرها إلا أنه يمكن استنتاج بعد الحقائق الاجتماعية فيما يخص الميل الجنسي الطبيعي لدي النساء، وهي أن النساء أكثر من الرجال روية في الاختيار في حياتهن الجنسية، وأنهن يضبطن أنفسهن أكثر من الرجال إذ الحياة الجنسية في الرجل العادي أشد مقاومة للرقابة وأعنف اندفاعا، وإن كان الرجل يميل لإعلان الثورة على القيود الأخلاقية، وسريع في إشباع شهواته، فإن دوافع المرأة اللاشعورية إلى مثل هذه الحياة قد تنقلب أعمق أثًرا وأبلغ سقوطًا، وإن تكن أبطأ ظهورًا منها عند الرجل فما يكفي لتقويم الرجل من الملاذ الساذجة لا يجدي في تقويم المرأة.
علماء وظائف الأعضاء..
لم يستطع علماء وظائف الأعضاء والنفس أن يوفرا علم واضح، إذا استثنينا حالات نادرة، لا نجد اليوم بين أيدينا إلا أقوال لا تعالج القضية إلا من حيث قشورها الظاهرة كما تبدو للعين، وإلا حدسا وأحكاما يشوبها الهوى حيث يتم تناول علاقات الرجال بالنساء دون حياد علمي.
إن الجنسين يسيران نحو تشابه في صفاتهما وظروفهما تشابها يستوقف النظر، فالنساء يكسبن حرياتهن، ويوسِّعن مدى حياتهن، بينما يفقد الرجال امتيازاتهم وسلطانهم وما لأشخاصهم من نفوذ، ولكن ليس ذلك معناه أن يسير الجنسان في هذا التشابه سيرا مطلقا، حتى ينتكس الإنسان إلى طور الرنكة فتمَّحي كل الصفات الثانوية التي تميز جنسا من جنس. إذ قد يوائم الرجال والنساء أنفسهم لتتفق وهذه الظروف المستحدثة المطردة، مع احتفاظهم، بل مضاعفتهم، لبعض صفات معينة تفرق الذكورة من الأنوثة، وقد تنشأ ضروب من الأعمال مختلف ألوانها تشيع في الناس بدل الذي جرى به التقليد من قسمة العمل شطرين، لكل جنس من الجنسين شطر بعينه.
اختلاف الأدمغة..
تحكي اختصاصية علم الأعصاب المعرفي “جينا ريبون” أنها عندما أنجبت ابنتها الثانية في عام 1986، في نفس الليلة التي أحرز فيها “غاري لينكر” هدفا في مرمى بولندا في بطولة كأس العالم، أحضرت الممرضة طفلتها مع طفل آخر، اسمه “غاري” كشأن معظم الأطفال الذين ولدوا في نفس اليوم.
وتتذكر أن الطفلين كانا يصرخان بنفس النبرة العالية. وسلمت الممرضة “غاري” لجارتها وعلى وجهها ابتسامة رضا، بينما قالت ل”ريبون” بانزعاج واضح “إن ابنتك كانت الأعلى صوتا بين الأطفال، هذا لا يليق بأنثى.” وتعلق “ريبون”: “وهكذا تعرضت ابنتي بعد 10 دقائق من ولادتها، لأول شكل من أشكال التمييز بين الجنسين”.
وأمضت “ريبون” عقودا في تفنيد الأفكار التي تؤيد وجود اختلافات بين أدمغة الرجال والنساء، وعرضت نتائج أبحاثها في كتابها الجديد “الدماغ المنمط جنسيا”، وإن كانت فكرة الكتاب تقوم على أن العالم الذي نشأنا فيه هو الذي يغرس سلوكيات واتجاهات معينة بناء على قوالب نمطية محددة سلفا للجنسين.
وترى أن التلميحات الضمنية من المجتمع حول السلوكيات “الذكورية” و”الأنثوية” هي التي تشكل سلوكياتنا وقدراتنا منذ لحظة الولادة، وهذا يتعارض مع آراء العلماء الذين يرون أن هذه الاختلافات في السلوكيات والقدرات بين الذكور والإناث فطرية. وتصف “ريبون” الكثير من النظريات حول الاختلافات بين الرجل والمرأة على أنها خرافات، لا تلبث أن تختفي حتى تظهر في هيئات مختلفة.
إذ ركزت إحدى أقدم النظريات على أن حجم أدمغة النساء أصغر من أدمغة الرجال، واستخدمت هذه النظرية كدليل على أن المرأة أدنى فكريا وثقافيا من الرجل. ومع أن أدمغة النساء أصغر بالفعل بنحو 10 في المائة من أدمغة الرجال، لكن هذا الافتراض مليء بالمغالطات. وتقول ريبون: “إذا كان حجم الدماغ هو المعيار في تحديد الذكاء، فإن الأفيال والحيتان لديها أدمغة أكبر كثيرا من أدمغة الرجال، لكنها ليست أكثر ذكاء.” ثم إن هناك اختلافات في أحجام الأدمغة بين الرجال وبعضهم وبين النساء وبعضهن. ويجدر بالذكر أن دماغ أينشتاين كان أصغر من متوسط حجم أدمغة الذكور، وأثبت الكثير من الدراسات أنه لا تكاد توجد اختلافات في نسب الذكاء أو أنماط السلوكيات بين الرجال والنساء.
تصنف بعض المهام، مثل قراءة الخرائط أو تأدية أكثر من مهمة في وقت واحد، بحسب القوالب النمطية المحددة مسبقا للجنسين، لكنها قد تكون نتيجة للطريقة التي تدربت بها عقولنا في سنواتنا الأولى، وترى “ريبون” أن البعض يبالغون في تقدير الاختلافات في بنية الدماغ بين الرجال والنساء. إذ أثبتت دراسات أن الجسم الثفني، الذي يسمى بالمقرن الأعظم لأنه يربط بين الشق الأيمن والأيسر من الدماغ، أكبر لدى النساء منه لدى الرجال.
واستخدمت هذه المعلومة لتبرير الكثير من الصور النمطية عن المرأة، منها أن النساء غير قادرات على إعمال الفكر، لأن هذا الجسر الكبير “الجسم الثفني” يسمح بسهولة التواصل بين الشقين، ومن ثم تشوش مشاعرهن في الشق الأيمن على عملية التفكير في الشق الأيسر من الدماغ.
وتقول “ريبون” إن قدرة الرجال على الفصل بين المشاعر في الشق الأيمن وبين التفكير في الشق الأيسر ساعدتهم على التفوق في العلوم والرياضيات ونيل جوائز نوبل. لكن هذه الدراسات مبنية على ملاحظات عدد قليل من المشاركين، واستخدمت في القياس أساليب بدائية، وحتى الآن لا يزال من الصعب تحديد الفروق في بنية الدماغ بين الرجل والمرأة.
اضطرابات الهرمونات..
الهرمونات تؤثر أيضا على أدمغتنا وسلوكياتنا، لكن “ريبون” تقول إن الأدلة كثيرا ما يساء تأويلها للانتقاص من قدر المرأة. وتشير إلى أن مفهوم متلازمة ما قبل الحيض، الذي ظهر في الثلاثينيات من القرن الماضي، كثيرا ما استخدم لتسويغ حرمان المرأة من المناصب القيادية. ومنعت النساء من المشاركة في البعثات الفضائية الأمريكية بسبب مخاوف من أن تؤثر التغيرات الفسيولوجية أثناء الدورة الشهرية على أدائهن وأمزجتهن.
وحتى الآن ما زلنا نعتقد أن الأعراض السابقة للحيض تحدث تغيرات عاطفية ومعرفية غير مرغوب فيها، على الرغم من أن بعض هذه التغيرات ثبت أنها قد تحدث بالإيحاء.
وفي دراسة أجرتها “ديان روبل” بجامعة “برينستون”، طُلب من مجموعة نساء تدوين الأعراض السابقة للحيض. لكن الباحثين حددوا لهن مواعيد خاطئة لبداية الدورة الشهرية بناء على تحاليل دم زائفة. ولاحظ الباحثون أن المشاركات اللائي اعتقدن أنهن في الفترة السابقة للحيض، كن أكثر عرضة لتسجيل أعراض ما قبل الحيض. وهذا يؤيد فكرة ظهور الأعراض لمجرد توقع حدوثها.
وتقول “ريبون” إن هذا لا ينتقص بالطبع من تأثير التغييرات الهرمونية المصاحبة للدورة الشهرية على الحالة النفسية والمزاجية، لكن تأثيرها لا يقارن بتأثير التوقعات والمعتقدات. فإذا اعتقدت المرأة أنها عصبية المزاجية، وأن هذا التغير في حالتها المزاجية يرتبط بالدورة الشهرية، فستحقق توقعاتها حتى لو كانت خاطئة.
لكن بعض المعتقدات الشائعة حول متلازمة ما قبل الحيض قد لا تكون صحيحة. إذ تقول “ريبون” إن بعض الدراسات أثبتت أن المرأة تتحسن قدراتها المعرفية في بعض الفترات أثناء الدورة الشهرية. إذ لوحظ أن هرمون الأستروجين يسهم في تحسين الذاكرة العاملة اللفظية والمكانية خاصة عندما يصل إلى أعلى مستوياته. كما تتحسن الاستجابة للمعلومات الحسية أثناء فترة الإباضة.