أسفرت الانتخابات الرئاسية الفرنسية في جولتها الأولى عن حصول المرشحيْن، ماكرون ولوبان، على أعلى أصوات الناخبين الفرنسيين: 24% و21.3% من الأصوات على التوالي.
لأول مرة في تاريخ الجمهورية (الفرنسية) الخامسة (القائمة منذ 1958) يُقصَى مرشحا اليسار المعتدل واليمين المعتدل في الجولة الأولى في نفس الوقت؛ مما ينهي عهدًا طويلًا من الثنائية القطبية التي طبعت النظام السياسي الفرنسي.
من المرجح أن يكون ماكرون الرئيسَ المقبل للجمهورية الفرنسية؛ فرغم تصلب عود اليمين المتطرف وتغلغل أفكاره في قطاعات واسعة من الشعب، فإن حظوظ زعيمته بالفوز محدودة تمامًا.
مقدمة
عرفت الانتخابات الرئاسية الفرنسية في الجولة الأولى، التي جرت في 23 أبريل/نيسان 2017، مشاركة 11 مرشحًا، إلا أن السباق كان محتدمًا بين أربعة فقط: مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية (يمين متطرف)؛ وإيمانويل ماكرون، زعيم حركة إلى الأمام، (وسط وإن كان ماكرون يرفض التمييز السياسي التقليدي بين يسار ويمين، مستلهمًا من اليسار البُعد الاجتماعي ومن اليمين الجمهوري البعد الليبرالي)؛ وفرنسوا فيون، مرشح حزب الجمهوريين (يمين)، وجون-لوك ميلانشون، زعيم حركة فرنسا الأبية (يسار متطرف).
حاز المرشحان، ماكرون ولوبان، على أعلى أصوات الناخبين الفرنسيين يوم الأحد، 23 أبريل/نيسان 2017، فكانت نتيجتهما على التوالي: 24% و21.3%، بينما حاز فيون (مرتبة ثالثة) 20%، وميلانشون (مرتبة رابعة) 19.6% من الأصوات.
وقد قاربت استطلاعات الرأي هذه المرة الصواب بخلاف تخبطها في مواعيد سابقة؛ إذ توصلت إلى تقارب كبير بين المرشحين من حيث النِّسب ما جعل المشهد مفتوحًا على كل الاحتمالات، مع إشارتها رغم ذلك إلى أن ماكرون ولوبان هما الأوفر حظًا.
سياق استثنائي
أُجريت الجولة الأولى في سياق داخلي وخارجي معقد وغير معهود يمكن حصر أهم ملامحه في: حدث غير مسبوق وهو عدم ترشح الرئيس المنتهية عهدته لعهدة ثانية، وانقسام الحكومة والحزب الحاكم بين مساند لمرشح الحزب، بنوا أمون (الفائز في الانتخابات التمهيدية اليسارية)، ومساند لإيمانويل ماكرون، المستشار السابق للرئيس هولاند ووزير الاقتصاد (قبل استقالته من منصبه وإنشائه حركته وترشحه للرئاسيات)؛ وتصلب عود اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية يمينًا ويسارًا؛ وفضائح مالية-سياسية يمينًا؛ وأزمة اقتصادية؛ وتزايد الانتقاد لأوروبا خاصة من الأطياف المتطرفة؛ وحالة الطوارئ في البلاد بسبب العمليات الإرهابية. أمَّا خارجيًّا، فالحملة تأتي في ظل المد الشعبوي: تنامي اليمين المتطرف (وإن لم يسجِّل نجاحات حاسمة في الانتخابات الأخيرة في النمسا وهولندا)؛ وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وانتخاب دونالد ترامب في أميركا.
فاقمت هذه الاتجاهات مجتمعة حالة الاستقطاب السياسي الفرنسي الموجود أصلًا؛ فقوَّت القوى الواقعة في أطراف الطيف السياسي، وأضعفت القوى التي كانت تتقاسم الوسط.
نهاية القطبية الثنائية الحزبية
أسفرت نتائج الجولة الأولى على وضع غير مسبوق؛ فلأول مرة في تاريخ الجمهورية (الفرنسية) الخامسة (القائمة منذ 1958) يُقصَى مرشحا اليسار المعتدل واليمين المعتدل في الجولة الأولى. طبعًا سبق لمرشح الحزب الاشتراكي، ليونيل جوسبان، أن أُقصي من الدور الأول على يد جون-ماري لوبان في 2002. وبالتالي يعرف هذا الحزب إقصاءه الثاني في ظرف 15 سنة، بينما يشهد اليمين الجمهوري إقصاءه الأول في انتخابات قيل، في البداية، إنها محسومة سلفًا لصالحه. فبعد تداولهما على السلطة لعقود يتقاسمان اليوم الانتكاسات نفسها. وكان كل مرشح في هذه الانتخابات يتمنى، دون أن يُقرَّ بذلك، أن يتجاوز عتبة الجولة الأولى رفقة لوبان لضمان فوزه بالرئاسيات؛ لأن كل الاستطلاعات تشير إلى انهزامها في الجولة الثانية مهما كان الخصم.
بتصويتهم على ماكرون ولوبان، ينهي الفرنسيون عقودًا من الثنائية القطبية الحزبية وتداول اليمين الجمهوري واليسار الاشتراكي على السلطة. إنها مفاجأة سياسية ونقلة نوعية في تعاملهم مع الشأن السياسي وفرض مراجعة من أسفل -تُحتِّم مراجعة من أعلى- للخريطة السياسية في البلاد.
إنهاء هيمنة القطبية الثنائية الحزبية هي أيضًا بمثابة حملة تجديد وتشبيب للطبقة السياسية الحاكمة؛ فماكرون يبلغ من العمر 39 عامًا ولوبان 48 عامًا. لكنها ليست بالضرورة حملة “تنظيف” أو حملة “أيادٍ نظيفة”؛ ذلك أن لوبان متورطة في فضائح مالية-سياسية، فهي معنية بقضيتين على الأقل: حسابات الحملة الانتخابية الأخيرة لحزبها، ودفع رواتب بعض موظفي حزبها من بينهم رئيسة ديوانها، بأموال البرلمان الأوروبي بتقديمها لهم كمساعدين برلمانيين. ولهذا السبب طلب القضاء الفرنسي من البرلمان الأوروبي رفع الحصانة عن لوبان بعد رفضها الامتثال إلى استدعاء الشرطة للاستماع إليها في هذه القضية. لكن هذه الفضائح لم تؤثِّر على شعبيتها؛ لأن الفرنسيين الذين يصوِّتون للجبهة الوطنية تعودوا على فضائحها المالية-السياسية والقضائية (في عهد لوبان الأب)، وهم يعتقدون بأن الأمر مجرد مؤامرة من “النظام” (يقصدون بذلك الحكومة والعدالة والإعلام والطبقة السياسية) ضد لوبان. فضلًا عن ذلك، فإن التصويت العنصري لا يمكن أن يُبنى على اعتبارات أخلاقية؛ لأن قناعاته ليست أخلاقية أصلًا. بينما كلَّفت الفضائح المالية-السياسية فيون الإقصاء في الجولة الأولى، لتوظيفه زوجته كمساعدة برلمانية وحصولها على راتب لعدة سنوات دون تأدية أية مهمة؛ لذا فهو متابَع قضائيًّا بتهمة استغلال المال العام، فلم يغفر له قسم من ناخبي اليمين الجمهوري ذلك، خاصة أن فيون بنى حملته الانتخابية منذ البداية على أساس النزاهة والاستقامة.
الجانب الآخر لهذا الوضع الجديد المفاجئ هو تطبيع الجبهة الوطنية في المشهد السياسي؛ فعقب اجتياز جون-ماري لوبان الدور الأول في انتخابات 2002، خرج مئات الآلاف في المدن الفرنسية للتنديد باليمين المتطرف والمطالبة بالتصويت ضده. لكن بعد اجتياز ابنته الدور الأول يوم الأحد لم تتكرر التعبئة نفسها؛ إذ لم يتعد عدد المحتشدين في ساحة الجمهورية وسط العاصمة باريس، مساء الاثنين 24 أبريل/نيسان 2017، للتنديد بها وباليمين المتطرف ثلاثمئة شخص. كما أن علامات التصدع بادية على “الجبهة الجمهورية” (المناوئة لليمين المتطرف)؛ لأن ميلانشون (اليساري الراديكالي) رفض، مساء الأحد 23 أبريل/نيسان، الدعوة للتصويت لماكرون لقطع الطريق أمام لوبان؛ وهذا ما أثار استياء قطاعات واسعة من الفرنسيين الذين صوَّتوا له.
تعارض برامجي مطلق
سيسود الدور الثاني تنافس شرس بالنظر إلى التعارض المطلق بين برنامجي المرشحين؛ ففي الوقت الذي يقترح فيه ماكرون مشروعًا ليبراليًّا-اجتماعيًّا ومتسامحًا ومعتدلًا، تعرض لوبان مشروعًا حمائيًّا وعنصريًّا؛ فالأول يرى في العولمة والتبادل الحر فرصة للتنمية ويدافع عن الاتحاد الأوروبي وعن ضرورة تدعيم بنائه؛ لأن فرنسا قوية بقوته، ترى الثانية في العولمة سببًا في الأزمة الاقتصادية في البلاد وفي الاتحاد الأوروبي مصدر هموم فرنسا؛ لذا تدعو ليس فقط إلى الخروج من منطقة اليورو بل إلى الانسحاب من الاتحاد. وإذا كان ماكرون يدعو إلى تدعيم مراقبة الحدود لمحاربة الإرهاب، فإن لوبان تتعهد بغلقها لمحاربة الهجرة أساسًا، وإن كانت قد أضافت الإرهاب في الأيام الأخيرة. يدعو ماكرون إلى التسامح وعلمانية معتدلة، بينما تتبنى لوبان العنصرية والتمييز بين الفرنسيين والأجانب، وبين الفرنسيين “الأصليين” والفرنسيين المنحدرين من أصول أجنبية. عمومًا، ماكرون مرشح الانفتاح والتسامح ولوبان مرشحة عدم التسامح والانغلاق. بالنظر لهذه المعطيات وبالدعم الذي يلقاه ماكرون من اليسار واليمين المعتدلين فإنه الأوفر حظًا للفوز بالرئاسيات.
ماكرون رئيسًا؟
من المرجح أن يكون ماكرون الرئيس المقبل للجمهورية الفرنسية؛ فرغم تصلب عود اليمين المتطرف وتغلغل أفكاره في قطاعات واسعة من الشعب، فإن حظوظ زعيمته بالفوز محدودة تمامًا؛ وذلك لعدة أسباب: أغلبية الناخبين الفرنسيين لا ترغب -بعد- في وصول اليمين المتطرف إلى الرئاسة؛ وعزم السواد الأعظم من ناخبي اليسار وجزء كبير من ناخبي اليمين الجمهوري على التصويت لماكرون ليس بالضرورة حبًّا فيه وإنما كرهًا في لوبان وما تمثِّله؛ فعلى عكس اليمين المتطرف تتمسك أغلبية الفرنسيين بالاتحاد الأوروبي وبعملته الموحدة، رغم انتقادها أداء الاتحاد. ويمكن القول: إن التصويت في الجولة الثانية سيكون أيضًا بمثابة استفتاء حول الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال يحظى برضى غالبية الفرنسيين. هناك ثلاث قضايا أساسية ستحدد السلوك الانتخابي للفرنسيين الرافض للجبهة الوطنية يوم 7 مايو/أيار 2017: عنصرية اليمين المتطرف ومعاداته للسامية (التي يحاول حجبها لكنها تعود بشكل أو بآخر إلى الواجهة)؛ ومعاداته لأوروبا، وبرنامجه الاقتصادي الشعبوي والحمائي.
ومن ثم، فإن رهان الجولة الثانية ليس من سيفوز فيها؛ لأن الأمر محسوم بنسبة عالية لصالح ماكرون، وإنما نسبة الأصوات التي ستحصل عليها لوبان. يرى الاشتراكيون والخضر أنه يجب التعبئة الشاملة للتصويت لماكرون حتى تحصل لوبان على أقل نسبة ممكنة من الأصوات. والهدف هو إبراز أن أقلية فقط من الشعب تساند الجبهة الوطنية وحرمان هذه الأخيرة من دينامية حشد سياسية قد تساعدها في تحقيق انتصار في التشريعيات. وتتبنى قطاعات واسعة من اليمين الجمهوري المنطق نفسه، خاصة أنه سيكون الخاسر الأكبر من أي تقدم للجبهة الوطنية في التشريعيات.
تداعيات المشهد الجديد
يقف الحزبان أمام مراجعات أيديولوجية وسياسية مصيرية تقتضي الحسم في ظرف زمني قياسي لخوض الانتخابات التشريعية، التي سيُجرى دورها الأول في 11 يونيو/حزيران 2017، بصفوف موحدة لمواجهة ثلاثة تحديات أساسية، أولها: تحدٍّ مشترك، يتمثل في عزم ماكرون وحركته الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في البرلمان القادم لتدعيم الأغلبية الرئاسية بأغلبية برلمانية تسهِّل لهما الحكم؛ مما يدفع أجنحة كل حزب إلى تجاوز انقساماتها مؤقتًا من أجل تحقيق أغلبية برلمانية تجبر ماكرون على التعايش (من خلال حكومة موسعة أو حكومة تعايش وربما حكومة ائتلاف)؛ وبالتالي التأثير على سياساته؛ وهو ما قد يؤدي إلى إفشال المشاريع التي تعهد ماكرون بتنفيذها من أجل النهوض الاقتصادي والتماسك الاجتماعي؛ لأنها لا تجد سندًا برلمانيًّا، فيقوى اليمين المتطرف بقيادة لوبان، وقد يحقق في الانتخابات القادمة نتائج عجز عن تحقيقها سابقًا. ثانيها: الدينامية الانتخابية الرئاسية للجبهة الوطنية التي قد تخلق دينامية في التشريعات تسمح لها بالفوز بمقاعد في البرلمان القادم (تحوز مقعدين فقط في البرلمان الحالي). ثالثها: سعي ميلانشون لاستغلال النسبة المعتبرة من الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى لخوض الانتخابات التشريعية ونيل نصيب من المقاعد. ومن المرجح أن تقود هذه التحديات الثلاثة إلى إنهاء الثنائية القطبية في الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان). وقد لا يسمح هذا المشهد السياسي المتعدد بفوز أي تيار بأغلبية برلمانية. وإذا كان الحزب الجمهوري يتخوف من مدِّ التيار الذي هو على أقصى يمينه (الجبهة الوطنية) ومخاطر استمالته لجزء من ناخبيه (المسألة مرهونة أيضًا بأيٍّ من الاتجاهات اليمينية سيسيطر على حزب الجمهوريين)، فإن الحزب الاشتراكي يتخوف ممن هو على أقصى يساره (حركة ميلانشون) الذي سيستميل بدون شك جزءًا من ناخبيه (المسألة مرهونة هنا أيضًا بأي يسار سيقود الحزب).
لكل حزب مشاكله وإن كان بعضها متشابهًا؛ فوضع الحزب الاشتراكي أسوأ؛ لأنه يعاني شرخًا سياسيًّا بسبب انقسامه بين مساند لمرشح الحزب ومساند لماكرون، ليس حبًّا فيه وإنما كرهًا في لوبان؛ إذ يقول الاشتراكيون الذي يساندونه، حتى قبل الجولة الأولى، ومن بينهم رئيس الحكومة السابق إيمانويل فالاس: إن التصويت له هو السبيل الوحيد لقطع الطريق أمام لوبان لما تمثله من خطر على الجمهورية. إن الحزب الاشتراكي منقسم بين يسار في السلطة حاليًّا (واقعي وليبرالي) ويسار (غير واقعي ومناوئ لليبرالية). وقد اعتبر فالاس أنه لا مجال للتوفيق بين هذين اليسارين، والحزب اليوم في ورطة؛ لأنه فشل في فرض الانضباط بين صفوفه لاحترام نتائج انتخاباته التمهيدية التي فاز بها أمون، الذي اتُّهم هو الآخر بعدم احترامه الانضباط الحكومي عندما كان وزيرًا (استقال من حكومة هولاند) وكان ضمن مجموعة “المتمردين” على الحكومة؛ ولذا فمعركة الحزب الاشتراكي الأساسية هي الحسم الأيديولوجي نهائيًّا بين اليسارين. إلا أنه يركز الآن على أولويتين: أولًا: العمل على قطع الطريق أمام لوبان، فمرشحه المنهزم في الجولة الأولى (لم يحصل إلا على 6.4% من الأصوات) دعا إلى التصويت لماكرون مثله مثل المسؤول الأول عن الحزب وبقية قياداته. ويعد التصويت لماكرون، لتجنيب فرنسا رئيسة يمينية متطرفة، الإجماعَ الوحيد اليوم بين الاشتراكيين. ثانيًا: محاولة رأب الصدع، ولو لحين، بين اليسارين لتوحيد الصفوف تجنبًا لهزيمة نكراء في التشريعيات.
أما الحزب الجمهوري فهو الآخر في مأزق سياسي؛ وعلى عكس غريمه الاشتراكي المتفق على موقف واحد من اليمين المتطرف، فإنه منقسم على نفسه، كما اتضح ذلك عقب اجتماع مكتبه السياسي، يوم الاثنين، 24 أبريل/نيسان. صحيح أن فيون وعددًا من قيادات الحزب دعت مساء الأحد 23 أبريل/نيسان إلى التصويت لماكرون رفضًا للوبان، لكن شخصيات أخرى أعربت عن رفضها المفاضلة بينهما، معتبرة أن الجولة الثانية لا تعنيها مصرَّة على الاتساق في الموقف: لا يمكن التصويت لماكرون في الرئاسيات واعتباره خصمًا سياسيًّا في التشريعيات. يبدو هذا المنطق متماسكًا لكنه في واقع الأمر يخالف سوابق تاريخية؛ لأن اليسار صوَّت لخصمه جاك شيراك، في 2002، (الذي حاز حينها 80% من الأصوات بفضله) رفضًا لجون-ماري لوبان، ولم يمنعه ذلك من منافسته في الانتخابات التشريعية التي تلت تلك الرئاسيات.
إذا كان موقف الجمهوريين من الجولة الثانية قد حُسم عمليًّا؛ لأن الأغلبية ستصوِّت لماكرون، فإن “الجبهة الجمهورية” (أي التصويت لمرشح يساري ضد مرشح اليمين المتطرف في حال إقصاء مرشح اليمين الجمهوري) تشكِّل معضلة سياسية لليمين الجمهوري مسببة انقسامات، سيعود النقاش حولها مجددًا مع بداية حملة التشريعيات، حين يشتد الصراع حول المراجعة وتقييم أداء الحزب؛ إذ تعيب شخصيات في الحزب تواطؤ مكتبه السياسي وعدم اتخاذه موقفًا حازمًا لإجبار فيون على الانسحاب بسبب فضائحه لتجنيب الحزب هزيمة مؤكدة. ولذا، ترى أنه من المنطقي أن يرحل كل أعضائه لخوض الانتخابات التشريعية في ظروف جيدة. بيد أن الحسم بين هذين المعسكرين لن يكون سهلًا؛ فإذا كان الحزب الاشتراكي تمزقه مواجهة بين يسارين، فإن حزب الجمهوريين تمزقه مواجهة بين ثلاثة اتجاهات على الأقل: اليمين المحافظ المتشدد ذي التوجه الكاثوليكي (يمثِّله فيون وأنصاره)، واليمين الشعبي المتشدد (يمثله أنصار الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ومن بينهم لوران فوكيه)، واليمين المعتدل (ويمثِّله آلان جوبيه)، فضلًا عن وسط اليمين حليف الحزب الجمهوري.
أما تداعيات فوز ماكرون المرجح على قضايا العالم العربي، فهي على عدد من المستويات:
تمسكه بالاقتصاد المفتوح، يكبح الحرب الاقتصادية، فيعزِّز التكالب على الطاقة التي تعد مصدر الدخل الرئيسي لعدد من بلدان العالم العربي.
استناده إلى المبادئ الليبرالية، يقوي موقف المنادين بالديمقراطية، وقد برزت مؤشرات ذلك في توعده بمعاقبة نظام بشار الأسد؛ مما يجعل فرنسا بقيادة ماكرون قيدًا على الدور الروسي في العالم العربي.
وبناء على نفس المبادئ الليبرالية والأيديولوجية الاجتماعية التي تميز ماكرون، سيستفيد المهاجرون من سياسات الإدماج والمساواة في الحقوق والواجبات مع بقية الفرنسيين ولن يعانوا من التهميش والإقصاء والكره الذي كان تتوعدهم به لوبان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر/ الجزيرة للدراسات