إعداد/ محمد حسن القاضي
باحث متخصص في الشؤون الإقليمية والعربية
كثيرًا ما أثار الدورُ الإيراني في اليمن الجدلَ حول طبيعته وحجمه وأهدافه، فعلى مدى سنوات طويلة قبل عام 2011م كان هناك عديد من المؤشرات على أن إيران تتدخل في الشأن اليمني الداخلي، سواء عبر دعم الحوثيين في صراعهم مع الحكومة المركزية في صنعاء، أو عبر دعم بعض أجنحة الحراك الجنوبي الساعية لفك الارتباط مع الشمال. وفي حين كان من غير الممكن إنكار الدعم السياسي والإعلامي الإيراني للحوثيين أو لبعض أجنحة الحراك الجنوبي، إلا أن الدعم العسكري والمالي الإيراني لهم كان موضع تشكيك من قِبل البعض، ولم يكن سهل الإثبات دائمًا. لكن هذا الوضع قد شهد تغيُّرًا واضحًا منذ عام 2011م، إذ بدأ هذا الدعم يتخذ طابعًا سافرًا مع تزايد التدخلات الإيرانية في اليمن في ظل الأوضاع الفوضوية التي رافقت أو أعقبت اندلاع الثورة اليمنية ضد نظام علي عبد الله صالح. وهي الأوضاع التي شكّلت مشهدًا سياسيًّا معقّدًا ومضطربًا، أتاح لإيران مجالًا رحبًا لتعزيز دورها، وتوسيع نفوذها على الساحة اليمنية. وفي هذا الإطار تواترت التقارير والأدلة على تصاعد مساعي إيران وأنشطتها لإمداد حلفائها في اليمن، وخصوصًا الحوثيين المتقاربين معها مذهبيًّا وآيديولوجيًّا، بمختلف أشكال الدعم.
وفي إطار تركيز إيران على منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، عُدّت اليمن إحدى أهمّ نقاط الاهتمام الرئيسية بالنسبة إلى إيران، التي من شأنها أن تساعدها في تعزيز مكانتها في الإقليم، وتدعيم موقفها سواء في مواجهة الأطراف الإقليمية الأخرى، أو في مواجهة بعض القوى الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك سعت إيران إلى ممارسة دور نشط في اليمن مستندةً إلى مزيج من الاعتبارات المصلحية البراغماتية والاعتبارات المذهبية والآيديولوجية، ومتوسلةً العديد من الأساليب والأدوات التي يرتبط بعضها بالقوة الصلبة، بينما يرتبط بعضها الآخر بالقوة الناعمة. وذلك من خلال التركيز على إقامة شراكات مع فاعلين دون الدولة (فاعلين غير رسميين)، ولا سيّما مع جماعة أنصار الله الحوثية، كمحاولة من قِبل إيران لتغيير التوازنات والمعادلات السياسية اليمنية بما يتيح لها تعزيز نفوذها في اليمن، ومِن ثَمّ التأثير على المعادلات السياسية والتوازنات في الجوار الإقليمي، الأمر الذي يثير التساؤل حول انعكاسات الدور الإيراني في اليمن على الأمن الإقليمي.
وتحاول هذه الدراسة استجلاء وتحليل أبعاد الدور الإيراني على الساحة اليمنية وانعكاساته على الأمن الإقليمي، انطلاقًا من أربع فرضيات، هي:
أن ثمة عَلاقة سلبية بين الدور الإيراني في اليمن والأمن والاستقرار الإقليميين، إذ إنّ هذا الدور يتجاوز القنوات والأساليب المؤسسية الطبيعية المرتبطة بالعَلاقات السياسية الرسمية بين إيران واليمن، ويعتمد بالأساس على التعامل مع فاعلين دون الدولة، من خلال استقطاب بعض الجماعات والفصائل على أسس مذهبية في الغالب، على نحو معزّز للانقسامات، ومخلّ بالتوازنات السياسية، ومقوّض للاستقرار.
أن الأنشطة الإيرانية التدخلية في اليمن، كما في غيرها من دول الجوار الإقليمي الأخرى، تنطلق بالأساس من هواجس إيران الأمنية، ورغبتها في تحقيق أمنها القومي، عبر اتباع سياسات ذات طابع هجوميّ تهدف إلى تغيير التوازنات القائمة لصالحها، وذلك في سياق تعاطيها مع عملية تحقيق أمنها القومي باعتبارها عملية صفرية، بمعنى سعيها لتعزيز أمنها من خلال الخصم من أمن الدول الأخرى، أو من أمن المنظومة الإقليمية ككل.
أن الفراغ السياسي الناشئ عن هشاشة الدولة اليمنية أو ضَعف فعاليتها يتيح لإيران فرصًا كبيرة لتعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها في اليمن، تمامًا مثلما قد يفعل الاستيلاء الكامل على السلطة من قِبل العناصر الموالية لإيران. بمعنى أن إيران تهدف إما إلى تمكين حلفائها في قمة السلطة في اليمن، وإما إلى الدفع بالدولة اليمنية نحو مزيد من الفوضى، التي من شأنها أن تتيح لإيران مجالًا أوسع لدورها وتأثيرها على الساحة اليمنية، كما من شأنها الإضرار بأمن واستقرار الجوار الإقليمي.
أن الدور الإيراني في اليمن ليس مطلقًا، بل تحده قيود ومعوقات عديدة تقلل من إمكانية توسّعه أو نجاحه في تحقيق كامل أهدافه، ويرتبط بعضها بطبيعة الأوضاع اليمنية الداخلية، وبعضها بقدرات الفاعلين الإقليميين والدوليين الآخرين ودورهم، ويرتبط بعضها الآخر بطبيعة القدرات الإيرانية الذاتية.
في ضوء الفرضيات السابقة، تتناول الدراسة أبعاد الدور الإيراني في اليمن وانعكاساته على الأمن الإقليمي، من خلال ثمانية محاور: أوّلها: إطار مفاهيميّ يتضمن تعريف مفهوم الدور ومحدّداته، ومفهوم الأمن الإقليمي، مع الإشارة إلى عامل التدخل الخارجي السلبي كعنصر مهدّد للأمن والاستقرار، باعتبار أن الدور الإيراني في اليمن يُعَدّ نمطًا من التدخلات الخارجية السلبية. وثانيها: الإشارة إلى تطوّرات الدور الإيراني في اليمن عبر مراحل زمنية معيّنة، باعتبار أن الخلفية التاريخية لهذا الدور تمثل سياقًا عامًّا له. وثالثها: دوافع الدور الإيراني في اليمن، أو الأهداف العامّة المبتغاة من وراء هذا الدور. ورابعها: أدوات الدور الإيراني في اليمن، والتي تشمل أدوات تتعلق بالقوّة الناعمة، وأدوات تتعلق بالقوّة الصلبة. وخامسها: مواقف الأطراف الدولية والإقليمية من الدور الإيراني في اليمن، وخصوصًا مواقف الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، والمملكة العربية السعودية، وتركيا. وسادسها: حدود الدور الإيراني في اليمن، أو التحديات والقيود التي تواجه هذا الدور. وسابعها: انعكاسات الدور الإيراني في اليمن على الأمن الإقليمي، ويشمل: انعكاسه على توازن القوى في الإقليم، وانعكاسه على استقرار البنى المجتمعية والسياسية في دول الجوار الإقليمي، وانعكاسه على أمن الممرات البحرية الدولية، وانعكاسه على تنامي خطر التنظيمات المتطرفة. وثامنها: الآفاق المستقبلية للدور الإيراني في اليمن، أو السيناريوهات المحتملة لهذا الدور.