خالد أحمد – أحمد مولانا
مقدمة فريق الترجمة
حدثت ثورة في تعريب العلوم العسكرية بالعالم العربي أثناء حقبة الحروب النظامية مع إسرائيل وبالأخص عقب هزيمة يونيو ١٩٦٧، إذ انبرى عدد من الخبراء لترجمة أبرز الكتب العسكرية لإفادة الجيوش العربية في مرحلة إعادة البناء. فتُرجمت أعمال المنظر البروسي كلاوزفيتز والمؤرخ العسكري البريطاني ليدل هارت والجنرال فولر وغيرهم. ولكن عقب بدء مسيرة كامب ديفيد والتطبيع مع الكيان الصهيوني، تراجعت جهود الترجمة والتأليف في ذلك المجال الحيوي والهام، في حين انتشرت ترجمة المعارف بعيدة الصلة عن احتياجات أمتنا المسلمة في اللحظات الراهنة.
على الضفة الأخرى من العالم، نجد اهتماما كبيرا ومتزايد في الغرب بالكتابة والتدوين في المجالات العسكرية المتنوعة، وبالأخص المرتبط منها بمستجدات الواقع. ففي حقبة الحرب الباردة والصراع مع السوفييت والتي اتسمت بانتشار الحروب بالوكالة وحروب الأغوار، تزايدت الكتابات الغربية في مجال مكافحة حروب العصابات، ثم عقب أحداث سبتمبر والغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، وما تبع ذلك من غرق أمريكا في مستنقعات المواجهة مع الجماعات الجهادية وتنظيمات المقاومة انفجر سيل هائل من الكتابات الغربية في مجال مكافحة الإرهاب ومحاربة التمرد. فنشر الجيش الأميركي في ديسمبر 2006 “دليل الميدان للجيش الأميركي وقوات المارينز في مكافحة التمرد” والذي صدر بعد عشرين سنة من آخر إصدار أميركي رسمي في ذلك المجال، ثم نشرت الحكومة الأميركية عام 2009 دليلا لمكافحة التمرد تميز بالشمولية والعمق والإيجاز.
واليوم في ظل موجة الثورات المضادة التي تتعرض خلالها شعوبنا المسلمة للحرب بالوكالة على يد ما كان يُفترض أنها جيوش وطنية، أصبح من المهم العناية بتلك المجالات العسكرية والأمنية، وإدخالها في دائرة اهتمام الحركات الإسلامية والوطنية. لذا سعيت مع بعض الزملاء لتدشين فريق عمل يُعنى بترجمة أبرز الإصدارات الغربية المرجعية في مجالات مكافحة التمرد والشؤون الأمنية والاستخبارية.
مقدمة الدليل
شاركت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة في حملات طويلة لمكافحة التمرد بأفغانستان والعراق، ودعمت العديد من الحكومات الصديقة التي تواجه أعمال تخريب داخلي في سائر أنحاء العالم. وللقيام بذلك أعادت الولايات المتحدة تعلم الدروس القديمة لمكافحة التمرد، ووضعت مفاهيم وأساليب جديدة لدعم الحكومات المعتدلة والمؤيدة للحرية.
إننا يمكننا القول بأن هذا الدليل هو الأول من نوعه فيما يقرب من نصف قرن، وهو أفضل عمل عقائدي في موضوعه، إذ يستخلص زبدة ما في الفكر المعاصر والمعرفة التاريخية والممارسة الواقعية المكتسبة بشق الأنفس، كما يتسم بالعملية بالرغم من صرامته الفكرية.
لقد أصبحت الحرب غير النظامية أكثر تنوعا من الصراع التقليدي بدرجة كبيرة، ونظرا لأن مكافحة التمرد تضع أعباء كبيرة على كاهل البيروقراطيات في العمل مع الحلفاء والمنظمات غير الحكومية، فقد لزم الاهتمام بالأطر الفكرية المتماسكة لتوفير التوجيه والمرونة اللازمين للتكيف مع الظروف المختلفة.
إن اعتماد هذا الدليل من قبل قادة وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يعطي مثالا للشراكة التي كانت ومازالت مطلوبة بين هذه الإدارات وغيرها، إذا أردنا أن ننجح في المستقبل.
وعلى الرغم من أن قدرا كبيرا من قدرتنا على ربط الجهود المشتركة معا ينبع من ميدان المعركة، فإن هناك دورا هاما للأفكار والسياسات المتعلقة بالأسئلة الأولية، وهو ما يوفره هذا الدليل.
إن خبرات مكافحة التمرد الأمريكية تستند على عدد من الافتراضات: منها أن الجهود الحاسمة لهزيمة التمرد نادرا ما تكون عسكرية1 (على الرغم من أن الأمن هو الشرط الأساسي للنجاح). لذا فإن الجهود الأمريكية يجب أن توجه إلى إنشاء هياكل حكومية محلية ووطنية تخدم السكان، لتحل تلك الهياكل بمرور الوقت محل الجهود التي يبذلها الشركاء الأجانب؛ ومن ثم فإن المعرفة الدقيقة ولاسيما فهم “التركيبة البشرية”2 أمر ضروري. فضلا عن أهمية التحلي بالصبر للنجاح في تلك الصراعات الطويلة.
لقد قدمت الولايات المتحدة ابتكارات ميدانية ملحوظة في مجال مكافحة التمرد، ولعل أهم تلك المبادرات الجديدة يتمثل في إنشاء فرق إعادة الإعمار الإقليمية التي تجمع بين الأفراد المدنيين والعسكريين لتنفيذ الأعمال الإنمائية التي مثلت ضرورة للنجاح في العراق وأفغانستان. ومثلما تتطور تلك الصراعات، فقد تطورت فرق المساعدة المؤقتة، إذ تغير تكوينها، وفي بعض الحالات تغيرت مهمتها أيضا.
وهذا الدليل يسلط الضوء على نوع من التفكير والمعارف المتراكمة التي أدت إلى تأسيس هذا الابتكار الناجح، وتكييفه على مر السنين.
من المنتظر أن يمثل التمرد عنصرا ضخما ومتزايدا ضمن التحديات الأمنية التي تواجهها الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين. فمع أن احتمال نشوب صراع تقليدي ما زال قائما، إلا أن الحقيقة أن القوى الرئيسية للنظام الدولي في اللحظة الراهنة مترددة بشدة بشأن الانخراط في صراع من هذا النوع. بينما نجد أن التمرد يمكن أن يزدهر في البيئة الحديثة، فالتوترات التي أوجدتها العولمة بانهيار هياكل الدول الضعيفة، والضغوط الديمغرافية والبيئية والاقتصادية، وسهولة التعاون بين الجماعات المتمردة والمجرمين، وظهور الأيديولوجيات الراديكالية المدمرة، تنبئ بفترة تكون خلالها الحكومات الحرة المعتدلة في خطر. وفي عالم اليوم، لا يمثل فشل الدولة مجرد مشكلة للمجتمعات المحلية، بل يمكن أن يتعدى ذلك سريعا ليشكل تهديدا للأمن العالمي.
وبالرغم من أن مشاركة الولايات المتحدة في مكافحة أي تمرد محدد هى مسألة خيار سياسي، إلا أن انخراطها في مثل هذه الصراعات خلال العقود القادمة هو أمر شبه مؤكد. وسيساعد دليل مكافحة التمرد في تهيئة وإعداد صانعي القرار من نواح عديدة للقيام بما ينتج عن هذه الحقيقة من مهام.
وننبه أن هذا الدليل سيخدم على نحو أفضل إذا لم يعامل كمجموعة محددة وصارمة من الوصفات، وإنما يجب التعامل معه كمحفز للتفكير الإبداعي المنضبط.
الدكتور إليوت أ. كوهين – مستشار وزارة الخارجية.
الملخص التنفيذي
إن التمرد هو الاستخدام المنظم للتخريب والعنف للاستيلاء على أو تقويض أو تحدي السيطرة السياسية على منطقة ما. ومن ثم فهو في المقام الأول صراع سياسي يستخدم فيه الطرفان القوة المسلحة لإفساح مجال يتيح لهما تفعيل نفوذهما وأنشطتهما السياسية والاقتصادية.
ولا يحدث التمرد دائما من قبل مجموعة واحدة ذات هيكل قيادة مركزي على النمط العسكري، بل إنه قد يقع من قبل منظومة معقدة تتكون من أطراف فاعلة مختلفة ذات أغراض متعددة، وترتبط ارتباطا غير محكم بشبكات ديناميكية غير هرمية.
تتطلب حركات التمرد كي تنجح: قيادة كاريزمية، وأنصار، ومجندون وإمدادات، وملاذات آمنة، وتمويل (غالبا ما يكون من أنشطة غير مشروعة). وهي لا تحتاج دعما فعالا إلا من جانب عدد قليل من الأفراد القادرين على تقديم الدعم، في الوقت الذي يوفر فيه القبول الضمني من قبل نسبة كبيرة من السكان المتنازع على ولائهم احتمالية أكبر للنجاح. ويتحقق ذلك القبول على أفضل وجه عندما تكون القضية السياسية المحركة للتمرد ذات جاذبية قوية، فتوظف الهوية الدينية أو القبلية أو المحلية من أجل استغلال المظالم المجتمعية المنتشرة واحتياجات السكان.
يسعى المتمردون إلى السيطرة على السكان من خلال مزيج من الإقناع والتخريب والإكراه، بينما يستخدمون تكتيكات حرب العصابات ليكافئوا قوة قوات الأمن الحكومية.
ويهدف المتمردون عادة إلى إطالة زمن الصراع، واستنزاف طاقة الحكومة، وكسب تأييد شعبي كاف لإجبار خصومهم على الاستسلام أو تسوية النزاع سياسيا. ونتيجة لذلك تتطور حالات التمرد خلال سلسلة من المراحل، مع التأكيد على أن كلا من تطور تلك المراحل ونتائجها سيختلف حسب كل حالة تقريبا.
إن مكافحة التمرد عبارة عن مزيج من الجهود المدنية والعسكرية الشاملة التي تهدف إلى احتواء التمرد الحادث ومعالجة أسبابه الجذرية في آن واحد. وخلافا للحرب التقليدية، فإنه كثيرا ما تكون الوسائل غير العسكرية هي أكثر العناصر فعالية، بينما تلعب القوات العسكرية دورا مهيئا للساحة.
إن مكافحة التمرد عملية معقدة للغاية تتطلب من صناع السياسات فهما دقيقا لمجال تخصصهم، كما تتطلب معرفة واسعة بمجموعة متنوعة من التخصصات ذات الصلة.
يجب أن تكون مكافحة التمرد عملية مرنة وقابلة للتكيف. فتركز استراتيجياتها عادة على السكان بدلا من العدو، وتسعى إلى تعزيز شرعية الحكومة المتضررة بالتوازي مع الحد من نفوذ المتمردين. ولا يمكن تحقيق ذلك في كثير من الأحيان إلا بالتزامن مع الإصلاح السياسي لتحسين نوعية الحكم، ومعالجة المظالم ذات الأولوية، التي قد يكون الكثير منها مشروعا.
وبما أن حملات مكافحة التمرد الأمريكية عادة ما تنطوي على المشاركة في دعم حكومة أجنبية (إما بشكل مستقل أو كجزء من تحالف) فإن النجاح غالبا ما يعتمد على رغبة تلك الحكومة في إجراء التغييرات السياسية اللازمة. حيث إنه لا يمكن للاعب خارجي -مهما كانت درايته الفنية وحماسته- أن يعوض بشكل كامل نقص الإرادة، أو العجز، أو السلوك غير المثمر من جانب الحكومة المدعومة.
يستخدم هذا الدليل نموذجا لمكافحة التمرد يتألف من خمس مهمات رئيسية:
أولا: المهمة السياسية: هي المهمة الرئيسية، وتوفر إطارا للمصالحة السياسية يدور حول إصلاح الحكم، وهذا هو ما تدور حوله جميع أنشطة مكافحة التمرد الأخرى. وبوجه عام فإن استراتيجية “مكافحة التمرد” تكون جيدة بقدر وجود خطة سياسية في القلب منها.
ثانيا: المهمة الاقتصادية: تسعى إلى توفير الخدمات الأساسية وتحفيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل، مما يولد الثقة في الحكومة، وفي نفس الوقت يحد من أعداد الشباب والشابات العاطلين عن العمل الذين يسهل على المتمردين استقطابهم.
ثالثا: المهمة الأمنية: هي عامل مهيئ للوظائف الأخرى، لكنها لا تنطوي فحسب على تنمية القوة العسكرية للدولة المتضررة، وإنما تشمل تنمية القطاع الأمني بالكامل بما في ذلك الإطار القانوني المرتبط به، وآليات الرقابة المدنية والنظام القضائي. فإرساء الأمن ليس مقدما على الأنشطة الاقتصادية والحكومية، بل يجب أن يتم تطوير النشاط الأمني والاقتصادي والحكومي بشكل متواز.
رابعا: المهمة المعلوماتية: تشمل الاستخبارات (المطلوبة للحصول على الفهم) والتأثير (لتعزيز قضية الحكومة المتضررة). ومن الضروري أن تتماشى حملة التأثير مع الخطاب الاستراتيجي الذي يتردد صداه على مسامع الجماهير المعنية، والمعتمد على الحلول الحقيقية من جانب الحكومة المستهدفة. كما يجب أن تتوافق الإجراءات المادية مع الخطاب.
إن ما يجعل عملية مكافحة التمرد مختلفة عن العمليات الأخرى لتحقيق الاستقرار والمهام الإنسانية3 ، هو أن كلا من مهام عنصري المعلومات (الاستخبارات والتأثير) يتنافسان بقوة مع مهام المعلومات4 التي يحصل عليها المتمردون.
خامسا: تسهم هذه المهام الأربع السابقة في تحقيق الهدف العام المتمثل في تمكين الحكومة المتضررة من فرض سيطرتها وتعزيزها، ثم نقل المهام من قوات التدخل إلى القوات الوطنية، ومن المؤسسات العسكرية إلى المؤسسات المدنية.
ولا يخفى أنه من الملح التنسيق بين الأنشطة السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية، وهو ما يتطلب توحيد الجهود بين جميع الجهات المشاركة في مكافحة التمرد (الحكومة المتضررة، والوكالات الحكومية الأمريكية، وشركاء التحالف). ويتم تحقيق ذلك على أفضل وجه من خلال نهج متكامل للتقييم والتخطيط.
ويؤدي التقييم المشترك للتمرد من قبل الأطراف المشتركة في مكافحته، إلى إيجاد فهم عميق للعوامل الثقافية والأيديولوجية والدينية والديموغرافية والجغرافية التي تؤثر عليه. فيوفر هذا الفهم الأساس لصياغة السياسات، وتقييم كل من المخاطر وتكاليف التدخل التي قد تعود بالضرر على المصالح الأمريكية، وهو ما يساهم في تحديد ما إذا كان ينبغي أن تتدخل الولايات المتحدة أم لا، وما هو الشكل الذي ينبغي أن يتخذه هذا التدخل.
فقرار التدخل لا ينبغي أن يتم اتخاذه بشكل طائش وغير مبال، لأن حملات مكافحة التمرد أثبتت عبر التاريخ أنها تكون أكثر كلفة وطولا وصعوبة مما كان متوقعا في بدايتها.
إن أشياء كثيرة تتوقف على درجة فهم صانعي السياسات لمدى استعداد الحكومة المتضررة لتقبل المساعدة والمشورة والإصلاح، فمن الحماقة التدخل ما لم يكن هناك احتمال معقول للتعاون.
وإذا قررت حكومة الولايات المتحدة أن تشارك في مكافحة تمرد معين، فيجب على صانعي السياسات أن يسعوا إلى تحقيق توازن دقيق يستخدم أكثر أشكال التدخل ملاءمة بحيث يبدو أكثر هدوءا وأقل فجاجة وتطفلا، فضلا عن امتلاكه لاحتمالية كبيرة لتحقيق التأثير المطلوب.
إنه لابد من الحفاظ على سيادة الحكومة المتضررة، فزيادة التدخل إلى درجة عالية جدا قد تؤدي إلى نتائج عكسية (تاريخيا كانت بعض التدخلات الأمريكية الأكثر نجاحا هي التدخلات غير المباشرة والبسيطة).
وبمجرد أن تلتزم الولايات المتحدة بالمساعدة، لابد من وضع استراتيجية لمكافحة التمرد من خلال أفضل أشكال التعاون مع الحكومة المتضررة وشركاء التحالف الآخرين، نظرا لأن إدماجهم المبكر يمكن أن يساعد في التخفيف من آثار الاختلافات على المستوى العملياتي في الأهداف والقدرات والثقافة. ويتبع ذلك التخطيط التفصيلي والمتكامل، كما تستخدم عملية المتابعة والتقييم المستمر لقياس التقدم، وتحديد ما هي التغييرات المنهجية الضرورية لتحقيق النجاح.
قد يكون من الصعب تعريف النجاح في إدارة عمليات مكافحة التمرد، ولكن تحسين أداء الحكومة سيؤدي عادة إلى تهميش المتمردين وايصالهم إلى النقطة التي يتم فيها تدميرهم أو تحييدهم أو تقليص خطورتهم حيث تتناقص أعدادهم وتضعف قدراتهم. وعندما نضمن أن النجاح صار مسألة محسومة وقضية وقت فقط لا غير، فعندئذ يمكن ايقاف التدخل الأميركي قبل القضاء نهائيا على التمرد في الميدان.
وفي نهاية المطاف، فإن الغاية النهائية المنشودة هي وجود حكومة يُنظر إليها على أنها شرعية، وتسيطر على مؤسسات مجتمعية وسياسية واقتصادية وأمنية تلبي احتياجات السكان، وتملك آليات كافية لمعالجة المظالم التي أججت دعم البعض للتمرد.
الفصل الأول: النظرية والمبادئ
الجزء (أ): التمرد
الجنرال الأمريكي صمويل سومنر مع سلطاني بايانغ وأواتو- الفلبين- 1902 (الصورة من مكتبة الكونغرس)
الجنرال الأمريكي صمويل سومنر مع سلطاني بايانغ وأواتو- الفلبين- 1902
(الصورة من مكتبة الكونغرس)
تعريف التمرد:
يمكن تعريف التمرد بأنه “الاستخدام المنظم للتخريب والعنف للسيطرة على أو تقويض أو تغيير الحالة السياسية لمنطقة ما”. فيسعى المتمردون إلى تدمير سلطة الحكومة أو إزاحتها، والسيطرة الكاملة أو الجزئية على الموارد والسكان في منطقة معينة. ويفعلون ذلك عبر استخدام القوة التي تشمل: حرب العصابات والإرهاب والإكراه والتخويف والدعاية والتخريب والتعبئة السياسية.
والمتمردون يقاتلون القوات الحكومية بالقدر الكافي فقط لتحقيق أهدافهم السياسية، فجهودهم الرئيسية لا تستهدف قتل عناصر مكافحة التمرد، إنما تستهدف إنشاء نظام تنافسي للسيطرة على الشعب مما يجعل من المستحيل على الحكومة إدارة أراضيها وشعبها. ولذلك فإن نشاط المتمردين يهدف إلى إضعاف سيطرة الحكومة وشرعيتها مع زيادة سيطرة المتمردين ونفوذهم.
الخصائص:
لقد تبعت العديد من عمليات التمرد الأكثر شهرة في القرن العشرين نموذج “الحرب الممتدة” الماوي (نسبة لماوتسي تونج). وهو نموذج يتكون من منظمات متجانسة ذات هيكل قيادة مركزي هرمي، وأهداف محددة بوضوح ونهج متسلسل لتحقيقها. في حين أصبحت حركات التمرد الحديثة تتشكل على هيئة مصفوفات معقدة تضم جهات فاعلة غير نظامية ذات أهداف متنوعة للغاية. وكثيرا ما تفتقر تلك الحركات إلى هيكل قيادة مركزي، ولكنها ترتبط عادة بشبكات ديناميكية أفقية (غالبا ما تتواصل دون خطورة عبر أنظمة الاتصالات الحديثة).
وتتفاوت الدوافع داخل هذا المزيج الانتقائي لشبكات التمرد، من التطرف الديني إلى الإجرام البحت. كما أنه قد لا تُبَيت مجموعات كثيرة من المتمردين النية لتولي سلطة الحكم، حيث يتمثل العامل المشترك الوحيد بينهم في السعي للتحرر على المستوى المحلي، والتخلص من سيطرة الحكومة وحلفائها الدوليين.
الأيديولوجيا:
خلال القرن العشرين كان المحرك للمتمردين في كثير من الأحيان هو الماركسية أو الدين أو القومية أو مزيجا منهم. وكثيرا ما قادت عمليات التمرد “النخبة الفكرية” المتعلمة جامعيا، والتي كانت ظروفها الشخصية في بعض الأحيان بعيدة عن أوضاع وظروف المتمردين الذين ألهمتهم.
وغالبا ما تتشكل التمردات الحديثة في مصفوفات معقدة، تضم فاعلين غير نظاميين لهم أهداف مختلفة على نطاق واسع. وسيتمثل الدافع للتمرد لدى بعض الفاعلين الرئيسيين في الأيديولوجيا أو على الأقل سيزعمون ذلك، دون أن تمتد هذه الأيديولوجيا لتشمل شبكة المتمردين بأكملها.
تتجسد خصائص التمردات الحديثة في النقاط التالية:
• قد تكون الكاريزما الشخصية لقادة المتمردين في بعض الأحيان أكثر أهمية من الأيديولوجيا في إقناع الآخرين بالانضمام إلى حركتهم.
• بعض الجهات المتمردة ستكون مهتمة بالعائد المالي أكثر من اهتمامها بالأيديولوجيا. وينطبق ذلك على الشباب العاطل عن العمل الذي يتقاضى أجرا للقتال من قبل زعيم العصابة الإجرامية الذي يستغل حالة الفوضى.
• المطالب الأساسية للسكان واحتياجاتهم والمظالم التي يعانون منها ربما تكون أقل تحفيزا من الأيديولوجية الفكرية لقادة المتمردين، ولكنها قد تُستغل لتوفير الدعم.
• المقاتلون والمتعاطفون والمؤيدون الذين يبررون أفعالهم بواسطة الخطابات والرموز التي توفرها الدعاية الإعلامية للمتمردين، قد لا يكونون على دراية كاملة بالأيديولوجيا التي تحرك المتمردين.
• الكراهية التي تبرز أثناء النزاع المسلح بسبب الفظائع وعمليات نزع الملكية غالبا ما تطغى على الدوافع الأولية التي دفعت الأفراد والمجموعات المحلية للانضمام إلى التمرد أو دعم الحكومة.
• قد يعتمد اللاعبون المشاركون في نزاع محلي اندلع سابقا على المتمردين أو الحكومة، باعتبارهم حليفا خارجيا يساعدهم.
• في المجتمعات القبلية (کما هو الحال في أجزاء من جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا) قد يؤدي في كثير من الأحيان دعم إحدى القبائل أو الفصائل للحكومة إلى دفع القبائل المنافسة لدعم المتمردين والعكس بالعكس.
بناء الشبكات:
يحتاج المتمردون إلى مؤيدين ومجندين وملاذات آمنة ومال وإمدادات وأسلحة ومعلومات استخبارية عن الإجراءات الحكومية. فيمكن أن ينشب تمرد عنيف بدعم من نسبة صغيرة من السكان. ولا يحتاج المتمردون من معظم السكان الآخرين إلا الإذعان فقط (بالرضوخ أو الهدوء وعدم الاعتراض).
ويتم تحديد منزلة الفرد النشط داخل شبكة التمرد من خلال خليط يتكون من عدد من العوامل، فيشمل:
• مستوى احترام وثقة المجتمع تجاهه.
• السمعة المكتسبة من مساهمته في أعمال التمرد السابقة.
• درجة الحافزية5 لديه، سواء أكانت أيديولوجيا أو غير ذلك.
• ولاءه الملموس لأعضاء الشبكة الآخرين.
• مستوى خبرته في مجال معين.
• إمكانية توفيره للموارد سواء أكانت بشرية أو غير ذلك.
• مدى استعداده لتحمل المخاطر.
توفر شبكات المتمردين دعما حيويا للحركات التي تدعمها، ولكنها قابلة للعطب والتعطيل. كما تؤسس شبكات القيادة والدعم خطوط تواصل بين الخلايا المنعزلة التي قد يكون أمنها العملياتي محصنا. بينما يمكن أن تُنفذ بعض المهام الرئيسية من قبل أفراد مشكوك في ولائهم، مثل المهربين الجنائيين الذين يوفرون الإمدادات اللوجستية أو يسهلون حركة الأفراد. وتوفر البنية التحتية الحديثة للمعلومات التي تتضمن الهواتف المحمولة والإنترنت، وسائل للاتصال السريع والربط الشبكي بين المتمردين، ولكنها أيضا معرضة للاستغلال من قبل خصوم المتمردين.
إن شبكات المتمردين الأكثر أمانا تتكون من أعداد صغيرة من الناشطين ممن يتمتعون بالثقة ويعملون وفق أمن عملياتي محكم. ومع ذلك فإن معضلة المتمردين تتمثل في أنه من أجل تعزيز التمرد واستغلال النجاح، يجب أن تتوسع هذه الشبكات الصغيرة مما يعرضها للاستهداف من قبل قوات الأمن الحكومية. كما يمكن أن يؤدي المنع الفعال إلى دورة من التوسع والانكماش في شبكات المتمردين، فيتم بناء الأمن والثقة بين عناصر الشبكة الواحدة عدة مرات ثم يتم فقدهما.
التمويل:
من أجل تمويل أنشطتهم يمكن للمتمردين أن يشجعوا الاقتصاد غير المشروع، والذي قد يأخذ بعدا دوليا في بعض الأحيان بعيدا عن الرقابة الحكومية والضرائب والحظر. فتقلل هذه الأنشطة المالية غير المشروعة من الإيرادات الحكومية، وتزيد من مستوى الفساد بين المسؤولين المحليين، وتضعف سيطرة الحكومة وشرعيتها.
قد تشمل الأنشطة الإجرامية: السرقة والابتزاز والاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر، وغسل الأموال والقرصنة وتزوير الوثائق والرشوة والاختطاف وأنشطة السوق السوداء. وغالبا ما تدفع هذه التدفقات التمويلية المتمردين إلى عقد تحالفات مع عصابات الجريمة المنظمة. وفي بعض الحالات تتحول حالات التمرد التي طال أمدها إلى عصابات أو شبكات إجرامية منظمة تحفزها الأرباح والمصالح الاقتصادية الذاتية بدلا من الأيديولوجيا.
كما يمكن الحصول على التمويل أيضا من خلال جمع التبرعات من حكومات أجنبية متعاطفة، ومجموعات من مهاجري الشتات، ومن الأفراد. وقد تكون هذه التدفقات التمويلية بسيطة ومباشرة أو معقدة ومخفية، وفقا للجهود التي تُتخذ على الصعيد الدولي لمنعها. وفي حالات فجة يمكن نقل الأموال عبر تواطؤ منظمة ثالثة تستتر خلف غطاء تنفيذ أعمال خيرية.
ديناميكيات عابرة للحدود:
تحتاج معظم حركات التمرد إلى ملاذ آمن، ربما تجده في البلدان المجاورة. وعلاوة على ذلك كثيرا ما تدعم أو تقود عمليات التمرد المعاصرة شبكات عابرة للحدود تتيح الوصول إلى الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والإنترنت ووسائل الإعلام العالمية والنظم المصرفية الدولية.
كما تتاح الاستفادة من الدعم الدولي المقدم من مجتمعات الشتات أو المجتمعات المحلية، والمؤسسات الدولية، والحكومات الأجنبية الصديقة والشعوب، أو وسائل الإعلام الدولية.
وإذا قدمت بلدان أخرى الدعم للحكومة المتضررة، فقد يستهدف المتمردون الرأي العام في تلك البلاد مباشرة، بالضغط عليهم لوقف مساعدتهم. وقد تمارس هذه الضغوط انطلاقا من الإقليم المتضرر عبر اختطاف وتعذيب وقتل المدنيين من مواطني الدول الداعمة للحكومة، ثم تُبَث العملية في كثير من الأحيان دوليا للوصول إلى السكان الأصليين. وبدلا من ذلك يمكن تحقيق أثر مباشر أكبر من خلال شن الهجمات الإرهابية داخل البلد الداعم للحكومة (وقد تحظى تلك الهجمات بتسهيلات من قبل المجموعات المهاجرة أو غيرها من المجموعات المجتمعية المتعاطفة). ولذلك يجب على واضعي السياسات أن يضعوا في اعتبارهم الديناميكيات الإقليمية والعالمية، فضلا عن الموقف الداخلي للدول الأكثر عرضة للاستهداف المباشر.
الاستراتيجية السياسية للتمرد:
للحصول على الدعم (أو على الأقل القبول) من الشعب، قد يطبق المتمردون مزيجا من الإقناع والتخريب والإكراه.
• الاقناع: غالبا ما ينطوي على تعزيز أيديولوجية المتمردين، ولكن يمكن أن يشمل أيضا توفير الأموال والخدمات الاجتماعية الأساسية، والسيطرة على الأرض أو مراكز السلطة.
وقد يلبي المتمردون احتياجهم للأنصار من خلال عقد التحالفات مع الأحزاب السياسية وزعماء القبائل والجماعات العرقية أو الدينية وأمراء الحرب وشبكات الجريمة المنظمة واللصوص المحليين.
وللقيام بذلك سوف يستغلون الميول المجتمعية والمظالم الشائعة أو الاحتياجات، وسيتلاعبون بالعناصر الدينية أو القبلية أو الإثنية أو المحلية التي تتجاوب معها بعض المجموعات الفرعية من السكان المستهدفين. هذه التوجهات لا ينبغي بالضرورة ربطها مباشرة بأيديولوجية زعماء المتمردين المستخدمة في حشد الدعم. وقد تؤدي هذه الشراكات إلى تفاقم الصراع محليا، ودوام عدم الاستقرار، كما تساعد على تعبئة الدعم للتمرد.
تمثل الدعاية عنصرا أساسيا للإقناع وتستخدم غالبا على المستويات المحلية والوطنية والدولية للتأثير على تصورات المؤيدين المحتملين للتمرد وقادة الرأي والمعارضين، وتعزيز قضية التمرد، والحط من عزيمة الحكومة. وبشكل أكثر تحديدا يمكن تصميم الدعاية للسيطرة على العمل المجتمعي، وتشويه سمعة الحكومة، وإثارة ردود فعل مفرطة من قبل قوات الأمن، أو لإثارة التوتر الطائفي.
• التخريب: هو العمل الذي يستخدمه المتمردون لاختراق المؤسسات الحكومية والمنظمات أو التلاعب بها أو تقويضها أو تعطيلها. وفي الوقت نفسه، قد يستغل المتمردون الهياكل التنافسية للسلطة، مثل السلطة القبلية، والسلطات الدينية، أو الشبكات الإجرامية التي تتحدى السلطة وسيطرة الحكومة المركزية. ولتحقيق ذلك يسعى المتمردون إلى البقاء خارج إدارة السلطات المحلية. ولا يخفى أن هذه التكتيكات ستكون فعالة بشكل خاص في المناطق التي تكون فيها الخدمات الحكومية ضعيفة أو غائبة.
• الإكراه: يمكن أن يعضد الإقناع، أو أن يحل محله كوسيلة لتعبئة الدعم، وفقا لمستوى قدرة القوات الحكومية على حماية السكان. فيسعى المتمردون إلى ترهيب أنصار الحكومة أو المتعاونين معها، ودفع قادة المجتمع المحلي لاتخاذ موقف من النزاع. وغالبا ما يؤدي ذلك إلى استخدام العنف على النحو التالي:
– يمكن للمتمردين استخدام العنف لتخويف أو للقضاء على من يعارضون أهدافهم. وعلى وجه الخصوص فإن هجمات المتمردين ضد البنية التحتية والموظفين الحكوميين ستقوض معنويات الحكومة وثقتها وقدرتها، وتضعف سلطتها وسيطرتها على المناطق المتضررة.
– ويتضخم هذا التأثير من خلال تصوير هذا العنف دعائيا، وتصوير الحكومة على أنها ضعيفة، والمتمردين على أنهم أقوياء، وإبراز تفاقم المظالم المحلية. فالدعاية في بعض الأحيان هي الغرض الرئيسي لعنف المتمردين.
– كما أن استهداف أفراد من عرقيات أو مجموعات طائفية مختلفة قد يولد إحساسا بالهوية الاجتماعية والتكافل بعيدا عن الحكومة.
– وقد يتمكن المتمردون من تشجيع الأشخاص على التوجه إليهم لا إلى الحكومة لإعادة النظام العام، عبر خلق حالة من عدم الاستقرار العنيف.
– أما إذا استطاع المتمردون استثارة إجراءات حكومية مفرطة ضد السكان، فإن الموت أو الإصابة أو سوء المعاملة أو الإهانة ستصبح حوافز قوية لاتخاذ إجراءات انتقامية ضد الحكومة.
تحدي الأمن الحكومي: عادة ما يكون للمتمردين قدرة عسكرية تقليدية أقل من الحكومة (على الأقل في المراحل المبكرة من التمرد) لذلك يميل المتمردون إلى استخدام تكتيكات حرب العصابات لإلحاق الضرر بالحكومة دون السماح لمقاتليهم بالاشتباك مع قوات حكومية متساوية أو أكبر. هذه التكتيكات مثل الغارات والكمائن والاغتيالات والتخريب، والفخاخ المتفجرة، والأجهزة المتفجرة البدائية التي تستفيد من التنقل والتخفي والخداع والمفاجأة لإضعاف أو تشويه سمعة أو شل قوات الأمن الحكومية الأقل مرونة في الحركة.
كما يحاول المتمردون إدارة وتيرة فاعلية أنشطتهم بمستوى من الجهد يتيح استمرار الصراع إلى أجل غير مسمى. ومن خلال إطالة أمد الصراع، يأمل المتمردون في استنفاد قدرة الحكومة على المقاومة، سعيا لفرض تكاليف عليها لا تستطيع تحملها مما يجبرها على الاستسلام في النهاية.
إنه على الرغم من أن التحولات (أو التغيرات) في أنشطة المتمردين تكون محددة (أو نابعة من سياق معين)، إلا أن التحليل التاريخي يظهر أن المتمردين يطبقون عادة أربعة تكتيكات أساسية أو متفرعة منها، لهزيمة قوات الأمن الأقوى منهم:
(1) الاستفزاز: فغالبا ما يرتكب المتمردون أعمالا (مثل الفظائع) تهدف إلى دفع المعارضين للرد على نحو غير عقلاني بطرق تضر بمصالحهم. فعلى سبيل المثال يمكن أن ترتكب القوات الحكومية أعمالا انتقامية عشوائية أو تتخذ تدابير أمنية قاسية تنفر أجزاء من السكان نظرا لشعورها بالإحباط، بسبب عدم قدرتها على التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين. وبدلا من ذلك قد تُستحث جماعة قبائلية أو دينية أو إثنية أو مجتمعية على مهاجمة جماعة أخرى من أجل ايجاد واستغلال حالة من عدم الاستقرار.
(2) الترهيب: حيث يقوم المتمردون بتخويف أفراد الحكومة (وخاصة رجال الشرطة والحكومة المحلية) لثنيهم عن اتخاذ إجراءات فعالة ضد المتمردين، كما يقتلون علنا أولئك المدنيين الذين يتعاونون مع الحكومة أو قوات التحالف، مما يثني الآخرين ممن يسعون إلى العمل مع الحكومة.
(3) الإطالة: حيث يسعی المتمردون إلی إطالة أمد الصراع من أجل استنفاد طاقة خصومهم وإضعاف إرادتهم السياسية وتجنبا للخسائر أيضا. كما أنه عادة ما يتواءم المتمردون مع التدابير الحكومية المضادة التي تمثل ضغطا شديدا عليهم، فيلجئون للهدوء من خلال (تقليص النشاط والاختباء في الأماكن الوعرة التي يتعذر الوصول إليها أو التخفي بين جماعات سكانية متعاطفة أو خائفة) ثم يظهرون لاحقا لمواصلة القتال.
(4) الانهاك: حيث يقوم المتمردون بأنشطة من قبيل الكمائن والتفجيرات والهجمات على المرافق الحكومية والأصول الاقتصادية والبنية التحتية للنقل، مما يدفع قوات الأمن لتنفيذ العديد من الأنشطة الدفاعية المرهقة والمرتفعة التكلفة والتي تستهلك الموارد الشحيحة دون تحقيق تقدم مهم في استراتيجية مكافحة التمرد.
مراحل التمرد:
يتطور كل تمرد بصورة مختلفة، ولكن يمكن ملاحظة بعض الأنماط العامة. فربما تمر عمليات التمرد ببعض أو كل مراحل (التخريب والتطرف، كالاضطرابات الشعبية، والعصيان المدني، ونشاط العصابات المحلية، فحرب عصابات على نطاق واسع، وصولا إلى تدشين نزاع مسلح شبه تقليدي). وبدلا من ذلك، قد يركن المتمردون الى السكون إذا تم التصدي لهم بفاعلية أو إذا فشلوا في الحصول على دعم شعبي كاف. وقد تظهر مرحلة أو أكثر في وقت متزامن في البلد أو المنطقة التي تعاني من التمرد.
قد ينجح التمرد في الإطاحة بالحكومة (أمر نادر الحدوث تاريخيا)، وقد يجبرها على القبول بتسوية سياسية (وهذه النتيجة الأكثر شيوعا)، ويمكن أن ينضم المتمردون إلى الحكومة ويتوقف القتال (وهذا شائع أيضا)، أو أن يتم سحق التمرد، أو أن يتم احتواءه بواسطة جماعات إرهابية محلية أو عابرة للحدود، أو أن يتحول المتمردون إلى العمل في شبكات إجرامية، أو أن يتلاشى وجودهم.
إن الإجراءات التي تنجح في كبح التمرد في بداياته تختلف عن الإجراءات الفعالة ضد التمرد القوي أو المتدهور. وبالتالي يجب على المخططين وصناع القرار أن يفهموا بوضوح المرحلة التي بلغها التمرد، من أجل تطوير استجابات مناسبة.
الجزء (ب): مكافحة التمرد
التعريف:
يمكن تعريف مكافحة التمرد بأنها: الجهود المدنية والعسكرية الشاملة التي تُتخذ لهزيمة واحتواء التمرد ومعالجة أسبابه الجذرية في آن واحد.
وتتمثل أفضل ممارسة لمكافحة التمرد في اندماج وتكامل المكونات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي تعزز الشرعية والفعالية الحكومية وتحد في نفس الوقت من نفوذ المتمردين على السكان. ولذلك ينبغي أن تُصَمَّم استراتيجيات مكافحة التمرد لحماية السكان من العنف الذي يمارسه المتمردون مع تعزيز شرعية وقدرة المؤسسات الحكومية على الحكم الرشيد، وتهميش المتمردين سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
الخصائص:
إن مكافحة التمرد تحتاج جهدا معقدا يدمج بين أنشطة مجموعة كاملة من الوكالات المدنية والعسكرية، وبالتالي تركز على السكان (التأمين والسيطرة على سكان محددين أو قطاع من السكان) أكثر من تركيزها على العدو (تركز على هزيمة مجموعة معينة من العدو). وهذا لا يعني أن مكافحة التمرد أقل عنفا من أي صراع آخر، بل على العكس من ذلك، تنطوي أيضا على خسائر في الأرواح مثل أي شكل آخر من أشكال الحرب. وهى مهمة صعبة للغاية، كما أنها غالبا ما تكون مثيرة للجدل سياسيا، وتشمل سلسلة من الأحداث الغامضة التي يصعب تفسيرها، وغالبا ما تتطلب موارد ووقتا أكثر بدرجة كبيرة مما كان متوقعا في البداية. إذ عادة ما تقلل الحكومات التي تشرع في مكافحة التمرد من الحاجة إلى التزام طويل الأجل وذي تكلفة مرتفعة نسبيا (من حيث التكلفة المالية ورأس المال السياسي والموارد العسكرية والحياة البشرية).
غالبا ما تكون القدرات المطلوبة لمكافحة التمرد مشابهة جدا لتلك المطلوبة لعمليات حفظ السلام، والمساعدة الإنسانية، وتثبيت الاستقرار، وبعثات المساعدة الإنمائية. ومع ذلك فإن القصد من حملة مكافحة التمرد يتمثل في بناء الدعم الشعبي للحكومة بالتوازي مع تهميش المتمردين، فهي في جوهرها منافسة سياسية مدعومة بقوة السلاح ضد المتمردين. وبالتالي فإن السيطرة على (البيئة، السكان، مستوى الأمن، وتيرة الأحداث، العدو) تمثل الهدف الأساسي لحملة مكافحة التمرد. وهو الهدف الذي يميزها عن عمليات السلام أو التدخل الإنساني.
بسبب هذه الخصائص العامة تنبع الطبيعة المحددة لأي حملة من عمليات مكافحة التمرد من خلال التفاعل المعقد بين 3 عوامل رئيسية هي:
1- خصائص البيئة (المادية والاقتصادية والسياسية والبشرية) التي تحدث فيها.
2- طبيعة الجماعة(أو الجماعات) المتمردة.
3- طبيعة الحكومة التي تكافح التمرد وقوات الأمن التابعة لها.
أشكال مختلفة لمكافحة التمرد
• عملية مكافحة التمرد المحلية مقابل عملية مكافحة التمرد الخارجية: تواجه الدولة اختلافات نظرية وعملية مهمة للغاية بين تنفيذ عملية مكافحة تمرد داخل حدودها الوطنية، والتدخل في بلد أجنبي دعما لحكومة أخرى. فغالبا ما يكون التدخل لمكافحة التمرد في بلد أجنبي أمر تقديري، بينما مكافحة التمرد (الداخلي/ المحلي) لا تتاح فيه رفاهية الاختيار.
فالقوات العاملة في أراضي حكومة أخرى معرضة لتفوق المتمردين عليها بميزات من قبيل معرفتهم بالأرض، فهم يعيشون في البلد ولا يخططون أبدا للمغادرة، في حين أن القوات الأجنبية يجب أن تخطط في نهاية المطاف للانتقال والمغادرة. ويدرك السكان ذلك، ومن ثم تتضاءل احتمالات دعمهم لها. ولابد للحكومة التي تكافح التمرد على أرضها أن تتمتع بصبر استراتيجي كبير للبقاء في صراع طويل الأمد.
ومن ضمن المزايا الأخرى لمعرفة المتمردين بأرضهم: فهمهم التفصيلي للجغرافيا والثقافة والتاريخ وعلم الاجتماع والسياسات الخاصة بالبلد الذي يعملون به، وإن كانت الدولة الأجنبية المتدخلة غالبا ستتعلم ذلك.
وبما أن الولايات المتحدة لا تواجه حاليا أي تمرد داخلي محتمل، فمن المرجح أن تكون جميع حملات مكافحة التمرد التي تقوم بها على شكل تدخلات خارجية دعما لحكومة أجنبية (أو تدخلات في البلدان الفاشلة / المنهارة). فالتدخل لدعم مكافحة التمرد يستحق دراسة متأنية لمجموعة من العوامل التي يتناولها الفصل الرابع (التقييم والتخطيط) بالتفصيل.
• مكافحة التمرد الثنائية مقابل مكافحة التمرد متعددة الأطراف:
إن الولايات المتحدة قد لا تكون الدولة الأجنبية الوحيدة المستعدة لمساعدة الدولة المتضررة في مكافحة التمرد. وهناك اختلافات مهمة بين الحملات التي تدعمها قوة تدخل واحدة، وتلك التي تتضمن تحالفا متنوعا أو قوة تابعة للأمم المتحدة.
مع أنه كثيرا ما يُنظر إلى التحالفات المشتركة لمكافحة التمرد باعتبارها تحظى بشرعية أكبر من التدخل أحادي الجانب من جهة الولايات المتحدة. لكنها تتطلب التعاون والتنسيق بشكل فاعل. فإلى حد ما يكون التدخل المشترك أقل كفاءة منه فيما لو تدخلت أميركا بشكل أحادي الجانب. ويُغطي هذا الأمر بمزيد من التفصيل في الفصل الرابع.
• المستويات المختلفة من القبول: لن تحظى كل تدخلات مكافحة التمرد الخارجية بموافقة كاملة من الحكومة المتضررة. وستكون هناك اختلافات كبيرة بين الحملات التي تتم بموافقة (كاملة أو جزئية) وتلك التي تتم في حال عدم وجود حكومة فعالة.
وهناك تباين أخير(يُعترف بأنه صعب بشكل خاص) حيث يحدث التمرد عقب حرب تقليدية تقوم خلالها قوة أو تحالف غاز بالإطاحة بالحكومة القائمة، و تحاول هذه القوة بناء حكومة جديدة من الصفر (أو تبني إصلاح جذري للهيكل القائم) في الوقت الذي يعارض فيه المتمردون ذلك بشكل متزايد. ففي هذا السيناريو ربما لم يكن من المتوقع النظر في تحديات مكافحة التمرد، أو أنه لم يُؤخذ احتمال التمرد نفسه في الاعتبار خلال دراسة القرار الأصلي للغزو. ومع ذلك فبحلول الوقت الذي يتجلى فيه تهديد المتمردين، قد لا يكون أمام الحكومات المتدخلة من خيار سوى البقاء ضمن التزام بحملة طويلة الأمد ومكلفة لمكافحة العصيان.
إنه من المهم أن ندرك أن قرارات التدخل في أفغانستان والعراق لم تتخذ كقرارات للاضطلاع بحملات في إطار مكافحة التمرد. بل كانت العوامل الاستراتيجية والتي تم النظر فيها مختلفة جدا. ومن ثم فإن استخدام هذه الأمثلة في دراسة التدخل لمكافحة التمرد قد يكون مضللا، ويجب على صانعي السياسات توخي الحذر في رسم أوجه التشابه.
الغرض:
تختلف مكافحة التمرد عن العمليات المدنية والعسكرية الأخرى سواء في الأساليب المستخدمة أو من ناحية الهدف. فالهدف من مكافحة التمرد هو بناء دعم شعبي لحكومة تقمع أو (تشترك في قمع) حركات التمرد.
المقاربات:
تعد مكافحة التمرد استجابة لمجموعة محددة من تهديدات التمرد، وتتطلب تقييما متعمقا لهذه المصفوفة من التهديدات على أساس الفهم المتين للأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والأمنية ذات الصلة، إلى جانب معرفة تفصيلية بدوافع المتمردين، وأهدافهم، وتنظيمهم، وأساليبهم.
من الأمور الأساسية لاكتساب ثقة السكان ودعمهم: تحسين نوعية الحكم من خلال الإصلاح السياسي وتعزيز سيادة القانون، وتحقيق التنمية الاقتصادية المرجوة، وفي الوقت نفسه ينبغي استخدام مزيج من الدبلوماسية والتفاوض، وأساليب الشرطة، والعمل الاستخباراتي، والقتال العسكري والأنشطة غير القتالية لتدمير أو احتواء أو تهميش أو استقطاب المتمردين. وبالتالي فإن العمل الفعال ينطوي على توازن دقيق بين الأبعاد البناءة (إقامة حكومة فعالة تحظى بشرعية) والأبعاد المدمرة (تدمير حركات التمرد).
وكما لوحظ، فإن هناك نهجان أساسيان لاستراتيجية مكافحة التمرد:
• النهج المتمحور حول العدو: وهو الذي يصور مكافحة التمرد كسباق مع عدو منظم، ويركز أنشطته على المنظمات المتمردة. فيعتبر أن هزيمة العدو مهمة أساسية والأنشطة الأخرى بمثابة جهود داعمة.
وهناك العديد من الاستراتيجيات المتغيرة في هذا النهج، بما في ذلك المتغيرة مقابل الثابتة، والمباشرة مقابل غير المباشرة، والعنيفة مقابل غير العنيفة، واستراتيجيات الاستئصال(أي قطع الرأس) مقابل استراتيجيات التهميش. ويمكن تلخيص هذا النهج بأنه (اهزم العدو أولا، و كل شيء آخر سوف يتبع ذلك).
• النهج المتمحور حول السكان: وهو الذي ينقل الترکيز في مكافحة التمرد من هزيمة المنظمة المتمردة إلى الحفاظ على أو استعادة دعم السكان.
ويعتبر هذا النهج أن العمل العسكري ضد المتمردين لا يمثل مركز الثقل رغم أهميته، ويفترض بدلا من ذلك أن مركز الثقل يتمثل في علاقة الحكومة مع السكان. ويمكن تلخيص هذه المقاربة بأنها (حماية ودعم السكان أولا، وكل شيء آخر سوف يتبع ذلك).
إن النهج المتمحور حول العدو قد يكون فعالا ضد التمرد البسيط الذي يقوده أو يتحكم فيه مركزيا شخص كاريزمي أو قوي. في حين أظهرت التجربة التاريخية أن النهج الذي يركز على السكان يحوز فرصا أكبر للنجاح في مواجهة حركات التمرد الناضجة والتمردات المعقدة غير الهرمية.
وفي الواقع نادرا ما تكون حملات مكافحة التمرد متمحورة حول على العدو أو حول السكان كل على حدة. لكنها تشمل بشكل عام عناصر من كل منهما، تماشيا مع تغير التوازن النسبي بمرور الوقت. وكثيرا ما ينطوي كسب دعم السكان للحكومة الشرعية على لزوم كسر الروابط الأيديولوجية أو المالية أو التخويفية بين قادة المتمردين ومؤيديهم، ولو كان ذلك مع تجمع عائلي أو قروي في كل مرة6 .
خطط مكافحة التمرد ينبغي أن تبحث عن خطوط كسر محتملة حيث يكون توافق المصالح بين القيادة الأيديولوجية وجزء معين من شبكة المتمردين أضعف ما يكون. ويمكن بعد ذلك إنشاء إسفين من خلال استخدام الجزرة (الفوائد السياسية والاقتصادية والإنمائية) والعصا (الاعتقال والإزعاج).
يجب أن يكون الأفراد الرئيسيون(المتمردون الذين يربطون القبائل كلها أو التجمعات الأخرى بالقيادة المتمردة) من أولويات المصالحة أو الاحتجاز، ولكن من أجل تحقيق ذلك، فإن الفهم العميق لعلم الاجتماع الإقليمي والدوافع النسبية أمر بالغ الأهمية. ويمكن اعتبار ذلك نهجا متمحورا حول العدو، لأنه يركز على شبكة المتمردين، إلا أن هدفه النهائي هو إقناع قطاعات كاملة من السكان بقضية الحكومة.
أولوية الوسائل غير العسكرية:
على الرغم من أن توفير الأمن يمثل نشاطا ضروريا في مكافحة التمرد، إلا أنه لن يقوض حركة التمرد بمفرده. وينبغي- حيثما أمكن- تطبيق التدابير المدنية والعسكرية في وقت واحد لتحقيق النجاح عبر استراتيجية متكاملة تنزع الشرعية عن التمرد وتقوضه، كما تبني سيطرة الحكومة وتعزز الدعم الشعبي. وتشكل القوات العسكرية في مكافحة التمرد- إلى حد ما- نظام دعم للإدارة المدنية؛ يتمثل دوره في توفير ما يكفي من الحماية والاستقرار لتمكين الحكومة من العمل بأمان مع السكان، من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي والمصالحة السياسية وتفعيل المساعدة الخارجية غير الحكومية.
وحدة الجهد:
عادة ما تتطلب مكافحة التمرد بذل جهود مشتركة من قبل الأطراف المعنية. ومن المستحسن جدا توحيد الجهود على الصعيد الوطني (بين مختلف الوكالات التابعة للحكومة المتضررة) وعلى الصعيد الدولي (بين الدولة المتضررة وجميع الدول الداعمة). ولا يمكن تحقيق ذلك بسهولة ولا سيما في سياق عملية تدخل ائتلافية. ومن ثم فإن من الأمور الجوهرية وجود آليات قوية للقيادة والسيطرة، فضلا عن الجهود الدبلوماسية الرامية إلى الحفاظ على تماسك الائتلاف ودعمه. ويجب النظر في ذلك بالتفصيل في بداية الحملة، وتوفير الموارد والاهتمام الكافي خلالها.
وفي سيناريوهات الائتلاف الأكثر تعقيدا، قد يكون تعيين مستشار استراتيجي عام واحد للحكومة المستهدفة هو الوسيلة الوحيدة لضمان توحيد الجهود (يتم ذلك بشكل مثالي من خلال تفويضه وتخويله المسؤولية عن تنسيق جميع المساعدات المدنية والعسكرية الدولية).
مكافحة التمرد كبيئة خاصة
بالنسبة للقوات العسكرية، غالبا ما تتضمن مكافحة التمرد نطاقا واسعا من المهام والقدرات أكثر مما هو مطلوب في النزاعات التقليدية. فالقوات المسلحة المهيئة لخوض عمليات القتال الرئيسية عادة ما تحتاج تدريبا خاصا (وربما حتى إعادة هيكلة) لتلبية الاحتياجات الفريدة في مكافحة التمرد. أما بالنسبة للوكالات المدنية المشاركة في الأنشطة الدبلوماسية والإنمائية والإعلامية. فإن أنشطة مكافحة التمرد الخاصة بها تتعلق بالعمل في بيئات مختلفة أكثر من كونها أداء لمجموعة مهام مختلفة، إذ غالبا ما تقوم هذه الوكالات بأنشطتها في بيئات فوضوية ومعادية وغير مستقرة. وكثيرا ما تحتاج المهام إلى أن تُنفذ بطرق مختلفة إلى حد كبير، وتتطلب تدريبا خاصا وفي بعض الأوقات تتطلب تطوير قدرات جديدة.
وبغض النظر عن طرق الإنجاز، فإن الجهود الدبلوماسية والإنمائية والمعلوماتية المبذولة يحتمل أن تكون محفوفة بمخاطر حدوث نتائج غير مقصودة، مما يتطلب فهما دقيقا للسياق المحلي.
النجاح في مكافحة التمرد
يمكن اعتبار جهود مكافحة التمرد ناجحة عند استيفاء الشروط التالية:
1- عند النظر إلى الحكومة المتضررة على أنها حكومة شرعية تسيطر على المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية التي تلبي احتياجات السكان، وتملك آليات مناسبة لمعالجة المظالم التي أججت دعم التمرد.
2- تحييد حركات التمرد وقادتها أو تهميشهم أو فصلهم عن السكان.
3- حل قوات المتمردين المسلحة أو تسريحهم أو إعادة دمجهم في الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلد.
وتجدر الإشارة إلى أنه عادة ما يكون القضاء التام على نشاط المتمردين أصعب من الحد منه باعتباره تهديدا كبيرا للحكومة المتضررة. وقد يصبح من الصعب للغاية التعرف على المتمردين وتتبعهم وإعاقتهم بمجرد انخفاض قوتهم العددية ونشاطهم إلى ما دون المستوى الحرج. ونتيجة لذلك فقد يستمر وقوع حوادث التمرد بمعدل منخفض لسنوات عديدة بعد أن يتم كسر التهديد الرئيسي. وعادة ما يتراجع الدعم الدولي لمكافحة التمرد بالتنسيق مع الحكومة المتضررة بمجرد أن تنجح الأخيرة في احتواء التمرد. فيعني الجمع بين هذه العوامل أن تدخلا في مكافحة التمرد ببلد متضرر قد ينتهي قبل عدة سنوات من توقف التمرد فيها.
الفصل الثاني: مكونات استراتيجية مكافحة التمرد
شكل يوضح المقاربة المقترحة لمكافحة التمرد والتي تتضمن (الاستراتيجية السياسية-الأمن- المعلومات- الاقتصاد) ويؤدي تضافرها إلى تحقيق السيطرة وبسط النفوذ.
شكل يوضح المقاربة المقترحة لمكافحة التمرد والتي تتضمن (الاستراتيجية السياسية-الأمن- المعلومات- الاقتصاد) ويؤدي تضافرها إلى تحقيق السيطرة وبسط النفوذ.
لتحقيق الفاعلية يجب ان يتعامل المسئولون المشاركون في حملات مكافحة التمرد مع أمرين ضروريين على قدم المساواة، وهما: العمل السياسي والعمليات الأمنية، مع الاعتراف بأن التمرد هو في جوهره صراع سياسي مسلح وأن العمليات الأمنية الفعالة- وإن لم يكن من المحتمل أن تحقق النجاح بنفسها- هي شرط مسبق لإيجاد حل سياسي.
توفر العمليات الأمنية- التي تجري دعما لاستراتيجية سياسية بالتنسيق مع أنشطة التنمية الاقتصادية، والمتكاملة مع الحملة الإعلامية: الأمن البشري للسكان، وتحسن الوضع السياسي والاقتصادي على الصعيد المحلي. فمن شأن ذلك أن يزيد من قبول المجتمع للحكومة، مما سيزيد من الدعم الشعبي لحملة مكافحة التمرد. ولذلك فإن مهام مكافحة التمرد تشمل مكونات إعلامية وأمنية وسياسية واقتصادية، وكلها مصممة لدعم الهدف العام المتمثل في إنشاء وتعزيز السيطرة على البيئة المحلية، ثم نقل السيطرة إلى سلطات محلية فعالة وشرعية.
ويهدف الرسم في الصفحة السابقة إلى مساعدة صانعي السياسات على تصور تفاعل مكونات مكافحة التمرد من خلال توضيح الوظائف الرئيسية لإطار العمل الشامل لمكافحة التمرد. ويستند هذا النهج إلى النظرية التقليدية لمكافحة التمرد، ولكنه يتضمن أيضا أفضل الممارسات التي برزت من خلال الخبرة المكتسبة عبر العديد من العمليات المعقدة خلال العقود الأخيرة.
فهذا الرسم هو أداة للتصور وليس قالبا للعمل. والمقصود منه أن يوضح لصانعي السياسات ومنفذي البرامج أين تتناسب جهودهم مع استراتيجية أو حملة مكافحة التمرد، بدلا من إخبارهم بما يجب القيام به في حالة معينة (فهي مساعدة للتعاون وليست خطة عملياتية).و ترتبط هذه المهام ببعضها البعض في المقام الأول من خلال المعلومات التي تشكل أساس الجهد و تتكامل معه كله، لتحقيق الهدف المشترك للحملة والمتجسد في تحقيق مهمة السيطرة.
المعلومات:
المعلومات هي الأساس لجميع الأنشطة الأخرى، وهي التي توفر الروابط التي تسمح للعناصر الوظيفية المنفصلة أن تتعاون كوحدة متكاملة. ويُعد جمع المعلومات وصياغتها وتخزينها ونشرها أمرا حاسما، لمساهمته في تشكيل الوعي والفهم بطبيعة الصراع لدى جميع الأطراف الفاعلة.
يمكن تقسيم تدفق المعلومات في مكافحة التمرد إلى تلك المعلومات التي نود أن تستوعب من أجل تحديد نهجنا أي المعرفة، والمعلومات التي نود نشرها من أجل التأثير على السكان. وفي الوقت نفسه نهتم بإعاقة تدفق المعلومات للجماعات المتمردة؛ سواء من جهة جمع المعلومات الاستخباراتية أو قدرتهم على التأثير.
المعرفة:
يجب أن تستند القرارات في جميع مستويات مكافحة التمرد، على فهم مفصل وواع ببيئة التمرد. إذ لا يمكن أن تكون استراتيجية مكافحة التمرد أفضل من درجة الفهم الذي تستند عليه. وتشمل المعلومات المطلوبة لتوليد هذا الفهم نطاقا أوسع كثيرا من المواضيع التي تقع عادة تحت كنف الاستخبارات العسكرية.
ففي الحرب التقليدية يحتاج صناع القرار غالبا لمعلومات استخبارية عن العدو، ولكنهم يحتاجون بالمقام الأول في حملة مكافحة التمرد إلى معلومات استخبارية عن السكان. ولذلك يجب أن تتضمن معلومات الاستخبارات الخاصة بمكافحة التمرد الخصائص المميزة للنظم المختلفة في الدولة، بما في ذلك المعارف السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبنية الأساسية والمعلوماتية والبيئية.
على المستوى الاستراتيجي: من المطلوب فهم العوامل السكانية الكامنة خلف التمرد، ومراحل تطوره، والإصلاحات اللازمة لمعالجة أسبابه، ومدى استعداد الحكومة المتضررة وقدرتها على إجراء تلك الإصلاحات وتداعيات التدخل الأجنبي.
على المستوى العملياتي: من المطلوب والضروري فهم نقاط القوة ومواطن الضعف في استراتيجية المتمردين، ونقاط القوة والضعف لدى الحكومة المستهدفة، واحتياجات السكان، وردود الفعل المتواصلة على درجة نجاح الجهود الجارية لمكافحة التمرد .
على المستوى التكتيكي: من المطلوب فهم هوية المتمردين الناشطين وشبكاتهم وخدماتهم اللوجستية وقدراتهم ونواياهم. كما أنه من المفيد جدا أن نفهم آراء واهتمامات المدنيين غير المقاتلين والأمور التي تثير تعاطفهم من أجل التأثير عليهم، واكتساب المزيد من المعلومات الاستخباراتية، وعزل المتمردين.
إن جميع أشكال جمع المعلومات الاستخباراتية لها دور في مكافحة التمرد، ولكن تاريخيا أسهمت المعلومات الاستخباراتية المستقاة من مصادر بشرية ( تشمل المدنيين والعملاء والأسرى والمسلحين التائبين) في تحقيق أكبر قدر من النجاح.
أحد أبرز نقاط الضعف الحساسة التي تعاني منها العمليات المشتركة تتمثل في الفشل في إدارة وتبادل الخبرات والمعلومات. وينطبق هذا بصفة خاصة على “مكافحة التمرد” التي يعد خلالها (الأساس المشترك للفهم) بمثابة مفتاح التعاون الفعال.
• التأثير: يتطلب العمل الفعال لمكافحة التمرد تشكيل آراء معينة بين العديد من الفئات السكانية المختلفة عبر مجموعة من الرسائل والإجراءات لكل من:
– الأمة المتضررة: فإن الهدف الأساسي من التأثير في مكافحة التمرد هو بناء الثقة في الحكومة مع الحد من مصداقية وتأثير المتمردين. لهذا ينبغي أن تدعم جميع الإجراءات والرسائل هذا الهدف.
– سكان الولايات المتحدة: عندما تتدخل الولايات المتحدة تدخلا مباشرا لدعم الدولة المتضررة، فإن التكاليف المالية والبشرية غالبا ما تكون مرتفعة وممتدة لفترة طويلة. وبالتالي سيكون التفهم والدعم في الولايات المتحدة أمرا أساسيا إذا ما أريد للأمة أن تظل منخرطة في الصراع لفترة كافية كي تحقق تأثيرا حاسما.
– البلدان المجاورة: إذ تعتمد العديد من عمليات التمرد على ملاذات آمنة في البلدان المتاخمة للدولة المتضررة. وقد يُعطي الملاذ عن طيب خاطر، أو قد يكون خارج سيطرة حكومة الجوار، وحتى في الدول غير الديمقراطية والمناطق غير الخاضعة لأي سلطة حكومية، غالبا ما ستظل هناك مزايا تنتج من الجهود المبذولة للتأثير على السكان.
– دول التحالف: لأنه تنادرا ما يكون العزم السياسي عبر ائتلاف مكافحة التمرد ثابتا على الدوام. ويجب أن يدرك صناع السياسة في الولايات المتحدة الصعوبات التي سيواجهها بعض أعضاء الائتلاف في الحفاظ على استمرارية الدعم الشعبي لمشاركتهم.
– مجتمعات الشتات: كما سبقت مناقشته، يمكن لمجتمعات الشتات أن تلعب دورا هاما في دعم أو مقاومة عمليات التمرد. فالتأثير الإيجابي هنا يمكن أن يدر أرباحا.
إنه من النادر أن يكون الفصل الكامل للرسائل بين هذه المجموعات السكانية المختلفة أمرا ممكنا، ويلزم وجود درجة عالية من التنسيق للسماح بتكييف الرسائل مع الجماهير المختلفة دون تناقض. فيجب أن تستمد استراتيجية التأثير من مجموعة من السرديات الاستراتيجية التي ينبغي أن تُستمد منها جميع الرسائل والإجراءات. وستكون روايات الحكومة المتضررة والدول الداعمة مختلفة ولكنها مكملة لبعضها البعض.
يجب أن تعالج الرسائل والإجراءات: الدوافع الأيديولوجية والاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية التي تؤثر أو تولد شعورا بالمصلحة والهوية المشتركة بين السكان المتضررين وأصحاب المصلحة الدوليين. وعليهم أيضا أن يواجهوا أيديولوجية المتمردين من أجل تقويض دوافعهم وحرمانهم من الدعم الشعبي والملاذين (المادي والافتراضي). وعند القيام بذلك، ينبغي أن يسعى مكافحو التمرد إلى كشف التناقضات في الدوافع (بين الأيديولوجيات المختلفة أو بين الأيديولوجيا والمصلحة الذاتية) الموجودة داخل صفوف شبكات المتمردين.
كما أنه لتعزيز شرعية الحكومة المتضررة، ينبغي تنسيق الرسائل الموجهة إلى السكان تنسيقا وثيقا مع مسؤولين متخصصين. ويجب أن تكون الموضوعات والرسائل بسيطة لا تُنسى، ويجب أن يتردد صداها بين السكان. وهذا يتطلب فهما تفصيليا لبيئة العمل التي يجب تحديثها باستمرار، ويلزم إجراء تحليل مفصل للجمهور المستهدف من كل مجموعة سكانية على حدة، واعتماد أدوات قياس فعالة وجديرة بالثقة لتقييم مدى نجاح الرسائل، وإعادة تقييمها إن لزم الأمر.
ويتم تسليم الرسائل جزئيا من خلال الأنشطة الإعلامية، وبشكل أكثر عمقا ومصداقية من خلال الآلاف من التداخلات اليومية بين السكان والحكومة وقوات الأمن. فكل عمل في مكافحة التمرد يرسل رسالة، مما يعني أن الكلمات والأفعال يجب أن تكون متزامنة.
إن الرسائل لا ينبغي أن تكون معسولة أو ملفقة، بل يجب أن تستند إلى الحقيقة وتعكس رغبة حقيقية من جانب الحكومة المتضررة في إجراء إصلاحات حقيقية تلبي احتياجات شعبها.
وبما أن الفشل في الوفاء بالوعود عادة ما تكون له نتائج عكسية للغاية، لذا يجب على المسؤولين توخي الحذر في تقديم الوعود، ومتابعة تنفيذ الوعود السابقة بهدف تحقيق أو تجاوز مستوى توقعات السكان.
صراع المعلومات: إن تدفق المعلومات (الاستخبارات والتأثير) مهم للمتمردين كما هو مهم لمكافحة التمرد. فيجب أن تسعى حملة مكافحة التمرد إلى الحد من المعلومات الاستخبارية المتاحة للمتمردين من خلال استخدام التجسس المضاد والخداع، وحيثما أمكن بفصلهم ماديا عن الجماهير. وبالمثل فإن قدرة المتمردين على ممارسة النفوذ يجب أن تقيد بالفصل البدني، وبالمواجهة المسبقة والآنية لرسائلهم.
إنه من الممكن أن تكون أنشطة التأثير (الإجراءات والرسائل) أنشطة استباقية أو مجرد رد فعل. وتوفر الاستباقية مزية ذات تأثير كبير، لأن الانطباع أو التقرير الأول عن الحدث الذي يصل إلى عدد من السكان سينتشر في كثير من الأحيان على نطاق أوسع، وسيكون في وقت لاحق أكثر مقاومة للروايات الأخرى. ويقوم المتمردون الأكثر فاعلية في هذا المجال بتصميم عمليات كاملة لزيادة تأثيراتهم الفكرية. فمكافحة التمرد الناجحة تتطلب نهجا للتأثير مُعد مسبقا، خلاقا وخصبا في ترويج الرسائل.
وما سبق يوضح أن التصدي لرسائل المتمردين يتطلب عنصرا تفاعليا في أنشطتنا التأثيرية. فالسرعة هي جوهر المسألة. وبالتالي كلما طالت مدة إطلاق الرد أو التكذيب أو الرسالة المضادة، كلما أصبحت أقل أهمية وفاعلية. وبشكل تراكمي فبغض النظر عن أيهما كان بطل الرواية (المتمردين أو مكافحي التمرد) فإن الأسرع في معالجة دورة الرسائل ستكون له مزية كبيرة في الفوز بالتأثير.
سيحدث بعض التأخير من قبل مكافحي المتمردين لأنهم في حاجة إلى إجراء تحقيقات حول الأحداث وتقصي الحقائق (وهي عقبة يُعفى منها المتمردون في أغلب الأحيان). وبالرغم من ذلك فإن الرد المتحفظ هو -بوجه عام- أفضل من الصمت. لكن التأخير الناتج من الإجراءات البيروقراطية هو ما يصعب تبريره.
إن حساسية الوقت لعمليات التأثير وتفاعلاتها تتطلب استخدام مكافحي التمرد لتفويض السلطات، والفهم الشامل من قبلهم للوضع، وتوافر درجة من تحمل المخاطر على امتداد سلسلة القيادة في تشابه قوي للمفهوم العسكري لدورة (راقب – وجه – قرر – نفذ) ونظرية النهج الموجه نحو المهمة.
أهمية التفاوض
الأمن:
في سيناريوهات مكافحة التمرد كثيرا ما يُستخدم مصطلح الأمن للإشارة إلى درجة تمكن الحكومة من قمع نشاط المتمردين في منطقة ما. ومع ذلك فإن مفهوم الأمن البشري هو مقياس أكثر تعقيدا لا يمكن قياسه إلا من خلال تجميع التصورات الفردية عبر المجتمع. فالشاغل الأهم هو غياب العنف البدني، ولكنه يشمل العوامل الأخرى ذات الصلة كالحفاظ على القوانين وحماية حقوق الإنسان وحرية ممارسة النشاط الاقتصادي والسلامة العامة (الحرائق والإسعاف وما إلى ذلك) والصحة العامة (مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي وما إلى ذلك).
إن التركيز على الأمن المادي ليس بالضرورة مؤشرا على أن المفهوم الأوسع للأمن البشري ليس مهما، بل هو أكثر إلحاحا. وينبغي أن تكون الحالة النهائية لتوفير الأمن البشري داخلة في الجهود الأوسع نطاقا والرامية إلى تحسين مستوى الحكم وصولا إلى المستوى المحلي.
ويجب ألا تقتصر جهود الأمن المادية كثيرا على تعزيز القوات العسكرية وقوات الشرطة في البلد المتضرر. بل ينبغي أن يكون بناء القدرات جزء من عملية أوسع لإصلاح القطاع الأمني، حيث يتم فيها تطوير النظام برمته، فيتضمن ذلك: المؤسسات المدنية التي تشرف على قوات الأمن وأجهزة الاستخبارات والإطار القانوني ومؤسسات العدالة (خدمات الادعاء، والقضاء والسجون) التي تنفذها. ومن المهم بصفة خاصة، أن يمتد الشعور بالمسؤولية والمساءلة المدنية إلى المستوى المحلي وأن يكون جميع عناصر الأجهزة الأمنية محل ثقة لدى السكان.
إن أخذ هذا الرأي الأوسع نطاقا للأمن مفيد جدا للبلدان المشاركة في مكافحة التمرد، لأنه يربط بين الحد من العنف وتحسين العديد من المسائل الأكثر أهمية بالنسبة للسكان. والواقع أن فاعلية إصلاح القطاع الأمني (وخاصة إصلاح قطاع العدالة) قد تعالج العديد من المظالم التي أدت في البداية إلى تأجيج التمرد.
وينبغي أن تجري عملية إصلاح القطاع الأمني بطريقة متوازنة ومتسلسلة بعناية، وإلا فإنها قد تكون ذات عواقب سلبية غير مقصودة. وعلى سبيل المثال: فإن التحسن الكبير في قدرة الشرطة لن يؤدي إلا إلى الفساد إذا ظل النظام القضائي منحرفا بطبيعته ولا يحاكم الأشخاص المعتقلين. وقد يكون هناك ميل للشرطة إلى أن تقيم العدالة بيديها في شكل عمليات قتل خارج نطاق القانون. وبالمثل فإن زيادة القدرات العسكرية والكفاءة قد تزيد من خطر القيام بانقلاب عسكري إذا لم تكن آليات الرقابة المدنية قائمة، إذ يعتبر الجيش الحكومة فاسدة أو غير فعالة. فنقرر مرة أخرى: إن الفهم السليم للسياق أمر بالغ الأهمية.
إنه في العديد من الديمقراطيات المستقرة، تكون القوات العسكرية مسئولة بالدرجة الأولى عن الدفاع ضد التهديدات الخارجية في حين أن الشرطة مسئولة عن الحفاظ على القانون والنظام الداخليين. ومع ذلك، فغالبا ما تنشأ حالات مكافحة التمرد لأن الشرطة غير قادرة على الحفاظ على النظام (سواء أكان ذلك من خلال الافتقار إلى القدرة، أو كان من ضعف الكفاءة، أو الفساد، أو المحاباة) ومن ثم يكون التدخل العسكري ضروريا في أغلب الأحيان.
إن إعادة البناء السريعة لجهاز الشرطة أمر مرغوب فيه للغاية، لأنه يعزز من اعتبار المتمردين كمجرمين بدلا من اعتبارهم كمقاتلين من أجل الحرية، ويُبرز التزام الحكومة بدعم الإطار القانوني في زمن السلم. ومن غير المرغوب فيه أيضا أن يقوم الجيش بدور كبير جدا في تقديم الخدمات المدنية المحلية لأن ذلك قد يخل بتوزيع السلطة داخل الحكومة ويزيد من خطر الانقلاب العسكري.
إن للحكومة الأمريكية قدرة كبيرة من خلال وزارة الدفاع على تطوير القوات العسكرية للدولة المتضررة. لكن قدرة الولايات المتحدة على المساعدة في مجالات أخرى مثل إصلاح القطاع الأمني، محدودة حاليا بسبب ضعف إمكانات7 الانتشار للمساعدة في أعمال الشرطة والقضاء وصياغة القوانين، وقد تتمكن بلدان أخرى داخل الائتلاف من تقديم مساهمة كبيرة في هذا المجال.
تطرح المناطق غير الآمنة تحديات خاصة أمام العديد من الجهات الفاعلة الأكثر قدرة على معالجة أوجه القصور السياسية والإنمائية، ولكن هذا لا يعني أن ترسيخ الأمن يجب أن ينظر إليه كمقدمة ضرورية للنشاط الاقتصادي والحكم، بل ينبغي تطوير الأمن والجهود الاقتصادية والسياسية في وقت واحد. والمصطلح الشائع “نظف- سيطر- ابن” مفيد جدا، ولكنه ربما يُفسر على أنه تسلسل جامد أكثر من أنه مصطلح نافع جدا وضروري دائما8 .
الاستراتيجية السياسية
الاستراتيجية السياسية هي المهمة الرئيسية في مكافحة التمرد، لأنها توفر إطارا للمصالحة السياسية والإصلاح والتعبئة الشعبية وبناء القدرات الحكومية، بحيث تنظم حوله جميع البرامج والأنشطة الأخرى. وبصفة عامة فإن التقدم المحرز في حملة مكافحة التمرد يعتمد على الاستراتيجية السياسية التي يدعمها. وإذا كانت الاستراتيجية السياسية غامضة أو غير واقعية أو تفتقر إلى الدعم من أصحاب المصالح المحليين أو الدوليين، فمن غير المحتمل أن تنجح الحملة أيا كانت كفاءة برامجها الفردية.
تركز الاستراتيجية السياسية الفعالة على تعزيز كفاءة الحكومة وقدرتها على الاستجابة – وأن ينظر إليها على أنها تستجيب- لاحتياجات شعبها. وبحكم التعريف، فإن الحكومة التي تواجه التمرد ستتطلب درجة من تعديل السلوك السياسي (الإصلاح السياسي الموضوعي ومكافحة الفساد وتحسين الحكم) من أجل معالجة المظالم التي أدت إلى اندلاع التمرد بنجاح في المقام الأول. وقد تكون الدول الداعمة قادرة على المساعدة في هذه الإصلاحات.
وحيثما تمنع البيئة الأمنية الوكالات المدنية الأمريكية من العمل بحرية، فقد يُطلب من الجيش الأمريكي تقديم دعم واسع النطاق للجهود السياسية والاقتصادية والحكومية. وسيكون هذا هو الحال أثناء مرحلة “فرض السيطرة” في كل حملة من حملات مكافحة التمرد، وفي كثير من الحالات سيكون الوضع كذلك طوال الحملة.
يعتبر التفاوت في قبول المخاطر والاختلال الكبير والدائم في الموارد بين الوكالات المدنية والعسكرية حقيقة من حقائق الحياة التي يجب على المسؤولين وصانعي السياسات التخطيط لها وفقا لذلك.
الوظيفة الاقتصادية والتنموية
تشمل الوظيفة الاقتصادية والإنمائية في مكافحة التمرد: الإغاثة الإنسانية الفورية وتوفير الخدمات الأساسية مثل المياه الآمنة والصرف الصحي والرعاية الصحية الأساسية والمساعدة في سبل كسب العيش والتعليم الابتدائي فضلا عن البرامج طويلة الأجل لتطوير الهياكل الأساسية لدعم الزراعة والصناعة، والأنشطة التعليمية والطبية والتجارية. وتشمل أيضا الجهود الرامية إلى بناء القدرة الاستيعابية للاقتصادات المحلية، وتوليد إيرادات حكومية ومجتمعية من النشاط الاقتصادي (وقد يكون الكثير منها سابقا غير مشروع أو غير رسمي).
قد تكون المساعدة في إدارة الموارد والهياكل الأساسية الفعالة بما في ذلك تشييد البنية التحتية الرئيسية ذات أهمية حاسمة لجهود مكافحة التمرد. ويجب أن تتناسب مع رغبة الحكومة المتضررة في إجراء الإصلاحات الرئيسية، والقدرة على استيعاب الدعم، والقدرة على إدارة نتائجها.
إن المبدأ الأول لمعظم وكالات التنمية يتمثل في ضمان ألا تؤدي أنشطتها إلى أي ضرر، وأن تنمي فوائد مستدامة في المناطق المعنية، وهي تسعى إلى ضمان تحقيق ذلك من خلال تقييم عميق لملابسات الموقف، ثم تطبيق أدوات إدارة البرنامج، كي توفر التقديرات والإصلاحات المطلوبة بشكل مستمر. ويعرض سيناريو “مكافحة التمرد” تحديات خاصة أمام الاضطلاع بالنشاط الاقتصادي والإنمائي. فمثلا:
الأمن: غالبا ما يكون هناك ارتباط جغرافي بين المناطق التي ينشط فيها المتمردون والمناطق الأكثر حاجة إلی التنمية.
وقد يستهدف المتمردون وكالات التنمية والمنظمات غير الحكومية على وجه التحديد، مما يحد من قدرتها على العمل بشكل مستقل ويزيد من اعتمادها على القوات العسكرية للقيام بهذا الدور.
النطاق الزمني: غالبا ما يسعى مكافحو التمرد إلى إحداث تحسن سريع وواضح في نوعية الحياة والفرص الاقتصادية في المناطق التي تنفذ بها عمليات أمنية تهدف لقمع نشاط المتمردين. والغرض هو أن يرى السكان فائدة واضحة من سيطرة الحكومة. لكن المشاريع السريعة الأثر عادة ما تفتقد لعمق التقييم الذي يسبق البرامج المدروسة بروية، وبالتالي فقد تكون أكثر عرضة للعواقب غير المقصودة. كما أنها تعطي إحساسا أقل بالتفاؤل الاقتصادي والالتزام طويل الأجل من جانب الحكومة المتضررة ومؤيديها الدوليين.
المساواة: يمكن للمساعدات الأمريكية أن تؤثر في بعض الأحيان على زعيم محلي أو عنصر سكاني معين. بيد أن تقديم المساعدة إلى أي جزء من السكان يمكن أن ينظر إليه على أنه تفضيلي وتمييزي من جانب جماعات أخرى، وقد يؤدي في الواقع إلى تفاقم التوترات الطائفية أو الإقليمية أو القبلية الكامنة. ويصدق ذلك بوجه خاص عندما تكون التنمية مستهدفة بالفعل من أجل التأثير السياسي.
فمع أن استخدام التنمية لشراء الولاء قد يكون فعالا على الفور في الحد من العنف، إلا أنه على المدى الطويل قد يعزز الفساد، ويقلل من مصداقية الحكومة المتضررة ومؤيديها الدوليين. فينبغي تخصيص موارد التنمية بطريقة متوازنة ويجب ألا يُنظر إليها على أنها مكافأة على السلوك السيئ.
الفساد: إن حاجة مكافحة التمرد لبناء مصداقية وفاعلية الحكومة المتضررة قد تقتضي توجيه موارد التنمية من خلال وزارات الحكومة. بينما تتسم الحكومات التي يندلع ضدها تمرد غالبا بانتشار الفساد داخل أروقتها، وبالتالي قد تعتبر غير صالحة للتعامل مع المساعدات المالية الأمريكية، ولكن تجاوز تلك الوزارات قد يؤدي إلى إضعافها أكثر، لذا ينبغي تنفيذ تدابير وقائية من الفساد في إطار برنامج أوسع لتنمية القدرات البشرية، وإن كانت غالبا ما تستغرق فترة زمنية طويلة كي تصبح فعالة.
الحساسية قد تكون ضرورية في تعريف الفساد في سياق الثقافات الأخرى أو الأعراف المعمول بها، وبالمثل ينبغي اتخاذ قرار بشأن متى أو ما إذا كان ينبغي محاولة التغيير بعناية، وموازنة التأثير من حيث كل من إمكانات النجاح، والنتائج المرجوة.
الرقابة: غالبا ما تقوم المنظمات غير الحكومية بنصيب كبير من النشاط التنموي في سيناريوهات مكافحة التمرد، لكنها لن تهتم دائما بكل شكل من أشكال التوجيه من الدولة المتضررة أو من المسئولين الأمريكيين المتدخلين، وهذا يقلل من قدرة مكافحي التمرد على توقع ومنع العواقب غير المقصودة لنشاط التنمية.
السيطرة:
تسهم الوظائف الأربع (المعلوماتية والسياسية والأمنية والاقتصادية) في تحقيق الهدف العام المتمثل في تمكين الحكومة المتضررة من السيطرة على بيئتها. ويعني ذلك القدرة على احتواء نشاط المتمردين (وتيرة العمليات ومستوى وشدة العنف، ودرجة عدم الاستقرار التي يولدها) بحيث يدعم السكان الحكومة ضد المتمردين على المدى الطويل، مع الإشارة إلى أن هذه المعادلة قد تختلف من مجتمع إلى آخر.
إن التقدم في السيطرة ضمن حملة مكافحة التمرد غالبا ما يتطور عبر ثلاث عمليات متداخلة: البناء والدعم والنقل (أو الانتقال):
1- بناء السيطرة: خلال المراحل الأولية تسعى الحكومة التي تقوم بمكافحة التمرد إلى فرض سيطرتها على البيئة. وهذا يتطلب السيطرة على التضاريس والبنية التحتية الرئيسية، وأصول الإنتاج الاقتصادي، وحركة السكان والموارد وتدفق المعلومات. وفي المراحل الأولى ستكون هناك دائما حاجة إلى اللحاق بالمتمردين الذين اكتسبوا سبق المبادرة، وحققوا دعما شعبيا، وقوضوا الحكومة. ولأن السكان غالبا ما يخشون من المتمردين، فإن استخدام القوة (عمليات الأمن النشطة أو القاتلة لتصفية أو القبض على المتمردين) تمثل سمة هامة من سمات هذه المرحلة من الحملة.
فمن المعتاد أنه عندما يرى السكان المتمردين يخسرون معاركهم ضد الحكومة، ويرون مقتل أو القبض على قادة المتمردين الذين كانوا في الماضي يخوفونهم، فسوف يبدأ دعم السكان يتغير تدريجيا ليصطفوا خلف الحكومة. غير أن فرض السيطرة لا يتطلب الهزيمة العسكرية للمتمردين فحسب، بل يتطلب أيضا تهميشهم سياسيا وتوفير المنافع الاقتصادية والحكومية للسكان من أجل الحد من جاذبية المتمردين.
2-التوطيد: بعد فرض السيطرة في منطقة واحدة، تسعى الحكومة إلى توسيع نطاق سيطرتها وترسيخها (من الناحية الجغرافية والديموغرافية والوظيفية). وهذه المرحلة هي عادة أطول مدة، وتدوم سنين أو حتى عقودا. وفي مكافحة التمرد، فإن السيطرة على التجمعات والمراكز السكانية أكثر أهمية من السيطرة على الأراضي. فيتطلب توطيد السيطرة استبدال شبكات المتمردين بشبكات مؤيدة للحكومة، واستئصال خلايا المتمردين السرية وتفكيك بنيتهم التحتية، والقضاء على هياكل الحكم غير المشروعة، وإزالة النشاط الاقتصادي غير القانوني الذي يدعم المتمردين.
إن المؤشر الرئيسي للنجاح في تلك المرحلة يتمثل في درجة السيطرة الحكومية في كل منطقة وليس في مستوى العنف الذي يمارسه المتمردون، حيث إن درجة العنف تنخفض غالبا في مناطق سيطرة الطرفين، وتزداد في المناطق المتنازع عليها.
هذه المرحلة تنطوي على تدخل عسكري لكنه أقل كثيرا مما كان في المرحلة الأولى، فالجيش يتابع بدون تدخل في حين أن الشرطة والاستخبارات والحوكمة والمعلومات والبرامج الاقتصادية تتولى زمام المبادرة، بالتوازي مع عمل القادة السياسيين على حل المظالم الرئيسية وحشد الدعم الشعبي لإنهاء التمرد.
وكثيرا ما تندلع في هذه المرحلة أعمال عنف من قبل المتمردين، أو يقومون بعمل استفزازات واسعة النطاق، أو يرتكبون فظائع، تهدف إلى عرقلة توطيد سيطرة الحكومة. وبالتالي فإن المسرح بأكمله (أو أجزاء منه، مما سبق أن تم تطهيرها بالفعل) قد تسقط مجددا تحت سيطرة المتمردين.
يجب أن تدار عملية التوطيد بعناية للاحتراز من البطء الشديد (والذي يؤدي إلى الإحباط الشعبي وسقوط المناطق الرئيسية في يد المتمردين) أو التقدم بسرعة كبيرة (والذي يؤدي إلى إرسال قوات أمن محلية غير ملائمة في مرحلة مبكرة أو اعلان مرحلة انتقالية مبكرة قبل أن تتم السيطرة بالكامل).
وفي الحملات الأميركية لمكافحة التمرد، ينبغي تحقيق التوازن بين ميل المسئولين إلى تسليم السلطة لقيادة محلية منتخبة، وبين احتياجات السيطرة على المنطقة حتى يتمكن هؤلاء القادة من مباشرة مسئولياتهم وفق منظومة عمل مستقرة.
3-انتقال السلطة: يستخدم مصطلح (انتقال السلطة) لوصف كل من: نقل السلطة من الدولة المتدخلة إلى الدولة المضيفة، وأيضا تسليم السلطة من القوات العسكرية الوطنية إلى السلطة المدنية المحلية (وهي خطوة أساسية في تطبيع البيئة وإنهاء التمرد). وعلى الرغم من أن المرحلة الانتقالية قد وُصفت أخيرا في هذا التسلسل النظري، فإن الانتقال يحدث في جميع مراحل الحملة، حيث تصبح للهياكل المدنية للسكان المحليين شرعية وفاعلية ومصداقية كافية.
وفي التدخل سيعتمد الجدول الزمني الخاص باستراتيجية انسحاب القوة الخارجية اعتمادا كليا تقريبا على المعدل الذي تُبنى من خلاله القدرات المحلية، وإبرازها على أنها فعالة تحوز المشروعية. وهذا يتطلب قدرا كبيرا من الوقت والموارد ويجب التخطيط له بعناية منذ البداية، كما يتطلب نمط وتسلسل هذه العملية بصيرة كبيرة، وهي من أصعب القرارات التي يتعين على المسؤولين توجيه حملة مكافحة التمرد للقيام بها. ومن أمثلة ذلك حملات مكافحة التمرد التي أتاحت خلالها التقديرات السيئة (أو عمليات الانتقال المتسرعة) الفرصة لعودة المتمردين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الانتقال البطيء جدا قد يصعب من القدرة على إدراك دلائل التقدم الملموسة مما يؤدي إلى فقدان الدعم السياسي المحلي للحملة. كما أنه يخاطر بخلق ثقافة تبعية تتضاءل عبرها الرغبة في الحكم الذاتي.
العلاقة بين المهام: إن الحفاظ على توازن رشيق ومرن بين المهام الرئيسية لمكافحة التمرد أمر صعب ولكنه مهم للغاية. فعلى سبيل المثال يمكن لبرامج المساعدة الاقتصادية ذات الوجود الأمني غير الكافي أن تخلق ببساطة مجموعة من الأهداف الرخوة للمتمردين. كما يمكن للمساعدة الأمنية في غياب القيادة السياسية الكفؤة والرقابة أن تتسبب في نشوء جماعات خارجة عن سيطرة الحكومة أكثر قوة وتسليحا. وعلاوة على ذلك، ففي حين أن العمل قد يقع ضمن مهمة واحدة، فإنه غالبا ما تكون له آثار فورية على المهام الأخرى. فيجب إدماج الجهود لأن من المستحيل الفصل بين آثارها وكثيرا ما تكون مكملة لبعضها البعض. ويتطلب الحفاظ على التوازن بين المهام نظاما متكاملا لإدارة النزاعات (يمكن أن يستند إلى نظام لجان مشتركة أو نموذج قيادة متكامل، أو تحالف استشاري أو مجموعة من التدابير) التي تشكل الاستراتيجية الشاملة لمكافحة التمرد، وتنسق أنشطة الوكالات الرئيسية (المدنية والعسكرية والدولة المتضررة، والخارج / والائتلاف).
الفصل الثالث: الفاعلون
صورة من ألبوم الرقيب كريستيان فوستر
على اليمين جيمس كوندر نائب مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وأعضاء فريق إعادة الإعمار الإقليمي يناقشون قضايا التنمية مع شيخ عراقي (صورة من ألبوم الرقيب كريستيان فوستر، وزارة الدفاع).
(1) الحكومة المتضررة
الحكومة المهددة بتمرد وليد أو نشط هي أهم فاعل في مكافحة التمرد. إذ لا يمكن للفاعل الخارجي مهما كانت درايته وحماسته أن يعوض بشكل كامل ضعف الإرادة أو عدم الكفاءة أو السلوك غير المثمر من قبل الحكومة التي يدعمها، وبالتالي لا يمكن توصيف أي حملة لمكافحة التمرد بأنها جيدة إلا وفقا لمدى نجاعة الاستراتيجية السياسية التي تعتمدها الدولة المتضررة.
إن تصور حكومة الولايات المتحدة لدور كل فاعل في مكافحة التمرد (بما في ذلك دورها الخاص) قد لا يتطابق مع تصور الجهات الفاعلة الأخرى أو السكان. بالإضافة إلى ذلك قد يعتبر المتمردون أن التدخل الأميركي يأتي في سياق اعتداء أجنبي على بلدهم، وهو التوصيف الذي قد يتردد صداه لدى السكان المتضررين. وهؤلاء السكان ربما يدعمون أو يقدرون الأمن الذي توفره القوات الأجنبية وقد لا يدعمونه، ولكنهم بكل تأكيد سوف يرونه بمثابة تدخل خارجي ومؤقت؛ لذا فإن ولاءهم على المدى الطويل سيتأرجح مع الفاعل المحلي (الحكومة أو المتمردين) وفقا للجهة التي تلبي احتياجاتهم، وتتسق مع هويتهم السياسية، وتوفر الأمن على أفضل وجه. ولذلك فإن مكافحة التمرد الفعالة تتطلب أن تقود الحكومة الوطنية الأنشطة الرئيسية لها (في نظر السكان المحليين).
ففي ظل الظروف المثالية لا تعمل القوات الأجنبية بشكل مستقل عن الحكومة المتضررة، إنما تضطلع بأنشطة سياسية أو اقتصادية أو غيرها من أنشطة المساعدة الإنمائية بناء على طلب الحكومة.
أوضاع العالم الحقيقية ليست مثالية، فالحكومات الفعالة والشرعية التي تلبي احتياجات شعوبها، وتملك القدرة على إدارة التهديدات الأمنية الداخلية من غير المرجح أن تحتاج مساعدة خارجية لمكافحة التمرد. أما الحكومات التي تلجأ إلى المساعدة الخارجية فتحتاج دائما إلى التشجيع والعون لمعالجة أوجه القصور في الإدارة والفساد والمشاكل الحقيقية والملموسة التي يستخدمها المتمردون لتعبئة السكان. وبشكل مشابه ففي الحالات التي ينمو فيها التمرد بعد تغيير النظام قسريا، ستخضع الحكومة المتضررة لإصلاحات كبيرة أو حتى لبناء مؤسساتها من الصفر. فالدولة أو الائتلاف المتدخل سيحتاج غالبا إلى استيعاب أو إقناع أو الضغط أحيانا على الحكومة المحلية للتخلي عن سلوكياتها غير الإيجابية، واتخاذ خطوات حقيقية لإصلاح ممارساتها، وكسب تأييد شعوبها، وإظهار فعاليتها وشرعيتها. علما بأن هناك أربع سمات يمكن استخدامها لقياس شرعية الحكومة هي:
• درجة احترامها ودعمها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
• درجة استجابتها لآراء مواطنيها.
• ما إذا كانت تمارس السيادة الفعالة.
• مدى توافر قيود مقبولة على حيز هيمنة الحكومة على الحقوق الفردية.
قد تكون لدى الحكومة المتضررة الرغبة في القيام بأدنى قدر من الجهد اللازم لهزيمة التمرد قبل أن تعود مجددا إلى ممارساتها المعتادة. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى التفاوت والتوتر بين أماني الحكومة المتضررة، وطموح الدولة المتدخلة التي تتطلع إلى تنفيذ إصلاحات كلية وبناء المؤسسات لمنع تكرار الاضطرابات. ولأن قادة الدولة المتضررة يبرزون دائما من خلال نفس العمليات المؤسسية التي أدت إلى اندلاع التمرد، فقد لا يكونون قادرين أو راغبين في إجراء إصلاحات؛ وعلى العكس من ذلك فقد تفتقر القوى المتدخلة إلى المعرفة المحلية والوعي بحقيقة الموقف للحكم على الإصلاحات الممكنة وفهم كيفية تنفيذها على نحو فعال. ويبقى التعاون بين الدولة المتضررة والقوة المتدخلة مهما كان صعبا أمرا ضروريا للغاية للقيام بعملية مكافحة تمرد فعالة.
تتسم العلاقات بين الحكومة الأمريكية والدولة المتضررة بالديناميكية خاصة عندما تؤثر الانتخابات أو التغييرات الأخرى على تشكيل الحكومة الوطنية. إذ يمكن لأي حكومة ذات سيادة أن تمارس استقلاليتها بطرق تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة مما يؤدي إلى نشوء تعارض بين رغبة الولايات المتحدة في الوصول إلى الشكل النهائي المنشود للدولة (دولة وطنية تعمل بكامل طاقتها ومستقلة وشرعية) وبين حمايتها للمصالح الأمريكية الهامة التي دفعت الولايات المتحدة للمشاركة في مكافحة التمرد بالمقام الأول.
إنه من المهم الاعتراف بالتمييز بين الحكومة على المستوى الوطني والإدارة المحلية أو الإقليمية بالمقاطعات. فحكومات المقاطعات عادة ما تكون مسئولة عن إدارة الموارد نيابة عن الحكومة الوطنية، ولكن بعض البلدان التي لديها حكومات مركزية ذات كفاءة عالية لا تزال غير قادرة على توسيع سلطتها وشرعيتها في المقاطعات النائية، وخاصة عندما تتعدى تلك المقاطعات الخطوط الحمراء الاجتماعية أو الاثنية أو الدينية أو الاقتصادية. وفي كثير من مناطق العالم يُعد تقديم الخدمات التقليدية من قبل الإدارة المحلية أكثر أهمية من الخدمات التي تقدمها الحكومة المركزية في العاصمة البعيدة. فمن شأن وحدات الحكومة المحلية التي يُنظر إليها على أنها غير شرعية أو فاسدة أو قمعية أو غير كفؤة أن توفر أرضا خصبة لنمو التمرد، ولكنها تمثل أقل مستوى يمكن للحكومة الوطنية من خلاله توفير الأمن والخدمات العامة الأخرى، ومن ثم فإن القدرة الملموسة للحكومة المحلية على توفير تلك الأمور للسكان أمر بالغ الأهمية لشرعية الحكومة الوطنية.
(2) الفريق القومي للولايات المتحدة:
يتم تنفيذ وإدارة جميع استراتيجيات حكومة الولايات المتحدة لمكافحة التمرد وخططها وبرامجها وأنشطتها الداعمة للحكومة المتضررة من خلال الفريق القومي للبعثة الأمريكية بقيادة رئيس البعثة وبالتنسيق مع وزارة الخارجية.
وبوصفه سفير الولايات المتحدة، فإن رئيس البعثة هو الممثل الشخصي للرئيس في الدولة المضيفة، وهو مسئول عن التوصية بسياسة الولايات المتحدة في هذا البلد وتنفيذها، فضلا عن الإشراف على جميع موظفي الفرع التنفيذي هناك وأنشطتهم دون السماح بوجود استثناءات إلا في أضيق نطاق. ويُُعين رئيس البعثة من قبل الرئيس الأميركي بموافقة مجلس الشيوخ، ويتمتع بسلطة استثنائية في اتخاذ القرار بوصفه مسئولا أمريكيا رفيع المستوى يتواجد خلال فترات عدم الاستقرار والأزمات. وفي حال عدم وجود سفير معتمد، يتحمل العبء القائم بأعمال وزير الخارجية بوصفه الدبلوماسي الأقدم المعتمد لدى الحكومة الأجنبية. ويشكل الفريق القومي الأميركي العنصر الرئيسي للتنسيق وتنفيذ الأعمال بين الوكالات في البلد الأجنبي.
عندما يتاح تشخيص التمرد في مراحله المبكرة، فقد يشجع رئيس البعثة وكبار موظفيه الحكومة المتضررة على اتخاذ إجراءات وقائية من خلال استخدام الإجراءات الإعلامية والأمنية والسياسية والاقتصادية اللازمة. كما سيلفت رئيس البعثة أنظار صانعي القرار في العاصمة واشنطن للاهتمام مبكرا بالوضع، وكثيرا ما توفر معرفته المحلية وفهمه للوضع مصدرا للنصح الثاقب والواقعي. ويمكن لرئيس البعثة أن يطلب مساعدة أجنبية للدولة المتضررة بالتنسيق مع مقرري السياسات في واشنطن، وأن يساعد على حشد الدعم الدولي، وأن يشرك المنظمات غير الحكومية. كما يمكن في المستقبل لرئيس البعثة أن يطلب المساعدة من عناصر فريق(الاستجابة المدنية) الذي يجري تطويره حاليا داخل وزارة الخارجية، ويهدف إلى توفير مجموعة من الأخصائيين المدنيين، والخبراء في مجال التعمير والاستقرار ممن لديهم القدرة على الاستجابة السريعة للبلدان التي تمر بأزمات. وهذه الإجراءات قد تساعد على معالجة أسباب الاضطرابات قبل أن تتصاعد الأزمة، فيقلل تصاعدها من البدائل السياسية لاستخدام القوة.
سيتواصل القائد العسكري الأميركي الذي تقع منطقة التوتر ضمن النطاق الجغرافي لقيادته (وهو جنرال أو أدميرال يحمل أربعة نجوم) مع رئيس البعثة بشكل ملائم، وسيكون قادرا على المساعدة في استباق حالات التمرد الناشئة عن طريق تقديم المشورة العسكرية ودعم برامج تعزيز الأمن.
أما إذا قررت الولايات المتحدة نشر قوات قتالية أمريكية لمساعدة الحكومة المتضررة، فسيتم تكليف هذا القائد العسكري بتخطيط وتنفيذ الجوانب العسكرية لذلك الدعم. ويجب أن تُصمم جهود الولايات المتحدة وتُنفذ على النحو السابق لزيادة كل من شرعية وفاعلية الحكومة المهددة في نظر شعبها. وتتطلب استراتيجية مكافحة التمرد نهجا تكامليا يدمج إمكانات مجموعة الوكالات الحكومية والإدارات الأمريكية. كما قد تختار حكومة الولايات المتحدة أيضا تقديم الدعم الميداني للقوات الأهلية (المشكلة من السكان المحليين). وهذه المساعدة ستكون نتاج قرارات مدروسة للسياسة الخارجية تتخذ في واشنطن العاصمة، وستخضع لإشراف رئيس البعثة. وسوف نتعرض إلى قدرات ممثل الوكالات الحكومية الأمريكية ذات الصلة بمكافحة التمرد في الملحق(أ).
(3) المجتمع الدولي:
ينبغي إيلاء اهتمام كبير لدور المجتمع الدولي في تطوير استراتيجية مكافحة التمرد. ومن الجدير بالذكر أن الاتفاق على تشكيل بعثة متعددة الجنسيات لمكافحة التمرد يوفر أربع مزايا رئيسة:
• الشرعية: لأنه عندما تتسق الإجراءات المتخذة لدعم حملة مكافحة التمرد مع القانون الدولي المعمول به، وتحظى بدعم من الكيانات الدولية (التي تدين المتمردين في آن واحد)، فإن هذا سيساعد على توفير التأييد في كل من الدولة المتضررة والولايات المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا للتدخل ومواجهة التمرد.
القدرة: سوف يتمكن التحالف متعدد الجنسيات من استدعاء عدد أكبر من القوات وموارد مالية أكثر مما تستطيع الولايات المتحدة حشده بمفردها. وهذا قد يكون له تأثير إيجابي على الدعم الشعبي الأمريكي للحملة عندما يرى دافعو الضرائب الأمريكيون البلدان الأخرى تشارك في جهود مكافحة التمرد وتتحمل جزءا من التمويل.
ومع أن قوات الدول الأخرى قد تكون محدودة القدرات أو أنه قد توجد بعض القيود السياسية على طبيعة مشاركتها، فإنها من خلال الاضطلاع بمهام مناسبة ستتيح للقوات الأمريكية التفرغ للمهام التي تتمتع فيها بميزة نسبية.
الكفاءات المتخصصة: لدى العديد من حلفاء الولايات المتحدة وشركاء التحالف مزايا نسبية في استعمال الإمكانات المتعلقة ببرنامج الولايات المتحدة لمكافحة التمرد، من قبيل كفاءة نشر القوات، وتطوير قوات الشرطة الوطنية، أو تعزيز النمو الاقتصادي، أو تطوير القدرة الإدارية للمسؤولين المحليين في المناطق عالية المخاطر أو البيئات النائية.
التأثيرات الإقليمية: يمكن للشركاء الإقليميين أن يساعدوا في منع إنشاء ملاذات خارجية، ومنع أو إبطاء انتشار النزاع إلى مناطق أخرى، وتوفير الخبرة المحلية، والاسناد وربما حتى المساعدة الأمنية.
وبالرغم من هذه المزايا، تجلب عمليات التحالف العديد من التحديات الإضافية مثل الاختلافات في الأهداف والتدريب والقدرات والمعدات واللوجستيات والثقافة والعقيدة والاستخبارات واللغة. وهي أمور تتطلب تنسيقا مباشرا ووثيقا للجهد من أجل إدماج القدرات والخبرات على أفضل وجه لتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية المشتركة. ورغم تلك التحديات فإن أهمية التضامن والمشروعية الدوليين تعني أن العمل ضمن التحالف سيمثل الطريقة المفضلة للتدخلات الأمريكية لمكافحة التمرد في المستقبل المنظور.
(4)المنظمات الحكومية الدولية 9 :
تتشكل المنظمات الحكومية الدولية عندما توقع حكومتان أو أكثر من الحكومات الوطنية اتفاقية متعددة الأطراف لتشكيل تلك الهيئة وتمويل عملياتها، وتمتلك تلك المنظمات الشخصية الاعتبارية في القانون الدولي، كما يتمتع موظفوها بالوضع الدبلوماسي. تركز أغلب المنظمات الحكومية الدولية على مناطق بعينها، ولهذا فعندما تتأثر الدول الأعضاء بإحدى تلك المنظمات سلبيا بأحداث التمرد في منطقتها، ستتصرف المنظمة بشكل جماعي لنزع الشرعية ومنع المأوى والدعم عن المتمردين. كما يمكن للمنظمات أيضا أن تؤدي دورا هاما في جهود المساعدة الإنسانية والتنمية.
(5)المنظمات غير الحكومية 10 :
المنظمات غير الحكومية هي منظمات خاصة ذاتية الحكم، وغير ربحية وتتسم أنشطتها بالتنوع الشديد (تُوظف من أجل مصالح المانحين)، وتشمل اهتماماتها الاعتناء بالتعليم والرعاية الصحية وحماية البيئة وحقوق الإنسان وحل النزاعات والقضايا المماثلة. بعض المنظمات غير الحكومية تشارك في تنفيذ برامج المساعدة الخارجية الأمريكية، ولكن هذه حالة خاصة وستتم مناقشتها بشكل منفصل.
وبما أن أهداف هذه المنظمات غالبا ما تكون مكملة لجهود مكافحة التمرد عبر تلبيتها احتياجات السكان المحليين، فينبغي استشارتها قدر المستطاع لتقليل الازدواجية أو الثغرات إلى أدنى حد ممكن. مع الانتباه إلى أن تلك المنظمات كي تتمتع بضمان حرية التنقل وإمكانية الوصول إلى البيئات شبه المحايدة، تحرص على أن تكون مستقلة ومحايدة سياسيا وملبية لاحتياجات الشعوب. وبالتالي فإنها غالبا ما تسعى إلى تقليل الاتصال بالأفراد العسكريين النظاميين أو الجهات الفاعلة الحكومية الأخرى، سعيا لاكتساب “حيز إنساني” تعمل من خلاله. وفي محاولة لمعالجة هذه الديناميكية الصعبة، أنشأ المعهد الأمريكي للسلام (USIP ) مجموعة من المبادئ التوجيهية (المشار إليها في الملحق ج) تحدد العلاقات بين القوات المسلحة الأمريكية والمنظمات الإنسانية غير الحكومية.
إن الحاجة إلى استقلال العمل ليست مطلقة، فعلى الرغم من الجهود المتفانية لتلك المنظمات، لن يُنظر إليها على أنها محايدة من جانب بعض المتمردين، وحيثما تحدث مشكلات أمنية قد تعتمد المنظمات على الموارد (الحكومية – العسكرية) وغيرها لأغراض النقل والحماية. لذا عند وضع الخطط الخاصة بمكافحة التمرد يجب أخذ أنشطة تلك المنظمات في الاعتبار، مع التأكيد أنه ليس من الحكمة الاعتماد عليها في توفير العناصر الرئيسية لأي خطة بسبب وضعها المستقل.
قد تقوم بعض المنظمات غير الحكومية في الواقع بتشجيع الأهداف التي تتعارض مع أو تصادم استراتيجية مكافحة التمرد، لذا يجب على مخططي مكافحة التمرد الانتباه والتثبت من دوافع المنظمات وأنشطتها قبل السماح بمشاركتها. فالمنظمات غير الحكومية التي تعارض الحكومة المتضررة أو تقيم علاقات مع المتمردين بشكل فعال، سوف تخلق مشاكل أمنية ومخاطر، وإن كانت قد توفر أيضا فرصا لفتح قنوات للتفاوض أو الوساطة مع المتمردين. ويمكن أن يكون النقد الموجه من المنظمات غير الحكومية مفيدا في توجيه الانتباه إلى القضايا التي تحتاج لإجراءات إصلاح ضرورية. وأخيرا باعتبارها مصدرا مستقلا وموثوقا في كثير من الأحيان “نظرا لمخالطتها للواقع على الأرض” في المجالات التي تعمل بها، فإنها ستكون مصدرا هاما للمعلومات لكثير من الأطراف المعنية.
(6) مجموعات الشتات:
مجموعات المنفى أو الشتات من مواطني الدولة المتضررة، سواء أكانت مقيمة في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر، ستحاول أحيانا التأثير على حالات التمرد. وقد تتعاطف مع المتمردين، وبالتالي تعارض أي تدخل بالنيابة عن الدولة المتضررة، أو قد تقدم المساعدة للتدخل ضمن تطلعها إلى لعب دور في تخطيط أو تنفيذ استراتيجية مكافحة التمرد. وإذا نجحوا في التأثير على الوضع، فمن المهم أن يكون لدى المختصين العاملين في مكافحة التمرد صورة دقيقة عن دوافعهم وقدراتهم وعلاقتهم بالحكومة المتضررة، لأن هذه الأمور غالبا ما يساء فهمها أو تحريفها.
(7) الإعلام:
إن الإعلام هو الفاعل الرئيسي في الاستراتيجية الناجحة للمعلومات في أي حملة لمكافحة التمرد. وقد اعتادت حكومة الولايات المتحدة على التفاعل مع المجموعات الإعلامية الغربية، ولكن في حالات التمرد بالخارج غالبا ما يكون هناك ضعف في العلاقة مع وسائل الإعلام الإقليمية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تضييع فرص متاحة للتأثير على اللاعبين الرئيسيين.
(8) القطاع الخاص:
أ-الشركات متعددة الجنسيات:
عادة ما تشارك الشركات متعددة الجنسيات في مكافحة التمرد عندما تتعرض مصالحها التجارية للتهديد (المصالح المالية، والموظفون الأجانب، أو البنية التحتية، وما إلى ذلك) أو عندما تدرك وجود فرص للاستثمار.
لن يكون لدى مخططي برنامج مكافحة التمرد القدرة دائما على التأثير على أنشطة الشركات متعددة الجنسيات في بلد متضرر، ولكنهم قد يجدون أن مصالحهم تتكامل مع الجهود التي يبذلها برنامج مكافحة التمرد. وعلى وجه الخصوص، فإن الشركات في القطاعات الاستخراجية (النفط، والتعدين، وما إلى ذلك) لديها استثمارات أولية كبيرة ودورات إنتاج طويلة، مما يعني أن الانسحاب من بلد ما يمكن أن يتسبب في خسائر مالية كبيرة. وبالنسبة لهذه الشركات، فإن الاستثمار في الأنشطة المحلية لتحقيق الاستقرار (من تقديم القروض بالغة الصغر إلى أنشطة إصلاح قطاع الأمن) سيكون أمرا مجديا من الناحية الاقتصادية.
ب-المتعهدون (المقاولون):
كثيرا ما يُستخدم المقاولون من قبل الدولة المتضررة والبلدان الداعمة لتوفير مجموعة متنوعة من الوظائف التي يكون الأمن في مقدمتها. وينبغي أن يدرك صانعو السياسات أن ديناميكيات ترتيبات التعاقد كثيرا ما تؤدي إلى تضخم مهمة المقاول مع مرور الوقت، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف والمسؤوليات المتعلقة بالأفراد المتعاقدين. وينبغي أن يدرك صناع السياسات أيضا حقيقة أن المقاولين الأمريكيين ولا سيما المتعاقدون الأمنيون، كثيرا ما ينظر إليهم السكان المحليون كممثلين للحكومة الأمريكية، وأن أي سلوك سلبي أو تفاعل خاطئ مع السكان المحليين يمكن أن يكون له أثر سلبي على الجهود التي يبذلها فريق مكافحة التمرد. ولذلك ينبغي أن يخضع المتعاقدون المسلحون (بمن فيهم أفراد الأمن وحراس المرافق والمدربون والمستشارون) لقواعد متينة ومصممة تصميما جيدا لاستخدام القوة، وأن تتسم علاقتهم بالحكومة المتضررة بالأخلاقية والشفافية. وعلى الرغم من هذه المخاوف، أصبح المقاولون (من خلال جميع وظائفهم) الآن ضرورة لعمليات حكومة الولايات المتحدة عبر البحار. ولا يمكن تصور عمليات مكافحة التمرد الضخمة بدونهم.
ج-المستفيدون (الجهات المتلقية للمنح):
تقدم حكومة الولايات المتحدة المساعدة الإنمائية عبر المنح التي تقدمها للمنظمات غير الحكومية وللأفراد العاديين أو من خلال العقود. ويشرف مديرو المنح الحكومية في الولايات المتحدة على أنشطة الجهات المتلقية للمنح لضمان استخدام الأموال في الأغراض المخصصة لها. وبصفة عامة فإنه يمكن تغيير طبيعة المنحة في حال تم النص في اتفاقية المنحة على الإلغاء أو التعديل في حالة إذا ما تغيرت الأوضاع.
وكثيرا ما يخضع أصحاب المنح إلى اعتبارات المجال الإنساني مثلما تفعل المنظمات غير الحكومية، إذ يفضلون في كثير من الأحيان الابتعاد عن النشاط العسكري. ولذلك يجب على مخططي مكافحة التمرد الانتباه جيدا إلى أنشطة المنح الممولة من الحكومة الأمريكية من أجل حماية الاستثمار الأمريكي، ولتجنب ازدواجية الجهود، ولمنع الانتهاكات العسكرية لمراكزهم أو أوضاعهم. وربما يحتاج المتلقون للمنح إلى توفير حماية من قبل أفراد أمن مسلحين يتم التعامل معهم لنفس الاعتبارات كمتعاقدين أمنيين عسكريين.
الفصل الرابع: التقييم والتخطيط
موظفة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل مع نظرائها الأفغان (الصورة: ميشيل باركر، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية)
موظفة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل مع نظرائها الأفغان
(الصورة: ميشيل باركر، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية)
إن المشاركة في مواجهة التمرد بالخارج ليست بالمسعى الذي يجب على حكومة الولايات المتحدة أن تنخرط فيه بسهولة. فكما يوضح هذا الدليل حتى الآن، غالبا ما تنشأ حركات التمرد من مظالم اجتماعية عميقة الجذور، وقد تكون الحكومة المتضررة مترددة أو غير قادرة على معالجتها. وعلاوة على ذلك فإن حملات مكافحة التمرد عادة ما تكون طويلة الأمد وتنطوي على تكاليف كبيرة في الأرواح والموارد. وبشأن ما إذا كان يمكن مساعدة بلد متضرر من التمرد، وكيفية تقديم تلك المساعدة، فيجب أن يتخذ القرار في الولايات المتحدة على النحو التالي:
• تقييم الوضع.
• صياغة السياسة.
• تطوير الاستراتيجية.
• التخطيط المتكامل.
• التنفيذ.
• الرصد المستمر والتقييم.
ويستهدف هذا الدليل صانعي السياسات الحكومية في الولايات المتحدة، ومن ثم سيركز بشكل كبير على دورهم في مرحلة (صياغة السياسة) وتحديدا ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تشارك في حملة مكافحة التمرد بالخارج، وكيفية ذلك.
أولا: تقييم الوضع:
يبدأ النهج الذي تتبعه الحكومة إزاء المشاركة في مكافحة التمرد بتحليل استراتيجي مشترك بين الوكالات الحكومية للنزاع. وينبغي أن يتم ذلك من قبل فريق مشترك يتكون من أبرز الكفاءات العاملة بالوكالات وثيقة الصلة بمكافحة التمرد. كما ينبغي- بقدر الإمكان في إطار القيود المفروضة على تداول المعلومات- تقاسم المعارف والفهم بين جميع الوكالات المشاركة بخصوص القصايا المتعلقة بالدولة المتضررة والمحيط الاستراتيجي لها.
يمكن أن يتم هذا الجهد بتوجيه من مجلس الأمن الوطني (على الرغم من أنه قد يوصي به رئيس البعثة أو المساعد الإقليمي لوزير الخارجية) وعادة ما تقوده الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو وزارة الخارجية. وقد ينطوي ذلك على أنشطة تقييم ميداني واسعة النطاق تقوم بها السفارة الأمريكية في البلد المتضرر، كما يمكن أن تتم العملية بالكامل من خلال أساليب التقييم عن بعد.
إنه كثيرا ما يتم توصيف عمليات التمرد باعتبار المصادر والأسباب الجذرية، والأطراف والجهات الفاعلة، والدوافع والمحفزات. ويمكن توصيف جذور وأسباب التمرد عبر المظالم والاحتياجات التي لا تحقق مصالح الأطراف الفاعلة. ويمكن التعبير عن دوافع التمرد من حيث ديناميكيات العلاقة بين الأطراف الفاعلة؛ ولا سيما الطريقة التي يتم بها توظيف حالة السخط وتوجيه قادة الرأي. ولكي نفهم تماما هذه العوامل قد يتطلب الأمر تحليلا مفصلا للتاريخ الإقليمي والعرقي وللثقافة وللسياسة وللدين.
ينبغي لعملية التقييم المشتركة بين الوكالات أن تعطي صورة شاملة للبيئة محل الدراسة، وفهما مشتركا لطبيعة المشكلة. وسيوفر هذا البرنامج الخطوة الأولى نحو وضع استراتيجية شاملة لكل من الحكومات وخطط الدعم. على المستوى الاستراتيجي، فإن الأدوات التحليلية مثل المنهجية المشتركة بين الوكالات لتحليل عدم الاستقرار والصراع، وإطار عمل الوكالات البيني لتقييم النزاعات، والنموذج العالمي للتنبؤ بالاستقرار السياسي (وآخرها فرقة العمل المعنية بالاستقرار السياسي المدعومة من قبل الحكومة الأميركية، والتي تضم جمعا من العلماء والباحثين من عدد من الجامعات الأمريكية) قد تقدم مساعدة مفيدة في تطوير المعلومات المرتبطة بالتخطيط الاستراتيجي على المستوى السياسي. ويمكن استخدام إطار العمل التكتيكي لتقييم الصراع، وأدوات عمل النماذج من أجل إثراء الخطط على مستوى البرامج والعمليات والتكتيك.
وعند استعمال هذه الأطر والنماذج فمن الواجب أن يتم الأخذ بأي معلومات أو تحليلات موجودة مسبقا (أو على الأقل وضعها بعين الاعتبار)، خصوصا تلك التي تم استعمالها في دعم الخطط السابقة الخاصة بالبلد، فالتحليل المدروس الذي يجري بعناية سيكون أداة دائمة في توفير فهم عميق11 .
ثانيا: صياغة سياسة الحكومة الأمريكية:
إن مرحلة التقييم الموصوفة أعلاه تضع الأساس لصياغة سياسة الحكومة الأمريكية. والأهم من ذلك تحدد ما إذا كان على الولايات المتحدة أن تتعامل مع الحكومة المتضررة أم لا. وإذا اختارت ذلك، فما هو الشكل الذي ينبغي أن تتخذه هذه المشاركة.
ونظرا لأن حملة مكافحة التمرد يمكن أن تمتد لفترة طويلة وتكلف الكثير، فسيحتاج صناع السياسة الأميركية إلى الموازنة بين فوائد التدخل لمكافحة التمرد وبين كل من التكاليف والمخاطر المحتملة، ويمكن عمل ذلك من خلال الفهم الكامل لكل من أسباب وطبيعة ومستوى التمرد، جنبا إلى جنب مع معرفة الأطر القانونية الدولية والمحلية المعمول بها.
قرار المشاركة في العمليات
من الحماقة التورط في مكافحة التمرد ببلد أجنبي ما لم يكن هناك احتمال معقول بأن تقوم الحكومة المتضررة بتنفيذ الإصلاحات اللازمة، وأن تظهر قوة إرادة وقدرة كافية لهزيمة المتمردين (أو على الأقل تكون مستعدة لقبول المشورة والمساعدة) . وقبل اتخاذ أي قرار بتقديم مساعدات خارجية، يتعين على المسئولين الامريكيين تحديد درجة التعاون المتوقعة من قبل الحكومة المحلية، ومدى استعدادها للقيام بالإصلاحات الضرورية. ولهذا السبب يجب أن ندرس بعمق خلال مرحلة التقييم الخصائص الرئيسية التالية للدولة المتضررة:
• سمعة الحكومة المتضررة: إن دعم أي حكومة قمعية أو استبدادية أو سيئة ضد التمرد أمر ينطوي على إشكالية كبيرة، ليس فقط من وجهة النظر الأخلاقية، بل أيضا من حيث إمكانية النجاح العملي. ومن غير المرجح أن تقوم هذه الحكومة باكتساب المشروعية اللازمة للنجاح في مكافحة التمرد. وفي الوقت نفسه فإن مصداقية الولايات المتحدة وسلطتها المعنوية ستتشوه وستكون على المحك بسبب علاقتها الوثيقة بمثل هذا النظام.
وعند اتخاذ قرار بشأن الانخراط أو عدم المشاركة في ظروف معينة، يجب على واضعي السياسات أن يأخذوا في اعتبارهم مدى استفادة التمرد من الأداء السيء والعاجز للحكومة المتضررة، مما ينعكس على مستوى تمثيل المتمردين للمظالم المشروعة. ومن المرجح أن الحكومة التي تفتقر إلى الكفاءة والقدرات اللازمة لمكافحة التمرد، ولكنها تتجاوب مع مساعدات المجتمع الدولي، وتملك أساس ديمقراطي وسمعة موثوق بها، ستستفيد من المساعدة بصورة أكبر من الحكومة التي تملك سمعة أخلاقية وسياسية سيئة. ونادرا ما يكون النوع الأخير من الحكومات مرشحا للتدخل من أجله، بغض النظر عن أهميته الجغرافية والاستراتيجية.
• التحيز الحكومي: فالتمرد الذي يندلع على خلفيات عرقية أو طائفية، يستمد وجوده من التحيز الطائفي أو الاثني للحكومة في طريقة إدارتها للسكان الخاضعين لها (لذلك تتم معالجة هذا الأمر ببراعة من قبل الجماعات المتطرفة القادمة من خارج المجتمع المتضرر).
لهذا فقد تتطلب هذه الحكومات المتحيزة إصلاحا شاملا، بما في ذلك التغييرات في قاعدة التجنيد الديمغرافي للجنود والشرطة والخدمة المدنية، والتغييرات في التوجه السياسي للقادة الرئيسيين. وهذه عملية مكلفة وتستغرق وقتا طويلا وغالبا ما تكون مثيرة للجدل سياسيا. فيجب على المخططين تقييم مدى إمكانية إصلاح الحكومة بما فيه الكفاية كي تلبي احتياجات جميع مواطنيها وتحمي حقوقهم القانونية والإنسانية. وينبغي أن نجري تقييما مفصلا لمتطلبات الإصلاح، وأن نتلقى التزاما ثابتا بإصلاحات محددة من قبل الحكومة المتضررة.
وقد يكون من الضروري استمرار التأثير الايجابي للحفاظ على هذا الالتزام، لذا قد يقرر صانعو السياسات ربط المساعدة المستمرة بالتقدم المحرز في الالتزام بمعايير الإصلاح. فبدون إصلاح فعال، قد يؤدي التدخل إلى استقرار الحكومة على المدى القصير، ولكنه سيتيح بقاء واستمرار سلوكيات المسؤولين التي أدت إلى اندلاع التمرد، مما يجعل النجاح على المدى الطويل أمرا غير مرجح.
• سيادة القانون: لا تتمتع معظم البلدان التي تعاني من اندلاع تمرد بنظم متينة وشفافة وفعالة لسيادة القانون. وفي الواقع فإن إدراك وملامسة عدم المساواة في تطبيق القانون ووقوع المظالم يدفع غالبا إلى التمرد. وبالتالي فإن بناء شرعية الحكومة وفعاليتها كثيرا ما يتطلب إصلاحا كاملا للمنظومة القانونية. ويجب على المخططين أن يصدروا تقديرا بشأن كيفية ومدى تآكل هذه الأنظمة أو عدم فاعليتها، فيشمل ذلك العمليات القضائية والتشريعية، وأنظمة المحاكم والسجون، والشرطة، والمدعين العامين، ومحامي الدفاع، ونظم حفظ السجلات القانونية. وسيشير ذلك إلى كل من مقدار الجهد المطلوب للمساعدة ودرجة النجاح المحتملة.
• مستوى الفساد: العديد من البلدان التي تواجه تمردا داخليا تعاني بالأساس من مشكلة تغلغل الفساد في الحكومة وقوات الأمن. مما يولد مظالم يستغلها المتمردون، ويتسبب في مشاكل كبيرة وتكاليف باهظة.
ومع أنه في بعض الحالات قد يكون هذا عاملا يأخذه المخططون في الاعتبار، إلا أنه في بلدان أخرى قد يقرر صانعو السياسات الاشتراط المسبق لتنفيذ برامج محددة لمكافحة الفساد من أجل تقديم مساعدتهم. ويجب على المخططين أن يلاحظوا أن أشكال الفساد الأكثر أهمية في سيناريو التمرد هي تلك التي تنفر الناس عن الحكومة أو تؤدي إلى إهدار الموارد، وانعدام كفاءة البرامج الحكومية.
• العلاقات المدنية – العسكرية: تشتكي العديد من الحكومات التي تعاني من التمرد من ضعف المؤسسات، بما في ذلك القوات العسكرية وقوات الشرطة والإدارة المدنية. ويتعين على المخططين الأمريكيين عند اتخاذهم قرارا بالانخراط في مكافحة التمرد، النظر في مدى احتمالية أن تغير المساعدات المقدمة للجيش والشرطة من التوازن بين السلطتين العسكرية والمدنية في البلاد. فمن شأن تقديم مساعدة واسعة النطاق للجيش في غياب المساعدة المماثلة للإدارة المدنية (أو دون وجود قادة عسكريين يلتزمون التزاما راسخا بسيطرة الحكم المدني) أن يزيد من خطر الانقلاب في البلد المتضرر، سواء أكان ذلك أثناء مرحلة المساعدة الدولية أو بعدها. ومن شأن هذه النتيجة أن تضر في نهاية المطاف بالبلد المتضرر وأن تقوض السلطة الأخلاقية للمجتمع الدولي. ويتعين تشجيع واضعي السياسات على التخطيط للعلاقات (المدنية – العسكرية) كجزء لا يتجزأ من إصلاح قطاع الأمن، ووضع ضمانات للحد من خطر الانقلابات.
• الجدوى الاقتصادية: إن العديد من المقاتلين المتمردين على المستوى المحلي، بغض النظر عن البلاغة والشعارات، يتم شحذهم بسبب العوامل الاقتصادية كالبطالة المستشرية وانعدام الفرص الاقتصادية. وغالبا ما يدفع المتمردون للمقاتلين المحليين (أو يسمحون لهم بالوصول إلى الأرباح من الأنشطة غير القانونية) للحصول على دعمهم.
ولذلك يجب على المخططين أن يقيموا مدى إمكانية إنشاء هياكل اقتصادية رئيسية وأنظمة أساسية لتوفير سبل عيش بديلة، وجعل البلد المتضرر قابل للنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
• وجود جماعات إرهابية أو إجرامية عابرة للحدود الوطنية: إن وجود أعداء للمصالح العالمية للولايات المتحدة، مثل جماعات الإرهاب الدولي أو جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود أمر هام ينبغي أخذ تعقيداته في الاعتبار. فحيثما توجد جماعات إرهابية قد يكون صناع السياسات متحمسون بدرجة كبيرة للمشاركة في مكافحة التمرد، من أجل الحيلولة دون ظهور تهديدات عابرة للحدود من المناطق الخاضعة لحكم أو سيطرة المتمردين. غير أن التدخل الواسع النطاق أو الأخرق في هذه المناطق قد يؤدي إلى رد فعل عنيف من قبل السكان المحليين النافرين من الوجود الحكومي المتزايد. إن المشاركة الدولية في نزاع لا يشمل حاليا مكونا عابرا للحدود قد يعطي موطئ قدم للمتطرفين من خارج البلد المتضرر لاستغلال وتدويل الصراع من جهة كل من الحكومة والمتمردين.
ويجب على صانعي السياسات أن يكونوا حذرين جدا إزاء هذا التصعيد وأن يسعوا إلى تقديم المساعدة بأخف وأقل قدر ممكن من التدخل، من خلال العمل مع الحكومة المحلية وعن طريقها حيثما أمكن ذلك. وإذا لم يكن ذلك ممكنا بسبب حجم المشكلة، فينبغي لصانعي السياسات أن يوازنوا بعناية بين مخاطر التراخي عن التدخل وبين التكاليف والفوائد الناتجة عن المشاركة.
• أمن (الحدود / الأماكن) غير الخاضعة للإشراف الحكومي: إن الحكومة المتضررة التي لا تستطيع السيطرة على حدودها، أو على مساحات واسعة من المناطق بالقرب من حدودها، أو تلك التي تواجه ملاذا نشطا للمتمردين في بلد مجاور، ستواجه تحديا خاصا في إجراء عمليات حفظ السلام. ويتعين على صانعي السياسات أن يقدروا مدى احتمالية انقياد المناطق غير الخاضعة للإشراف الحكومي لسيطرة الدولة. كما يجب عليهم أن يقيموا الوضع الإقليمي ومدى إمكانية إقناع البلدان المجاورة بالقيام بدور بناء (أو على الأقل أن يتم إثناؤها عن تقويض الحكومة المتضررة). فمن غير المرجح أن يُكتب نجاح على المدى الطويل في مساعدة بلد متضرر دون وجود استراتيجية فعالة لأمن الحدود، وتخفيض الحيز غير الخاضع للحكم، وحرمان المتمردين من ملاذاتهم الآمنة عبر الحدود.
ومن الواضح أن البلد الذي يسجل نتائج جيدة في كل من العوامل المذكورة أعلاه، سيكون مرشحا جيدا للحصول على المساعدة، ولكنه غالبا لا يحتاج إلى تلك المساعدة في المقام الأول. وبالتالي من الناحية الواقعية فإن الدول المرشحة لأن تتدخل فيها أميركا ستسجل عادة درجات سيئة في العديد من هذه الاعتبارات. وبالتالي بالنسبة لكل عامل من العوامل المدرجة هنا، لا ينبغي للمخططين وواضعي السياسات أن يتوقعوا وجود موقف حالي جيد، بل ينبغي أن ينظروا في مدى قابلية الوضع للتحسن على المدى الطويل، فالبلد المتضرر الذي يعاني من حالة آنية سيئة ولكنه يمتلك أسس سياسية واقتصادية واجتماعية سليمة سيكون أكثر عرضة للاستجابة بشكل جيد للمساعدات من البلاد الأخرى التي تملك أسس ضعيفة، حتى لو لم تكن الظروف الحالية فيها سيئة للغاية.
لسوء الحظ ستكون هناك حالات يدفع فيها تقدير الموقف الخاص بالتمرد إلى ترجيح عدم مشاركة الولايات المتحدة في حملة مكافحته، ولكن في الجهة المقابلة سنجد أن المصالح الوطنية الأمريكية تحتم على واضعي السياسات المشاركة في مواجهة التمرد. ولكن هذا لا ينفي قيمة التقييم الشامل بل على العكس تماما؛ فهذا يعني أن القرار قد اتخذ مع فهم جيد للمخاطر الكامنة والتحديات التي يجب التغلب عليها. وقد يدعو أيضا إلى توخي الحذر في انتقاء شكل المشاركة التي سيتم اعتمادها، وربما يشجع على مشاركة أكثر محدودية يمكن من خلالها الخروج بعد ذلك من الأزمة بعواقب سياسية أقل.
تحديد كيفية المشاركة
اعتمادا على قوة وشرعية وفاعلية الأدوات المتاحة للحكومة المتضررة، فقد تلعب الحكومة الأمريكية دورا خفيا في مواجهة التمرد في بداياته أو قد تتدخل بقوة أكبر. ولأسباب تتعلق بالتكلفة وللحد من أي رد فعل عنيف من السكان ضد الوجود الأجنبي، ولحماية سيادة الحكومة المتضررة، يتعين على واضعي السياسات اختيار أنسب أشكال المشاركة وأكثرها تأثيرا وأقلها تدخلا والتي تنطوي على احتمال كبير لتحقيق الأثر المطلوب. وبغض النظر عن حدس بعض المخططين، غالبا ما يكون النهج الذي يتم اختياره هو الأقل تطفلا والأكثر ترويا والأكثر حظا للنجاح، على الرغم من أن هذا قد يعتمد على مدى رسوخ التمرد.
إن عمليات التمرد تتطور على مراحل، وغالبا ما تعتمد طبيعة الاستجابة الأمريكية على مستوى تطور التمرد في الوقت الذي تقرر فيه الولايات المتحدة المشاركة. وهناك فرق كبير بين الاستجابة لتمرد ناشئ في بداياته وبين الاستجابة لتمرد مستفحل، حيث تنفذ حكومة البلد المضيف برنامجا متطورا (وإن لم يكن بالضرورة فعالا) لمكافحة التمرد.
يسهل في كثير من الأحيان التصدي للتمرد الناشئ عبر تدخل محدود النطاق من قبل الولايات المتحدة بدلا من التدخل المتطور والواسع. ومع ذلك، فإن معظم الدول المتضررة تسعى للحصول على مساعدة الولايات المتحدة بعد أن يرسخ التمرد بشكل كبير ليشكل تهديدا حقيقيا، وفي ذلك الوقت قد تكون خيارات الاستجابة على نطاق أصغر غير فعالة.
تشمل أشكال التدخل من الأقل إلى الأكثر ما يلي:
• زيادة البعثة: ينطوي نهج تعزيز البعثة على نشر فريق متخصص لتعزيز السفارة الأمريكية في البلد المتضرر (و/ أو) القنصلية الأمريكية في المنطقة المتضررة من البلاد. ومن الأمثلة على هذا النهج فريق التقييم الاستراتيجي المشترك الذي تم نشره لدعم بعثة الولايات المتحدة بالعراق في بداية عام 2007. وفريق الاستجابة لحالات الطوارئ الخارجية التابع لوزارة الخارجية الذي يمكن أن ينشر لدعم السفارات التي تعاني من حالة طوارئ، وفرق الدعم الاستباقي السريع والاستجابة للطوارئ.
من الممكن أن يعمل فريق الدعم على أساس واجب مؤقت، أو أن يُعين بشكل دائم مع موظفي السفارة. ويشمل قائد فريق ضليع في جميع الجوانب المدنية والعسكرية المتعلقة بمكافحة التمرد، كما يتم اختيار باقي أعضاء الفريق بالتشاور مع السفارة للحصول على المهارات المتخصصة ذات الصلة باحتياجات الحكومة المتضررة. وينبغي أن يكون الفريق صغيرا قدر الإمكان وأن يكون له أدنى قدر ممكن من التعامل المباشر مع الحكومة أو السكان المتضررين. في حين يقوم بوظيفته من خلال التدريب وتقديم المشورة والدعم والمساعدة للفريق القومي للولايات المتحدة في دوره المتمثل بتقديم المشورة والدعم للسفير. ثم يقوم الفريق القومي بتقديم المساعدة إلى الحكومة المتضررة بالطريقة العادية. هذه الطريقة أقل تكلفة وحجما، وتترك آثارا قليلة مما يجعلها مناسبة في المرحلة المبكرة من تطور التمرد أو كخطوة أولى ضمن خطوات حملة مكافحة التمرد. ويمكن تحملها لفترات طويلة جدا بسبب انخفاض كلفتها. ويمكن أن تكون هذه هي المقاربة المفضلة في الحالات التي يكون فيها تدخل الولايات المتحدة شديد الحساسية من الناحية السياسية.
• مستشار وخبير واحد: نهج (مستشار وخبير واحد) ينطوي على إعارة مستشار واحد، قد يكون إما ضابط مدني أو عسكري، وتقديمه مباشرة الى موظفي الحكومة المتضررة. وينبغي جعل هذا المستشار- بالتشاور الوثيق مع الحكومة المتضررة- في وضع يمكنه من تقديم المشورة وتدريب القادة والمسؤولين المنتخبين ومساعدتهم في التعامل مع التمرد. فيقيم الموقف، ويطور الخطط والقدرات لدعم الحكومة المتضررة، ويشير إلى الأماكن والمهام التي ستقوم بها أي كفاءات أمريكية إضافية يتم استدعاؤها للمشاركة في مكافحة التمرد. وعادة ما يحافظ المستشار على علاقة وثيقة مع السفير الأميركي والفريق الوطني، ويمكن أن يدعمهم فريق دعم دبلوماسي، أو فريق من ذوي الكفاءات الخاصة، والذي يمكن استدعاؤه بحسب الحاجة.
إنه من أجل تحقيق التأثير الضروري، يجب أن يكون المستشار ذا منزلة مناسبة، ووضع يتيح له حرية العمل، بالإضافة إلى توافر مقاربة دبلوماسية لعمله. ويجب على المستشار أن يقوم بدور رئيسي وراء الكواليس في دعم الحكومة المتضررة، حيث يقود جهود مكافحة التمرد، ويتجنب الظهور الإعلامي . هذا النهج مستتر نسبيا ومنخفض التكلفة ومستدام ولكنه تاريخيا فعال للغاية. وهو الأكثر قابلية للنجاح عندما يمتلك المستشار المختار مهارات ثقافية ولغوية مناسبة للتعامل مع الوضع بالدولة المتضررة، بالتوازي مع اقترانه بفريق قيادة وطني فعال، تمرس بالعمل لفترة طويلة.
• المساعدة المدنية – العسكرية: ينطوي نهج المساعدة (المدنية – العسكرية) على نشر فريق متخصص، يحتمل أن يعمل كفرقة عمل مشتركة بين الوكالات للعمل مع الوكالات المدنية والعسكرية التابعة للحكومة المتضررة. ويمكن أن يتم ترسيخ أقدام أعضاء الفريق أو تلك المفرزة في وظائف محورية بالحكومة المتضررة لتقديم الدعم والمشورة والمساعدة التقنية والتعليم والتدريب. ولا يشارك أعضاء الفريق عادة في أنشطة مباشرة ضد التمرد. ومن خلال برنامج المساعدة (المدنية – العسكرية)، يمكن أن يتم تطوير استراتيجية دفاعية داخلية وتعزيز التنمية المحلية بالتشاور مع الحكومة المتضررة، وأن يصبح البرنامج قناة اتصال تمر من خلالها مساعدات المجتمع الدولي.
يعمل الفريق ككيان مستقل عن بعثة الولايات المتحدة، ولكنه يخضع عادة لسلطة رئيس البعثة. وفي حال نشر فرقة عمل عسكرية مشتركة، أو إذا كان التهديد الأمني مرتفعا بشكل خاص، فقد يعمل الفريق تحت سلطة عسكرية) كما تفعل فرق إعادة الإعمار الإقليمية في أفغانستان (ومع ذلك خلافا للدفاع الداخلي الأجنبي، فإن الفريق يظل تحت قيادة مدنية ويحظى بدعم عسكري). هذا النهج منخفض التكلفة نسبيا ومستدام على المدى الطويل، ولكن صورته العامة أكبر من الطريقتين السابقتين السابق مناقشتهما أعلاه. وينبغي الإبقاء على حجم فريق المساعدة (المدنية-العسكرية) صغيرا قدر الإمكان، مع فترات انتشار طويلة قدر الإمكان، لتحقيق التوازن بين كل التكلفة المادية والفاعلية.
• الدفاع الداخلي الأجنبي: يُعرف الدفاع الداخلي الأجنبي على أنه مشاركة الهيئات المدنية والعسكرية لحكومة ما في أي من برامج العمل التي تتخذها (حكومة أو منظمة) أخرى لتحرير مجتمعها من التخريب والخروج على القانون والتمرد.
ينطوي نهج (الدفاع الداخلي الأجنبي) على نشر فرق عسكرية، غالبا ما يكون منشؤها قيادة العمليات الخاصة الأمريكية لدعم الحكومة المتضررة. وهي تختلف عن المساعدة (المدنية – العسكرية) في أنها عادة ما تقودها القوات العسكرية، ولكنها تنطوي على تداخلات كبيرة ودعم متبادل بين الهيئات المختلفة. ويرد وصف تفصيلي لنمط (الدفاع الداخلي الأجنبي) في الدليل الميداني للجيش الأمريكي (31-20-3) وفي النشرة المشتركة( 3-7. 1) وهي تختلف من حيث النطاق والتكلفة والتدخل تبعا لطبيعة التمرد وقدرات الحكومة المتضررة، ولكنها عادة ما تكون أكثر تطفلا من النماذج التي تمت مناقشتها أعلاه (على الرغم من أنها أقل تدخلا من التدخل المباشر في مكافحة التمرد).
• التدخل المباشر في مكافحة التمرد: قد يتبع التدخل المباشر في حملة مكافحة التمرد محاولات سابقة للتعامل مع التمرد باستخدام المقاربات التي تمت مناقشتها أعلاه، وربما يكون هو النهج المعتمد منذ الوهلة الأولى.
إن حملات مكافحة التمرد الحالية في العراق وأفغانستان ليست أمثلة نموذجية للتدخل المباشر في مكافحة التمرد، حيث تم نشر القوات في البداية لإحداث تغيير في النظام. ويرد وصف مفصل للدور العسكري في نهج التدخل المباشر بالدليل الميداني للجيش (24-3) ونشرة قتال مشاة البحرية (3-33. 5) وفي المنشور المشترك المقبل لوزارة الدفاع حول مكافحة التمرد (24-3) وكذلك تمت مناقشته في مكان آخر من هذا الدليل.
وعند النظر في الخيارات، يجب أن نتذكر أن كل تمرد مختلف عن غيره وسوف يتطلب استجابة مصممة بعناية للتعامل معه. ولذلك ينبغي النظر إلى المقاربات المبينة أعلاه على أنها تصنيفات عامة وليست نماذج محددة. وتجدر الإشارة إلى أن هناك ميلا إلى الزيادة التدريجية في التدخل من مستويات صغيرة أقل تدخلا إلى مساهمة أكبر وأكثر وضوحا من أي وقت مضى. ويتجلى ذلك بوضوح عند استعراض تاريخ مشاركة الولايات المتحدة في فيتنام. ولكن يكمن خطر هذا النوع من التصعيد في أن التقييم المتعمق وتقييم السياسة الذي حدث عند اتخاذ القرار المبدئي للمساعدة قد لا يتكرر بالضرورة عند كل زيادة إضافية، وقد تجد الحكومة نفسها متورطة بمستوى مشاركة لم يتم التوصل إليه سابقا عبر مداولات متأنية. وينبغي النظر في خطر المشاركة التصاعدية أثناء صياغة السياسة العامة وإذا كان تقييم الوضع تم بصورة شاملة ودقيقة فمن المفترض أن مستوى المشاركة المختارة سيكون كافيا لعلاج المشكلة. ومع ذلك فإن معظم البلدان تقلل إلى حد كبير من حجم الجهود المطلوبة لهزيمة التمرد. وإذا حدث تصاعد في المشاركة، ينبغي إجراء تقييم كامل للحالة ومراجعة السياسة قبل القيام بأي زيادة في مستوى التدخل.
ثالثا: تطوير الاستراتيجية:
بغض النظر عن نموذج التدخل المختار، فإن القرار السياسي المتعلق بالتدخل يتطلب صياغة وتطوير إطار تفصيلي. والإطار الأكثر تفصيلا للاستجابة الأمريكية، يتم من خلال استراتيجية تحديد الأهداف وموازنة الموارد مع الإنجازات. وقد تم بالفعل شرح مكونات استراتيجية مكافحة التمرد بالتفصيل خلال الفصل الثاني.
من الناحية المثالية ينبغي أن تضع الدولة المتضررة استراتيجيتها الشاملة لمكافحة التمرد وفقا لفهمها لها، حيث إن التزامها بها سيكون بمثابة مفتاح النجاح. ويجب أن يتمثل دور الولايات المتحدة على قدر المستطاع في تقديم المشورة والمساعدة للدولة المتضررة لتحسين استراتيجيتها (إذا كان لديها بالفعل) أو مساعدتها على كتابة واحدة من الصفر (إن لم يكن لديها). وفي تلك الحال فعلى الولايات المتحدة أيضا أن تبذل ما في وسعها لبناء قدرة الحكومة المتضررة على تطوير الاستراتيجية.
وكما ذكر سابقا، قد لا تكون الحكومة المتضررة حريصة على معالجة بعض الأسباب الكامنة خلف اندلاع التمرد، وقد تجد أن اقتراحات الولايات المتحدة غير مستساغة. ففي هذه الحال سوف تحتاج الولايات المتحدة سوف تحتاج إلى تشجيع الحكومة على اتخاذ الخطوات اللازمة.
وبمجرد أن تتمتع الدولة المتضررة باستراتيجية مكافحة تمرد قابلة للنجاح، يجب على الولايات المتحدة أن تحدد أين يمكن أن تساهم موارد أميركا وإجراءاتها بأفضل صورة في تطبيق تلك الاستراتيجية.
رابعا: التخطيط المتكامل:
نادرا ما تتسم عملية التخطيط لوضع استراتيجية مكافحة التمرد بالبساطة ولكي تتسم تلك الاستراتيجية بالفاعلية، يجب أن تكون متكاملة من ناحيتين: دوليا، وبين الوكالات الحكومية الأمريكية.
أ- الاندماج الدولي
في حال أن الولايات المتحدة تساعد دولة أخرى في مكافحة التمرد، فيجب أن تكون عملية التخطيط على الأقل ثنائية. وإذا كانت الولايات المتحدة مشاركة كجزء من ائتلاف، فإن التخطيط سيتطلب نهجا متعدد الجنسيات من أجل دمج قدرات الدول الأخرى لتحقيق أفضل النتائج والمكاسب للحفاظ على الشرعية. وفي تحالف كهذا ينبغي أن تكون درجة تأثير ونفوذ كل دولة متناسبة مع درجة التمويل التي تبذلها لدعم الدولة المتضررة. وكما هو الحال بالنسبة للاستراتيجية، ينبغي أن توضع الخطة المفترضة من قبل الحكومة المتضررة التي تمثل شرعيتها ومصداقيتها أهمية أساسية في حملة مكافحة التمرد.
إذا كانت كفاءة الحكومة وقدرتها على مكافحة التمرد محدودة، فإن التخطيط المبدئي سيتطلب نسبة أكبر من المساعدة الخارجية، ولكن عند تحسن كفاء الحكومة المتضررة وزيادة قدراتها ينبغي على الدول الداعمة أن تدرك وترحب عمليا بالاستقلالية المتزايدة للحكومة في تخطيط وتنفيذ حملات مكافحة التمرد. ومع أن مثل هذا الاستقلال قد يخلق تضاربا في المصالح مع الدول الداعمة، إلا أنه يمثل تقدما نحو الحالة النهائية المنشودة.
ب- التكامل بين الوكالات
ينبغي أن تدمج الحكومة في خططها لمكافحة التمرد كافة قدراتها المدنية والعسكرية عبر كل مهمة من المهمات الاستراتيجية الأربعة لمكافحة التمرد(الأمن والسياسة والاقتصاد والمعلومات). ويتطلب ذلك من الدولة المتضررة أن تقوم بصياغة خطة حكومية شاملة لتحقيق التزامن والتسلسل المطلوب في أنشطة كل وزارة لتحقيق أهداف الاستراتيجية المرسومة.
إن التعاون الناجح سيمثل دورا مفتاحيا في فرض السيطرة على البيئة المحيطة من خلال تعزيز شرعية وفاعلية المؤسسات الحكومية. كما تحتاج الحكومة الأمريكية أيضا إلى اعتماد نهج الحكومة الشاملة خلال دعمها للدولة المتضررة. ويجب أن تستخدم أميركا نهجا مناسبا يحدد مستوى الإمكانات التي تملك الإدارات والوكالات الحكومية الأمريكية تقديمها لتحقيق أفضل أوجه المساعدة للحكومة المتضررة.
ينبغي أن تحدد الخطة الحكومية الشاملة ما يلي:
1- الهدف الشامل الذي يتعين تحقيقه.
2- الحقائق الحرجة والافتراضات حول البيئة المحيطة.
3- الحقائق الحرجة والافتراضات حول السبب والتأثير.
4- عناصر المهمة الرئيسية اللازمة والكافية لتحقيق الهدف.
5- مساحات المهام الجوهرية داخل كل عنصر من عناصر المهمة الرئيسية (مصممة خصيصا للسياق المخصوص والعواقب المحتملة التي يمكن أن تترتب على الحالة النهائية المنشودة).
6- تسلسل المهام الضرورية.
7- الموارد المتاحة لدعم الخطة (الأشخاص المهرة، والعلاقات، والمعرفة المتخصصة، والمال، والمواد، والوقت).
8- مقاييس لتقييم التقدم المحرز نحو تحقيق الهدف الشامل، وعناصر المهمة الرئيسية.
9- القيود القانونية الدولية والمحلية السارية.
10- هيكل وقواعد العمل من أجل المساهمة في تخزين وتبادل جميع المعلومات ذات الصلة.
وينبغي أن تتضمن نواتج التقييم والتخطيط الشاملين للحكومة وصفا تفصيليا لما يلي:
1- الديناميكيات التي تحكم الصراع، بما في ذلك تلك التي تنشئ وتدعم التمرد، وتلك التي قد تخفف من حدة الصراع وتنزع فتيل التمرد.
2- الجهات الفاعلة الرئيسية والعوامل التي تشمل قادة الرأي ومجموعات الهوية مثل (قادة الحكومة الشرعية والدوائر المؤيدة لهم، وجماعات المتمردين وداعميهم) وقضايا الهوية التي تتجمع حولها الجهات الفاعلة (الأيديولوجيات أو غيرها من المبادئ المنظمة)، ودرجة تخريب التمرد لشرعية الحكومة، الدعم المحلي والخارجي للتمرد، أوجه ضعف حركة التمرد.
3- الغرض من التدخل (ماهية أو بيان مهمة حملة مكافحة التمرد).
4- عناصر المهمة الرئيسية والمهام الضرورية (كيف تُنفذ عمليات مكافحة التمرد).
5- الموارد المطلوبة؛ من خلال وصف تفصيلي لكيفية تمويل البرامج وإدارتها من قبل كل إدارة ووكالة حكومية في الولايات المتحدة؛ كما يبين نقص الموارد أيضا.
6- مقاييس مؤشرات الفاعلية والأداء لكل عنصر من عناصر الخطة والاستراتيجية العامة.
7- المتطلبات القانونية الرئيسية والقيود والخطوط الحمراء.
8- آليات التنسيق والتزامن “قواعد العمل” لإدماج الأنشطة عبر الإدارات والوكالات، بما في ذلك خطوط واضحة للسلطة والقيادة والاتصال.
9- دمج القدرات الوطنية الأخرى، والمنظمات الحكومية الدولية، والمنظمات غير الحكومية في الخطط والعمليات حسب الاقتضاء والإمكان.
وباختصار فإن نجاح حكومة الولايات المتحدة في مساعدة الدول الأخرى على هزيمة التمرد سيعتمد في كثير من الأحيان على كفاءتها في تنسيق جهود كل الوكالات والموارد الملتزم بها (من جانب أميركا، والحكومة المتضررة والشركاء الدوليين) لتحقيق الهدف المشترك.
إن المطلب الأول للولايات المتحدة يتمثل في وجوب تناغم وكالاتها الخاصة في فهم وتطبيق مقاربة “الحكومة بأكملها”. والمطلب الثاني هو أن تستعمل مهارة دبلوماسية كافية لإقناع الدولة المتضررة وتوجيهها ومساعدتها في تخطيط وتنفيذ الخطوات اللازمة لاستعادة الشرعية والسيطرة.
وفي الحالات التي يشارك فيها شركاء آخرون في الائتلاف، يجب أن تمتد هذه الفطنة الدبلوماسية إلى الحفاظ على الائتلاف، وضمان تنسيق جهود الشركاء بأكبر قدر ممكن من الفاعلية ضمن الاستراتيجية الشاملة لمكافحة التمرد. إن (مبادئ الإطار التخطيطي للحكومة الأمريكية من أجل التعمير والاستقرار ومنع النزاع)12 تمثل أداة مفيدة لوضع الاستراتيجية والتخطيط.
خامسا: التنفيذ:
إن الحاجة الى الاندماج لا تقتصر على التخطيط فقط؛ ولكنها تشمل حيز تنفيذ الخطة. ومع أنه نادرا ما يتم تطبيق مبدأ وحدة القيادة عمليا، إلا أن الشعور المشترك بالهدف والعمل الجماعي (بين الوكالات الأمريكية والحكومة المتضررة، والجهات الفاعلة الأخرى في الائتلاف) يزيد من فرص النجاح بشكل كبير.
سادسا: المتابعة المستمرة والتقدير والتقييم:
عادة ما تكون أوضاع مكافحة التمرد ديناميكية، فالتمرد يتطور وينضج، ومن ثم فإن الحكومات المتضررة (وخاصة الديمقراطية منها) ستغير أيضا في تكوينها وكفاءتها وموقفها، كما ستتغير أيضا آراء السكان. وفي الوقت نفسه سيتطور أداء كل من المتمردين ومكافحي التمرد وستتكيف استراتيجياتهم وتكتيكاتهم في كفاح دارويني من أجل التغلب على بعضهم البعض. وفي ظل هذه الظروف الديناميكية، لا يصح الاكتفاء بإجراء تقييم وتخطيط لمرة واحدة أثناء دراسة قرار المشاركة. وينبغي أن يتسم التخطيط بالتكيف والمرونة، مع الإبقاء على المواضيع الرئيسية ثابتة قدر الإمكان من أجل ضمان تحقيق وحدة الجهد واستمرارية الأداء. وينبغي مراجعة الوضع باستمرار، وتقييم النجاح النسبي لكل من التمرد وجهود مكافحته. ويجب متابعة الأنشطة الإنسانية والإنمائية وتقييمها وفقا للمعايير الدولية وأفضل الأساليب. وغالبا ما يتم إنجاز التقييمات بشكل جيد من قبل فريق مستقل من الخبراء يقدم تقاريره مباشرة إلى مسئول أمريكي كبير. وكثيرا ما يطبق الجيش الأمريكي هذه الفكرة باستخدام القادة العسكريين والدبلوماسيين المتقاعدين. وينبغي دائما التماس آراء السكان المحليين والكيانات الحكومية غير الأمريكية. وحيثما يتغير الوضع بشكل ملحوظ، يجب أن تكون استراتيجية مكافحة التمرد جاهزة للمراجعة من قبل (الدولة المتضررة والولايات المتحدة والشركاء الآخرين) لتحديد ما إذا كانت لا تزال صالحة أم أنها تحتاج للتغيير.
الـخــاتــمــــــة
نساء أفغانيات ينتظرن في طابور استعدادا للتصويت في الانتخابات المحلية
نساء أفغانيات ينتظرن في طابور استعدادا للتصويت في الانتخابات المحلية
إن المكافحة الفعالة للتمرد تتطلب تنفيذ عمليات متعددة الأوجه ومتكاملة، تستخدم خلالها القدرات المدنية والعسكرية عبر الاستفادة من مجالات المهام المعلوماتية والأمنية والسياسية والاقتصادية.
يتمثل الهدف من المشاركة في حملة مكافحة التمرد في مساعدة الحكومة المتضررة على بسط سيطرتها على مناطق سيادتها من خلال تأسيس وتطوير وتعزيز المؤسسات الحكومية الفعالة والشرعية.، فيمكن أن تساعد الولايات المتحدة الحكومة المتضررة بالاستراتيجيات التي تشمل العناصر المعلوماتية، والأمنية، والسياسية، والاقتصادية.
قبل الالتزام بالمشاركة يجب النظر بعناية في كل من: مدى شرعية الحكومة المتضررة، ورغبتها في الإصلاح، ومدى حيوية سياستها العامة واقتصادها وقابليته للنمو.
أما المقاربات الممكن اعتمادها فتتنوع ابتداء من فرق التعزيز(الدعم)، مرورا بالدعم الاستشاري والمساعدة (المدنية- العسكرية)، والدفاع الأجنبي الداخلي، إلى التدخل المباشر لمكافحة التمرد، وهي مقاربات متاحة وأثبتت فعاليتها عبر التاريخ.
يمكن إدارة الجهود الدبلوماسية لمكافحة التمرد عبر وزارة الخارجية الأمريكية، وهي الجهود التي تساهم في تشكيل البيئة الدولية، ومساعدة الحكومة المتضررة على الإصلاح، وتعبئة الدعم، وتهميش المتمردين، وتوسيع نطاق سيطرتها على كامل أراضيها.
كما تساعد جهود التنمية الحكومة المتضررة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية، وتطوير البنية التحتية وبناء القدرة الاقتصادية، ويتم تنفيذها تحت إشراف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
إن كلا من الجانبين الدبلوماسي والتنموي يمكن تفعيلهما عبر المساهمة في الأنشطة الأمنية التي تقودها وزارة الدفاع.
وتتطلب الطبيعة المعقدة للتمرد تكامل القدرات الموجودة في عدد من الوزارات والوكالات الحكومية الأمريكية، فضلا عن الدول الأخرى الشريكة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والقطاع الخاص.
إن أعمال التمرد – ومن ثم استراتيجيات مكافحة التمرد – يمكن أن تتنوع بشكل كبير من حالة إلى أخرى.
جهود مكافحة التمرد تنجح إذا أدت إلى حل سياسي مقبول بين الأطراف المعنية. فالدبلوماسية والتنمية والدفاع أمور مترابطة فيما بينها على كل مستوى من مستويات جهود مكافحة التمرد.
لابد من تحقيق التكامل (المدني- العسكري) على المستويات الاستراتيجية والعملية والمحلية والتكتيكية. فمعظم حملات مكافحة التمرد الناجحة قد حققت هذه الوحدة للجهود من خلال وجود سلطة موحدة.
إن هذا الدليل يساعد في إيجاد نظرية لمكافحة التمرد عبر الاستفادة من الخبرة الحديثة للمسئولين الأمريكيين بالوزارات والوكالات الحكومية العاملة في هذا المجال. وهو يركز بشدة على المستوى الوطني الواسع لتطوير البعد المدني في مكافحة التمرد ليتمم العقيدة العسكرية الخاصة بمكافحة التمرد.
وبما أن أول محاولة جادة من الولايات المتحدة لإنشاء إطار وطني لمكافحة التمرد ترجع إلى أربعين عاما، فإن هذا الدليل يهدف إلى توفير الأساس للنقاش المتواصل بين المنخرطين في هذا المجال، وتلقي تعقيباتهم وردود أفعالهم عليه. فالهدف النهائي من هذا الجهد هو تطوير قدرتنا الوطنية على دعم جهود الحكومات الشرعية والمسئولة التي تستجيب لاحتياجات شعوبها في مكافحة التمرد.
الملاحق
الملحق (أ) : وظائف الحكومة الأمريكية في مكافحة التمرد :
مجلس الأمن القومي
مجلس الأمن القومي هو المنتدى الأساسي للرئيس الذي يتشاور عبره مع كبار المستشارين والمسئولين الحكوميين حول شئون الأمن القومي ومشاكل السياسة الخارجية. ويقدم فريق مجلس الأمن القومي النصيحة للرئيس مع مراعاة التكامل بين السياسات المحلية والخارجية والعسكرية وإدارة الإجراءات التي من خلالها يتم تنسيق وتنفيذ سياسات الرئيس.
وبسبب حاجة جهود مكافحة التمرد اللازمة لمقاربة حكومية متكاملة، فإن مجلس الأمن القومي يحظى بمكانة مميزة لتوجيه جهود تطوير وتنفيذ سياسة مكافحة التمرد.
أجهزة الاستخبارات
دور الاستخبارات هو دور مركزي في أي حملة لمكافحة التمرد، لأنه الأساس الذى يبنى عليه الفهم الدقيق والعميق لطبيعة التمرد وسياقه وطرق علاجه المعتمدة.
فأجهزة الاستخبارات الأمريكية والدولية تقوم بدور لا غنى عنه في توفير الدعم الاستخباري لصانعي القرار، والذي يشمل المؤشرات والتحذيرات، وأدوات تقييم النزاع ، ودعم الانتشار السريع، بما في ذلك الدعم التحليلي السريع وفرق الاستجابة الخاصة بالحملات، والأدوات المعاونة، والدعم المخصص لأطقم العاملين.
وزارة الخارجية
تشرف وزارة الخارجية وتقود من خلال مكاتبها ومقراتها وبعثاتها الدبلوماسية وراء البحار على جهود الحكومة الأمريكية للمساعدة في مكافحة التمرد. ويقوم عادة المكتب الإقليمي المختص بالبلد محل التمرد، بتحديد السياسة الرئيسية فيما يتعلق بمشاركة الولايات المتحدة لدعم الحكومات الأخرى.
إن العديد من المكاتب والبعثات العاملة بما فيها مكتب الشئون (العسكرية-السياسية)، ومكتب المنسق المختص بإعادة الإعمار والاستقرار، والمكتب الدولي للمخدرات وإنفاذ القانون، ومكتب الديمقراطية وحقوق الانسان، ومكتب العمل، ومكتب شئون اللاجئين والهجرة، ومكتب الاستخبارات والبحوث، ومكتب المستشار القانوني، سيكون لها أدوار جوهرية في تطوير وتنفيذ استراتيجية مكافحة التمرد.
تتمتع المكاتب العاملة داخل الدولة بالقدرة على تصميم وتنفيذ سلسلة برامج مساعدة كاملة في القطاع الأمني تشمل مكافحة المخدرات، ومكافحة الفساد، وأعمال الأمن غير العسكرية. وقد كُلف مكتب منسق إعادة الإعمار والاستقرار بتطوير فرق الإغاثة الإنسانية لتجهيز توليفة من الخبرة المدنية تساهم في إعادة الإعمار والاستقرار، وتكون قادرة على الاستجابة السريعة للدول التي تواجه أزمات. وسوف يشرف رؤساء بعثات الولايات المتحدة على عمليات الحكومة الأمريكية الرسمية في البلدان التي تم اعتمادهم فيها.
وزارة الدفاع
توفر وزارة الدفاع والقوات العسكرية الأمريكية مجموعة واسعة من القدرات لدعم الجهود الأمريكية المتكاملة لمكافحة التمرد. وقد يشمل هذا إسداء المشورة وتدريب القوات العسكرية الأجنبية، والأمن الداخلي، ووحدات الشرطة. كما يشمل تخطيط وإجراء عمليات أمنية لدعم قوات الأمن المحلية، الاستخبارات، والاتصالات، والدعم اللوجيستي، بالإضافة إلى العلاقات العامة وعمليات الاستخبارات العسكرية، والمساعدة الطبية، ودعم الشئون المدنية ، وإصلاح البنية التحتية والبناء.
إن كلا من الدليل الميداني للجيش (24-3) ونشرة فيلق قتال مشاة البحرية(33-3. 5) لمكافحة التمرد، والعقيدة المشتركة للجيش الأمريكي تصف قدرات وعمليات مكافحة التمرد بالتفصيل.
الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
يمكن أن تساهم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في جهود مكافحة التمرد من خلال تعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين مستوى صحة الإنسان، وتقديم المساعدة الإنسانية الطارئة، وتعزيز الديمقراطية في البلدان النامية. ويتحقق ذلك من خلال مجموعة من الإجراءات بدءا من الإصلاح السياسي إلى البرامج على المستوى المحلى. فالوكالة لديها خبرة كبيرة في تطوير وتنفيذ البرامج بالتعاون مع الحكومات الوطنية، ولها مكاتب ميدانية في مائة دولة نامية تعمل عن قرب بمشاركة منظمات تطوعية خاصة، ومجموعات محلية، وجامعات، وشركات أمريكية، ومنظمات دولية، وحكومات أخرى، وروابط تجارية ومهنية، ومنظمات دينية، ووكالات حكومية أمريكية أخرى.
إن برامج الوكالة تم تصميمها لتعزيز القدرة المؤسسية على تحسين الأسباب الجذرية للصراع، وتتمتع بسجل جيد على المستوى المحلي في معالجة المظالم التي تغذى التمرد.
والعدد الكبير من موظفي الخدمة الأجانب يوفر كادرا محترفا من أطقم العمل المدنية التي تقدم فهما مميزا للوضع المحلى، كما يسمح تنوع قطاعات ومستويات أنشطة الوكالة بمرونة كبيرة وسرعة حركة لعملياتها مما يساهم في التنفيذ والتتبع الفعال لعمليات مكافحة التمرد.
وزارة العدل
تعمل وزارة العدل من خلال وكالاتها الرئيسية (مكتب التحقيقات الفيدرالي ،إدارة مكافحة المخدرات، وكالة تنفيذ القانون الأمريكي، مكتب الكحول، والأسلحة النارية، والتبغ، والمتفجرات) مع الدول الأخرى لمكافحة الجريمة الدولية والأنشطة الإرهابية الدولية بما في ذلك التمويل والدعم العملياتي الذى قد يدعم عمليات التمرد.
ولوزارة العدل مكاتب مخصصة حصرا لتقديم الدعم الفني الخارجي ذي الصلة الوثيقة بمكافحة التمرد، مثل برنامج المساعدة في تدريب لجنة التحقيق الجنائية الدولية، والذى يعمل على تطوير الشرطة والمؤسسات الإصلاحية ، ومكتب تطوير ودعم وتدريب الادعاء العام بالخارج ، الذي يطور مؤسسات الادعاء العام والقضاء.
وزارة الخزانة
يلعب مكتب إدارة الإرهاب والاستخبارات المالية التابع لوزارة الخزانة دورا هاما داخل الإدارة الأمريكية لتحقيق هدفين مزدوجين:
حماية النظام المالي من الاستخدام غير المشروع ومكافحة الدول المارقة، ومسهلي الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وغسل الأموال، وعصابات المخدرات، وغيرها من التهديدات الأمنية القومية عن طريق تعطيل وتفكيك الشبكات المالية للإرهابيين والمتمردين، فضلا عن كونها شريكا في بناء قدرة الأمة. وكلا الهدفين على صلة كبيرة بعملية مكافحة التمرد.
يتكون مكتب إدارة الإرهاب والاستخبارات المالية التابع لوزارة الخزانة من مكاتب التمويل الإرهابي والجريمة المالية، والاستخبارات والتحليل، ومراقبة الأصول الأجنبية، وشبكة مكافحة الجرائم المالية. ويقوم مكتب الشؤون الدولية – من خلال مكتبه للمساعدة الفنية – بالعمل مباشرة مع الحكومات الأجنبية في دعم جهودها لتحسين أنظمتها المالية.
وزارة الأمن الداخلي
تم تشكيل وزارة الأمن الداخلي من خلال دمج 22 وكالة اتحادية منفصلة. والغرض الرئيس للوزارة هو السيطرة والتحكم في عمليات الأمن الداخلي، ومع ذلك فإن العديد من مكاتب ووكالات الوزارة بالخارج تتفاعل وتتعاون مع الوكالات الحكومية التابعة للبلاد المضيفة. وقد تمثلت المحصلة الهامة لهذا التفاعل والتعاون في تطوير قدرات الولايات المتحدة والحكومات المضيفة على توفير الأمن والسلامة لمواطنيهم.
تعد دائرة الجمارك وحماية الحدود، ووكالة الهجرة ودفع الرسوم الجمركية وإدارة أمن النقل، والوكالة الأمريكية للمواطنة، وخدمات الهجرة والمواطنة وخفر السواحل الأمريكي، والخدمة السرية الأمريكية، ومكتب الاستخبارات والتحليل، ومكتب الشئون الدولية، ومكتب تنسيق العمليات، من أكثر وكالات ومكاتب وزارة الأمن الداخلي التي تمتلك قدرات متعلقة بمكافحة التمرد.
وزارة الزراعة
العديد من حالات التمرد تحدث في بلدان يعتمد فيها غالبية السكان على الزراعة، حيث يكون الشباب الريفي عاطلا عن العمل أو يعاني من بطالة جزئية مما يجعله عرضة للتجنيد.
لذلك تساعد تنمية القطاع الزراعي بمختلف مؤسساته على تسهيل التجارة وزيادة الدخول مما يقلل من التجنيد والدعم لحساب التمرد. وتُعد إدارة الخدمة الزراعية الأجنبية هي القائمة على تنفيذ البرامج الدولية لوزارة الزراعة الأمريكية بما في ذلك تطوير السوق، وعقد الاتفاقات التجارية والمفاوضات، وجمع وتحليل الإحصاءات والمعلومات عن السوق. وتقدم الدائرة الزراعية الأجنبية التدريب والمساعدة التقنية، وتتعاون مع البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية لتسهيل التجارة وتعزيز الأمن الغذائي.
إن من أهداف العمل الدولي لوزارة الزراعة الأمريكية: المساعدة في ضمان قيام البلدان ذات الأهمية الكبيرة للأمن القومي الأمريكي بتعزيز مؤسساتها وسياساتها ونظمها الزراعية القائمة على نظام السوق، مما يسهم في الاستقرار الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل، واعتماد لوائح تتفق مع المعايير الدولية لزيادة التجارة، مما يؤدى إلى الاستقرار والنمو الاقتصادي، واعتماد الممارسات الزراعية التي من شأنها أن تقلل من عدم الاستقرار، وزيادة التعاون الإقليمي، وضمان قاعدة موارد كافية للأجيال المقبلة.
وزارة النقل
تعتبر البنية التحتية للنقل (الطرق والسكك الحديدية والموانئ والخطوط الجوية) مؤشرا حيويا على مدى الصحة الاقتصادية والتنمية في البلاد، كما تحد من الظروف التي تشجع على التمرد. فجميع أوجه التجارة والتبادل التجاري والسفر ورفاهية الحياة تعتمد على التنقل. والنقل يسهل من قدرة الحكومة على تزويد سكانها بالخدمات الأساسية والأمن، وبالتالي يحد من الإغراء بالتمرد في أوساط السكان الأكثر عرضة للتجنيد.
يمكن أن تدعم وسائل النقل جهود مكافحة التمرد من خلال مساعدة البلدان على تعزيز مؤسساتها وسياساتها وأنظمة النقل المتعددة بها، والمساهمة في الاستقرار الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل، واعتماد لوائح تتفق مع المعايير الدولية لزيادة التجارة وتوفير السلامة مما يؤدى إلى الاستقرار والنمو الاقتصادي، واعتماد تقاليد النقل التي تعزز تطوير البنية التحتية لحركة البشر والبضائع محليا وإقليميا ودوليا. (13 ).
————–
في إضافة نوعية للمكتبة العربية، يقدم المعهد المصري للدراسات، ترجمة حصرية لدليل الحكومة الأميركية لمكافحة التمرد”، الصادر عام 2009، الذي ساهمت الإدارات والوكالات التالية في صياغة مشروع مسودة دليل الحكومة الأمريكية لمكافحة التمرد: وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وزارة العدل، وزارة الخزانة، وزارة الأمن الداخلي، وزارة الزراعة، وزارة النقل، مكتب مدير المخابرات الوطنية.
وقاد صياغة هذا الدليل مكتب الشؤون (السياسية – العسكرية) بوزارة الخارجية بمساهمة رئيسية من ديفيد كيلكولن (مستشار خاص لوزير الخارجية لمكافحة التمرد)، ومات بورتر (لفتنانت كولونيل في المارينز الملكي بالمملكة المتحدة)، وريت كارلوس بورغوس (كولونيل بالجيش الأمريكي).
وتمت إتاحة الدليل إلكترونيا، عن مكتب الشؤون السياسية العسكرية- يناير 2009، بتوقيع كل من كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية) وروبرت غيتس (وزير الدفاع) وهنريتا فور، مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ونحن في المعهد المصري للدراسات، إذ نقدم هذه الترجمة الحصرية، لهذا العمل المهم والكبير، نؤكد على كامل حقوق الفكرية للجهات الأصلية التي أصدرت التقرير، وكذلك حقوق الملكية الفكرية للنسخة العربية للمعهد المصري، على أن يكون هذا العمل خطوة نحو طريق ممتد لمزيد من الجهود في هذا السياق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامش
1 ينص دليل الميدان للجيش الأميركي الخاص بمكافحة التمرد على أن “المعركة قد تكون تحيات ومصافحة حارة أثناء الصراع مثلما قد تكون بالقنابل والأسلحة”.
2 – يشمل فهم التركيبة البشرية: فهم المجتمع والبنيان الاجتماعي والثقافة واللغة والقوة والسلطة والمصالح السائدة فيه.
3 – تهدف مهام حفظ السلام إلى ايقاف العنف، بينما تهدف جهود مكافحة التمرد إلى القضاء على التمرد بما يتضمنه ذلك من استخدام للعنف.
4 – يسعى المتمردون لجمع معلومات عن خصومهم، وللتأثير على الجماهير لتعزيز قضية التمرد.
5 – أي درجة التحفيز وقوة الدوافع لدى العنصر المتمرد، ومستوى إيمانه بالقضية التي يقاتل من أجلها.
6 – أي تقسيمهم الى مجموعات، ومهاجمة مجموعة واحدة كل مرة.
7 – المقصود أن ضعف القدرة الأمريكية على إصلاح القطاع الأمني ناجم عن النقص في الموارد من قبيل ضعف الكفاءات البشرية.
8 – أي قد يظنه البعض معبرا عن التسلسل الزمنى بينما في الحالة أعلاه يمكن تنفيذه بشكل متزامن.
9 – مثل منظمة الأمم المتحدة.
10 – مثل منظمة الصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود.
11 – انظر(الملحق ب): روابط على شبكة الإنترنت لأدوات التقييم وعمل النماذج .
12 – انظر الملحق (ج) للاطلاع على روابط الويب وأدوات التخطيط الأخرى.
المصدر/ المعهد المصري للدراسات