أ. د. نور الدين أبو لحية
(مفكر وأكاديمي من الجزائر)
عرفت المفكر والباحث الإسلامي العراقي الدكتور علي المؤمن من خلال كتابه التأسيسي القيم «الاجتماع الديني الشيعي»(1)، والذي رأيته من أحسن الكتب التي اهتمت بالتعريف بالمجتمع الشيعي بمنهجية علمية موضوعية محايدة، وغير متأثرة بذلك الشغب والتشويه الذي حصل في ظل الواقع الطائفي المرير الذي عاشته الأمة الإسلامية في أكثر عصورها. وتجلّت لي قيمة الكتاب من خلال مقارنته بالكتب الكثيرة التي تناولت التشيع، من غير مراعاة للمنهج العلمي، ولا الحياد البحثي، ولا الورع الذي يمنع من التقول والافتراء، وخاصة بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، والتي جعلت من حرب الشيعة والتشيع أداة لحرب إيران وثورتها.
وقد كنت أتصور في البداية أن الدكتور علي المؤمن مجرد باحث في هذا المجال، لكني بعد البحث على اسمه ومنشوراته، وجدت أن ذلك الكتاب لا يمثل سوى جهد محترم واحد من جهوده، وهو ـ وإن دل على بعض شخصيته ـ لكنه لا يدل عليها جميعا، بل إني رأيت أنه أحسن نموذج لمن يريد أن يؤدي واجب وقته في«جهاد التبيين». ولهذا؛ حاولت في دراستي المختصرة هذه أن أجيب من سألني عن المجالات التي يستدعي الولوج إليها في هذا النوع من الجهاد، وعبر هذا النموذج والقدوة أستاذنا الدكتور علي المؤمن، من خلال مؤلفاته التي تصل الى (27) كتاباً، ودراساته ومقالاته الكثيرة التي ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة الى محاضراته ومقابلاته.
وحتى لا أتألى عليه أو أقوّله ما لم يقل؛ فإنه هو نفسه يعتبر كل ما يقوم به من مؤلفات وبحوث ومنشورات يدخل في هذا النوع من الجهاد، فقد قال في مقال له بعنوان: «جهاد التبيين واجب لا يستثني أحدا»: إن ((جهاد التبيين، هو الجهاد بالكلمة، وهو ليس واجبا كفائيا، بل واجب عيني على كل من يستطيع الكلام والكتابة، لأنه سلاح الأنبياء والأوصياء، وتعبير المؤمن عن انتمائه لدينه ومذهبه))(2). وبعد أن استدل لهذا الجهاد بما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة والعترة الطاهرة، عقب على ذلك بقوله: ((كما كان أئمة آل البيت بعد الإمام الحسين يمارسون جهاد التبيين، دون جهاد السيف، وفق ما كانوا يرونه من المصلحة والتكليف الشرعي، وبالتالي؛ فجهاد التبيين لا يقل أهمية وأجرا عن جهاد العدو بالسلاح))(3).
ثم ذكر أنه لا عذر لأي أحد في التقصير في هذا النوع من الجهاد، في أي محل كان، فقال: ((لا يوجد عذر لأي شخص عن أداء واجب جهاد التبيين، مهما بلغت التحديات وتراكمت الإشكاليات، وتخلى القريب والبعيد، وتقاعست الجماعات والمؤسسات الإسلامية، وفشلت وسائل الإعلام المعنية؛ فحتى لو بقي أحدنا لوحده في الميدان؛ لما سقط عنه الواجب))(4).
وهكذا دعا إلى استعمال كل الوسائل والأساليب التي تحقق نجاحه، فقال: ((إن ميدان (جهاد التبيين) هو الحرب الناعمة، أي ممارسته عبر مختلف الوسائل: في البيت، في الشارع، في العمل، في المسجد، في المقهى، في الملعب، في المجالس، في الإذاعات وقنوات التلفزيون، في الصحف والمجلات، وذلك بهدف تبيين الحقائق الدينية والمذهبية، وتوعية الناس وتحصين المجتمع والتمسك بالهوية، والدفاع عن النظام الاجتماعي الديني وقيادته المرجعية))(5).
ولهذا؛ فإنه يمكن اعتبار الدكتور علي المؤمن من أولئك الباحثين الصادقين الذين لا يجعلون من البحث العلمي وسيلة للترقي في المناصب العلمية، وإنما وسيلة لأداء التكليف الشرعي المرتبط بخدمة الأمة، لا خدمة المصالح الشخصية، ويدل لذلك أنواع القضايا التي يهتم بها، والتي تدخل في صميم هذا النوع من الجهاد، وقد رأيت أنه يمكن اختصارها فيما يلي:
1- تحصين الجبهة الداخلية:
لعل أهم الأهداف التي يقوم عليها جهاد التبيين؛ تحصين الجبهة الداخلية للبلاد الإسلامية ضد المؤامرات الخارجية، ولهذا اهتم الدكتور علي المؤمن بهذا في كل كتاباته ونتاجاته الفكرية، والتي يمكن النظر إليها بهذا الاعتبار، فهو في جميعها يهتم ببث الوعي وفي الوقت المناسب لمواجهة كل المؤامرات. ومن الأمثلة على ذلك الكتابات الكثيرة للدكتور المؤمن حول مواجهة العرقية والطائفية، والتي استغلها الأعداء لبث الفرقة بين المسلمين، بل بين أبناء الطائفة الواحدة، وخاصة من بعض العراقيين الذين استعملهم لحرب إخوانهم الإيرانيين عبر بث الفرقة العرقية، بعد أن فشل معهم في بث الفرقة الطائفية، وسنذكر هنا باختصار بعض الأمثلة على ذلك:
- مواجهة العنصرية العرقية:
من مقالات الدكتور المؤمن في مواجهة العنصرية العرقية مقال بعنوان «ساطع الحصري مؤسس الثقافة العنصرية الطائفية في العراق»، وهو يهدف إلى ضرب المصدر الفكري الأكبر الذي يستند إليه دعاة القومية العرقية، وقد أثبت فيه أن هذه الشخصية المقدسة لدى القوميين لم تكن سوى أداة من أدوات الفتنة، ولا علاقة لها لا بالقومية، ولا بالعربية؛ فالحصري ــ كما يذكرــ سواء كان ((سوريّاً أو قوقازيّاً أو تركيّاً؛ فإنه هو وأبوه، كانا من كبار موظفي الدولة التركية العثمانية، ومندوبين لها في أكثر من بلد أوروبي وعربي، ومقاتلين متعصبين من أجلها ومن أجل القومية التركية الطورانية، ورغم ذلك؛ فالحصري يعد أحد أبرز مؤسسي الايديولوجيا القومية العربية المعاصرة))(6)، بل يذهب الى أن هذه المفارقة لا تقتصر على الحصري، بل تشمل أغلب القوميين العرب المؤسسين، الذين كانوا عثمانيين متعصبين لتركيا، وجنرالات في جيشها، ثم أصبحوا خلال العقد الثاني من القرن العشرين عملاء للإنجليز ودعاة للأيديولوجيا القومية العربية، بعد بروز مظاهر انهيار الدولة العثمانية.
ويشير الدكتور علي المؤمن الى أن ساطع الحصري ظل حتى كهولته عثمانيّاً متعصباً، يدعو الى سياسة التتريك وتحويل الشعوب العثمانية الى شعوب تركية، بمن فيها الشعوب العربية، وذلك من خلال تحويل الاحتلال التركي للبلدان العربية، من احتلال الى حضور لغوي وقومي محلي، لضمان استمرار الاحتلال التركي الى الأبد، مستفيدا بذلك من فكرة الفتوحات الإسلامية التي حولت الشعوب غير العربية الى ناطقة باللغة العربية، ثم عربية بالانتساب والثقافة. وهكذا يذكر التفاصيل المرتبطة بتاريخ الحصري وعلاقته باللغة العربية، وأنه لم يمثلها في يوم من الأيام، فهو ــ كما يذكر ــ تعلّم في العاصمة اليمانية صنعاء التي ولد فيها، وبقي يتكلم العربية بلهجة تركية نافرة حتى وفاته، وكان من كوادر حزب الاتحاد والترقي التركي، ويمارس عمله السياسي والوظيفي في اسطنبول حتى العام 1920، وهي السنة التي شهدت تنكره لدولته العثمانية وانخراطه في المشروع البريطاني؛ إذ ظل الحصري حتى العام 1920 معادياً لما سمي بـ (الثورة العربية ضد الدولة العثمانية)، والتي حضّر لها البريطانيون، وسلموا قيادتها الى الشريف حسين وابنه فيصل في العام 1916.
ثم ذكر كيف استعمله الإنجليز بعد خلافه مع قادة حزبه الحاكم في تركيا (الإتحاد والترقي)؛ ليتحول من الهلال العثماني الى الصليب الانجليزي، مثله مثل الكثير من العثمانيين الذين ترأسوا الوزارات العراقية طيلة العهد الملكي، الذي حكمته العائلة الأجنبية المستوردة من الحجاز. ثم ذكر كيف أسس ميشيل عفلق ايديولوجيته القومية العربية على قواعد ايديولوجيا ساطع الحصري، وحوّلها الى حزب أطلق عليه البعث. ولا يمكننا طبعا أن نذكر هنا كل التفاصيل التاريخية التي طرحها الدكتور المؤمن، والتي تدل على أن القومية العربية التي تبناها حكام العراق، والتي سرت بعد ذلك إلى الطوائف، وخصوصا الشيعية منها، لم تكن سوى مؤامرة على العراق، وعلى المسلمين.
وهكذا يجيب الدكتور علي المؤمن في مقال آخر عن سؤال يطرح كثيرا، وهو «لماذا أغلب مراجع الدين الشيعة إيرانيون؟»، وقد ذكر في إجابته أربعة أسباب موضوعية، تفنّد كل الأسباب العرقية التي يوردها من يطرح مثل هذا السؤال، وهي(7):
- الأغلبية العددية لشيعة إيران قياساً بعدد الشيعة العرب والأفغان والقوقاز والترك؛ فعدد شيعة إيران (76) مليون نسمة، بينما عدد كل الشيعة العرب، بمن فيهم العراقيين واللبنانيين والخليجيين، حوالي (35) مليون نسمة.
- إن الدولة الإيرانية منذ مئات السنين هي دولة شيعية وتدعم علماء الدين وتشجع شعبها على الدراسة الحوزوية الدينية، وتسهل أمور الطلبة، على العكس من الدول العربية الطائفية، ومنها العراقية، التي تعمل بكل السبل لمحاربة التشيع والشيعة، والتضييق على الحوزات وعلماء الدين الشيعة، وصولاً الى اعتقالهم وقتلهم وتهجيرهم.
- الاقبال العددي الكبير للإيرانيين على الدراسة الحوزوية، قياساً بإقبال الشيعة العرب؛ فعدد طلبة الحوزة والعلماء الشيعة العرب في العراق ولبنان وإيران والبحرين والسعودية لا يصل الى 10 بالمئة من عدد طلبة الحوزة والعلماء الشيعة الإيرانيين، أي (200) ألف طالب وعالم دين ايراني مقابل (30) ألف طالب وعالم دين عربي.
- إن حوزتي النجف وقم هما الوحيدتان اللتان تنتجان فقهاء ومراجع عادة، ما يعني أن شيعة إيران والعراق يدرسون في بلادهم دون عناء السفر والتغرب، ويتخرجون فقهاء ومراجع بدعم اجتماعهم الديني المحلي. في حين أن حوزات لبنان والبلدان الخليجية والهند وباكستان وأفغانستان وأذربيجان لا تنتج فقهاء ومراجع، وهو ما لا يعطي الفرصة للاجتماع الديني المحلي لهذه البلدان بدعم فقهاء ومراجع منها.
وبعد أن ذكر هذه الأسباب الموضوعية التي دل عليها الواقع والتاريخ، فنّد ما يشاع، فقال: ((أما الحديث عن كواليس وأسرار وتدافع وتنافس؛ فهو حديث أوهام لا يصمد أمام الحقائق التي ذكرناها))، وأضاف إلى ذلك قوله: ((وتجدر الإشارة الى أن أغلب الفقهاء والمراجع الايرانيين هم من السادة، أي من أحفاد رسول الله الذين يعتمرون العمامة السوداء، وبالتالي؛ فهم من أصول عربية خالصة، وسبق لأجدادهم الهجرة من العراق أو الحجاز الى إيران، وقد اعتاد الشيعة على تقليد المرجع السيد غالباً، بصرف النظر عن جنسيته، وهو موضوع نفسي ومعنوي يحسس الشيعي بارتباطه الديني بذرية آل البيت))(8).
وهكذا حذّر الدكتور علي المؤمن في مقال آخر من هذا النوع من العنصرية، وهو بعنوان «الشعبوية التضليلية واستهداف المجتمع الشيعي العراقي»، وقد قال في مقدمته: ((لا يوجد مجتمع شيعي في العالم يتعرض للتآمر والتهديد والخطر كما يتعرض له المجتمع الشيعي العراقي، لا اللبناني ولا الأفغاني ولا الباكستاني ولا الأذربيجاني ولا اليمني ولا الإيراني، ولا حتى في الدول التي يتعرض فيها الشيعة للقمع، كالبحرين والسعودية؛ فالشعبوية التضليلية باتت تنجح في استهداف أسس النظام الديني الاجتماعي الشيعي العراقي بوتيرة تصاعدية، أكثر من نجاحها في شيطنة ايران والحركات الإسلامية في العراق ولبنان وغيرها، لأن أغلب عناصر هذه الشعبوية التضليلية هم شيعة ومن داخل المجتمع الشيعي، ويستخدمون خطاباً نفاقياً تزييفياً، ويتمتعون بدعم داخلي وخارجي طائفي وغربي هائل، مالي وإعلامي وسياسي))(9).
ثم ذكر السبب في الدعم الخارجي والداخلي المفتوح لهذه الشعبوية التضليلية التي تستهدف الاجتماع الشيعي العراقي بقوله: ((إن الخصوم يدركون بأن شيعة العراق هم الأكثرية الشيعية العربية الوحيدة في المحيط العربي السني، وهم الأكثر نشاطاً وفاعلية وتأثيراً في هذا المحيط، وهم مثقفون ينافحون عن المذهب وحقوق أبنائه بقوة ووعي وإصرار.. وهذا يعني أن من الطبيعي أن يتركز الجهد الغربي، وكذا الطائفي الداخلي والخارجي، بأمواله ومخابراته وفضائياته ووسائل تواصله الاجتماعي، على محاولات كسر الشيعي العراقي أو تدجينه أو تحويله الى خصم لمجتمعه، وصولاً الى تدمير الهوية الشيعية العراقية، وتمزيق الاجتماع الشيعي العراقي من داخله))(10).
وردّ في مقال آخر بعنوان «معيار التفاضل بين العرب والعجم» على الطروحات العنصرية العرقية بقوله الدكتور علي المؤمن: ((صحيح؛ إن الله (تعالى) أكرم اللغة العربية بأن جعلها لغة خاتم الأنبياء ولغة خاتم الكتب السماوية، لكن هذا التكريم هو للغة حصراً، وليس لمن يتكلم بها أو يعيش في بيئتها الاجتماعية والقومية))(11). ثم ذكر الأدلة الكثيرة الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، والتي تدل على خطر هذه الدعوة، وعدم علاقتها بالإسلام، وأشار الى أن الانحراف الخطير الذي انحرفت به الأمة عن تلك التعاليم، بقوله: ((هذه العصبية الجاهلية التي نهى عنها القرآن ورسول الله بشدة، أعادها آل أمية الى الحياة؛ فكانوا يحتقرون كل القوميات الأخرى التي فتح العرب بلدانها، سواء القوميات العراقية أو الإيرانية أو الأمازيغية أو التركية أو المصرية، وحوّلوا العرب من دعاة دينيين فاتحين، الى مقاتلين من أجل استعباد الشعوب الأخرى وازدرائها ومصادرة مقدراتها، وهو ما كان يرفضه أئمة آل البيت بشدة، بل استعان آل أمية ببعض الوضّاعين والرواة، لوضع أحاديث مكذوبة عن الرسول، لشرعنة ايديولوجيتهم القومية واستعبادهم الشعوب الأُخرى))(12).
ثم ذكر كيف تطورت تلك العنصرية العرقية لتتحول إلى أيديولوجية، فقال: ((وبعد مضي قرون على ضعف العصبية القومية، بفعل الاندماج القومي الذي حصل في العصر العباسي، ثم في الدول الفاطمية والبويهية والأيوبية والسلجوقية والمملوكية؛ عادت العصبية القومية بثوب جديد، متأثرة بالأفكار الأوربية القومية، وخاصة النازية والشوفينية التي دوّنها الفلاسفة الألمان، أمثال “يوهان فيخته” و”فان دن بروك” و”مارتن هايدغر” و”أوسفالد شبنغلر”، وتحولت من عصبية قومية جاهلية الى ايديولوجية وعقيدة جديدة أكثر خطورة من العصبية التي طبّقها آل أمية، إذ أن الايديولوجية القومية الجديدة تتعارض مع بديهيات التعاليم الإسلامية والفطرة الإنسانية، وكان أبطالها مفكرون وساسة علمانيون متغربون، أمثال الشاه رضا خان وأحمد كسروي وحكمي زاده في إيران، واتاتورك وضياء كوك الب ويوسف آقجورا في تركيا، وساطع الحصري وميشيل عفلق وجمال عبد الناصر في البلدان العربية))(13).
ثم تطرّق الى ما حصل من تنظير وتأصيل ومحاولة لربط الإسلام بالعنصرية العرقية، بالقول: ((وقد بذل هؤلاء المفكرون والساسة محاولات بائسة فاشلة للتنظير لقاعدة عدم تعارض ايديولوجياتهم القومية مع الإسلام))(14).
وردّ في مقال آخر للدكتور علي المؤمن بعنوان «حرص آل سعود على التشيع العربي» على المغالطات المرتبطة بهذا الجانب، والتي تحاول ضرب ما تسميه التشيع الفارسي والتشيع الصفوي بما تسميه التشيع العربي والتشيع العلوي، ويذكر أن الهدف من ذلك هو تنفيذ مخطط آل سعود لتمزيق الشيعة من الداخل. وأبدى عجبه من الشيعة الذين يستسلمون لتلك الطروحات، ويصدقونها، وقد قال في ذلك: ((ولست متفاجئاً من استمرار الخطاب الوهابي السعودي في محاربة مدرسة أهل البيت وأتباعها، ولكن؛ ما يؤلم أن يعترض بعض المستغفلين من أبناء مدرسة آل البيت على بعض مقالاتي التي أعري فيها الخطاب الوهابي السعودي، وأدفع سهامه التي يستهدف بها عقيدة آل البيت وحياة الشيعة ووحدتهم، كما يستهدف تعايش المسلمين وأمنهم، ولا سيما في العراق))(15).
وهكذا نرى مؤلفاته ومقالاته الكثيرة التي يواجه بها هذه الظاهرة التي استغلها الأعداء لصناعة شرخ العداوة بين إيران والعراق خصوصاً، وبين جميع الدول الإسلامية عموماً.
ب- مواجهة الطائفية والمذهبية:
مع أن الدكتور علي المؤمن يعتبر نفسه إبناً للطائفة الشيعية، إلّا أن ذلك لم يخرجه أبداً من انتمائه الأول والأساسي للإسلام، ولهذا نراه ــ كجميع الدعاة إلى الإسلام المحمدي الأصيل ــ يهتمون بكل المذاهب الإسلامية، ويحترمونها، ويدعون إلى التقارب بينها، وينبذون كل من يخالف ذلك. ومن الأمثلة على ذلك؛ مقال كتبه عن الشيخ يوسف القرضاوي (16)بعد وفاته، يذكر فيه أن كونه شيعياً لم يحل بينه وبين الاستفادة من كتبه، بل من كتب جميع المفكرين والحركيين السنة، حيث يقول: ((لا أنكر أني كنت معجباً بالفقيه الحركي السني الشيخ يوسف القرضاوي، وأني قرأت كثيراً من كتبه ودراساته خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، بل شكّلت كتاباته جزءاً من ثقافتي الإسلامية العامة في تلك المرحلة، في إطار انفتاح الاسلاميين الحركيين الشيعة، تحديداً مدرسة السيد الشهيد محمد باقر الصدر ومدرسة الإمام الخميني، على كتابات المفكرين والكتّاب الإسلاميين الحركيين السنة، وخاصة المصريين منهم، كالشيخ حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق والشيخ يوسف القرضاوي وزغلول النجار وغيرهم))(17).
ثم ذكر الدكتور المؤمن كيف أنه لم يكتف بتلك المطالعات، وإنما راح يتواصل معه، فيقول: ((وتطور إعجابي بالقرضاوي، بعد أن بدأت بمراسلته خلال العام 1998، حين بدأنا بتأسيس “المركز الاسلامي للدراسات المستقبلية”، بدعم السيد محمد حسين فضل الله والشيخ مهدي العطار والشيخ محمد علي التسخيري، وعرضت على الشيخ القرضاوي فكرة المركز ومنهجيتنا في الدراسات المستقبلية الإسلامية، وطلبت رأيه ومشورته، كما طلبت أن يكون عضواً في الهيئة الاستشارية العلمية للمركز الى جانب ستة عشر عالماً ومفكراً من تسعة بلدان عربية وإسلامية، فأولى الشيخ القرضاوي الموضوع اهتماما مناسبا، وكانت فرحتي كبيرة حين أبلغني مستشاره بموافقته؛ لأن وجود اسم الشيخ القرضاوي معنا هو مكسب علمي ومعنوي للمشروع، ومن يطلع على مجلة (المستقبلية) العلمية المحكمة، التي أصدرنا عددها الأول في العام 1999؛ سيجد اسم الشيخ القرضاوي مثبتاً ضمن الهيئة العلمية للمركز))(18).
وبذلك؛ فإن الدكتور علي المؤمن ـ مثله مثل كل دعاة الوحدة الإسلامية ـ لم يكن له أي حرج في التواصل مع أي مدرسة من المدارس الإسلامية، ولكن الحرج الذي طرأ هو بسبب تغير المواقف، وهو ما حصل للقرضاوي الذي تخلّى عن مبادئه التي يظهر بها، وظهر بصورة مغايرة تماماً، بدأت من عام 2003، وانتهت بوفاته في 2022؛ فبعد (( سقوط نظام البعث الطائفي في العراق في العام 2003، ثم تبلور مؤشرات الصعود الشيعي في المنطقة؛ حدثت انعطافة نوعية في منهجية تفكير الشيخ القرضاوي وخطابه وسلوكه؛ فتحول خلال سنوات معدودات من مفكر إسلامي حركي مجدد، وفقيه إصلاحي متميز، الى عنصر محوري في الفتنة الطائفية والتمييز المذهبي، بل ومصدر لفتاوى التكفير والقتل والتحريض على الإرهاب، حتى وصلت شظايا فتاواه التحريضية الى العراق وسوريا وإيران والبحرين ومصر ولبنان، ولا سيما بعد أفتى علانية بقتل قادة ايران وحزب الله اللبناني ورئيس وزراء العراق حينها نوري المالكي والرئيس السوري وقادة نظامه))(19).
وأحب أن أصوّب هنا ما ذكره الدكتور المؤمن من أن صديقاً مصرياً له كان يذكر له أن ((القرضاوي لم يتغير، بل أنتم لم تكونوا تعرفوه من قبل))، وذلك صحيح، فقد كانت طروحات القرضاوي العنصرية والطائفية مختفية في ظل حديثه عن الإسلام عموماً، لكنها ظهرت بعد ذلك للعلانية.
وهكذا يتطرق الدكتور علي المؤمن في مقال آخر بعنوان «معنى السنّة والشيعة: بين سلاح الدعاية وحقائق التاريخ» إلى خداع المصطلحات، واستعماله للتفريق بين الأمة، فيقول: ((هناك خطأ تاريخي شائع بشأن معنى مصطلحي الشيعة والسنّة، وهذا الخطأ هو من مخترعات بلاط معاوية بن أبي سفيان، ويتلخص في أن الشيعة هم شيعة الإمام علي، وأن السنّة هم من اتبع سنّة النبي، أي أن مفردة (الشيعة) هنا تعود على الإمام علي، فيما تعود مفردة (السنّة) على النبي؛ ما يعني أن شيعة علي ليسوا من سنّة محمد.. وبذلك أرادت سلطة بني أمية أن تقول بأن معسكر الإمام علي هو معسكر شيعته، أما معسكر معاوية؛ فهو معسكر أهل السنة النبوية؛ ما يعني أن الشيعة هم أتباع علي، وأهل السنّة النبوية هم أتباع معاوية))(20).
ونبّه إلى أن هذه الدعاية ((كانت سلاحاً سياسياً طائفياً ذكياً جداً، انطلى على جمهرة كبيرة من المسلمين. ورغم أن هذا المعنى بدأ مجرد سلاح سياسي إعلامي في معركة آل أمية مع الإمامين الخليفتين علي والحسن، إلّا أنه تغلغل في مفاصل تفكير المسلمين، بفرض السلطة والمصالح؛ حتى تحوّل الى أحد ثوابت عقيدة أهل السنّة، ولايزال))(21).
وبيّن المراد من السنة، كمصطلح تقصد به طائفة السنة في مقابل طائفة الشيعة، فقال: ((في حين أن المعنى الثابت الصحيح، المتطابق مع حقائق تاريخ المسلمين ومسارات الانشقاق الأول في يوم السقيفة، وتداعياته خلال عصر الخلفاء الخمسة (أبو بكر، عمر، عثمان، علي والحسن)، ثم خلفاء بني أمية وبني العباس؛ فهو أن السنّة تعني سنّة الخلفاء، أي أن السنّة هنا منسوبة الى سنّة الخلفاء وليس الى سنّة النبي، لأن الانشقاق في السقيفة لم يكن – في ظاهره – حول سنّة النبي، ولم يكن لسنّة النبي مدخلية في الخلاف، بل كان الخلاف على من هو الأحق بخلافة النبي؛ إذ قال قسم من المسلمين أن علياً هو أحق بالخلافة، بناء على وصية رسول الله وتوكيداته في عشرات المناسبات، وهؤلاء عرفوا بــ (شيعة علي)، بينما رأى آخرون من المسلمين أن أبا بكر هو أجدر بالخلافة، بناء على اقتراح عمر بن الخطاب، وعرفوا فيما بعد بشيعة أبي بكر أو شيعة الخلفاء أو السائرين على سيرة الخلفاء وسنّتهم، أي أنهم (سنة الخلفاء) مقابل (شيعة علي). وبالتالي؛ لا يوجد رابط لسنّة النبي بموضوع الخلاف والانقسام، حتى يكون من اختار أبي بكر على سنة الرسول، أي سنيّاً، ومن رفضه ليس على سنّة الرسول))(22).
ثم ذكر الأدلة الكثيرة على ذلك، وهي مهمة جدا لمن يريد أن يواجه الطائفية مواجهة علمية، ومن خلال تلاعبها بالمصطلحات، وهو يدلنا على أن جهاد التبيين الحقيقي هو الذي يعتمد اللغة العلمية، لا اللغة العاطفية المجردة، ولذلك ختم مقاله القيم بقوله: ((والخلاصة؛ ينبغي على الأكاديميين المتخصصين والباحثين التاريخيين وعلماء الكلام ودعاة التقريب بين المذاهب، بل عموم المسلمين؛ التنبه الى هذه الحقيقة في حواراتهم وأبحاثهم وكتاباتهم، وأن يسموا الأشياء بمسمياتها الحقيقية والواقعية، وأن يقرنوا كلمة السنة بكلمة الخلفاء، ليكون المصطلح الصحيح: (سنة الخلفاء)، وهو ليس طعناً إطلاقاً بعقيدة أهلنا السنة أو انتقاصاً من انتمائهم للإسلام وجماعة المسلمين، بل لتصحيح مفهوم أو مصطلح خاطئ سائد، وهو عمل علمي لا علاقة له بأي منحى طائفي؛ فشيعة علي وسنة الخلفاء، وجهان لعملة الإسلام))(23).
ت- مواجهة التشكيك في المرجعية الدينية:
بسبب ما شكّلته المرجعية الدينية، وخصوصا الشيعية من تأثير كبير في الواقع السياسي والاجتماعي العراقي والإيراني، فقد حاول الأعداء المتربصون ضرب هذه المرجعية، وبطرق مختلفة، ولذلك نرى الدكتور علي المؤمن في مقالاته المختلفة يرد على تلك الشبهات، وبأسلوبه العلمي الحواري الهادئ. ومن الأمثلة على ذلك، ردّه على التشكيكات التي انتشرت عبر وسائل الإعلام الكبرى كقناة الجزيرة والعربية وغيرها حول الحقوق الشرعية، والأموال التي تعطى للمراجع، ليضعوها في المصارف الخاصة بها.
ففي مقال له حول هذا الموضوع؛ أشار الدكتور المؤمن هذا الصنف الخطير من الشبهات بقوله: ((كثير من غير المطلعين أو المنساقين مع حملات الاستغفال أو الذين يقيسون على حالة منفردة؛ يشكك بحركة المال الشرعي، وكيفية صرف أموال الخمس والزكاة والحقوق الشرعية التي تصل المرجعية، وما إذا كان فقراء الشيعة وأيتامهم ومرضاهم يستفيدون من هذه الأموال))(24).
ثم صحّح هذه النظرة والاستغفال بذكر مصادر تلك الأموال، ومصارفها، فقال: ((هذا المال الشرعي، ليس كله حقوق شرعية، كالخمس والزكاة مثلاً، بل كثير منه تبرعات طوعية من الموسرين والتجار ورجال الأعمال الشيعة في أوروبا والبلدان الخليجية والعراق والهند وإيران، وليس فيه درهم واحد من الحكومات، وتقوم المرجعية بصرفه في موارده المعروفة، كالحوزات العلمية ومنتسبيها، والمؤسسات الدينية والمساجد والتبليغ الديني، والجامعات والمدارس والتعليم، والمؤسسات الصحية، والجمعيات الخيرية، وإعانة الفقراء والمرضى، وكفالة القصّر والأيتام، وهي قمة مظاهر التكافل الاجتماعي والديني، التي لا يعرفها أي نظام اجتماعي ديني في العالم غير النظام الاجتماعي الديني الشيعي، حتى وإن أنكر ذلك بعض الغافلين أو أصحاب الأجندات المخاصمة))(25).
وذكر مثالاً على ذلك بما يقوم به ((الأب النجفي الزاهد الإمام السيستاني، من خدمات صامتة كبرى لإعالة عشرات آلاف الأسر العراقية المتعففة والفقراء والأيتام، وعلاج مئات آلاف الحالات المرضية، دون دعاية وإعلام وضجيج، وهي وحدها كفيلة بدحض كل ألوان التشكيك بانسيابية حركة المال الشرعي، وضرورة تراكم التبرعات، لأنها تذهب فعلاً الى مستحقيها))(26).
ثم ذكر المفارقة العجيبة التي يقوم بها المشككون ((الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدوها إذا تبرع أمير أو تاجر خليجي لعلاج مريض عراقي، أو قدّم مساعدة لعائلة عراقية؛ فترى الصور وأفلام الفيديو والمنشورات تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تمجد بالمتبرع الخليجي، وتلعن العراق ونظامه وأهله ومرجعيته، لأنهم قصّروا في مساعدة هذا المريض أو تلك الأسرة، لكنهم يتغافلون، عمداً أو جهلاً، عما تقوم به المرجعية من دعم ومساعدة ورعاية لملايين الشيعة، ليس في العراق وحسب، بل في كل بلدان العالم))(27).
وأشار الى الأهداف البعيدة من هذا التشكيك، وهو ضرب المرجعية، وتنفير المجتمع منها، فقال: ((يهدف ـ هذا التشكيك ـ الى خلق حالة من النفور من المرجعية والتقليد ورجوع المؤمنين الى المرجع في أمور دينهم ودنياهم، وتسفيه واجب تقديم استحقاقات المال الشرعي الى المرجع، وصولاً الى هدف ضرب النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، الذي تقف المرجعية على رأسه. والحال؛ إن هذه الاستحقاقات المالية الشرعية كانت ولاتزال قوام استقلال المرجعية والحوزة والنظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي عن تأثير ألاعيب السياسة والسلطة، وقوام التكافل الاجتماعي الشيعي، فضلاً عن كونها واجباً عبادياً على المكلف))(28).
ثم ختم مقاله بالدعوة إلى التثبّت والتروّي والبحث، بقوله: ((بما أن الإنسان عدو ما يجهل غالباً؛ فأنصح من يريد التعرف على حجم المشاريع العملاقة والمساعدات والإعالات والإعانات التي تقوم بها المرجعيات الشيعية في العراق والعالم؛ مراجعة مكاتبهم لدقائق فقط. كما أنصح مكاتب المرجعيات بالخروج عن الصمت الإعلامي، وخاصة مكتبي المرجعين السيستاني والخامنئي، وتوضيح ما يقومان به في هذا المجال، وكيفية صرف الحقوق الشرعية والتبرعات))(29).
ويمكن الإطلاع بالتفصيل على رأي الدكتور المؤمن بموضوع الحقوق الشرعية والمال الشرعي الشيعي، وكيفية استحصاله وتوزيعه، ودوره الأساس في استقلالية النظام الاجتماعي الديني الشيعي والمرجعية الشيعية، وذلك في كتابه التأسيسي القيم: «الاجتماع الديني الشيعي»(30).
ث- الرد على الجماعات المتطرفة:
وهي وإن كانت ضمن مواجهة الطائفية إلّا أن خطر هؤلاء لا يقتصر على التشويهات والتضليلات والتشكيكات، بل تعدّاه إلى العنف والإرهاب، ولهذا أولى الدكتور علي المؤمن اهتمامه بهذا الجانب، ودعا إلى مواجهة الفكر الإرهابي قبل مواجهة الإرهاب نفسه؛ ففي مقال له بعنوان: «سيبقى داعش وأخواته، طالما بقي رأس الأفعى»، قال: ((التحركات الأخيرة لتنظيم (داعش) وغيره من الجماعات الوهابية التكفيرية، وعملياتهم المستمرة في شمال العراق وشرقه، وفي أفغانستان وسوريا وبلدان أخرى؛ تؤكد بما لا يقبل الشك؛ إن هذه الجماعات لم ولن تنتهي؛ لطالما بقي العقل الذي يغذيها فكرياً ويمدها باللوازم الايديولوجية والتوجيهية والمالية؛ حياً وفاعلاً، فضلاً عن توافر الحواضن الاجتماعية للسلوك الطائفي التكفيري))(31).
وعدّ الانتصار العسكري الذي تحقق بعد عام 2016، حين تم تدمير قلاع تنظيم (داعش) ووجوده في العراق وسوريا، بسواعد الشيعة ودمائهم، ليس كافياً لتحقيق الانتصار الحقيقي الشامل، لأن ((اقتلاع فاعلية داعش في الموصل والأنبار وتكريت وغيرها؛ إنما يمثل نصراً عسكرياً؛ لأن (داعش) مجرد ذنب أفعى؛ أنتجته العقيدة الوهابية، وأسسته أمريكا، وأهلته السعودية، والتزمته الحواضن الاجتماعية الطائفية))(32)، ثم ذكر أن ((رأس الأفعى ما يزال في الرياض ينفث سمومه، ويتغذى على كتب التكفير ومدارسه في السعودية، ويفرخ يومياً المزيد من وهابيي القاعدة وداعش والنصرة وطالبان. ولطالما ظل رأس الأفعى حيّاً قوياً؛ فإن (داعش) سيعود بجلد وهابي سعودي جديد))(33).
وخلص في الأخير إلى أن ((المعركة الحقيقية ليست مع (داعش) الذنب؛ بل مع رأس الأفعى.. نظام آل سعود، وهي معركة لا تزال قائمة في كل أرض يقاوم فيها اتباع آل البيت، بدءاً بالعراق وإيران وسوريا، وليس انتهاءً باليمن والبحرين ولبنان وافغانستان والأحساء))(34).
وبناء على هذا؛ نرى الدكتور المؤمن يرد على ظاهرة التكفير، والشبهات التي تستند إليها، ومن الأمثلة على ذلك مقال له بعنوان «هل صرخة (لبيك يا حسين) شركٌ بالله!؟»، وقد ذكر فيه حواراً جرى بيني وبين شيخ وهابي سعودي حول قول الشيعة: (لبيك يا حسين)، وقد أجابه بقوله: ((إنما نحن نلبي نداء الحسين في يوم عاشوراء: (ألا هل من ناصر ينصرني)، وهو وحيد تحيط به آلاف السيوف الأموية المارقة؛ فنجيبه في كل زمان ومكان: (لبيك يا حسين)، أي؛ إنه تلبية نداء النصرة لإمام الأمة.. خليفة رسول الله الشرعي، والاصطفاف وراء أهداف نهضته الإسلامية الإصلاحية المتواصلة، وهو الشهيد الذي لايزال حياً بروحه وسيرته ونهجه، كما قال تعالى: ﴿أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾(35).))(36).
ثم ذكر له المعنى المراد من تلك التلبية، بقوله: ((ولم يطلب الحسين النصرة لشخصه؛ بل ليلقي الحجة على المسلمين؛ لينهضوا لنصرة الدين الحنيف الذي تآمر عليه آل أمية، وبالتالي؛ فإن تلبية نداء إمام الأمة؛ إنما هو تجديد لعهد النصرة لدين الله، وإحياء أمر العترة الطاهرة وذكرها وسنتها، وهي عِدل القرآن، كما أمرنا الله ورسوله.. فأين الشرك والكفر من هذا!؟))(37).
ولذلك؛ نرى الدكتور علي المؤمن يشن هجمته على التراث الذي تسلل إلى المسلمين، فانحرف بهم عن دينهم؛ فقد قال في مقال له في هذا بعنوان «الأموية المعاصرة»: ((الأموية عقيدة دينية سياسية، عميقة التأثير في تاريخ المسلمين وحاضرهم، ولاتزال قائمة بكل أبعادها ومفاهيمها وسلوكياتها، وهي ليست عنواناً لدولة بائدة أو حكم أسرة استولت على مقدرات المسلمين في مرحلة ماضية، ما يعني أن الحديث عن العقيدة الأموية ليس حديثاً تاريخياً ولا اجتراراً لماضٍ أُسدل الستار عليه، ولا أفكاراً اندثرت، كما قد يبدو لغير المتتبعين؛ بل هو حديث متجدد عن عقيدة خطيرة كانت ولاتزال تكيد بالإسلام وتعمل بتركيز على اختطافه والسيطرة على الواقع الإسلامي، بكل أساليب الترغيب والترهيب، بدءاً بخلق البدع والمفاهيم العقدية والفقهية والسلوكية المنحرفة، وانتهاء بإغداق المال الحرام، والقصف الدعائي المركّز، والقمع والتشريد والإقصاء، وقتل الصالحين والمقابر الجماعية))(38).
ثم قام بعملية تفكيك نظري للايديولوجية الأموية، وأعادها إلى مضامينها الكبرى، والتي تتشكل ـــ كما يذكر ـــ من دعامتين متداخلتين تكمل أحداهما الأخرى، وتجتمعان معاً في شخصية الملك الأموي، بوصفه الوريث الديني والزمني الحصري لرسول الله أيضاً(39):
الأولى: الدعامة السياسية العلمانية، التي تتمظهر في السلطة السياسية للملك الأموي، والتي تحدد للمؤسسة الدينية التنفيذية دورها وصلاحياتها في إطار حركة الدولة.
الثانية: الدعامة الدينية الثيوقراطية، وتتمظهر في السلطة الدينية للملك الاموي، وهي التي تشرعن للمؤسسة السياسية التنفيذية ايديولوجيتها وفقهها السلطاني وسلوكياتها.
ثم يذكر أن هاتين الدعامتين ((لا تزالان حاضرتين بقوة في واقع المسلمين الديني والسياسي، ولهما تجلياتهما الحقيقية على الأرض.. وأبرز تطبيق لهما هي سلطة ملوك آل سعود الوهابيين، والتي تمثل النموذج القائم لأيديولوجيا آل أمية في دعامتيها الدينية الثيوقراطية والسياسية العلمانية.. أما العقيدة البعثية؛ فإنها تمثل الدعامة العلمانية السياسية للعقيدة الأموية المعاصرة، أي اليسار السياسي الشوفيني الأموي، الذي يكمل العقيدة اليمينية الوهابية السعودية التي تمثل الدعامتين معاً، وإن كانت دعامتها الدينية السلطوية أكثر وضوحاً؛ كون العقيدة الوهابية السعودية تتبنى القواعد الثيوقراطية في شرعنة سلطتها السياسية ــ الدينية. وبذلك؛ يتفوق اليمين الوهابي السعودي على اليسار البعثي العراقي بتطرفه المذهبي التكفيري، بينما يتفوق البعث العراقي على الوهابية السعودية في عنصريته القومية))(40).
ويفرِّق الدكتور علي المؤمن بين العقيدة الأموية وبين المذاهب السنية، كالحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية، وهو يرى أن ((هذه المذاهب السنية أسسها فقهاء حقيقيون، استطاعوا الابتعاد عن سطوة الدين الأموي وتأسيس مذاهب إسلامية تستند الى القرآن وسنة رسول الله، فضلاً عن أنها تنتمي الى العقيدتين الأشعرية والمعتزلية في الأصول، واللتين يكفرهما التيميون والوهابيون.. ولايزال أتباع المذاهب السنية يتبعون سيرة فقهائهم ومتكلميهم ومحدثيهم السلف والمعاصرين، ولا يقرّون ما أحدثه ابن تيمية من بدع في الدين))(41). وما قاله هنا هو عين الاعتدال في التعامل مع الآخر الإسلامي؛ ذلك أن الخلط بين التيارات السلفية والمدرسة السنية، هو الذي يستثمره الطائفيون في غرس الصراع بين المسلمين.
ولهذا يذهب الى أن ((المدرستين الأمويتين المعاصرين: الوهابية والبعثية، لا تنتميان الى المذاهب السنية عقدياً وفقهياً وسلوكياً؛ فالوهابية تنتمي الى عقيدة الشيخ أحمد بن تيمية الذي عاش حياته طريد المذاهب الإسلامية السنية، بل كفّره كثير من علمائها، وهو ما حصل أيضاً مع امتداده محمد بن عبد الوهاب، مؤسس التيمية الجديدة (الوهابية السعودية)، الذي أفتى أغلب علماء السنة في زمانه بأنه خارج على الدين والملة.. وينطبق الأمر أيضاً على التنظيمات التكفيرية المتفرعة عن الوهابية الأموية، كالقاعدة وداعش والنصرة وجيش الصحابة وأنصار السنة وغيرها؛ فهي تنظيمات عقدية أموية، وإن احتمت بالمذاهب السنية، وحاولت نسبة نفسها الى السنة؛ بهدف استثارة عواطف جمهور السنة واستقطابهم. في حين ينتمي حزب البعث الى الأموية السياسية الطائفية غير الدينية، وإن احتمى بالسنة وجعلهم حاضنة اجتماعية له))(42).
وهكذا يستمر الدكتور المؤمن في عملية التفكيك، في مقال له بعنوان «خطورة الخلط بين التسنن والنصب» من هذا الخلط؛ فقال: ((لكي نكون أكثر التصاقاً بالحقيقة؛ فإن مدرسة (أهل السنة) كانت ولا تزال منحازة لآل البيت عاطفياً، وأحياناً سياسياً، ولا تخفي حبّها لهم، لكنها عقدياً وفقهياً لا تتبعهم؛ بل تتبع فقهاء ومتكلمين آخرين من مدرسة (الخلافة)، كالأشعري والماتريدي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، وهذا هو ما يميزها عن مدرسة (التشيع) ومدرسة (النصب) والتكفير. أي أنها مدرسة بين المدرستين))(43).
ثم حذّر الشيعة في نهاية المقال: ((لذلك؛ ينبغي الحذر من الخلط بين مدرسة (السنة) ومدرسة (النصب) والتكفير؛ لأنهما مدرستان مختلفتان؛ بل متعارضتان في كثير من المسائل العقدية، وفي النظرة لآل البيت وللشيعة، وفي المنهج التربوي والسلوك الاعتقادي، وفي تفسير التاريخ.. كما ينبغي الحذر الشديد من أي كلام أو سلوك يدفعان أتباع المذاهب السنية الى الارتماء في أحضان مدرسة (النصب) والتكفير؛ لأن أهم هدف لهذه المدرسة هو تنصيب نفسها مدافِعاً عن أهل السنة وناطقاً باسمهم، واستقطاب أكبر عدد ممكن من أتباع المدرسة السنية، وتحويلهم الى أعداء للشيعة، وأدوات تدمير للواقع الإسلامي برمته، عبر إقناعهم بالعقيدة الأموية التيمية الوهابية))(44).
2- مواجهة التغريب ومؤامراته:
بما أن أخطر الظواهر التي تسببت في كل المآسي التي يعيشها المسلمون ذلك الانبهار الشديد بالغرب وثقافته، نرى الدكتور علي المؤمن يهتم بمواجهة هذه الظاهرة، عبر التعريف بحقيقة الغرب، والانحرافات الكثيرة التي يقع فيها، والتي لا يبصرها المتأثرون به، أو يغضون طرفهم عنها، وفي نفس الوقت يدعو إلى الانفتاح على الغرب، والاستفادة من أي شيء يصلح للاستفادة منه؛ فالحكمة ضالة المؤمن.. وسنذكر هنا باختصار بعض الأمثلة من كتاباته في ذلك.
أ- التحذير من القيم الغربية:
بما أن دعاة التغريب يستغلون بعض الظواهر الإيجابية في الحياة والثقافة الغربية للدعوة للتغريب الشامل، فإن الدكتور علي المؤمن يستعمل سلاحا مضاداً، وهو إبراز الجوانب السلبية في الحياة والثقافة والغربية، والتي يجتهد المتغربون في سترها أو تبريرها.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره في كتابه «الإسلام والتجديد»(45). عند حديثه عن الأخلاقيات الاقتصادية الغربية، حيث قال: ((هناك تمايز طبقي واضح يكمل التصّدع الاقتصادي، الناتج عن التضخم والغلاء المعيشي والتسوّل والبطالة والديون الحكومية.. وحين تنعكس هذه المظاهر على العلاقات الاجتماعية فإنها تخلق تفاوتاً اجتماعياً طبقياً كبيراً في المجتمع الواحد، على مستوى الملكية الخاصة ورأس المال، وعلى نوعية التعامل المتقابل بين الطبقات، وستشح عندها مظاهر التكافل الاقتصادي والاجتماعي.. وتبرز من خلال ذلك أخلاقية اقتصادية فظة، تتمثّل في تحوّل العملية الاقتصادية في المجتمع إلى هدف بنفسها، أي أن الغاية من ممارسة المهن والحرف ــ على اختلافها ــ ستختصر في تحصيل المال وكنزه، على حساب الفضائل والعواطف، فيتعامل الطبيب ــ مثلاً ــ مع المريض كآلة فيها عطل، يجب أن يحصل على أكبر مبلغ من المال ليقوم بإصلاحها، بصرف النظر عن الأخلاق الطبية والعواطف الإنسانية))(46).
وهكذا الأمر بالنسبة للأخلاق عامة، حيث يذكر انتشار ظاهرة غربة الأخلاق وتغرّبها، ((من خلال مجموعة من المظاهر القاتلة، أهمها: الانتشار الواسع لما يعرف بمجتمعات الشباب، والمراقص والحفلات الماجنة، وعلب الليل وأماكن الدعارة، وحانات الخمور، والشواطئ والمسابح المختلطة، والأزياء، والأسماء والمسميّات الشخصية والعامة الغربية، والعلاقات المفتوحة بين الرجل والمرأة، والاختلاط بين الجنسين في مختلف الأماكن والميادين، والسفور، ووسائل الإعلام الماجنة، ومراسم عرض الأزياء، وحفلات اختيار ملكات الجمال، والتي حوّلت – بمجموعها – المرأة إلى سلعة تباع أجزاء منها وتشترى، كما يحدث في الغرب تماماً. هذا فضلاً عن ظواهر أخرى تعادلها أو تزيد عليها في الخطورة، أهمها الشذوذ الجنسي، الذي بات موضوعاً مصيرياً لدى الدول الغربية؛ إذ لا تكتفي بشرعنته والدفاع عنه باستماتة في بلدانها، بل تعمل بكل الوسائل على الترويج له كحالة إنسانية طبيعية في المجتمعات المسلمة، إضافة الى ارتفاع نسب المدمنين على المخدرات، ونسب ارتكاب الجرائم الأخلاقية، التي تعدّها القوانين الوضعية أيضاً جرائم تستحق العقاب، في حين أن هذه القوانين تغضّ الطرف عن تلك الجرائم والممارسات اللاأخلاقية – التي سبق ذكرها – بل تقنّنها وتنظم حركتها))(47).
وهكذا نجده في المؤلفات والكتابات الكثيرة يورد الكثير من المظاهر التي تدل على مدى الانحراف الذي وقع فيه الغرب نتيجة بعده عن القيم الإيمانية والروحية، والتي يمكن الاكتفاء بها لمواجهة التغريب بكل أشكاله. ومن الأمثلة على ذلك؛ مقال له بعنوان: «هل تعلم بأي أسلوب وحشي تمكنت إسبانيا من احتلال المكسيك؟»، حيث ذكر أنه ((لكي يتمكن الجيش الإسباني من احتلال البلاد؛ فقد جلب معه أعدادا كبيرة من المصابين بمرض الجدري في العام 1521، وقام بنشر المرض على نطاق واسع في أرجاء المكسيك، فمات خلال بضع سنوات (15) مليون مكسيكي جراء الإصابة بالجدري، أي أن الجيش الإسباني المتوحش قتل نصف سكان امبراطورية (الأستك) قبل أن يستكمل احتلال البلاد))(48).
وذكر التعاون بين العسكر ورجال الدين في هذا، فقال: ((وخلال ذلك كان القساوسة الأسبان ينشرون المسيحية الكاثوليكية بقوة السلاح والخديعة؛ إذ أشاعوا بين المكسيكيين بأن هذا المرض الفتاك هو غضب من إله المسيح، وإن إله المسيح أقوى من آلهة الأستك المتعددة، وإن إله المسيح الغاضب هو الوحيد القادر على تخليصهم من المرض، الأمر الذي جعل حكومة الأستك وشعبها مستسلمين لهذه الخديعة))(49).
وعلق على هذا بقوله: ((هذا نموذج بسيط، لكنه مروع، من جرائم الاوربيين المتشدقين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والذين بنوا مدنياتهم بجماجم الشعوب، ونشروا ديانتهم المسيحية ولغاتهم وثقافاتهم بالسلاح والخديعة، أما ما فعلته اسبانيا في باقي شعوب أمريكا اللاتينية والجنوبية، وكذا ما فعلته فرنسا في الجزائر وعموم افريقيا، وهولندا في اندونيسيا، وايطاليا في ليبيا، وبريطانيا في الهند وافريقيا والعراق، وامريكا في عشرات الدول، ولاتزال، من جرائم إبادة بشرية؛ فيحتاج الى ألاف المجلدات والأفلام والبرامج، لتوصيفه وتوثيقه))(50).
ب- الدعوة الى الانفتاح المنضبط:
يستغل الدكتور علي المؤمن كل مناسبة للتذكير بأن ذكر سلبيات الغربية، لا يعني المفاصلة التامة بيننا وبينه في كل شيء، ولذلك يدعو إلى الانفتاح على الإيجابيات الموجودة في الثقافة الغربية، للاستفادة منها أولا، ولسد الطريق أمام التغريبيين ثانيا، فالانغلاق نوع من أنواع التطرف، وهو يؤدي دائما إلى نتائج عكسية.
وقد قال في كتابه «الإسلام والتجديد» يشير الى ذلك: ((يرى بعض المعنيين بالخطاب الثقافي أن الحديث عن الغزو الثقافي والاغتيال الثقافي واستلاب الهوية وضرورة التحصين الداخلي، يتعارض مع المثاقفة وحوار الثقافات وتفاعل الأفكار وتكامل الحضارات، وأنه بات من أحاديث الماضي، بعد أن عملت وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلوماتية والاقتصاد العابر للحدود، على تحويل العالم الى بيت واحد، وليس مجرد قرية واحدة، وهنا أقول؛ إن التفاعل الموضوعي بين الأفكار المتنوعة، والحوار الندي والمتوازن بين الثقافات، والمثاقفة الطبيعية وغير القسرية والتي لا تحمل أهدافاً استعمارية، هي مفاهيم وأمور مقبولة، بل ضرورية))(51). ثم استدل لهذا، بما ورد في المصادر الإسلامية من الحضّ على الاستفادة من نتاجات الآخر الفكرية والعلمية والثقافية التي لا تتعارض مع النص المقدس، ومنها قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾(52)، وكما ورد في الأثر: ((اطلبوا العلم ولو كان في الصين))(53).
ومثل ذلك ما ورد من الحض على التعارف مع الشعوب والأقوام والتحاور معها، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾(54)، وكذلك ما ورد من اعتبار التعارف علّة التنوع القومي والعرقي والديني، بهدف التوصل الى كلمة سواء، كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾(55).
وبناء على هذا؛ يدعو الدكتور علي المؤمن إلى التفريق بين الانفتاح والتحصين، فقال: ((لا يعني الحديث عن خطاب التغريب والغزو الثقافي الغربي؛ أن الغرب شر مطلق في أفكاره ومناهجه وسلوكياته ونتاجاته، بل إن القصد هو الجانب العدواني المتمثل بالغرب المستكبر، الذي يعمل منذ ثلاثة قرون على اغتيال هوية المسلمين واستبدالها بهوية مشوهة، واحتلال البلدان المسلمة والمستضعفة، ونهب ثرواتها، واستعباد شعوبها، وليس الغرب بالمطلق، وليست الشعوب الغربية. وهنا ينبغي الفرز بين السلبي والإيجابي والمقبول والمرفوض والسيء والحسن والمفيد والضار من الفكر الغربي والسلوك الغربي، وهو المراد من مفردة (أحسنه) في النص القرآني ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾(56). وبالتالي؛ فإن قواعد الحوار الحضاري والمثاقفة والتفاعل الفكري تتعارض كلياً مع ما يقوم به الغرب من عمل ميداني هجومي عدواني في الجانب الثقافي والفكري والسلوكي، ينطوي على أهداف استعمارية وهيمنة سياسية واقتصادية وثقافية ومخابراتية، بهدف اغتيال الهوية الإسلامية وتغريب مجتمعات المسلمين))(57).
وهو يعتبر الجمع بين الانفتاح والتحصين خير وسيلة لمواجهة الغزو الثقافي والمؤامرات الغربية، فيقول: ((لعل الفرز بين نتاجات الغرب وسلوكياته، وفق قواعد الوعي العميق المذكورة، هو أحد أهم عناصر القدرة على مواجهة الغزو الثقافي والرد على خطاب التغريب))(58).
3- الدعوة الى لإسلام المحمدي الأصيل:
يمكن اعتبار النواحي السابقة التي اهتم بها الدكتور علي المؤمن في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مجرد ممهدات للدعوة للإسلام المحمدي الأصيل، والذي ينبني على قيم الإسلام التي لم تحرف ولم تبدل، والتي تستند إلى مصادره الأصلية، وهذا الإسلام يقوم عنده على مجموعة كبيرة من الأسس، أهمها:
أ- الدعوة الى تصحيح الموروث الديني:
مع كون الدكتور علي المؤمن إبناً للحوزة العلمية(59)، والبيئة الدينية المرتبطة بها إلّا أن انفتاحه على الثقافات المختلفة، جعله أكثر شعورا بضرورة تصحيح الموروث الديني، ولكن بطريقة علمية منهجية بعيدة عن منهج الحداثيين أو الاستئصاليين الذين يريدون أن يمزقوا كل شيء، ليبنوا دينا جديدا على مقاسهم.
ولهذا ينبِّه إلى أن دعوته لتصحيح التراث، لا يعني إلغاءه ولا الحجر عليه، يقول في بعض مقالاته في ذلك: ((بعض الأحبة القراء، المتعجلين منهم أو الذين يحملون مواقف نمطية مسبقة؛ فهموا من مقالاتي التي انتقدت فيها بعض علماء الدين والمثقفين الدينيين الذين يتعاملون مع موضوع تصحيح التراث وتنقيته تعاملاً استعراضياً ودعائياً، وشعبوياً أحياناً؛ فهموا أنني ضد تنقية التراث الديني، وضد مراجعته، وضد مسار التصحيح العلمي، وأعارض التجديد في الفهم الديني المستند الى عملية تصحيح التراث المعرفي والعلمي الديني.. وهذا الفهم خاطئ، ويتعارض مع المنهج الفكري الوسطي التوازني الذي أتبناه؛ فأنا مع تنقية التراث وتصحيحه، لأنهما من لوازم استمرار ربط الفهم الديني بالواقع وتحولاته، لأن الموروث الديني يمثل المادة المعرفية التي نستند اليها في مواجهة تحولات الحاضر ومآلات المستقبل، وبدون ذلك؛ ستتوسع الهوة بين الفهم الديني والعصر، وسيؤدي الى انسلاخ شرائح من المتدينين عن الدين، وكذلك انسلاخ شرائح أخرى منهم عن الواقع، وكلا الانسلاخين ليسا في مصلحة الدين ومؤسسته العلمية))(60).
كما يشدّد على أن تنقية التراث تحتاج إلى اعتماد منهج علمي صحيح، حتى لا يستأصل التراث بحجة تصحيحه، يقول في ذلك: ((ينبغي أن تكون تنقية التراث الديني وتصحيحه، وفق المناهج والأدوات العلمية الصحيحة، وداخل المؤسسات المتخصصة، ومن قبل أصحاب الاختصاص، لأنه عمل شبيه بالأبحاث الأكاديمية والمختبرية الدقيقة))(61).
ولهذا ينتقد دعاة تصحيح التراث الذين لا تتوفر لديهم هذه الشروط، فيفسدون أكثر مما يصلحون، يقول في ذلك: ((أما منهج التسفيه الإعلامي والخطاب الشعبوي، الذي يستخدمه قسم من المثقفين الدينيين وعلماء الدين حيال التراث التفسيري والروائي والمعرفي الديني، بذريعة التنقية والتصحيح والتجديد والإصلاح؛ فهو في حقيقته منهج استعراضي دعائي رخيص، يهدف الى إغواء بعض الشباب، وكسبهم كأنصار يصفقون له في وسائل التواصل وفي المحافل العامة، ولكي يقال عن هذا (الأفندي) أو ذاك (المعمم) بأنه مثقف مستنير، وصاحب فكر منفتح وسلوك عابر على الجمود الديني والانحياز الطائفي))(62). كما ينتقد بشدة ذلك التهريج الذي يقوم به دعاة تصحيح التراث، أو دعاة هدمه حين ينشرون المباحث التخصصية بين عامة الناس، من غير أن تكون لهم القدرة على فهمها. ويختم الدكتور مقاله بقوله المعبر عن موقفه من تصحيح التراث: ((أنا مع تنقية التراث الديني وتصحيحه، وفي الوقت نفسه ضد التهريج والاستعراض والتسفيه، وضد الأهداف غير العلمية لعملية التصحيح والتنقية))(63).
وهكذا حدد الدكتور المؤمن في كتابه «الإسلام والتجديد» تحت عنوان «المعنيون بتجديد الفكر الإسلامي» صفات من يصلحون للقيام بهذه الوظيفة الخطيرة، والتي تشبه وظيفة الجراح الذي قد يؤدي أي خطأ في أدائه إلى استئصال أعضاء صالحة، تؤدي بالمريض بدل علاجه إلا آفات دائمة. وذكر في مقدمته: ((إن التجديد في علوم الدين، والفقه وأدواته، ومجمل قضايا الفكر الإسلامي أو اكتشاف المفاهيم والنظريات والنظم الإسلامية؛ إنما هي مجالات تخصصية لها أصحابها، الذين وصفهم القرآن الكريم بـ (أهل الذكر) وأمر بالرجوع إليهم: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(64)، وهم، كما ظاهر الآية، المتخصصون في الشرع عقيدة وفقهاً)) (65).
ثم يذكر أن القيام بهذا يحتاج فقيهاً مفكراً مثقـفاً، على مستوى عالٍ من التخصص، ليكون قادراً على القيام بثلاث عمليات متوالية(66):
1 – فهم الأصول فهماً حقيقياً، ويستدعي ذلك معرفة وإحاطة بعلوم الشريعة كافة.
2 – فهم الواقع فهماً صحيحاً، والإحاطة بحقائقه ونظمه وحاجاته، ويستدعي ذلك معرفة تفصيلية بالأفكار السائدة وتطورات العصر، ومتابعة لأحداث الواقع على مختلف الصعد: العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
3 – استنباط الأحكام والمعارف والنظريات وفقاً للفهمين السابقين، ثم إخضاع حقائق الزمان ونظمه وحاجاته لها، تحقيقاً لمقاصد الشريعة.
ويؤكد على أن هذه المهمة: ((من الخطورة والعمق ليس بإمكان فقيه واحد أو مفكر واحد أو اثنين التصدي لها؛ بل هي مهمة شاقة، تستدعي تظافر جهود كبيرة ومنظمة لإنجازها على النحو المطلوب))(67). ثم يرد على من يدّعون أن ((تخويل أهل الاختصاص في العقيدة والشريعة الإسلامية ليكونوا أوصياء على الفكر الإسلامي، هو نوع من الاحتكار))، ذلك أن ((ما يسمونه بالوصاية إنما هي ــ في الحقيقة ــ مرجعية، وهو مطلب عقلي طبيعي، يكرّس احترام الاختصاصات، ويحول دون الخلط والتهافت في القضايا الفكرية عامة وفي الفكر الإسلامي خاصة))(68).
ثم يضع معياراً للتحاكم إليه في حال الاختلاف، فيقول: ((وإذا ظهر أي اختلاف أو شبهة أو خطأ في نظرية أو فكرة إسلامية معيّنة، فإن القرآن الكريم والسنّة الشريفة هما الحكم، وتكون النظرية الصحيحة هي الأقرب إلى النص: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول﴾(69).، أما تفسير النص، والحكم بانطباق النظرية عليه، فهو شأن ﴿أَهْلَ الذِّكْرِ﴾(70). بناءً على هذا الاعتبار، فإن لعلماء الدين حق الرقابة والإشراف على حسن وسقم ما يصدر من أفكار تنسب إلى الإسلام: ﴿ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾(71).))(71).
ومن الشروط المهمة التي وضعها الدكتور المؤمن لأهل الاختصاص الذين يمكنهم تولي هذا الجانب، ما عبر عنه بقوله: ((ويتعيّن على المفكر الإسلامي الذي يسعى لتأسيس نظرية إسلامية أصيلة أو تطويرها؛ التمتع بجميع خصائص التخصص والأصالة؛ التخصص في الفكر والتشريع الإسلاميين، وفي موضوع النظرية والرؤى الأخرى حولها، وفي المنهج العلمي وأساليب الاستنباط، إضافة إلى الأصالة في التفكير والقدرة الفائقة على النقد والمحاكمة؛ ليكون الناتج إسلامياً في المقدمات والمنهج والتفكير والنتائج))(72).
وبناءً على اعتقاده بالحاكمية الإلهية، ودور الفقيه فيها، فهو يذكر أن ((المجتهد الواقعي هو الذي يرى في الدولة الإسلامية تجسيداً للفلسفة العملية لتمام الفقه في جميع جوانب الحياة.. والحكومة هي انعكاس للبعد العملي للفقه في تعامله مع جميع المعضلات: الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية.. فالفقه هو نظام واقعي متكامل لإدارة الإنسان والمجتمع من المهد إلى اللحد))(73).
ب- الدعوة الى تكريس نقاء المؤسسة الدينية:
يرى الدكتور علي المؤمن أنه مثلما يحتاج التراث إلى تطهير، فإن المؤسسة الدينية تحتاج كذلك إلى تطهير من كل الدخلاء الذين تمونهم جهات أجنبية للقيام بدور الفتنة، فخطرهم لا يقل عن الدخن الذي أصاب كتب التراث، بل إنه لم يكن لذلك الدخن ليظهر للواقع لولا تلك المؤسسات المدسوسة. وفي مقال قيم له بعنوان «ثلاث عمائم تناقض ثلاث عمائم»، والذي جعل العمامة فيه رمزاً للمؤسسة الدينية، ومن يمثلها من العلماء، قسم هذه المؤسسة إلى صنفين، صنف يعرض الإسلام بصورته الجميلة الحسنة، وصنف يعرضها بصورة سيئة.
أما الصنف الأول؛ فيقسمه إلى ثلاث عمائم، هي(74):
الأولى: تلك التي تحارب الخرافة والبدع، وتعمل على تنقية التراث، وتجيب على أسئلة الواقع ومتغيراته، من خلال الاجتهاد المنسجم مع حركة العصر، والتجديد اللصيق بالثوابت، وعبر العمل العلمي الرصين الهادئ، بعيداً عن الخطاب الشعبوي ووسائل التهريج.
الثانية: تلك التي يكون سلوكها الفردي والجماعي انعكاساً لعلمها، ولتعاليم الدين ومقاصده وأخلاقياته وإنسانيته.
الثالثة: تلك التي تحمي الدين والدولة والمجتمع والإنسان، عبر استثمار قوة الدولة والدين ومقاصدهما.
أما الصنف الثاني، وهي العمائم التي تسيء الى الدين؛ فيقسمها إلى ثلاث أيضاً، هي(75):
الأولى: تلك التي تنشر الخرافة والبدع والغلو بين الناس، من خلال استغلال الروايات الضعاف والمرسلات والموضوعة؛ بذريعة تقوية المذهب ورموز الدين.
الثانية: تلك التي تنشر الشكوك والطعون في ثوابت الدين؛ عبر الخطاب الشعبوي ووسائل التهريج؛ بذريعة تنقية التراث.
الثالثة: تلك التي تستغل الخطاب الديني لتحقيق أهداف سياسية وسلطوية شخصية وفئوية؛ بذريعة حماية الدين والدولة.
ت- الدعوة الى الحاكمية الإلهية:
وهي من أهم النواحي التي على جهاد التبيين أن يؤدي دوره فيها، باعتبار أن العداء الشديد للإسلام ليس لأجل عقائده، ولا شعائره، وإنما لأجل تبنيه للحاكمية الإلهية، وفي جميع شؤون الحياة. ونرى أن الدكتور علي المؤمن قد أدى دوره في هذا المجال بتبنيه ــ أولاً ــ وبالدعوة إليه ــ ثانياً ــ، على الرغم من التشويه الشديد الذي يتعرض له كل من يتبنى هذا المبدأ، بسبب تعرض المبدأ نفسه الى التسييس، وخاصة من خصوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذين يتصورون أن تشويه مبدأ ولاية الفقيه سيساهم في هزيمة الدولة التي يقوم دستورها ونظامها السياسي على هذا المبدأ. ولهذا نرى الدكتور علي المؤمن يحاول أن يحرر مفهوم الحاكمية الإلهية ومبدأ ولاية الفقيه من أي واقع سياسي؛ فهو شريعة الله التي أمر بها عباده، وليس أفكاراً أو رؤى تبناها المفكرون أو نظّروا لها.
وطبعا لا يمكننا أن نحصي هنا كل ما كتبه الدكتور المؤمن؛ فهو كثير جداً، وأهمها مؤلفاته: «النظام السياسي الإسلامي الحديث»(76)، «الفقه والسياسة»(77)، «الفقه والدستور»(78) و«الاجتماع الديني الشيعي»، وربما كتاباته كلها تصب في خدمة هذا الجانب، ولذلك نكتفي بعنوان «مبدأ ولاية الفقيه بين النجف وقم» ضمن كتابه «الاجتماع الديني الشيعي»، والذي بدأه برده على من يتوهمون أن ولاية الفقيه صناعة إيرانية لا علاقة لها بالإسلام والتشيع، فقال: ((الحديث عن الخلاف بين الحوزتين النجفية والقمّية حول مبدأ ولاية الفقيه هو حديث دعائي أو انفعالي، بعيد عن لغة العلم والواقع))(79).
ثم نبّه إلى أن كل الذين يطرحون أمثال تلك الشبهات لا علاقة لهم بالفقه، ولا بالتخصصات المرتبطة به، يقول في ذلك: ((إنّ ولاية الفقيه مقولة فقهية تخصصية، وليست مقولة سياسية أو مناطقية، ولا علاقة لها بمتغيرات السياسة وعموم الشأن العام، أي أنّ بحثها ومقاربتها مهمة الفقهاء حصراً؛ شأنها شأن أي موضوع فقهي آخر يدخل في أبواب العبادات والمعاملات، ومن غير المجدي ولا الصحيح أن يكون موضوع ولاية الفقيه مادة صحفية أو سياسية أو دعائية خاضعة للمزايدات والانفعالات والمزاجيات الشعبوية، مآلها الفتنة بين أتباع مدرسة آل البيت، وهو ما يتسبب فيه أنصار الفقهاء القائلين بخصوصية الولاية والقائلين بعموميتها، أو المزايدين المنفعلين المناطقيين، وأغلبهم لا يعي البعد الفقهي التخصصي للموضوع، ولا مساحات الخلاف ومناطاته، حتى باتت هذه الانفعالات والمزايدات ثغرة ينفذ منها خصوم الشيعة الداخليين والخارجيين؛ لتمزيق الواقع الشيعي))(80).
وبناءً على دراسة الدكتور المؤمن التخصصية للموضوع، والتي كتب فيها بعض مؤلفاته، يذكر هذه النتيجة المهمة، وهي أنه ((ليس هناك فقيه شيعي في التاريخ وفي الحال الحاضر لا يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه ولا يطبقه؛ إذ لا يكون الفقيه فقيهاً إذا لم يكن يعتقد بمبدأ ولاية الفقيه؛ بل لا يوجد شيعي في العالم يقلد فقيهاً وهو لا يؤمن بولاية الفقيه؛ لأنّ مآل زعم عالم الدين بأنّه مجتهد أو مرجع تقليد؛ هو تطبيق مبدأ ولاية الفقيه عملياً؛ فكل فقيه لديه ولاية تلقائية على الفتوى وعلى الحقوق الشرعية وعلى القضاء وعلى الأُمور الحسبية، والمقصد الشرعي للحسبة هو حفظ النظام العام للمجتمع، ودرء المفاسد عنه وجلب المصالح له، وإذا رفض الفقيه هذه الولاية فلا معنى لاجتهاده وتقليده.. أمّا المكلّف الشيعي؛ فإنّ تقليده مرجعاً دينياً يعني أنّه تولاه في أُموره الدينية الفقهية، وآمن عملياً بولاية الفقيه الذي يقلده، وطبّقها على نفسه في جانب الفتاوى والأحكام الشرعية، وجانب الحقوق الشرعية التي يقدمها للمرجع من خمس وغيره، وجانب التقاضي عند هذا المرجع، إضافة إلى التزام فتاواه وتوجيهاته في الأُمور الحسبية. وهذه كلها أجزاء لا تنفصل من ولاية الفقيه))(81).
ثم يؤكد على أن ((الخلاف بين الفقهاء في موضوع ولاية الفقيه خلافٌ ليس خلافاً في أصل مبدأ ولاية الفقيه؛ بل في مساحاته.. حيث يعود الخلاف إلى القراءات المختلفة لمصادر الاستدلال الفقهي، ووعي مقاصد الشريعة وغايات النظام الفقهي، وهو لا يختلف بتاتاً عن الخلاف بين المراجع في أيّ موضوع فقهي آخر في أبواب العبادات والمعاملات))(82)، ويضيف بأن ((الخلاف بين الفقهاء حول مساحة ولاية الفقيه، تخصيصاً وتعميماً وإطلاقاً؛ لا علاقة له بالنجف وقم، ولا بأية حوزة علمية أُخرى؛ فهناك فقهاء معاصرون في النجف يعتقدون بولاية الفقيه العامة، وآخرون يعتقدون بولاية الفقيه الخاصة))(83).
ويذكر من النماذج على ذلك كتاب «عقائد الإمامية» للفقيه النجفي الشيخ محمد رضا المظفر (ت 1964)، والذي أشار إلى ولاية الفقيه العامة المطلقة منذ خمسينات القرن العشرين الميلادي، أي ((قبل أن يطرحها الإمام الخميني ويفصِّلها في النجف في أواخر ستينات القرن الماضي))(84)، ثم يذكر من فقهاء النجف الذين طرحوا ولاية الفقيه العامة بالمساحة نفسها التي يقول بها الشيخ المظفر، وأبرزهم: السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد الصدر، والشيخ إسحاق الفيّاض وغيرهم.
وفي مقابل ذلك فإنّ ((هناك مراجع وفقهاء كبار أحياء في حوزات قم وطهران ومشهد لا يعتقدون بولاية الفقيه العامة.. وبالتالي؛ فإنّ من يقول بأنّ مبدأ ولاية الفقيه العامة هو مبدأ فقهي قمّي أو إيراني، فهو يجهل بديهيات البحث الفقهي، أو أنّه يهدف إلى إيجاد موضوع للخلاف بين الحوزتين لأغراض سياسية وطائفية))(85).
الإحالات
- صدر الكتاب في العام 2021 في بيروت عن مركز دراسات المشرق العربي ودار روافد.
- د. علي المؤمن، جهاد التبيين واجب لا يستثني أحدا، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/129827
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، ساطع الحصري مؤسس الثقافة العنصرية الطائفية في العراق، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/125358
- د. علي المؤمن، لماذا أغلب مراجع الدين الشيعة إيرانيون؟، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/124531
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، الشعبوية التضليلية واستهداف المجتمع الشيعي العراقي، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/127711
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، معيار التفاضل بين العرب والعجم، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/128432
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، حرص آل سعود على التشيع العربي، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/121553
- د. علي المؤمن، بمناسبة وفاته: القرضاوي من التفكير الى التكفير، ، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/63925
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، معنى السنّة والشيعة: بين سلاح الدعاية وحقائق التاريخ، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/120653
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، التشكيك بتصرف المرجعية الشيعية في المال الشرعي، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/120868
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع، ص 28 و210.
- د. علي المؤمن، سيبقى داعش وأخواته، طالما بقي رأس الأفعى، موقع يمني:
https://sahafatak.net/show3022898.html
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- سورة آل عمران، الآية 169.
- د. علي المؤمن، هل صرخة (لبيك يا حسين) شركٌ بالله!؟، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/072820
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، الأموية المعاصرة، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/34460
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، خطورة الخلط بين التسنن والنصب، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/92619
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، «الإسلام والتجديد»، ص 212، أنظر أيضاً: التناقض في السلوك الاجتماعي التغريبي، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/129202
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، هل تعلم بأي أسلوب وحشي تمكنت إسبانيا من احتلال المكسيك؟، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/124392
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، «الإسلام والتجديد»، ص 194، أنظر أيضاً: مقال الفرق بين الغزو الثقافي التغريبي والتفاعل الثقافي، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/128748
- سورة الزمر، الآية 18.
- الشيخ المجلسي، بحار الأنوار، ج 2 ص ٣٢.
- سورة الحجرات، الآية 13.
- سورة آل عمران، الآية 64.
- سورة الزمر، الآية 18.
- «الإسلام والتجديد»، ص 194، ومقال الفرق بين الغزو الثقافي التغريبي والتفاعل الثقافي.
- المرجعان السابقان.
- فضلاً عن انتساب الدكتور علي المؤمن الى أحد أبرز الأسر العلمية الدينية في العالم الشيعي الإسلامي، وهي أسرة آل الغريفي، التي خرج منها عشرات المراجع والقادة الدينيين ومئات الفقهاء وعلماء الدين، في البحرين وإيران والعراق، طيلة 400 عام من عمرها؛ فإنه كذلك سلك في جزء مهم من حياته مسلك أسرته، ودرس العلوم الدينية في الحوزة العلمية ما يقرب من (15) عاماً، وأنهى مرحلة السطوح العالية في الفقه والأصول (المكاسب والكفاية).
- د. علي المؤمن، «الإسلام والتجديد»، ص 24، ومقال الموقف من تصحيح الموروث الديني، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/117065
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- سورة الأنبياء، الآية 7.
- د. علي المؤمن، «الإسلام والتجديد»، ص 26، ومقال المعنيون بتجديد الفكر الإسلامي، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/98351
- المرجعان السابقان، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- سورة النساء، الآية 59.
- سورة الأنبياء، الآية 7
- سورة النساء، الآية 83.
- المرجع السابق، بتصرف.
- المرجع السابق، بتصرف.
- د. علي المؤمن، ثلاث عمائم تناقض ثلاث عمائم، موقع ألواح طينية:
http://clay ـ board.com/archives/87845
- المرجع السابق، بتصرف.
- صدرت طبعته الأولى في العام 2004 عن دار الهادي في بيروت، والثانية في 2016 عن دار روافد.
- صدرت طبعته الأولى في العام 2002 عن دار الهادي في بيروت، والثانية في 2016 عن دار روافد.
- صدر في العام 2018 عن دار روافد في بيروت.
- د. علي المؤمن، «الاجتماع الديني الشيعي»، ص 95، ومقال مبدأ ولاية الفقيه بين النجف وقم، موقع ألواح طينية:
https://afaqtv.iq/articles/view/details?id=5871
- المصدر السابق، ص 96.
- المصدر السابق نفسه.
- المصدر السابق، ص 97.
- المصدر السابق، ص 98.
- اقتبس هذا ــ كما يذكر الدكتور المؤمن ــ من الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه «عقائد الإمامية»، «عقيدتنا في المجتهد»، ص 34.
- د. علي المؤمن، «الاجتماع الديني الشيعي»، ص 98.