كتب: فالح حسين العبد الله
للدراما التاريخية أهمية كبيرة في عرض حكايات وقعت في الأزمان الغابرة لها علاقة بالحاضر بشكل من الأشكال.. فتكتسب أهمية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية حالية دعت إليها ضرورة ملحة.. فلا داعي لاسترجاع حادثة قديمة إن لم يكن لها دور أو تأثير حاضر.. فالسياسي الذي يدعو إلى استنهاض التاريخ لابد وأن تكون له غاية أو فائدة وإلا لا حاجة إلى إشغال تفكيره بغير أمور السلطة.. فالمحب للحروب تراه يشجع على البحث في تاريخهم عن قادة انتصروا في حروبهم التي لا تنتهي أو عن معارك خاضها الأجداد وخرجوا رافعي رؤوسهم حاملين رؤوس خصومهم على أسنة الرماح تشفيا..
وإذا كان السياسي منهزما في معركة ما فإنه يبحث عن قصص التضحيات من أجل الوطن والمبادئ كما صدع رؤوسنا الحكام الذين ابتليت بهم الأمة والذين لم ينتصروا إلا في الحكايات والتمثيليات والتحقيقات الصحفية مدفوعة الثمن.. وكلما كانت القصص قريبة من تحقيق الأهداف أولت القيادات السياسية الحاكمة لها الاهتمام الكبير وسخرت الإمكانيات الإنتاجية لها وكانت المكافأة أكبر للعاملين فيها..
نستنتج من هذه المقدمة البسيطة أن الدراما التاريخية تكون خاضعة للأيديولوجيات الحاكمة والفضائيات التي تحكمها السياسات المختلفة والتمويل الذي يحمل أهدافاً معينة.. مثلا يوصف المقاتل الذي يدافع عن بلده ويحمل السلاح بأنه إرهابي عند خصومه وبطلا مغوارا عند قومه وكذلك الفصائل المسلحة فهي ميليشيا خارجة عن القانون أو وحدة مقاتلة وطنية حسب توجهات القنوات والجهات التي تمثلها وتمولها..
التاريخ يكتبه المنتصرون..
وبما أن التاريخ يكتبه المنتصرون نرى أن كل الأعمال الدرامية التاريخية تحوي الكثير من الأكاذيب والتأويلات البعيدة عن الحقائق وأن التاريخ نفسه مكون من أكاذيب متراكمة ونادرا ما تسود فيها الحقائق أو تطفو على السطح.. وإن اعتمدت بالأساس على وقائع حقيقية تذكرها الروايات والكتب أو الآثار واللقى.. لكنها تخضع إلى الفرز حسب المصلحة..
فيلم القادسية/ إنتاج العراق…. وفيها قضية المرأة الفارسية ولكنها مسلمة ومثلتها الفنانة العربية سعاد حسني والتي أعيد تصويرها وتغيير طبيعتها حسب توجيهات القيادة السياسية العراقية ونعتتها المرأة العربية والتي مثلتها الفنانة العراقية شذى سالم بالمجوسية وهي صفة اعتاد الإعلام العراقي أن يطلقها على الإيرانيين حتى بعد دخولهم الإسلام بأكثر من ألف سنة.. وفيلم المسألة الكبرى/ إنتاج العراق أيضا والذي طرح قضية الثورة العراقية الكبرى والمعروفة بثورة العشرين وفي البداية كان فيلم “السلاح الأسود” ويقصد به المكوار.. السلاح الشعبي الذي انتشرت حوله أهزوجة (الطوب أحسن لو مكواري) ولكن وبتوجيه مباشر من السلطة الحاكمة وقتها تغير الأمر إلى فيلم المسألة الكبرى.. وتغيرت الجهة التي فجرت الثورة لصالح جهة أخرى وتغير البطل المفجر لها من شخص إلى آخر وتغيرت لكنة الشخصية الرئيسية في الفيلم لتوافق الهوى الحاكم وقتها ولاحظ الجميع ذلك ولكن دون الاعتراض..
لورنس العرب..
وفيلم “لورنس العرب” المأخوذ عن كتاب “أعمدة الحكمة السبعة” لمؤلفه توماس لورنس.. T. E. Lawrence والذي لعب دورا أساسيا في تاريخ العراق والجزيرة العربية (إنتاج 1962 من إخراج البريطاني ديفيد لين) والذي قدم بعض فصول الثورة العربية الكبرى في بدايات القرن العشرين ضد العثمانيين ودور بريطانيا فيها من خلال شخصية لورنس (مثل الشخصية الممثل الكبير بيتر اوتول).. وفيلم أسد الصحراء أو عمر المختار (إنتاج 1981) وإخراج المخرج الكبير مصطفى العقاد وقدم شخصية البطل العربي الليبي عمر المختار (مثل الشخصية الفنان العالمي انطوني كوين).. وهنا قدم الفيلم شخصية عمر المختار بطلا كبيرا وفق رؤية المشاهد العربي.. وهو كذلك بلا شك..
وفيلم موت ستالين (إنتاج عام 2017 للمخرج ارماندو يانوشي) وهو يقدم صورة ساخرة لحدث كبير يتعلق بشخصية ستالين الذي كان اسمه يثير الرعب في نفوس الشعب السوفيتي قبل أعداءه لشدة قسوته وبطشه.. وذكر المؤرخون أن خبر موته بقي خافيا ولم يعرفه سوى القلة من قيادات الحزب الشيوعي الذين يمسكون دفة الحكم وكانت المكالمات الدولية التي يجريها الصحفيون الأجانب تقطع فور ذكر ستالين حتى لا يتسرب خبر موته.. ولكن أحد الصحفيين الأذكياء سرب الخبر بطريقة ذكية وخطرة.. إذ قال أول جملة حين فتح الخط مع صحيفته (مات ستالين) فقطع الخط فورا ولكن الخبر تسرب.. هذا الفيلم يعده المنظرون كوميديا سوداء لأنه طرح قضية مأساوية بشكل ساخر.. وهو يؤرخ لحادثة من وجهة نظر الرافضين لستالين وسياسته الدموية..
الدراما الدينية..
أما الدراما الدينية فهي شبيهة بالتاريخية من وجوه عدة لكنها لا تعتمد الوقائع التاريخية بقدر المروي عن طريق الكتب المقدسة أو الشخصيات التي تشارك في صياغة الحدث الديني بشكل من الأشكال وتشترك مع التاريخية بكونها مؤدلجة وبشكل سافر.. وفيلم الرسالة (انتاج1970) من إخراج المخرج العربي العالمي الراحل مصطفى العقاد نموذجا رائعا لكنه لم يوافق هوى المملكة العربية السعودية صاحبة اليد الطولى في الإعلام العربي، والمسيطرة على أغلب القنوات الفضائية ووسائل الإعلام لذلك حاولت منع المملكة المغربية من الموافقة على تصوير الفيلم على أراضيها، وهددتها بقطع المعونات المالية عنها فامتثلت لأمر السعودية وطلبت مغادرة فيلم الرسالة أراضيها… فأنقذ القذافي الفيلم حين استضاف كادر الفيلم وكسبت السينما العالمية فيلما من أروع الأفلام في تاريخها.. وما يزال الفيلم ممنوعا في السعودية..
وكذلك المتتبع لمسلسل عمر وهو إنتاج (السعودية وقطر عام 2010 وعرض 2012) للمخرج حاتم علي وينتبه إلى المشاهد الأخيرة سيرى بوضوح القصدية لإلقاء تهمة خطيرة جدا ولها غايات واضحة يتلقفها المتابعون.. وهم بالتأكيد أنواع.. منهم الذي يبحث عما يعزز عقيدته الدينية التي أنتجت العمل والآخر الذي يبحث عن النقيض ليعزز عقيدته الدينية أيضا أو المذهبية والطرف الثالث وهو من الندرة الباحثة عن الحقيقة..
ومن الطبيعي أن يبحث الكاتب في الدراما التاريخية والدينية عن محاسن شخصياته ويضخمها ويبتعد عن المساوئ ويبررها أو يحولها إلى آخرين وربما يلصقها بالخصوم ولهذا من الطبيعي أن ترى تشابه الحكايات وربما تطابقها لبعض الشخصيات المختلفة أو المتخالفة فالألقاب والمسميات تكون مشتركة أحيانا.. والأدلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.. ولا يرضى الخصوم إلا بما يوافق أهوائهم وعقائدهم حتى وصل الأمر يبعضهم أنه يحاول تطويع الكتاب المقدس وفق مذهبه وليس العكس وإذا وجد ما يعارض أفكاره الدينية أو المذهبية يلجأ إلى التفاسير، أو التأويل.. المهم أن يكون محقا حتى وإن خالف المقدس من الكتب السماوية.. وهذا الكلام ليس افتراضيا ولكنه الواقع..
نتوصل إلى قضية مهمة وهي إذا شاهدت دراما من هذه الأنواع فعليك النظر بعين الباحث الحقيقي بعيدا عن التحزب والتعنصر الديني أو المذهبي أو العرقي أو القومي.