خاص : بقلم – محسن الميرغني :
في عام 1987 قدم الشاعر؛ “شوقي حجاب”، من تأليفه وإخراجه المسلسل التلفزيوني: (كوكي كاك)، من بطولة: “إيمان الطوخي” و”محمود الجندي” و”عهدي صادق” وآخرين.
القصة بمعايير اليوم؛ قد تبدو ساذجة من بساطتها، لكنها تحمل في طياتها قيمًا وأفكارًا تصلح للتداول حتى الآن؛ بعد مرور أكثر من 35 عامًا. والفكرة تهدف لتعليم الأهل قبل الأطفال كيفية التعامل مع أبناءهم وكيفية تنشئتهم وتربيتهم في ظل مجتمع يشوبه الإرتباك، مجتمع قديم محافظ يهوى الإلتزام بقيم الطبقة المتوسطة المصرية؛ التي ترسخت عبر عقود القرن العشرين في أعقاب ثورة 1919م.
حتى أواخر الثمانينيات وتحديدًا قبل غزو “العراق”؛ لـ”الكويت”، وقيام “حرب الخليج” في عام 1990م، كانت هناك رؤية عامة متماسكة لمنظومة القيم المصرية التي تهدف إلى خلق جيل من النشء قادر على الانتظام في صف واحد حول فكرة واضحة. قد تكون فكرة بعيدة لكنها محكومة بالاجتماع عليها.. وغير مشوشة بدءًا من تحية العلم في طابور الصباح المدرسي دون تشنج؛ وصولاً إلى تشجيع المنتخب الوطني لكرة القدم في كافة مبارياته ضد أي فريق أجنبي.
ودون اتفاق مسبق كان الجميع ينتظمون تحت راية العمل والسعي من أجل تحقيق الأفضل بالمال والعلم؛ إيهما أم كلاهما.. وهذا ما تربى عليه جيلي من مواليد بدايات الثمانينيات، إمكانية التغيير للأفضل.. فهل في هذه الفرضية تكمن المشكلة ؟
إذا كانت الأزمة في تصوراتنا الخاطئة عن العالم؛ فما البدائل الممكنة في عالم اليوم ؟
لقد حاول مواليد أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات في نهاية العام 2010م وبداية 2011م تغيير هذا العالم المتكلس الذي بدا يخنق رؤاهم وتصوراتهم، ففشلوا ووقعوا كالفراشات المحترقة في بريق أحلامهم المهيضة، وتمنياتهم الطفولية بمجتمع مصري أفضل، وبلد حر مستقل قوامها تحقيق العدل والإحتفاء بالذات عن طريق السعي والعمل، وربما العلم في ظل مجتمع يتسع.. آخذ في الإنفلات والتقدم بسرعة الفمتو..
تُجبرني ابنتي؛ ذات التسعة أعوام، على مشاهدة حلقات المسلسل التلفزيوني: (في بيتنا روبوت) – الجزء الثاني، وهو مسلسل لاقى نجاح في موسمه الأول بين فئة الأطفال والمراهقين مما تطلب من صناعه الشباب إنتاج الجزء الثاني.
ودون الخوض في تفاصيل العمل دراميًا وفنيًا.. ومن خلال ساعات تحمل وصبر في مشاهدة محتوى الحلقات التي أتجرعها كما يتجرع السجين ظلمات الليالي الطويلة.. أستطيع أن أقول وبقدر كبير من اليقين الشخصي لرجل في بدايات العقد الخامس من العمر.. في العام 2022م. أننا صرنا نسبح في الفراغ.
أي عالم هذا الذي سنترك فيه أطفالنا بلا مأوى من كل هذا الفراغ.. الفراغ التام.. فلا قيمة ولا مجال في عقول هؤلاء الأطفال والمراهقين لأي قيمة تذكر.. فقط مجرد حشو فارغ من الكلام والآداء الفارغ من أي معنى فنى أو إنساني.. مجرد ملء لساعات عرض وتعبئة لمحتوى لا يقل في سذاجتة وضحالتة عن مستوى ما يُقدمه (مسرح مصر) ولواحقه.. والهدف في ظني هو الإلهاء.
لا مجال هنا للحديث عن فلسفة وفكر ومعايير فنية وإدعاءات نقدية باطلة ليست في محلها.. ولن أدعي أنني أعي وأفهم ما صرنا إليه من قبح أو خواء..
لكنني وأنا أتأمل الحال التي نعيشها ومعاناتنا في مواجهة المستقبل.. أشعر بعجز وخيبة أمل كبيرة وخوف من مستقبل لن يجيء، بل وأشعر بأن كل ما أنفقته من تعب وكد في القراءة والتعلم والسعي نحو الأفضل قبض ريح.. وأنه لا فرصة للنجاة في مواجهة هذا العالم المجنون.. القبيح المليء بالفراغ واللا معنى.
أتفهم الآن فقط.. لحظة يأس “أبوحيان التوحيدي”؛ عندما أحرق كتبه.. ومدى تعاسة “الجاحظ”؛ وهو يموت تحت كتبه. وأدرك أننا ماضون بكل ثقة نحو هاوية مظلمة.. لا ضوء فيها ولا هواء.. لكن مجرد أضغاث وكوابيس وفظاعات جحيمية.. ستخنق فينا ما تبقى من إنسانيتنا.. وهذا حديث واحد من المتعلمين.. في هذا البلد الحزين.. فما السبيل لتغيير ذلك ؟
وما بالكم بمن لم يتعلموا في مدارس أو جامعات ويواجهون الحياة بفطرتهم وبكارتهم دون سند أو معين في هذا البلد الكمين.