إعداد/ د. أكرم فرج الربيعي
ترصد الدراسة محددات التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي الرسمي وتحالف الإعلام الوطني، وسياقاتها، والأطر النَّاظِمَة للخطاب الإعلامي عبر دراسة الخريطة المعجمية وشبكة دلالاتها للصراع بين القوات العراقية المشتركة والتحالف الدولي وتنظيم “الدولة الإسلامية”.
تُقَدِّم الدراسة تحليلًا للأطر الخبرية في التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي، مُمَثَّلًا في شبكة الإعلام العراقي الرسمي وقنوات تحالف الإعلام الوطني الذي انبثق مع انطلاق معركة الموصل، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016. وقد استعانت الدراسة بمنهج التحليل النقدي للخطاب للتعرف على محددات تغطية الإعلام العراقي للحدث وسياقاته والأُطُر النَّاظِمَة للخطاب عبر دراسة الخريطة المعجمية وشبكة دلالاتها للصراع بين القوات العراقية المشتركة والتحالف الدولي وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وأهداف الفاعلين في هذا الصراع، وتحديد مكونات الصورة التي أرادت شبكة الإعلام العراقي وتحالف الإعلام الوطني تقديمها عن معركة الموصل، ومُدْرَكَاتِها وتَمَثُّلاتها للحدث.
وتوصلت الدراسة إلى أن الخطاب الإعلامي العراقي حاول أن يكون مُوَحَّدًا في دلالاته اللغوية والخبرية بالاعتماد على توحيد النشرات الإخبارية ومصادر المعلومات والمعجم اللغوي لإعطاء صورة عن مهنيَّته. وهو ما يفسر وجود ضبط في التغطية الإعلامية لمعركة الموصل؛ حيث تجنبت قنوات تحالف الإعلام الوطني وشبكة الإعلام العراقي إبداء الرأي تجاه المواقف السياسية الخارجية، والتركيز على تغطية الحدث إخباريًّا مُمَثَّلًا في العمليات العسكرية، وبناء صورة مُحَدَّدَة إيجابية عن أداء القوات الأمنية المشتركة. كما حاول الخطاب الإعلامي إظهار تغطية نظيفة لمعركة الموصل؛ تراعي معايير الموضوعية والمصداقية في تقديم الحدث بهدف ترسيخ الأفكار التي يريد زرعها في ذهن الجمهور، أي وضعها في سياق أخلاقي.
مقدمة
تميزت التغطية الإعلامية لمعركة الموصل في قنوات الإعلام العراقي مُمثَّلة في شبكة الإعلام العراقي الرسمي بانتهاج أسلوب جديد يختلف عن أسلوب التغطيات الإخبارية السابقة خلال معركتي تكريت والأنبار؛ إذ شَكَّلَت شبكة الإعلام العراقي، مع انطلاق معركة الموصل، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، تحالفَ الإعلامِ الوطني الذي يُمَثِّل غرفة العمليات الإعلامية لتحرير الموصل، ويضمُّ أكثر من مئة وسيلة إعلامية تَبُثُّ نشرات إخبارية مشتركة حول المعركة ومجابهة إعلام تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميًّا بـ”داعش”، ويعود ذلك إلى خصوصية وحساسية المعركة التي تستهدف تحرير ثاني أكبر مدينة عراقية. وتبحث الدراسة في مُحدِّدات التغطية الإخبارية للحدث وسياقاته، والأطر الخبرية النَّاظِمَة لمعالجته، وأبعاد هذه الأطر وأدوات تشكيلها في الخطاب الإعلامي العراقي، عبر دراسة الخريطة المعجمية للتغطية وشبكة دلالاتها للصراع بين القوات العراقية المشتركة والتحالف الدولي وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وأهداف الفاعلين في هذا الصراع وتصوراتهم للأزمة، وتدرس أيضًا الاعتبارات التي تقف خلف الأسلوب الجديد في التغطية الإخبارية للمعركة.
الإطار المنهجي والإجرائي للدراسة
أ- مشكلة البحث
تتطلب أية تغطية إخبارية لموضوع حساس وشائك معالجة متوازنة ودقيقة تأخذ بعين الاعتبار المستجدات جميعها، وتتم بطريقة شاملة، وبخلافه فإن هذه التغطية ستولِّد مشاكل لا تُحصى، وهنا تكمن مشكلة البحث في محاولة تأطير الطريقة والكيفية المناسبة لتغطية حدث مهم وشائك، مثل معركة الموصل التي رافق عملية السيطرة عليها من قِبَل تنظيم الدولة الكثيرُ من الإشكاليات، فضلًا عن أن هذه التغطية تقتضي مهنية عالية لتجاوز الإشكاليات التي أفرزتها التغطيات السابقة لمعركتي تكريت والأنبار. وللإحاطة بمشكلة البحث وأبعادها لجأ الباحث إلى أسلوبين في توصيفها، الأول: أسلوب التساؤلات، والثاني: أسلوب الفرضيات؛ إذ وضع الباحث فرضية رئيسة يحاول إثباتها إحصائيًّا. ومن ثم يمكن أن تُصاغَ مشكلة البحث في حقل استفهامي يحاول الباحث الإجابة عن أسئلته عبر الملاحظة الدقيقة والتحليل الإحصائي لنتائجها والتجريب العملي للتحقق من صحة الملاحظات التي جُمعت وما قد ينتج عنها من استنتاجات(1)، وتأسيسًا على ذلك وضعنا إطارين لمشكلة البحث:
1. تساؤلات الدراسة
أ. ما الأطر الإخبارية التي استعملها الإعلام العراقي الرسمي مُمَثلًا في شبكة الاعلام العراقي وتحالف الإعلام الوطني في تغطيته لمعركة الموصل؟
ب. ما أدوات تشكيل الأطر الخبرية في التغطية الإخبارية لمعركة الموصل؟
ج. ما القضايا والموضوعات التي ركزت عليها الأطر الإعلامية في التغطية؟
د. ما الأساليب التي استُعملت في التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في تقديم الأحداث؟
ه. ما الخريطة المعجمية والسمات الدلالية الخبرية التي تميزت بها تغطية معركة الموصل؟
و. ما الاعتبارات التي وقفت وراء الأساليب الجديدة التي اعتمدتها شبكة الاعلام العراقي الرسمي في تغطية معركة الموصل مقارنة بالتغطيات السابقة لمعركتي الأنبار وتكريت؟
2. فرضية البحث
هناك علاقة دالَّة إحصائيًّا بين الأساليب اللغوية التي استعملها الإعلام العراقي الرسمي في تغطيته الإخبارية لمعركة الموصل وأطر تقديم الأحداث.
ب- أهمية البحث
تبرز أهمية الدراسة باستعمال الطريقة الجامعة للاختصاصات في تحليل التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي المتمثِّل في “شبكة الإعلام العراقي وتحالف الإعلام الوطني”، والتي تُقَدِّم وصفًا موضوعيًّا عن طبيعة التغطية الإخبارية والأفكار التي تناولتها بالخبر والتقرير والحديث التليفزيوني من ناحية إعلامية ولغوية واجتماعية، بما يمكِّن المهتمين من توظيفها في تقييم وتقويم أسلوب هذه التغطية، وبذلك تقاس أهمية هذه الدراسة بما تُقدِّمه من فائدة للمعرفة العلمية والمجتمع في آن واحد، فـ”المشكلة البسيطة لا تقود إلا إلى إسهام متواضع وضئيل في ميدان البحث العلمي”(2). لذا، تنبع أهمية الدراسة من أهمية الموضوع نفسه الذي يتناول موضوعًا شَغَل الأوساط العالمية كلها على المستوى الرسمي والشعبي والإعلامي؛ إذ تُعَدُّ الحرب على الإرهاب ممثَّلًا في تنظيم “الدولة الإسلامية” أخطر الموضوعات التي تتطلب معالجتها أسلوبًا لغويًّا وإعلاميًّا متوازنًا ومهنيًّا ومهارة صحفية متقدمة، وبذلك تكمن الأهمية العلمية لهذا البحث في تحليل أطر ومحددات التغطية الإخبارية لمعركة الموصل بصورة مختلفة عمَّا تناولته الدراسات السابقة في تحليلها لأساليب التغطية الإخبارية للقضايا المختلفة، وبما يُفضي للوصول إلى نتائج علمية تُشَكِّل إضافة نوعية جديدة للمعرفة العلمية والمجتمع.
ج- أهداف البحث
ترتبط أهداف البحث بأهميته وتجيب عن تساؤلاته؛ لذا يسعى هذا البحث إلى:
تحديد الأطر الخبرية التي تضمنتها تغطية معركة الموصل في الإعلام العراقي.
تشخيص أبرز قضايا وموضوعات الأطر الإخبارية للتغطية.
معرفة الأساليب والتركيب المعجمي للتغطية الإخبارية لمعركة الموصل وتحديد علاقتها بتقديم الأحداث ونوع العلاقة وقيمة معامل الارتباط ودرجة قوته ومستواه.
تحديد السمات الدلالية الخبرية التي تميزت بها التغطية الإخبارية لمعركة الموصل.
التعرف على الاعتبارات التي تقف خلف الأساليب الجديدة التي اعتمدتها شبكة الإعلام العراقي الرسمي في تغطيتها الإخبارية لمعركة الموصل مقارنة بالتغطيات السابقة لمعركتي الأنبار وتكريت.
د- منهج البحث ونوع الدراسة
اعتمدت الدراسة منهج التحليل النقدي للخطاب بأبعاده ومرتكزاته الثلاثة: النص، وممارسة الخطاب، والممارسة الاجتماعية والثقافية؛ إذ ينطلق التحليل من أن اللغة في حدِّ ذاتها ممارسة اجتماعية تقودها الغايات الأيديولوجية؛ لذلك يقوم على كشف المعنى الـمُبَطَّنَ في نص الخطاب، وكشف التحيُّزات الكامنة وتفكيك ممارسة القوة عبر بنياته من خلال السَّرديَّات الرئيسية التي وجَّهت مسار الخطاب العام؛ إذ إن الاستعانة بمنهج التحليل النقدي للخطاب يسهم في تقديم أدوات تفكيكية تسمح بتشريح أبعاد الخطاب وما تنجم عنه من علاقات القوة ونزعة الهيمنة والاستغلال الأيديولوجي مما يستدعي الاهتمام بعمليات إنتاج النص وتوزيعه واستهلاكه مثلما يشير أحد رواد هذه المدرسة نورمان فيركلوف. وبما أن التحليل النقدي للخطاب يمكن أن يستند إلى مجموعة واسعة من المعالجات التي تحلِّل الخطاب(3)، فإن تحليل أطر التغطية الخبرية لمعركة الموصل ومعرفة محدداتها تقتضي الاستعانة بعدد من عناصر التحليل للاختصاصات المختلفة؛ لأن التغطية الإخبارية تُعَدُّ جزءًا من المعالجة الإعلامية التي تتطلب التعمق في معانيها الظاهرة والخفية، فصناعة المعنى لا تستند فقط إلى البيِّن في النص وإنما إلى المستتر المسلَّم به أيضًا(4)، وهو ما يعني استخدام المعالجة العلائقية للخطاب انطلاقًا من النص وفق عدَّة مستويات تحليلية يكون تحليل المضمون من ضمنها؛ لأنه ينتمي إلى المناهج النقدية للخطاب(5).
وقُسِّمت الدراسة إلى محورين رئيسيين، المحور الأول يضم شقين: إعلاميًّا ويشمل تحليل التغطية الخبرية لمعركة الموصل من خلال العيِّنة التي شملها الرصد؛ وذلك بالتركيز على الدلالات الخبرية مُسْتَعِينًا بعدد من الأفكار التي جاء بها نموذج نورمان فاركلوف في آليات تحليل الخطاب في العلوم الاجتماعية لفهم طبيعة وأشكال الخطاب الإعلامي واستراتيجياته. وشقًّا لغويًّا ويشمل دراسة أشكال وأساليب اللغة المستخدمة في الخطاب الإعلامي أثناء التغطية الإخبارية لمعركة الموصل موضوع الدراسة عن طريق تصنيف المعجم اللغوي والمفاهيم المستخدمة في الخطاب ودلالاته وأطر المعاني التي تُقَدِّمُها هذه التغطية مُسْتَعِينًا أيضًا ببعض الأفكار التي جاء بها نموذج روبير إنتمان. ويركز المحور الثاني بشكل مباشر على دراسة الاعتبارات التي كانت وراء الأساليب الجديدة التي اعتمدتها شبكة الإعلام العراقي الرسمي في تغطيتها الإخبارية لمعركة الموصل مقارنة بالتغطيات السابقة لمعركتي الأنبار وتكريت وإبراز سياقاتها. أما نوع الدراسة، فتنتمي إلى البحوث الوصفية أحادية المقطع؛ إذ يصف هذا النوع من البحوث الظاهرة في وضعها الراهن ويعتمد على سحب عينة واحدة من مجتمع الدراسة تجمع بياناتها مرة واحدة فقط، فالبحوث الوصفية تستخدم لتحقيق وظائف عدة، منها: وصف خصائص الظواهر أو المجموعات محل الدراسة، وتقدير نسب الوحدات التي تقوم بسلوك معين في مجتمع ما، وتحديد درجة الارتباط بين المتغيرات والخروج بتنبؤات(6).
ه- أداة البحث
أعدَّ الباحث استمارة خاصة بتحليل أطر التغطية الإخبارية لمعركة الموصل وقد تم بناؤها في ضوء مرجعية التحليل النقدي للخطاب (نورمان فاركلوف، وروبير إنتمان)، ونظرية تحليل الأطر الخبرية وبما يتوافق مع أهداف البحث وتساؤلاته، وقد ضمَّت الاستمارة:
أطر الأشكال الصحفية الرئيسة والفرعية التي غطت الحدث (معركة الموصل).
قضايا الأطر الإعلامية في تغطية معركة الموصل.
أطر المصادر المعلوماتية التي اعتمدت عليها التغطية.
أدوات تشكيل الأطر الإخبارية التي اعتمدت عليها تغطية معركة الموصل.
أطر المفردات اللغوية المستعملة في التغطية.
و- النظرية الموجهة للدراسة
يستند البحث في إطاره النظري والمنهجي على نظرية تحليل الأطر الإخبارية التي تسمح للباحث بقياس المحتوى غير الصريح للتغطية الخبرية بوسائل الإعلام للقضايا المثارة خلال مدة زمنية معينة؛ إذ وصفها روبير إنتمان بالاختيار والتركيز على عدد معين من العناصر المتعلقة بالموضوع وتجنب بعض العناصر الأخرى، ووفقًا لهذا الوصف، فالإطار هو الفكرة الرئيسية التي تُكسب الحدث معناه وتحدد موضوع الخلاف وجوهر القضية، وإن التشكيل هو اختيار بعض الجوانب من الحقيقة لجعلها أكثر بروزًا، وإعطاء تفسير سببي، وتقييم أخلاقي، وطريقة معالجة لهذه الحقيقة(7). واستنادًا لنظرية الإطار، فإن الأفراد يفكرون في استخدام أُطُر أو خطط للمعلومات الجديدة لكي يتم إدراكها وربطها بما يعرفون فعلًا، وعادة ما يتم بناء الخطط من خلال المجتمع أو الجماعات الاجتماعية(8)، وبذلك يتضمن إطار الأخبار الفكرة الرئيسة وتصنيفات الموضوع التي تعكس السياق وهدف المصدر الذي يمد وسائل الإعلام بالأخبار(9).
وقد حدَّد إيرفنج جوفمان الفرضية الأساسية التي تنطلق منها نظرية الأطر في أن طريقة وسائل الإعلام في تنظيم وتصنيف وتقديم الأحداث تؤثِّر في أفكار وردِّ فعل الجمهور عليها، كما أشار روبرت إنتمان بدرجة أعلى من التحديد إلى مفهوم الإطار باعتباره العملية التي يتم بمقتضاها إضفاء معان محددة على القضايا والأحداث المختلفة(10). وفي مجال الصحافة، تُعد الأطر بمثابة روتين يومي للصحفيين يسمح لهم بسرعة تحديد المعلومات وتصنيفها(11)؛ إذ تفترض نظرية تحليل الأطر الإخبارية أن الأحداث لا تنطوي في حدِّ ذاتها على مغزى معين، وإنما تكتسب مغزاها من خلال وضعها في إطار يحددها وينظمها، ويضفي عليها قدرًا من الاتساق من خلال التركيز على بعض جوانب الموضوع، وإغفال جوانب أخرى، والإطار الإعلامي لقضية ما يعني انتقاء متعمَّدًا لبعض جوانب الحدث أو القضية، وجعلها أكثر بروزًا في النص الإعلامي، واستخدام أسلوب محدد في توصيف المشكلة، وتحديد أسبابها، وتقييم أبعادها، وطرح حلول مقترحة بشأنها(12). وتعتمد نظرية تحليل الأطر الإخبارية في إجراءاتها المنهجية على تحليل المحتوى غير الصريح للرسالة الإعلامية، وذلك من خلال دراسة السياق الفكري الذي يندرج فيه المضمون الإعلامي، فضلًا عن تحديد الأيديولوجية التي يستند إليها القائمون بالاتصال في تناولهم للأحداث والقضايا المختلفة(13).
وفي هذا الصدد، حدَّد بول دي أنجيلو أربعة أهداف تجريبية تحاول دراسات وأبحاث نظرية الأطر الإخبارية تحقيقها(14)، وهي:
تحديد الوحدات الموضوعية المسماة بالأطر أو القوالب.
دراسة الظروف السابقة التي أدت إلى إنتاج هذه الأطر.
دراسة كيفية تنشيط الأطر الإخبارية وتفاعلها مع التجارب الفردية السابقة للتأثير على التفسيرات، واستدعاء المعلومات، واتخاذ القرارات أو تقييم المخرجات.
التعرف على كيفية تشكيل الأطر الإخبارية للعمليات الاجتماعية، مثل: القضايا السياسية الجدلية التي تهم الرأي العام.
ز- مجتمع البحث وعينته
يتمثل مجتمع البحث بالتغطية الإخبارية لشبكة الإعلام العراقي وتحالف الإعلام الوطني، ويتكون مجتمع البحث من ثلاثة حدود: الأول وهو الحد المكاني مُمَثَّلًا في شبكة الإعلام العراقي الرسمي وتحالف الإعلام الوطني، والحد الزماني ويشمل فترتين زمنيتين، الأولى: 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016، والثانية: 6-28 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ثم الحد الموضوعي ويتمثل في أطر التغطية الإخبارية لمعركة الموصل. أما عينة البحث فقد اختار الباحث عيِّنة قصدية من النشرات التي بُثَّت عبر قناة العراقية الرسمية التابعة لشبكة الإعلام العراقي بما فيها أحد النشرات المشتركة التي تضم قنوات العراقية والسومرية والفرات وهنا بغداد؛ إذ اختار الباحث نشرة أخبار الساعتين السادسة والثامنة مساءً الرئيسية والتغطيات الخاصة التي بُثَّت في قناة العراقية ليوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016، والنشرات الإخبارية الخاصة بالمحور الغربي الموكل إلى الحشد الشعبي للفترة الممتدة بين 6-28 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ويعود سبب اختيار هذه النشرات إلى أن المدة الأولى ركزت في تغطيتها الخبرية على تحرير ناحية الشورة والقرى المحيطة بها والتي وصفها الإعلام العراقي بأنها المنطقة التي يعوِّل عليها تنظيم الدولة في إيقاف زخم تقدم القوات العراقية نحو مركز مدينة الموصل، فضلًا عن أن هذه النشرة رافقتها أخبار عن قرار إيقاف التقدم نحو الموصل والذي تم نفيه من أعلى جهة رسمية، والثانية: المحور الغربي الموكل للحشد الشعبي والذي شهد تغطية مكثفة. واستخدم الباحث أسلوب الحصر الشامل في دراسة الأطر الخبرية للتغطية الإخبارية لمعركة الموصل أثناء المدة الخاضعة للدراسة.
ح- مفاهيم إجرائية
– التغطية الإخبارية: يشير مفهوم التغطية الإخبارية إلى العملية التي يقوم بموجبها الإعلامي أو الصحفي بالحصول على المعلومات عن التطورات والتفاصيل المتعلقة بالجوانب المختلفة للأحداث والوقائع والتصريحات، كما يشمل هذا المفهوم تقويم المادة الإخبارية وتحريرها بأسلوب وشكل إخباري مناسب عن طريق الحصول على البيانات والتفاصيل لحدث معين والمعلومات المتعلقة به، والإحاطة بأسبابه ومكان وقوعه وأسماء المشتركين فيه، وكيف وقع، وغير ذلك من المعلومات التي تجعل الحدث مالكًا للمقومات والعناصر التي تجعله صالحًا للعرض(15).
معركة الموصل: هي معركة تحرير الموصل من سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” والتي أُطلق عليها (قادمون يا نينوى).
الإعلام العراقي الرسمي: هو الإعلام المتمثِّل في شبكة الإعلام العراقي وقنوات تحالف الإعلام الوطني الذي ظهر مع انطلاق معركة الموصل.
الأطر: وهي صورة نمطية لأحداث معينة ضمن تصنيفات تفسيرية أعم تكتسب من خلالها هذه الأحداث أو لا تكتسب أولوية ما(16).
المحدِّدات: تُشتق كلمة محددات من الفعل (حدَّد)، فحدَّد الشَّيءَ: حدَّه، عرَّفه وأقام له حدودًا “حدَّد خطَة العمل، حدَّد موقفَه من الأمر، حدَّدتِ السُّلطاتُ إقامتَه”، حدَّد ثمنَ السِّلْعَةِ: سعَّرها، وتعني تحديد، (الحَدُّ): الفَصْلُ الحَاجِزُ بَيْنَ الشيئينِ لئلاَّ يَختلط أَحدُهما بالآخَرِ أَو يَتعدَّى أَحدُهما على الآخَرِ وجمعُه حُدُودٌ، ومحددة اسم والجمع محددات، وهي تشكيلة عددية من كميات لها قيمة(17). أما تعريف المحددات إجرائيًّا فإنها الحدود الخاصة لعملية التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي مُتَمَثِّلًا في شبكة الإعلام العراقي وتحالف الإعلام الوطني.
ط- إجراءات الصدق والثبات
1. صدق فقرات المقياس: حرصت الدراسة على صدق المحتوى في فقرات استمارة تحليل الأطر الإخبارية لتغطية معركة الموصل في الإعلام العراقي الرسمي؛ إذ يعتمد صدق المحتوى على مهارات الباحث في اختيار الأدوات التي تتفق مع طبيعة ووظيفة القياس وتحكيم حس الباحث ومشاهداته في تقرير ملاءمة الأدوات لوظيفة القياس بالإضافة إلى إجراءات التحكيم الخارجي خلال العملية المنهجية(18)، ويقوم هذا النوع من الصدق على فكرة مدى صلاحية الأداة لقياس ما يُراد قياسه، ويبدو مثل هذا الصدق في وضوح البنود ومدى علاقتها بالقدرة أو السمة أو البُعد الذي يقيسه المقياس(19).
ولغرض قياس مستوى الصدق الظاهري وصدق المحتوى في فقرات المقياس فقد عرض الباحث استمارة تحليل الأطر الخبرية لتغطية معركة الموصل في الإعلام العراقي على مجموعة من المحكَّمين في اختصاصي الإعلام والإحصاء(20)، وأجمع المحكَّمون على أن الأداة تقيس ما وُضعت من أجله، وقد بلغت قيمة معامل اتساق كيندال* بين آراء المحكمين 0.85، وهي قيمة مرتفعة تعبِّر عن قوة هذا الاتساق، مع فرض أن معامل كندال يصلح لقياس الارتباط بين العينات الصغيرة(21).
2. الثبات: اعتمد الباحث في تقدير مستوى ثبات نتائج تطبيق استمارة تحليل أطر التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي الرسمي على طريقة الاختبار وإعادة الاختبار، أي طريقة ثبات الباحث مع نفسه، وذلك بتحليل جزء من العينة مرتين وفي مدتين زمنيتين مختلفتين، ثم يحسب معامل الثبات اعتمادًا على نتائج هاتين المرتين كما لو كان كل مرة قام بتحليلها برمز مختلف(22). فقد أجرى الباحث الاختبار الأول على 10% من الحجم الأصلي للعينة من الأشكال الصحفية البالغ حجمها خمسة وثمانين شكلًا صحفيًّا رئيسيًّا وفرعيًّا؛ إذ بلغ حجم جزء العينة الذي خضع للاختبار تسعة أشكال صحفية، وأعاد إجراء الاختبار على العدد نفسه من جزء عينة الأشكال الصحفية التي اعتمدتها التغطية. وباستخدام آليات القياس والترميز نفسها بعد مرور فترة زمنية، وبعد مقارنة النتائج التي توصل إليها الباحث في الاختبار الثاني مع نتائج الاختبار الأول للتحقق من قدر الثبات، تبين أن درجة الثبات بلغت نسبتها 83.3%، وتدل هذه النسبة على وجود درجة عالية من الثبات والاستقرار في معظم النتائج التي أفرزتها استمارة تحليل الأطر الخبرية؛ إذ قام الباحث بترميز خمس قضايا رئيسة تضمنتها التغطية الخبرية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي، وكانت نتائج الاختبارين متفقة على ترميز أربع قضايا من مجموع خمس قضايا في الحالات المدروسة جميعها، وقد طبَّق الباحث المعادلة(23) التي تم بموجبها الحصول على معامل ثبات عال بلغت نسبته 83.3%.
محددات وأطر التغطية الإخبارية لمعركة الموصل
رصد الباحث التغطية الإخبارية لمعركة الموصل من خلال عينة قصدية تمثَّلت بنشرتي الأخبار المسائية ليوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016، (نشرة أخبار الساعة السادسة مساءً التي تمثِّل النشرة المشتركة لتحالف الإعلام الوطني ونشرة أخبار الساعة الثامنة مساءً التي تمثِّل النشرة الرئيسية في قناة العراقية الفضائية)، ونشرات الأخبار التي غطت المحور الغربي الموكل للحشد الشعبي للفترة المدة بين 6-28 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. وقد استعمل الباحث أسلوب الحصر الشامل لكل ما تضمنته هذه التغطية من أشكال صحفية ومصادر ومفردات لغوية؛ إذ تم تحليل الأطر الخبرية لهذه التغطية باستعمال الطريقة الجامعة للاختصاصات التي تندرج ضمن نقد الخطاب الإعلامي من خلال خمسة أطر تم بناؤها في استمارة خاصة بالتحليل.
أ- التحليل النقدي للخطاب الإعلامي العراقي
1. أطر محددة بالبُعد الدعائي
حاول الخطاب الإعلامي العراقي من خلال تغطيته الإخبارية لمعركة الموصل أن يكون مُوَحَّدًا في دلالاته اللغوية والخبرية، فعند تفكيك وحداته اللغوية وتركيبته المعجمية يتبيَّن أن الخطاب اتبع إطارًا مُحَدَّدًا في استعمال المفردات اللغوية لتقديم الأحداث لإضفاء معانٍ مُحَدَّدَةٍ على أحداث معركة الموصل والقضايا التي تناولها. وهذا المفهوم للإطار أشار إليه روبرت إنتمان بكونه عملية يتم بمقتضاها بدرجة أعلى إضفاء معانٍ مُحَدَّدَة، فقد اعتمد الخطاب الإعلامي العراقي مقاربة تَلَفُّظِيَّة تقوم على ربط العديد من العناصر اللغوية بعوامل خارجية في إطار شروط إنتاج الخطاب وفهم آليات توظيف اللغة؛ إذ ميَّز إيميل بنفنيست، مؤسِّس المقاربة اللفظية، بين التلفظ كحدث والملفوظ كنتاج ونتيجة لهذا الحدث(24).
لذلك جاءت التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي مُمَثَّلًا في شبكة الإعلام العراقي وتحالف الإعلام الوطني في هذا الاتجاه من خلال استعمال ألفاظ ترتبط بعوامل خارجية منها إعطاء رسالة بأن الخطاب الإعلامي للمعركة مُوَحَّد حتى في مفرداته اللغوية لتجنب الإخفاقات السابقة التي حصلت في تغطية معارك تكريت والأنبار، وتجنب الانتقادات الكثيرة التي رافقت تلك التغطيات، وبرز ذلك من خلال التركيز على توحيد تسمية جميع القوات المشاركة في المعركة باسم القوات الأمنية المشتركة لإعطاء صورة بأن جميع هذه القوات تعمل بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، وهو ما برز في أكثر من عبارة وردت في تقاريرها وأخبارها ومنها تصريح رئيس هيئة الحشد الشعبي بأن دخول الحشد الشعبي للموصل مرهون بأمر القائد العام للقوات المسلحة، وأن الحشد حُددت له مهام محددة. مما يعني أن التغطية الإخبارية كان لها بُعْدٌ دعَائِيٌّ تَمَثَّل بإعطاء رسالة للخارج بأن لغة الخطاب الإعلامي العراقي مُوَحَّدَةٌ، وهو ما انعكس بشكل واضح في أسلوب التغطية الإخبارية والقائم بالاتصال.
وقد تضمن المعجم اللغوي للخطاب الإعلامي العراقي عددًا من المفردات اللغوية الدالَّة على توحيد لغته الإعلامية في تغطيته لمعركة الموصل والفاعلين في الأحداث.
الجدول رقم (1) يبيِّن الخريطة المعجمية والشبكة الدلالية الموحدة لتغطية معركة الموصل
ويتضح مما تقدَّم وجود إطار ذاتي تبادلي يُبْنَى فيه المعنى مرتبطًا بنوايا أطراف التبادل التحادثي وهو تجنب فوضى الاستعمال اللغوي للمفردات الذي رافق تغطيات الإعلام العراقي السابقة لمعركتي تكريت والأنبار، والتي أظهرت تناقضات في الرؤى والنوايا، وتوحيد الخطاب الإعلامي العراقي على الرغم من اختلاف اتجاه القنوات الفضائية العراقية. فقد ظهرت في التغطيات السابقة قنوات فضائية عراقية تتعارض تغطيتها مع تغطية شبكة الإعلام العراقي الرسمية، أما في تغطية معركة الموصل فقد بدا واضحًا استعمال شبكة معجمية مُوَحَّدَة حتى في القنوات التي كانت مفرداتها ووصفها للحدث متعارضًا في تغطية المعارك السابقة مع تنظيم الدولة ومنها معركة الفلوجة وهو ما تبيَّن بشكل واضح في التغطية الإخبارية لنشرة الساعة السادسة المشتركة، ليوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016، والتي اشتركت فيها قنوات العراقية والسومرية والفرات وهنا بغداد، كما أن تكرار الفاصل الإعلاني الذي ظهرت فيه شخصيات سياسية عراقية في خطاب موحد للمعركة أكثر من مرة له دلالة على أن الخطاب في معركة الموصل موحد ولا تناقض في الهدف والنوايا؛ إذ أظهر هذا الفاصل مقاطع فيديو صوتية لإعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بدء المعركة، ودعم رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، ورئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، ورئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، للمعركة لإعطاء صورة بأن الخطاب الاعلامي والسياسي مُوَحَّد.
وقد ثبت إحصائيًّا باستخدام معامل ارتباط الرتب لسبيرمان** وجود علاقة طردية موجبة بين أطر المفردات اللغوية التي استُعملت في أخبار وتقارير التغطية الإخبارية لمعركة الموصل وأطر تقديم الحدث بلغت قيمة معامل الارتباط فيه 0.5، وهو ما يعني أن الاستعمال اللغوي للمفردات المعبِّرة عن الحدث كان في إطار مُحَدَّد للقضية وليس إطارًا عامًّا لإضفاء معان مُحَدَّدَة على قضية الرسالة المطلوب توجيهها لكل الأطراف بأن لغة الخطاب الإعلامي مُوَحَّدَة باتجاه المعركة مع تنظيم الدولة وتحرير الموصل من سيطرته.
2. إطار الصراع
عند تفكيك البنية اللغوية للخطاب الإعلامي العراقي في تغطيته الإخبارية لمعركة الموصل وجدنا أن النصوص الإعلامية الإخبارية مُؤَطَّرَة في سياق يعكس الصراع بين المؤسسات والدول لغرض لفت الأنظار إزاء قضية بعينها وإضفاء معان محددة تجذب المتلقي؛ إذ يُعَدُّ إطار الصراع من أهم الأطر المستخدمة في النصوص الإخبارية لوسائل الإعلام، فهو يركز على الصراع سواء كان بين الدول أو المؤسسات والأفراد بوصفه وسيلة لجذب الانتباه(25).
فقد تميَّز الخطاب الإعلامي العراقي في تغطيته الإخبارية لمعركة الموصل بِنَظْمِ مفرداته اللغوية في إطار مُحَدَّد للصراع ولاسيما مع مؤسسات إعلامية أخرى يصفها بـ”القنوات التي تُضَلِّل الجمهور وتحاول خلق الفتنة”، وكذلك الصراع مع دول تعارض مشاركة بعض القوات في المعركة.
ويوضح الجدول رقم (2) التركيب المعجمي لإطار الصراع في تغطية معركة الموصل
هكذا، فإن إطار الصراع كان واضحًا في الخطاب الإعلامي العراقي خاصة مع المؤسسات الإعلامية الأخرى مُمَثَّلَة في بعض القنوات الفضائية الإخبارية العربية التي قدَّمت تغطيات إخبارية مناقضة للمعلومات التي قدَّمها الإعلام العراقي الرسمي، ويُلاحَظ أن إطار الصراع انحصر في قناة العراقية دون قنوات تحالف الإعلام الوطني الأخرى، وهو ما أظهره المعجم اللغوي للخطاب الإعلامي العراقي بوصف قناة العراقية بقناة الشعب وأبوابها مشرعة وقلبها يسع النقد وأخبارها تسع الجميع. أما إطار الصراع مع الدول فقد كان خفيًّا وحاول الخطاب الإعلامي العراقي عدم إظهاره بشكل صريح؛ إذ يمكن أن يؤثِّر الإطار في لغة الواقع، ويمكن أن تكون آثارها غير علنية وشاملة، وقد تكون الآثار خفية(26)، وانعكس إطار الصراع مع الدول باستعمال مفردات لغوية تدل على ذلك، وقد وردت في الأخبار العاجلة التي بثتها قناة العراقية في نشرة الساعة الثامنة مساءً، يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2016، والتي نقلت تصريحات القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، بشأن الأخبار التي تداولتها بعض وسائل الإعلام العربية عن توقف التقدم نحو مركز الموصل عندما وصف مُرَوِّجي هذه الأخبار بـ”المغرضين والمندسين”.
3. إطار الاهتمامات الإنسانية
استعمل الخطاب الإعلامي العراقي في تغطيته لمعركة الموصل صياغات ومصطلحات لغوية لإبراز كل ما يتعلق بالناحية الوجدانية أو العاطفية لبناء صورة محددة إيجابية وطيبة عن أداء القوات الأمنية المشتركة، وصورة سلبية عن مسلحي تنظيم الدولة، وهو ما تبيَّن في الأدوات العاطفية التي شكَّلت أطر تقديم الحدث في معركة الموصل والمتمثلة بالاستعارات والعبارات الجذابة وأمثلة الوصف والصور المرئية؛ إذ أظهر التحليل استعمال هذه الأدوات بدرجة كبيرة لاسيما إبراز صورة طيبة للقوات المشتركة وهي تقهر أسطورة تنظيم الدولة.
ويُظهر الجدول رقم (3) الخريطة المعجمية وشبكتها الدلالية للنحن (القوات العراقية) والآخر (داعش)
4. الإطار الأخلاقي
حاول الخطاب الإعلامي العراقي أن يُظْهِر تغطية نظيفة لمعركة الموصل؛ تراعي معايير الموضوعية والمصداقية في تقديم الحدث بهدف ترسيخ الأفكار التي يريد زرعها في ذهن الجمهور، أي وضعها في سياق أخلاقي. وقد استعمل هذا الخطاب بعض الأدوات العقلية في تقديم أحداث معركة الموصل في إطار أخلاقي محدد والمتمثلة في تقديم تفسيرات مع ذكر الأسباب، وهو ما أفرزه التفكيك اللغوي للمفردات والعبارات التي استعملها الخطاب الإعلامي العراقي، كما حاول إظهار نظافة المعركة.
الجدول رقم (4) يكشف التركيب المعجمي لنظافة المعركة وبعدها الأخلاقي في الخطاب
ب- تحليل مضمون أطر التغطية الخبرية
يؤكد منظِّرو التأطير على الإسهامات التي تحدثها وسائل الإعلام في تأطير الأخبار والقضايا من أجل بناء الصورة, فقد شجع ذلك على تحليل مضمون الرسائل الإعلامية بهدف التعرف على سمات الصورة التي تُقدِّمها وسائل الإعلام(27)، ولكون تحليل مضمون الأطر الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي ينتمي إلى المناهج النقدية للخطاب، ولغرض التعرف على الصورة التي أراد الخطاب الإعلامي العراقي تقديمها عن معركة الموصل فقد تم تحليل مضمون هذه الأطر كالآتي:
1. أطر الأشكال الصحفية
ابتعد الخطاب الإعلامي العراقي في تغطيته لمعركة الموصل عن الأسلوب السابق الذي اعتمده في التغطية الإخبارية لمعركتي الأنبار وتكريت باتباع أسلوب إخباري معلوماتي ليُقدِّم صورة عن أن التغطية الخبرية لمعركة الموصل تتسم بالمهنية من خلال ترجيح الجانب المعلوماتي على جانب إبداء الآراء.
فقد كان الطابع الإخباري المعلوماتي سائدًا على أسلوب التغطية الإخبارية والذي مثَّلته فئات (الخبر بما فيها الأخبار العاجلة، التقرير الإخباري، تقارير المراسلين)؛ إذ بلغت نسبة هذه الأنواع 90.6% مقابل 9.4% لفئات أخرى (الحديث التليفزيوني ومقدمة النشرة) مثَّلت طابع تقديم الرأي حول الأحداث.
وأظهرت عملية الرصد التحليلي لأطر الأشكال الصحفية الرئيسة والفرعية التي تضمنتها التغطية عن وجود 6 أشكال صحفية كان مجموع تكراراتها 85 تكرارًا.
الشكل رقم (1) يبيِّن توزيع الأشكال الصحفية في التغطية الإخبارية لمعركة الموصل
2. قضايا الأطر الإعلامية
بيَّن الرصد التحليلي للقضايا التي طرحتها التغطية الإخبارية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي بروز خمس قضايا رئيسية كان مجموع تكراراتها 136 تكرارًا، فقد تصدَّرت قضيتا الموقف العسكري في محاور القتال كافة، ومشاركة الحشد الشعبي في المحور الغربي، فئات قضايا الأطر الاعلامية؛ إذ حرصت التغطية الإخبارية على ذكر القطاعات العسكرية الأمنية في كل محور من محاور القتال (الشرطة الاتحادية، الجيش العراقي، مكافحة الإرهاب، الرد السريع، الحشد الشعبي) على الرغم من أنها استخدمت تسمية القوات الأمنية المشتركة في أخبارها وتقاريرها، فضلًا عن ذكر استهداف طيران التحالف الدولي لتجمعات تنظيم الدولة بصورة منفصلة، ويعود سبب تصدر هذه القضية الترتيب الأول بنسبة 85.1% إلى طبيعة المعركة وطبيعة التغطية الإخبارية، فيما حلَّت قضيةُ مشاركةِ الحشد الشعبي الترتيبَ الثاني بنسبة 32.4% في اهتمام التغطية، تليها فئة قضية النازحين في الترتيب الثالث بنسبة 5.9%، وهدفت التغطية إلى إظهار حرص القوات الأمنية المشتركة على التقليل من حالة نزوح الأهالي أثناء تقدمها واشتباكها مع عناصر تنظيم الدولة. فيما جاءت قضية التصريحات التركية المنتقدة لمشاركة الحشد الشعبي بمعركة الموصل في الترتيب الرابع بنسبة 2.2%. أما قضية احترام حقوق الإنسان وقواعد الاشتباك فقد جاءت في الترتيب الخامس بنسبة 1.4%.
الشكل رقم (2) يوضح توزيع قضايا الأطر الإعلامية في التغطية الإخبارية لمعركة الموصل
3. أطر المصادر المعلوماتية
أظهرت عملية الرصد لأطر المصادر المعلوماتية في التغطية الإخبارية لمعركة الموصل بروز خمسة مصادر رئيسية استقت منها التغطية معلوماتها وبتكرارات بلغ مجموعها 51 تكرارًا، وكان معظمها محليًّا يعتمد على البيانات الصادرة من خلية الإعلام الحربي فيما يتعلق بسير المعارك في محاور القتال، بينما تعتمد التغطية على إعلام الحشد الشعبي فيما يتعلق بمعارك الحشد مع تنظيم الدولة في المحور الغربي. كما اعتمدت التغطية على مجموعة من المراسلين يمثلون شبكة الإعلام العراقي وتحالف الإعلام الوطني، الذين يبثون تقاريرهم مباشرة من موقع الحدث، أما فئة الوكالات التي تمثِّل المصادر الخارجية للتغطية الإخبارية فقد حلَّت في المرتبة الأخيرة في تصنيف الفئات واعتمدت أساسًا على تقارير وكالة رويتر، كما وردت بعض الأخبار بدون مصدر صريح وهو ما يعني أن أغلب المصادر محلية بهدف السيطرة على التغطية وضبطها.
الشكل رقم (3) يبيِّن توزيع مصادر التغطية الإخبارية لمعركة الموصل
خاتمة
أولًا: كشف تحليل الأطر اللغوية والخبرية لتغطية لمعركة الموصل في الإعلام العراقي باستخدام الطريقة الجامعة للاختصاصات عن عدد من الاعتبارات التي تقف خلف اتباع أسلوب جديد في معالجة الحدث يختلف عن تغطياتها الإخبارية السابقة ومنها معركتا الأنبار وتكريت؛ وذلك في محاولة لتوحيد الخطاب الإعلامي بالاعتماد على مصادر مُحَدَّدة للمعلومات وتوحيد النشرات الإخبارية وتوحيد المعجم اللغوي المستخدم في التغطية الإخبارية، وقد تُرجم ذلك عمليًّا بتأسيس تحالف الإعلام الوطني الذي ضم أكثر من 100 قناة إعلامية، والاستفادة من الانتقادات والإشكاليات التي رافقت التغطيات الإخبارية السابقة للمعارك، مما دفع الإعلام العراقي مُمَثَّلًا في قنوات شبكة الإعلام العراقي وقنوات الإعلام الوطني إلى التركيز على الجانب المعلوماتي الخبري وتأسيس شبكة مراسلين من قنوات الإعلام الوطني إضافة إلى قناة العراقية في تغطية الحدث لإعطاء صورة عن مهنية وحياد أسلوب التغطية.
ثانيًا: وجود ضبط في عملية التغطية الإخبارية لمعركة الموصل، وهو ما تبيَّن في التزام قنوات تحالف الإعلام الوطني وشبكة الإعلام العراقي بقنواتها كافة بالابتعاد عن إبداء الرأي بشأن المواقف السياسية الخارجية، والتركيز على تغطية الحدث إخباريًّا مُمَثَّلًا في العمليات العسكرية، وتوحيد تسمية جميع القوات المشاركة في المعركة باسم القوات الأمنية المشتركة لإعطاء صورة بأن جميع هذه القوات تعمل بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، واعتماد التغطية على المصادر المحلية الرسمية، مثل: خلية الإعلام الحربي وإعلام الحشد الشعبي وشبكة مراسلين، وندرة اعتمادها على المصادر الخارجية.
______________________________
د.أكرم فرج الربيعي – باحث إعلامي ومحاضر أكاديمي- بغداد
مراجع
1. العتابي، جبر مجيد حميد، طرق البحث الاجتماعي، (دار الكتب، الموصل, 1991)، ص 34.
2. المصدر السابق، ص 38.
3. فاركلوف، نورمان، تحليل الخطاب، التحليل النصي في البحث الاجتماعي، ترجمة: طلال وهبة، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2009 )، ط1، ص 4-30.
4 . المصدر السابق، ص 39.
5 . عزوز، هند، مطبوعة بيداغوجية (محاضرات في النقد الإعلامي)، محاضرات مقدمة لطلبة السنة الثالثة في الإعلام والاتصال، (جامعة محمد الصديق بن يحيي-جيجل، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، السنة الجامعية 2015 – 2016)، ص4- 7.
6. زغيب، شيماء ذو الفقار، مناهج البحث والاستخدامات الإحصائية في الدراسات الإعلامية، (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2009 )، ص89-90.
7. Baysha, Olga Omega; Hallahan, Kirk, Media framing of the Mkrainian political crisis 2000-2001, journalism studies, vol.5, No.2, 2004, p. 234
8. ربيع ، عبد الجواد سعيد، فن الخبر الصحفي: دراسة نظرية وتطبيقية، (دار الفجر، القاهرة، 2009)، ص 126.
9. المصدر السابق، ص 125.
10 .Entman , Robert M., Framing U. S. coverage of international news contrast in narratives of the Kal and Iran air incident, Journal of Communication, Vol.43 , # 4, 1993 p 52 .
11. Scheufele, Dietram, Framing as a theory of media effects, journal of communication, vol 49 No. 1, 1999.
http://www.comm.cornell.edu/comm680/scheufele.pdf
12. مكاوي، حسن عماد؛ السيد، ليلى حسين، الاتصال ونظرياته المعاصرة، (الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2002)، ص 348.
13. المصدر نفسه.
14. D’Angelo, Paul, News framing as a multiparadigmatic reserch program: A response to Entman, International communication Association, 2002, p. 874
15. الحتو، محمد سلمان، مناهج كتابة الأخبار الإعلامية وتحريرها، (دار أسامة، عمان، 2012)، ص 186.
16. Norris, Pippa, the restless search light network news framing of the post-cold war world, political communication,12 (1995), p. 357-358.
17. انظر: معجم المعاني الجامع، معجم اللغة العربية المعاصرة، تاج العروس، لسان العرب، مختار الصحاح.
18. عبد الحميد، محمد، تحليل المحتوى في بحوث الإعلام، (دار مكتبة الهلال، بيروت، 2008)، ص 226.
19. عبد الرحمن، سعد، القياس النفسي: النظرية والتطبيق، (دار الفكر العربي، القاهرة، 1998)، ط 3، ص 186.
20. عُرضت الاستمارة على مجموعة من المحكمين مرتبة أسماؤهم ألف بائيًّا، وهم:
د.أنمار وحيد فيضي، كلية الإعلام، قسم الصحافة، جامعة بغداد؛ د.رياض محمد كاظم، مركز الدراسات والبحوث في وزارة الثقافة؛ د.صباح فرج عبد الحسين، الجامعة التقنية، معهد الإدارة، الرصافة.
* معامل ارتباط كندال: يُستخدم لحساب معامل الارتباط بين متغيرين اثنين يتم التعبير عنهما بمقياس الترتيب؛ حيث يمد معامل ارتباط كندال الباحث كميًّا بمقدار العلاقة بين هذين المتغيرين.
21. أبو ظاهر، كامل ، الارتباط والانحدار لمساق (كمبيوتر تحليل إحصائي)، (الجامعة الإسلامية، كلية الآداب، غزة، 5 ديسمبر/كانون الأول 2011).
22. زغيب، مناهج البحث والاستخدامات الإحصائية في الدراسات الإعلامية، مصدر سابق، ص 163.
23. عبد الحميد، تحليل المحتوى في بحوث الإعلام، مصدر سابق، ص 226.
24. شارودو، باتريك؛ منغنو، دومينيك، معجم تحليل الخطاب، ترجمة: عبد القادر المهيري، حمادي صمود، (المركز الوطني للترجمة، تونس، 2008)، ص 25.
** يُستخدم معامل ارتباط الرتب لسبيرمان لحساب قيمة معامل الارتباط عندما يكون المتغيران اللذان نريد قياس الارتباط بينهما متغيرين كميين ويشترط تساوي عدد حالات كل من المتغيرين.
25. زكريا، أحمد، نظريات الإعلام مدخل لاهتمامات وسائل الإعلام وجمهورها، (المكتبة العصرية، مصر، 2008 )، ص278-280.
26. kerr, Peter, The framing of fundamentalist Christian: Network Television News, 1980- 2000, journal of Media and Religion, 2 (4) 2003, p. 212- 213.
27 . زكريا، أحمد، نظريات الإعلام مدخل لاهتمامات وسائل الإعلام وجمهورها، مصدر سابق، ص 299-300.
- نقلا عن الجزيرة