15 نوفمبر، 2024 5:49 م
Search
Close this search box.

” الحي الإنجليزي ” ترصد سحق الأجانب للمصريين .. وتحاول رصد التغيرات السياسية !

” الحي الإنجليزي ” ترصد سحق الأجانب للمصريين .. وتحاول رصد التغيرات السياسية !

خاص : قراءة – سماح عادل :

رواية (الحي الانجليزي)، للكاتب المصري “حماد عليوة”، إصدار “دار صرح” 2017.. تتناول المكان باعتباره بطل العمل الرئيس، حيث تؤرخ لحي “المعادي” في مصر منذ بداية نشأته وحتى منتصف التسعينيات، وهذا المكان يعد مسرحا لأحداث كثيرة، فهو يتأثر بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تغيرت على مر السنوات منذ الأربعينيات، وقت إنشاء الحي، وحتى التسعينيات، مع كل الزخم الذي تحمله هذه الفترة في مصر والتغييرات المتلاحقة والحادة.

الشخصيات..

الشخصيات كثيرة، تتداخل في علاقات معقدة ومتشابكة وتدور بينها الصراعات.. شخصيات من الأجانب الذين سكنوا “الحي الإنكليزي” منذ نشأته، وشخصيات أخرى لأجانب ظلوا يسكنون فيه أو دفعهم الحنين للمجيء من بلادهم والإستقرار في هذا الحي مثل “سريا”، وشخصيات مصرية إما ساقهم مصيرهم للسكن في هذا الحي، أو يسكنون في أحياء شعبية مجاورة ويعملون خدماً لدى الأجانب في الحي الإنكليزي.. حرص الكاتب على تقصي خلفياتهم جيداً وتقديم صورة واضحة عن كل شخصية لتتعرف عليها، وعلى تاريخها وطريقتها في التعامل مع الناس وأصولها وتوجهاتها، أبرز هذه الشخصيات:

“نواف”: رجل خليجي.. يعاني من إنحراف في سلوكه نحو النساء، أتى إلى مصر، بعد أن أنهى تعليمه بها، لكي يعيش الحياة التي يريدها ويستمتع بأكبر قدر من المتعة، لكنه مع ذلك لا يجد متعة لأنه يهوى أن يسحق النساء ويتعامل معهن بتعالي وحقارة، ويتلذذ بتعذيبهن وسحق كرامتهن والتعامل معهن بعنف.

“داليا”: فتاة مصرية متعلمة.. تضطر إلى العمل في خدمة الأجانب مثل أمها، قد تنساق تحت وطأة ظروفها الحياتية القاسية، رغم أنها متعلمة ولديها مهارات ومعرفة باللغتين الإنكليزية والفرنسية، وتبيع المتعة بطرق ملتوية حتى لا تفقد عذريتها، ثم تعود وتعمل في عدة مهن، وهي تمتلئ بحلم الهجرة، ساخطة على البلد التي لا تتيح لها فرصة عمل محترمة، ولا تتيح لها معرفة أو معاملة إنسانية.

فيلا لمسئول انجليزي انشات في حي المعادي

“ناهد”: ممرضة.. سافرت إلى دولة في الخليج في شبابها وأغتنت من القوادة، ثم عادت وأمتلكت عدد من الشقق في الحي الإنكليزي، وأصبحت تؤجرهم لأغراض البغاء أو للإسرائيليين، الذين يرتبطون مع البلد بمعاهدة.

“عبدالكريم”: نموذج للمتدين المتشدد الذي يتاجر بالدين ليحقق المكاسب.. يتزوج بفتاة جميلة للمتعة فقط، ولا يهمه شيء إلا إشباع غرائزه الحيوانية.

وهناك شخصيات أخرى ثرية.

الراوي:

الراوي عليم ، يتخفى وراء الحكي.. لا تشعر بوجوده لأنه يترك مساحة لشخصياته تتحرك فيها، يتنقل بحرية في دواخل الشخصيات، ويحكي عن إنفعالاتهم وشعورهم ومخاوفهم، كما يرصد بدقة العوالم الخارجية، ويركز على وصف المكان وتأثيراته على الشخصيات.

السرد..

تقع الرواية في (460) صفحة من القطع المتوسط.. تنقسم إلى أربعة أجزاء، تبدأ في فترة الثمانينيات لكنها تعود للماضي وتظل تنتقل بين الحاضر والماضي، يعتمد الكاتب في التشويق على الأحداث نفسها، كما أن الحكي عن ماضي الشخصيات يثرى ذهن القارئ ويعطي له فهماً ضرورياً لمنطق الأحداث.

التأريخ للمكان..

يتضح منذ البداية أن الكاتب انتوى التأريخ لـ”حي المعادي”، لكنه ليس تأريخاً جافاً لمكان، وإنما قصد أن يربط هذا التاريخ بصورة متكاملة من التغييرات التي تحدث للمكان بفعل التأثيرات السياسية الاقتصادية الاجتماعية.

فيلا لمسؤول إنكليزي أنشات في “حي المعادي”..

ففي فترة الأربعينيات، أو ما قبلها بقليل، أنشئ الحي الإنكليزي بواسطة عدد من الإنكليز، الذين تواجدوا بفضل الإستعمار الإنكليزي لمصر، وكان للأثرياء اليهود دوراً أيضاً في تعمير هذا الحي، ثم قامت ثورة (تموز) يوليو 1952، والتغييرات الجذرية التي حدثت في المجتمع المصري نتيجة لها، أثرت على هذا الحي أيضاً، وبقي فقط الأجانب الذين لهم أعمال في مصر، وبدأ حال الحي في التدهور وبدأ يفقد جماله ورونقه، ثم بعد مرور عاصفة السبعينيات وإنفتاحها وتغييراتها الحادة أيضاً أصبح هناك نسبة قليلة من الأجانب لكن ظل الحي محافظاً على هدوءه وطابعه.

وفي الثمانينيات يتركز الحكي على رابطة الأجانب التي أنشأتها السيدة “سريا”، لتساعد من خلالها الفقراء المصريين، لكنها تقابل بعنف من المتحكمين في الأمور ويتم إضطهادها، وتضطر إلى مغادرة مصر ثم تموت وتبقى الرابطة، لكن دورها يقل وتصبح مجرد رابطة يجتمع فيها أعضائها للترفيه والسهر سوياً.

وفي التسعينيات تسوء الأحوال أكثر وينتقل الحكي عن المصريين الذين يخدمون الأجانب، ويعيشون ظروفاً قاسية ويجبرون على المكافحة في الحياة لكي يعيشوا بينما يرتع الخليجيون والقوادين والإنتهازيون والمتدينون ظاهرياً الذين يكتسبون من الدين.

التشدد الديني..

كما يحكي الكاتب عن ظاهرة التشدد الديني، التي أحتلت مصر بدءاً من السبعينيات وأستفحلت في الثمانينيات والتسعينيات، وكيف أنتشرت العباءات السوداء والزي الخليجي، حتى في الأحياء الشعبية، كما أنتشرت تسجيلات الصوت التي يقرأ فيها القرآن بصوت الشيوخ من الخليج، بصوتهم المهزوز وسرعة أدائهم، وكيف أنتشرت كتب التفاسير.. لقد غزا الخليج بثقافته نتيجة لسفر عدد كبير من المصريين الذين ضاقت بهم البلاد بإنفتاح “السادات” وسياساته، وجاءت الثمانينيات التي تدهورت فيها الأمور أكثر وأنتشر الفقر وزادت نسبة البطالة لتخلق جيلاً مهمشاً ضائعاً في التسعينيات، يعمل أعمال هامشية رغم حصوله على تعليم كافي لأن الدولة توقفت عن التنمية منذ عقود.

الشخصيات تعبر عن نفسها..

لا ينتصر الكاتب لأحد.. يقدم الشخصيات كما هي بأحلامها وطموحاتها وآرائها، منهم أجانب يتعاطفون مع المصريين ويحبونهم، وأجانب يتعالون عليهم ويرونهم شعب “فهلوي” يسرق الكحل من العين، وبالنسبة لشخصيات المصريين منهم من يتمتع بسلوك دنيء وإنتهازي، ومنهم من تجبره ظروفه على الإنسياق إلى هاوية الخطأ والجريمة، ومنهم من هو من أصول إقطاعية أو يدخل في نسبه فرع أجنبي فيتعالى على المصريين وعلى واقعهم المذري ويعتبر نفسه أحسن منهم.

صورة مصغرة لمصر..

قدمت الرواية من خلال “حي المعادي”، أو “الحي الإنكليزي”، صورة مصغرة لمصر منذ الأربعينيات وحتى منتصف التسعينيات، ورصدت نماذج لمصريين طحنتهم السياسات العشوائية والمتخبطة والمعادية للشعب، وصورت مدى معاناة فئة من الشعب من الإنقسام الطبقي الحاد الذي أصبح أكثر بروزاً، كما قدمت فهماً لنفسيات البشر وعمق إنفعالاتهم النفسية وتفاعلاتهم مع التغيرات من حولهم.

الكاتب ..

“حماد عليوة”.. روائي ناشئ من مواليد 1983، صدر له روايته الثانية (من أجل البلوند) عام 2013، طبعة أولى، ثم طبعة ثانية عام 2015، أما رواية (الحي الإنجليزي)، فهى أول رواية كتبها، أستغرق في كتابتها ثمانية أعوام، منذ عام 1998 لكنه لم يستطع نشرها بعد أن أنجزها في عام 2008 إلا مؤخراً.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة