11 أبريل، 2024 1:26 ص
Search
Close this search box.

الحياة بطعم الكرز.. سينما حميمية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: كتب- سعد ناجي علوان

ما الذي يميز حبات الكرز ليجعلها “كياروستمي” عنوانا لفيلمه المهم وليحتج بها أحد شخصيات الفيلم كمعنى معتبر للحياة فيخاطب الشخصية الرئيسية التي تروم الانتحار… لماذا تريد مغادرة الحياة.. أﻻ تحب طعم الكرز.. بساطة وصدق كبيرين تعلنا فلسفة “كياروستمي” الحياتية والسينمائية وهو ينغمس فيهما إلى أقصى مدى.. فهل تستحق الحياة بأن تترك.. أم هل تساوي قتل النفس.. كم هي هشة وكم هي غالية.. تساؤل طالما تكرر عند “كياروستمي”.

فالسيد بادي “المجهول اجتماعيا” وصل وﻻ نعلم لماذا إلى قطيعة تامة مع الحياة ليقرر البحث خارج مدينة طهران.. في مقالع الحصى والرمل حيث الشغيلة الوافدين والناس الغرباء عمن يقوم بدفنه مقابل أجر معين بعد انتحاره.. إﻻ أنه يصطدم برفض أول شخص يعرض عليه اﻷمر فما يطرحه مثير للريبة عند بسطاء الناس.. ليحاول مع جندي شاب من كوردستان.. ورغم مودة الحديث عن الرفقة العسكرية والتطرق لما يعانيه الكورد من حيف وظلم حكومي يرفض الجندي عرض السيد بادي “همايون إرشادي” ليكون الحال أكثر منعة مع طالب الحوزة الدينية ممن ألجأتهم حرب طالبان إلى إيران فشكلوا جالية أفغانية لها ثقلها في الواقع الإيراني لكنها تفتقد كرامة الوجود والعيش.

ولطالما أشارت اﻷفلام الإيرانية لتلك المسألة.. وأمام حجج الطالب الحوزوي القرآنية وما يستشهد به من أحاديث أئمة أهل البيت يسلم السيد بادي بخسارة جديدة.. لكنه يجد عند موظف التاريخ الطبيعي قبوﻻ لحاجته الماسة للمال.. لمرض ابنه.

وهنا سيتلقى السيد بادي درساً في كيفية التعامل مع الآخرين عند عرض مشكلته وإقناعهم بالمساعدة.. ثم ليعرج على أسبابه الشخصية التي جعلته أيضا يحاول الانتحار شنقا تحت شجرة.. وحين يتعسر اﻷمر يصعد الشجرة ليثبت الحبل جيدا.. فتتلقف أصابعه بعض حبات كرز تغريه بمواصلة اﻷكل ليغفو في مكانه.. ثم يستيقظ على صوت العصافير.. ودفء الشمس وصياح تلاميذ صغار يطلبون حبات الكرز.. فهل هناك أجمل من ذلك، ليعود للبيت شخصا آخر، نعم لم تحل مشاكله، ولم تتغير الحياة، لكنه من تغير، فلماذا تريد المغادرة سريعا ياسيد بادي، ونهايتك الحتمية هي الموت.. أﻻ تحب طعم الكرز.. وبعد أن يوصل الموظف مؤكداً اتفاقهما يعود السيد بادي مع حقيبة صغيرة ومعطف مطري صغير، فالجو بارد وستمطر بعد قليل، لينام في حفرته المعدة..متأملا السماء والقمر الذي يغيب تحت غيمة سوداء..

تطفأ الشاشة.. شاشة الفيلم فجأة ﻷكثر من دقيقة.. ثم لنرى الحياة بألوانها الطبيعية بعدما كانت بلون التراب طوال الفيلم.. ويظهر كادر الفيلم بقيادة “كياروستمي” والممثل “همايون إرشادي”، السيد بادي، يقدم له سيكاره وهو ينادي على الجنود الكومبارس بالتوقف للاستراحة كي يتسنى لهم أخذ أصوات الطبيعة.. وبينما ينتشر الكومبارس وهم يلهون تغادر سيارة السيد بادي الموقع نحو المدينة.. تحول فيلمي يحيل المشاهد إلى أسئلة فنية عدة هل رأينا فيلما أم أنه سيبدأ قريبا.. سينما “كياروستمي” الحميمية والشخصية رغم سيادة الجانب الفني حيث كل شيء عبارة عن مزج تجاربه الشخصية مع تجارب اﻵخرين.. في تأملات اجتماعية ودينية وفلسفية تقودنا   إلى التصدي  لمعرقلات الحياة كي نواصل العيش.. ﻻ أن نمزق أرواحنا مثل ثياب بالية.

فيلم الحياة بطعم الكرز..

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب