خاص : ترجمة – بوسي محمد :
في الوقت الذي يترقب فيه العالم، نشر مذكرات ضابط وكالة الاستخبارات الأميركية السابق والمتعاون سرًّا مع وكالة الأمن القومي، “إدوارد سنودن”؛ الذي شارك في أوسع عملية فضح لوثائق سرية تابعة للإدارة الأميركية، والتي كشفت بدورها عن أهم نظام مراقبة وتجسس أنشأته “الولايات المتحدة الأميركية” حول العالم. ما أدى إلى اتهامه بالتجسس في بلاده، أصدرت المحكمة الأميركية قرار استحقاق للدولة بالحصول على كافة الأرباح التي يمكن أن يجنيها “إدوارد سنودن”، من وراء مذكراته، التي كان قد أعلن عن كتابتها، في 17 ايلول/سبتمبر الماضي، في شكل متزامن في نحو 20 بلدًا.
ووفقًا لصحيفة (الغارديان) البريطانية، حكم القاضي، أن أي أموال مكتسبة من وراء المذكرات يجب أن تذهب إلى حكومة “الولايات المتحدة”، لأن نشرها يخالف الاتفاقيات التي تمت بينه وبين الإدارة الأميركية.
تحمل المذكرات عنوان: (برماننت ريكورد)، التي يقول في مطلعها: “نحن، أنا وأنت، كلنا ساذجون”، والتي يروي فيها، “سنودن”، كيف توصل إلى قرار تسريب الوثائق السرية العليا التي تكشف عن خطط الحكومة للمراقبة الجماهيرية. بعد ذلك بوقت قصير، قدمت حكومة “الولايات المتحدة” دعوى مدنية تدعي أن المنشور كان “في إنتهاك لاتفاقات عدم الكشف التي وقّعها مع كل من وكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن القومي (NSA)”، وأن إصدار الكتاب “دون نشر مسبق في إنتهاك لإلتزاماته الصريحة”.
أعطت تلك الوثائق المسربة؛ نظرة شاملة ومفصلة عن قدرات التجسس الإلكترونية التي طورتها القوتان الغربيتان الرئيسيتان في هذا المجال؛ “الولايات المتحدة” و”بريطانيا”. وكان هدفهما في ذلك الوقت، حسب “سنودن”، هو العمل على جمع قاعدة البيانات الخاصة بهما من كل مكان حول العالم، وشكل ذلك نقطة البداية في حدوث ثورة في منطق أجهزة الاستخبارات، تتمثل في استخراج أكبر قدر ممكن من المعلومات من النظام الرقمي العالمي، ومن ثَمَّ تخزين وفرز البيانات المفيدة لهما.
كما كشفت وثائق “سنودن” أيضًا؛ كيف أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية، ومن أجل جمع المزيد من البيانات، لم تتردد في مهاجمة مواقع الشركات الضخمة في بلدها – على سبيل المثال اختراق الروابط المتعلقة ببيانات “Google” – لإضعاف معايير التكنولوجيا المستخدمة من قِبَل الجميع، وذلك من خلال التأثير على تصميم بعض خوارزميات التشفير، كما كشفت أيضًا عن أن الشركات الرقمية الكبرى، إن لم تكن ضحية لأجهزة الاستخبارات، فهي حتمًا كانت متواطئة معها.
وتُصدر النسخة الفرنسية، في الوقت نفسه، مع “البرازيل وبريطانيا وألمانيا وتايوان”.
وعلى غلاف الكتاب الفرنسي صورة لـ”سنودن”، الذي كان يعمل في “وكالة الأمن القومي” ثم سرب معلومات عن برنامج التجسس في “الولايات المتحدة”، حيث اتهم بالخيانة العظمى ولجأ إلى “روسيا”.
محامو “سنودن” يستنكرون قرار المحكمة الأميركية..
جادل محامو “سنودن”، قرار المحكمة، الذي صدر بحق موكلهم، مبررين بأنه إذا أعتقد مؤلف الكتاب، “سنودن”، بأن الحكومة ستراجع كتابه بحسن نية، لكان قد قدمه للمراجعة.
وقال محامي سنودن، “بريت ماكس كوفمان”، لصحيفة (نيويورك تايمز)؛ إنه: “من بعيد المنال الإعتقاد بأن الحكومة كانت ستراجع كتاب السيد، سنودن، أو أي شيء آخر قدمه بحسن نية، ولهذا السبب، فضل سنودن المخاطرة بإتاحة حقوقه المستقبلية من إخضاع تجاربه للرقابة الحكومية غير المناسبة”.
وأضاف: “نحن نختلف مع رأي المحكمة، لأنها تجاهلت الشفافية والنزاهة”.
وقال “جون سارغنت”، رئيس “ماكميلان”: “قرر إدوارد سنودن؛ بأن يضحي في سن الـ 29 بمستقبله الشخصي في سبيل البلاد، شجاع يستحق منا كل التقدير”.
وأضاف: “أثبت أيضًا شجاعة كبرى وشئنا أم أبينا أنها قصة أميركية عظيمة. لا شك أن العالم أصبح أكثر أمانًا ومدعاة للاحترام بفضل ما قام به”.
يُشار إلى أنه، في وقت سابق من هذا الأسبوع، حكم قاضي المقاطعة، “ليام أوغرادي”، بأنه يحق للحكومة الحصول على إيرادات “سنودن” من الكتاب.
ردًا على ذلك، كتب “سنودن”، على موقع (تويتر): “قد تسرق الحكومة دولارًا، لكن لا يمكنها أن تمحو الفكرة التي اكتسبتها … لقد كتبت هذا الكتاب من أجل المواطنين”.
“سنودن” يتبرع بأرباح مذكراته لمن سانده في محنته..
وقد تعهد “سنودن” بأن يتبرع بأرباح مذكراته، للعائلات والأسر التي ساعدت في إيوائه، في “هونغ كونغ”، بعد اندلاع القصة في عام 2013، وتوفير حصة إلى جمعية خيرية تدعمه.
وقال “سنودن”؛ إن الكتاب سيستمر بيعه. وقال لأتباعه: “حكم المحكمة هو اختراق يهدف إلى الإلتفاف على قيود التعديل الأولى على ما يمكن للحكومة فرض الرقابة عليه، لا يمكنهم، (حتى الآن)، حظر الكتاب، لذا يحظرون الربح لمحاولة منع كتابة هذه الكتب في المقام الأول”.
يُشار إلى أنه، في في 2013، كشف “سنودن” وجود برنامج تجسس عالمي على الاتصالات الهاتفية والإنترنت، واتهمته “الولايات المتحدة” بالتجسس وسرقة أسرار الدولة. مما أدى إلى فراره إلى “موسكو” للهرب من السجن، وهي المحطة التي نالت حصة كبيرة من مذكراته، والتي تحدث فيها كيف تم تجنيده من قبل في المطار؛ حيث كان ينتظرونه رجال يرتدون بذلات رسمية، يفترض أنهم أعضاء في أجهزة المخابرات الروسية، “قدم لي أحدهم وبلغة إنكليزية واضحة عرضًا للتعامل مع أجهزة الاستخبارات الروسية؛ مع تقديم إمتيازات مالية ضخمة، فضلًا عن عدم التعرض للسجن”، لكنه رفض العرض وأخبر الروس عن عدم وجود نية لديه للتعاون مع أجهزة المخابرات.
بقي “سنودن” في المطار لمدة 40 يومًا، وتقدم بطلب للجوء في 27 دولة، وأخيرًا منحته “روسيا” اللجوء لأول مرة لمدة عام، ثم قامت بتجديد هذا الحق أكثر من مرة منذ ذلك الحين، ويقضي “سنودن” اليوم عامه السادس على التوالي. ونفت الحكومة الروسية أية نية لتسليمه إلى “الولايات المتحدة”؛ حيث يحاكم هناك بتهمة التسليم المتعمد لمعلومات سرية إلى أجهزة أمنية أجنبية، وهي تهمة تصل عقوبتها إلى السجن لمدة تتجاوز السنوات العشر، إلا أن “سنودن” أبدى رغبته في الحصول على حق اللجوء السياسي إلى “فرنسا”، في عهد، “إيمانويل ماكرون”، بعد أن فشل في الحصول عليه في عهد الرئيس الاشتراكي السابق، “فرانسوا هولاند”.
يُذكر أن المخرج، “أوليفر ستون”، قام بتصوير فيلم عن قصة “سنودن”؛ يؤدي فيه الممثل، “غوزف غوردن-ليفيت”، دور الموظف السابق. وظهرت قصة “سنودن” أيضًا في الوثائقي، (سيتيزن فور) 2014، الذي نال جائزة “أوسكار”، حيث صور فأرًا في غرفة في أحد فنادق “هونغ كونغ”.