18 أبريل، 2024 10:27 م
Search
Close this search box.

الحرمان العاطفي عند الطفل..فقدان التعاطف مع الآلام الشخصية

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

كيف يعاني الإنسان من آثار الحرمان العاطفي الذي عاني منه في فترة الطفولة طوال حياته، حتى أنه يتحكم في سلوكياته واختياراته في الحياة.

تعريف..

يعرف الحرمان العاطفي بأنه تقصير نفسي واجتماعي من الوالدين نحو الطفل، لأن الإشباع العاطفي أساس الأسرة. إذن الحرمان العاطفي هو عدم إشباع حاجة الطفل للحب والحنان من الأب والأم. وافتقار الطفل لهذه المشاعر، رغم توفير المتطلبات المادية،  مما يسبب له مشاكل كثيرة قد تظل معه طوال الحياة، وتؤثر على شخصية الطفل وسلوكه. والحرمان العاطفي هو غياب الرعاية النفسية والوجدانية للطفل، وتركه بعيداً عن المشاعر من أقرب الناس إليه.

علامات الحرمان العاطفي..

العدوانية:

يتصف الطفل الذي يعاني من الحرمان العاطفي من العدوانية نحو الآخرين، وحتى نحو الأشياء المادية. حيث يميل لضرب الأطفال الآخرين، كما يقوم بالسطو على ممتلكاتهم وأغراضهم. ويميل الطفل إلى استفزاز الآخرين بالشتم أحياناً، والتقليل من شأن من حوله من الرفاق.

العصيان والتمرد:

يصبح الطفل عنيداً متمرداً، ويعصي أوامر وكلام الكبار. ويجد متعة في إثارة مشاعر الغضب لديهم. ومن علامات العصيان تقلب المزاج والضحك المفرط بلا سبب، وكذلك سهولة الاندفاع وسرعة الغضب.

تدني المعدل الدراسي:

يعاني الطفل من تدهور مستواه الدراسي، يكون ذهن الطفل الذي يعاني من الحرمان العاطفي مشتتاً. تشكو المعلمات من تأخر درجات الطفل، وخاصة مع قدوم مولود جديد لعائلته. وعلى الأم أن تبحث عن أسباب تدني درجات طفلها، خاصة في حال كانت هناك بعض المشاكل الأسرية، وانشغال الوالدين بالمشاكل بينهما وعدم احتضانه أي أن يكون الحرمان العاطفي أحد الأسباب.

التعلق بالآخرين:

ربما تلاحظ الأم أن طفلها يتعلق بشخص آخر من العائلة غيرها وغير الأب.

ربما يتعلق بالجدة، ويحب أن يقيم في بيت الجدة، ويصر على الذهاب معها إلى بيتها عندما تزورهم. ويجب على الأم ألا تفرح دائماً بأن طفلها يفعل ذلك فهو يشعر بفراغ عاطفي تجاه الأم. وعلى الأم أن تحتضن صغيرها، وتعمل على الموازنة بين مشاعره نحوها ومشاعره نحو الجدة، ويجب عليها أن تمنحه العواطف والمشاعر المفتقدة.

التعلق بالأجهزة الإلكترونية:

من أسباب إدمان الطفل للأجهزة الإلكترونية واللوحية هو الحرمان العاطفي. ربما يجد الطفل بالجهاز اللوحي خاصته هو وسيلة للحصول على ما يريد من بقاء أي شيء بجواره طوال الوقت، مع شعوره بعدم وجود الأم بجواره وانشغالها عنه. ويوماً بعد يوم، يصبح الطفل حبيساً في فقاعة تكنولوجيّة خالية من التفاعل البشري، مما يؤثر على شخصيته. ويبدأ في مرحلة المراهقة بتكوين صداقات افتراضية كثيرة.

الشعور بعدم الأمان:

يعد عدم الشعور بالأمان من صور وعلامات الحرمان العاطفي عند الطفل، حيث تلاحظ الأم أن طفلها يشعر بالخوف والفزع دائماً. كما أنه يخاف من البقاء وحده ويبكي بشدة. وتنتاب الطفل نوبات هلع في مراحل متقدمة. وقد يعاني الطفل من الكوابيس والتبول الليلي في حال استمر حرمانه العاطفي، الذي يجب أن تقوم الأم بتغذيته. لا تدرك الأم قيمة الأحضان والذراعين الممدودتين والقبلات بالنسبة لطفلها، وغالباً ما يحدث ذلك متأخراً جداً.

نصائح علاج الحرمان العاطفي..

يجب أن تعرف الأم أن الحرمان العاطفي للطفل هو أول طريق الفشل في حياته، وأنها هي السبب الأول لكي تكون مصدراً للإشباع العاطفي له من عدمه. يجب على الأم أن تهتم بالدعم المعنوي والنفسي للطفل قبل أن تدعمه مادياً مثلاً، فتقديم الطعام والشراب والملبس يعتبر رعاية، فيما أن الدعم النفسي يعد من أهم أسس التربية السليمة. كما يجب على الأم عدم الحطّ من شأن الطفل، أو تقليل قيمته أمام الآخرين، وعدم السخرية منه. تقدير الطفل وتقديم الثواب والمكافأة له، وخاصة عن طريق الاحتضان والملامسة، له دور كبير في الإشباع العاطفي لديه.

تخصيص وقت كل يوم من قبل الأم لكي تستمع للطفل؛ لأن الاستماع للطفل يكون نوعاً من التعبير عن الاهتمام به، ويصقل شخصيته، ويعزز ثقته بنفسه، ويُشعره بقيمته داخل الأسرة.

الاعتياد..

اعتياد الحرمان العاطفي في الطفولة أو بعد سن البلوغ يغير الشخصية، ويضفي عليها قدرا من التبلّد، وهنا يقع الخلط الخطير عند أغلبنا بين التبلّد والصلابة، فنعتقد أن المزيد من الحرمان العاطفي سيجعلنا أقوى. بعد فترة، ربما ندمن العلاقات السامة ونتوقف عن البحث عن الطبيعي، وكأننا نفضل قيادة سيارة متهالكة معطوبة لأننا اعتدناها وألفنا أعطالها، بدلا من استبدالها بأخرى جديدة تؤدي وظيفتها بكفاءة.

في الطبعة الرابعة من كتاب “طب الأطفال الإنمائي السلوكي (Developmental-Behavioral Pediatrics)” الصادرة في 2009 عن مجموعة من المتخصصين والباحثين الأميركيين، يُعرَّف “الحرمان العاطفي (Emotional Neglect)” باعتباره نمط العلاقات التي يتم فيها تجاهل الاحتياجات العاطفية للفرد، أو تسفيهها، أو التقليل من شرعيتها، بشكل منتظم من قبل شخص مهم في حياتنا.

يعتقد العلماء أن الأمر يبدأ في الطفولة، ولكنها مسألة مطروحة للنقاش حتى اليوم، في صورة أخرى من معضلة “البيضة والدجاجة”؛ هل يتعرض الناس للحرمان العاطفي في طفولتهم، ومن ثم يمارسونه على أطفالهم، أم أنهم يمارسونه على أطفالهم أولا، فيحولونهم لآباء يحرمون أطفالهم عاطفيا؟ لا إجابة قاطعة هنا طبعا، ولكن أطباء الأطفال والمعالجين النفسيين يحبون البدء عند الطفل، غالبا لأنه أقدر من البالغ على إثارة التعاطف والاهتمام.

الآباء والأمهات الذين عانوا من الحرمان العاطفي في طفولتهم غالبا ما يشعرون بضعف الصلة مع أطفالهم لاحقا. “غالبا” هنا تعبر عن نمط مثبت بالتجارب طويلة الأمد، لأن ما عانوه سابقا قد يدفعهم -عفويا وبلا وعي- إلى الاعتقاد بأن احتياجات طفلهم العاطفية للاهتمام والدعم والحب مبالغ فيها، أو مرهقة، أو غير مستحقة.

اعتياد الحرمان يدفع الناس للخوف من مشاعرهم تجاه الآخرين، سواء في العلاقات العائلية أو العاطفية، ومع الوقت يلجئون إلى الاعتماد على أنفسهم -أنفسهم فقط- للدعم العاطفي والذهني والنفسي، وهذا يجعلهم أقل عرضة للتعرض للصدمات العاطفية لاحقا، ولكنه، في الوقت ذاته، يجعلهم أقل قدرة على تفهم المشاعر ذاتها عند الآخرين.

دكتور “ستيفن لودفيغ” و”أنتوني روستاين”، الباحثان اللذان اشتركا في إعداد الكتاب، يعتقدان أن أخطر ما في الأمر أن هذا قد يدفع الآباء والأمهات المحرومين عاطفيا إلى تطوير مشاعر سلبية تجاه أطفالهم، فيرونهم مدللين ومتطلبين لمجرد أنهم يطلبون حقوقهم العاطفية الطبيعية، وربما يشعرون بالحسد تجاههم لأنهم حظوا بما لم يحظوا هم به، أو يشعرون بالحاجة لتعويض كل ذلك بالمنّ، فيعتادون على تذكير أطفالهم بطفولتهم البائسة، ويشعرونهم بالذنب لأنهم يحظون بطفولة أفضل.

هذا مشهد مألوف للغاية في مجتمعاتنا العربية مع الأسف؛ الأب الذي يذكر أطفاله وزوجته يوميا بأنه يعاني في عمله من أجلهم، والأم التي تمنّ على أطفالها برعايتهم، والحديث المستمر عن التضحية والتعب والشقاء، وكأن الأطفال هم من قرروا إنجاب الآباء والأمهات لا العكس.

القاعدة السيكولوجية المهمة هنا تقول إن من الأفضل في العلاقات العائلية أو العاطفية المتزنة أن تمنح الآخرين فرصة لكي يدركوا مدى حبك لهم وتضحيتك من أجلهم، بأفعالك، على الأقل ما داموا لا يتجاهلونك عاطفيا بدورهم. هذا أقوى وأشد تأثيرا بكثير لأنه يترسب في اللاوعي مع الوقت، ويتحول إلى قناعة صلبة دون حاجة لشرح أو إقناع شفهي.

الجانب القبيح..

هذا هو الجانب القبيح من الأمر، الجانب الذي لا تغني عنه المزايا اللاحقة في المراحل المتقدمة من الحياة، ولكن الدكتورة “جونيس ويب”، الطبيبة النفسية التي قضت حياتها في دراسة الحرمان العاطفي عند الأطفال، تتحدث عن الجانب الآخر، الجانب الذي لا يفيد إلا في حالة كنت أحد هؤلاء الذين تعرضوا للحرمان العاطفي بالفعل في طفولتهم، وتعاني الآن من آثاره.

نشرت الدكتور “ويب” خلاصة أبحاثها في كتابين مهمين هما: “Running On Empty: Overcome Your Childhood Emotional Neglect” و”Running On Empty No More: Transform Your Relationships”، وهي تستخدم في العنوانين، كما هو واضح، التنويع اللفظي ذاته السالف ذكره، فتشبه الحرمان العاطفي بسيارة تحرق محركها لأنها تسير بلا وقود، وفي الكتاب الأول تشرح طريقة تجاوز آثار الاحتراق العاطفي في الطفولة إن جاز التعبير، أما في الكتاب الثاني فتتحدث عن استخدام الحرمان العاطفي ذاته بوصفه وقودا لتحويل علاقاتك العاطفية المستقبلية إلى الأفضل.

ولكن طبقا للدكتورة “ويب”، فهناك 5 مزايا رئيسية لهؤلاء الذين مروا بالاحتراق العاطفي في طفولتهم. لم نعرف بالضبط إن كانوا 5 لأنه رقم مكتمل مُغرٍ من الذي يُستخدَم عادة في العناوين، أم لأنها 5 فعلا.

الدكتورة “ويب” تقول إن خبراتها مع المحرومين عاطفيا تجعلها تصنفهم من ضمن أقوى الشخصيات التي احتكت بها في حياتها العملية والخاصة، وهذا على الرغم من التحديات العاطفية الصعبة التي يواجهونها عادة، والتي عادة ما تتمحور حول الميل للوم أنفسهم وإعادة توجيه غضبهم إلى الذات وفقدان التعاطف مع آلامهم الشخصية، وهي صفات، لا تعبر عن ذواتهم بقدر ما تعبر عن ذوات المحيطين بهم. مع الوقت ستقوم شخصيتك بتعديل أوضاعها لكي تُؤقلم نفسها على حل المشكلة عند الجذور.

إن كنت أحد هؤلاء الذين يستخدمون عبارات مثل “لا أحتاج إلى المساعدة”، أو “سأتعامل مع الأمر بنفسي”، أو “لن أجد مشكلة فيما ستقرره أيا كان”، وبانتظام، فإن طب النفس يخبرك أن هذه القسوة في التعامل مع مشكلاتك وآلامك هي أحد آثار الحرمان العاطفي في الطفولة، وأن الإحساس المتكرر بقلة أهمية احتياجاتك العاطفية، والفشل المنتظم في تلبيتها، سيدفعك عند لحظة ما للإيمان بأنها غير مهمة فعلا.

هذه هي الحيلة النفسية التي يمارسها عقلك غير الواعي لتجنيبك الإحساس بالإحباط في المستقبل. إن كنت تطلب ولا تجد ما تطلبه، فمع الوقت ستقوم شخصيتك بتعديل أوضاعها لكي تُؤقلم نفسها على حل المشكلة عند الجذور، وبطريقة حسابية براغماتية تماما، أو بمعنى آخر، إن كانت النقطة “أ” تصل بك إلى النقطة “ب” في كل مرة، وإن كانت النقطة “ب” تؤلمك في كل مرة، فستتعلم بالتجربة أن تتجنب النقطة “أ” ابتداءً.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب