24 ديسمبر، 2024 10:38 م

الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية

الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية

إعداد/ حسين موسى
المركز العربي للبحوث والدراسات
أولاً- الخلفية التاريخية للأزمة:

· بالرغم من كون أوكرانيا دولة مستقلة منذ 1991، ألا أن روسيا تعتبرها جزء من مجال تأثيرها. وتنتهج روسيا نسخة حديثة من سياسة بريجنيف، التي تنص على أن تكون لأوكرانيا “سيادة محدودة”، كما حصل مع وارسو عندما كانت ضمن مجال التأثير السوفيتي. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حافظت الدولتان على علاقات وثيقة فيما بينهما، ولم يبدأ الصراع بينهما إلا حديثاً، و يشار إلى أنه منذ الأمبراطورية الروسية، كان يُطلق على أوكرانيا اسم “مالا روسيا” أي روسيا الصغيرة، أما اسم أوكرانيا، فهو من أوكرانيا Okraina (بالروسية) ويعني “الأرض الحدودية”. كما يقول المؤرخ والباحث الروسي في شؤون القوميات الدكتور بافل غوستيرين.

· بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، لم تتوقف روسيا عن تقديم المساعدة لرابطة الدول المستقلة وبينها أوكرانيا.

بحسب تقارير الخبراء، فإن إجمالي الدعم الذي قدمته روسيا للميزانية الأوكرانية، في الفترة الممتدة من العام 1991 حتى العام 2013، يبلغ نحو 250 مليار دولار.

· هناك العديد من النقاط الشائكة بين البلدين، وأهم هذه النقاط خلافاً هي الترسانة النووية لأوكرانيا، حيث إن أوكرانيا وافقت على التخلي عنها بعد التوقيع على مذكرة بودابست للضمانات الأمنية شرط أن تتعهد روسيا و(الموقعين الآخرين) بتجنب التهديد باللجوء إلى القوة أو استخدام القوة ضد سلامة ووحدة أراضي أوكرانيا وأن لا تهدد استقلالها وسيادتها. في 1999

· روسيا كانت أحد الموقعين على على معاهدة الأمن الأوربي في إسطنبول، حيث أكدت إن لكل دولة مشاركة في المعاهدة الحق في اختيار أو تغير خططها الأمنية بما في ذلك معاهدات التحالف، ولكن في 2014 كلا الطرفين قام بخرق المعاهدة.

· في 8 أغسطس 2016، ذكرت أوكرانيا أن روسيا زادت وجودها العسكري على طول خط حدود القرم. ثم أغلقت المعابر الحدودية. في 10 أغسطس، وزعمت روسيا مقتل جنديين وجرح 10 في اشتباكات مع قوات الكوماندوز الأوكرانية في أرميانسك (القرم) في 7 أغسطس، والقبض على عملاء أوكرانيين. ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن أحد الجنود القتلى كان قائدًا في وحدة «جي آر يو» الروسية، ودُفن لاحقًا في سيمفيروبول. نفت أوكرانيا وقوع هذا الحادث، وبالتوازي مع الحادث الذي وقع في 9 أغسطس، ادعى مسؤول أوكراني أن عددًا من الجنود الروس هجروا أوكرانيا ولكنهم لم يدخلوا إليها، وأن المناوشات اندلعت بين ضباط الاستخبارات الروسية وحرس الحدود. اتهم الرئيس الروسي بوتين أوكرانيا بالتوجه إلى «ممارسة الإرهاب». وصف الرئيس الأوكراني بوروشنكو النسخة الروسية للأحداث بأنها «مثيرة للسخرية والجنون». ونفت الولايات المتحدة مزاعم روسيا، حيث ذكر سفيرها لدى أوكرانيا (جيفري آر. بيات) أن «الحكومة الأمريكية لم تر حتى الآن أي شيء يؤيد المزاعم الروسية بشأن غزو شبه جزيرة القرم». و حذر الرئيس الأوكراني بيترو بوروشنكو من أن روسيا كانت تستعد لغزو شامل لأوكرانيا، وهو الأمر الذي أصبحت أوروبا أضعف من أن تتمكن من منعه.

ثانياً- بداية الحرب والأسباب الحقيقية للصراع:

· في 21 فبراير 2022، زعمت الحكومة الروسية أن القصف الأوكراني دمر منشأة حدودية تابعة لجهاز الأمن الفيدرالي على الحدود الروسية الأوكرانية، وزعمت أنها قتلت 5 جنود أوكرانيين حاولوا العبور إلى الأراضي الروسية. ونفت أوكرانيا التورط في كلا الحادثين ووصفتهما بالعلم الكاذب. في اليوم نفسه، اعترفت الحكومة الروسية رسميًا بجمهورية دونيتسك الشعبية و جمهورية لوغانسك الشعبية المعلنة ذاتيًا كدولتين مستقلتين، وفقًا لبوتين، ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها بحكم الأمر الواقع، ولكن الأوبلاست الأوكرانية ككل وأمر بوتين القوات الروسية، بما في ذلك الدبابات، لدخول هذه المناطق.

· في 24 فبراير 2022، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا من قبل القوات المسلحة الروسية التي تركزت سابقًا على طول الحدود. تبع الغزو غارات جوية استهدفت المباني العسكرية في البلاد، وكذلك دخول الدبابات عبر حدود بيلاروسيا. أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحكام العرفية في جميع أنحاء أوكرانيا. وسُمعت صفارات الإنذار من الغارات الجوية في جميع أنحاء أوكرانيا معظم اليوم. تدهورت البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أوكرانيا بالفعل نتيجة للهجمات الإلكترونية والقصف الروسي. تم احتلال العديد من المدن أو المباني الأوكرانية، بما في ذلك محطة تشيرنوبيل النووية. ومع ذلك، وفقًا لمسؤول دفاعي أمريكي، فإن القوات الروسية “تواجه مقاومة أكبر مما توقعت

دوافع واسباب الحرب:

· لا يمكن الحديث عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بمعزل عن تناول مخططات حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، واستخدامها كجبهة متقدمة للهجوم على روسيا. ويمكن الحديث عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، على أنها معركة روسيا مع الأطلسي وليس مع أوكرانيا فحسب.

· من ضمن الاسباب ايضا وضع إقليم دونباس، واستياء روسيا من قمع أوكرانيا للسكان الناطقين باللغة الروسية، وهم الأغلبية، والذي تصفه روسيا بالعنصري. هذا بالإضافة إلى استمرار أوكرانيا، منذ 8 سنوات، بقصف الإقليم واستهداف المدنيين فيه، وعدم التزامها باتفاقات مينسك.

· يدور الصراع بين روسيا وأوكرانيا حول عدة ملفات، بعضها كان نتاجاً طبيعياً لتفكك الاتحاد السوفياتي وكانت تتم معالجته بين الدولتين. لكن بعضها الآخر، الأهم والأخطر، كان نتاج سعي غربي، وتحديداً أميركي، لاستخدام أوكرانيا ضدّ روسيا. وأبرز تلك الملفات التي يتم الحديث عنها حول الصراع بين روسيا وأوكرانيا اليوم هي، محاولة انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي (الناتو)، وكذلك محاولة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وإعلان أوكرانيا نيّتها امتلاك سلاح نووي. بالإضافة إلى ذلك، هناك وضع إقليم الدونباس وإعلان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك استقلالهما، واستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم. فالملفات الثلاثة الأساسية، وهي الانضمام إلى الناتو والشراكة مع الأوروبي وامتلاك النووي، كانت الأخطر والتي تم التمهيد لها بإجراءات أوكرانية كثيرة منذ العام 2014، اقتصادية وسياسية وعسكرية واجتماعية، وحتى دينية تتعلق بانفصال الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية عن مرجعيتها الروسية.

· وضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أزمة السلطة في أوكرانيا في العامين 2013 – 2014، والتي انتهت بإسقاط الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، وإعادة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، والحرب الأهلية في شرق البلاد، “كلها نابعة من مشروع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي”.

· تعتبر نيّة أوكرانيا امتلاك السلاح النووي، من أسباب الصراع بين روسيا وأوكرانيا. فقبيل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أعلن الرئيس زيلينسكي اعتزام أوكرانيا تصنيع سلاحها النووي. كما تعتبر روسيا أن امتلاك اوكرانيا السلاح النووي “ليس سوى مسألة وقت، خصوصاً إذا ما تمَّ تقديم المساعدات الغربية لها”. فأوكرانيا “لا زالت تملك التكنولوجيات النووية من عهد الاتحاد السوفياتي، بما فيها وسائل نقل الأسلحة النووية وتقنيات الطيران”.

· يعتبر البعض أن انفصال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية عن الروسية، من محاولات استهداف الغرب لروسيا، خصوصاً أن التقارير تشير إلى أن الانفصال تمّ بدفع من واشنطن وحليفاتها الأوروبية.

ثالثاً- محاولة التفاوض والوصول الى حل :

· روسيا تطالب أوكرانيا بتقليص عديد القوات المسلحة الأوكرانية، وإعلان كييف حيادها وتخليها عن خططها للانضمام إلى الناتو. والتزامها بعدم وضع قواعد عسكرية أو أسلحة أجنبية على أراضيها. وتشترط موسكو على كييف، تأمين حقوق السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا في لغتهم الأم، ورفض التمييز على أساس اللغة. بالإضافة إلى وجوب تمويل أوكرانيا لإعادة إعمار دونباس.

· أما الجانب الأوكراني فيطالب بـ”وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية والحصول على ضمانات أمنية من عدد من الدول”. ويؤكد أن أوكرانيا “ستحتفظ بالتأكيد بجيشها”. ويرى أنه “يجب مناقشة المناطق المتنازع عليها بين روسيا وأوكرانيا بشكل منفصل عن اتفاقية السلام الرئيسية”.

رابعاً- تأثير الحرب على الاقتصاد الدولي:

· إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من المعاناة والأزمة الإنسانية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، لوجدنا أن الاقتصاد العالمي بأكمله سيشعر بآثار تباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم. وسوف تتدفق هذه الآثار من خلال ثلاث قنوات رئيسية. أولا، ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة سيدفع التضخم نحو مزيد من الارتفاع، مما يؤدي بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب. وثانيا، الاقتصادات المجاورة بصفة خاصة سوف تصارع الانقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج كما ستشهد طفرة تاريخية في تدفقات اللاجئين. وثالثا، تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين سيفضيان إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما الحفز على خروج التدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة. وبما أن روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأولية، فقد أدت انقطاعات سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي. وشهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل المستوى التاريخي الذي بلغه سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية.

· على المدى الأطول، قد تفضي الحرب إلى تبديل النظام الاقتصادي والجغرافي– السياسي العالمي من أساسه إذا حدث تحول في تجارة الطاقة، وأُعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير في حيازتها من عملات الاحتياطي. أما زيادة حدة التوترات الجغرافية–السياسية فهي تهدد بمزيد من مخاطر التجزؤ الاقتصادي ولا سيما على مستوى التجارة والتكنولوجيا

· ( القارة الاوربية ) ان الخسائر التي تكبدها أوكرانيا فادحة بالفعل. ومن شأن العقوبات غير المسبوقة على روسيا أن تضعف أنشطة الوساطة المالية والتجارة، مما سيفضي حتما إلى حدوث ركود عميق هناك. وانخفاض سعر صرف الروبل يذكي التضخم، ويفضي إلى مزيد من تراجع مستويات معيشة السكان. وتمثل الطاقة القناة الرئيسية لانتقال التداعيات في أوروبا حيث تشكل روسيا مصدرا أساسيا لوارداتها من الغاز الطبيعي. وقد يترتب على ذلك أيضا حدوث انقطاعات أوسع نطاقا في سلاسل الإمداد. وستسفر هذه الآثار عن ارتفاع التضخم وإبطاء التعافي من الجائحة. وسوف تشهد أوروبا الشرقية ارتفاعا في تكاليف التمويل وطفرة في تدفق اللاجئين، حيث استوعبت معظم اللاجئين البالغ عددهم 3 ملايين نسمة الذين فروا من أوكرانيا مؤخرا، حسب ما أوضحته بيانات الأمم المتحدة. وقد تواجه الحكومات الأوروبية كذلك ضغوطا على المالية العامة من زيادة الإنفاق على تأمين مصادر الطاقة وميزانيات الدفاع.

· ( افريقيا والشرق الاوسط ) يُرجح أن تواجه المنطقة آثارا متوالية فادحة من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وضيق الأوضاع المالية العالمية. ففي مصر، على سبيل المثال، تأتي 80% من وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، كما أنها مقصد سياحي يحظى بإقبال كبير من كلا البلدين، وسوف تشهد كذلك انكماشا في نفقات زائريها.ومن شأن السياسات الرامية إلى احتواء التضخم، كزيادة الدعم الحكومي، أن تفرض ضغوطا على حسابات المالية العامة الضعيفة بالفعل. وإضافة إلى ذلك، فإن تفاقم الأوضاع المالية الخارجية قد يحفز تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج ويضيف إلى التأثيرات المعاكسة على النمو في البلدان ذات مستويات الدين المرتفعة والاحتياجات التمويلية الكبيرة وربما أدت الأسعار الآخذة في الارتفاع إلى زيادة التوترات الاجتماعية في بعض البلدان، كتلك التي لديها شبكات أمان اجتماعي ضعيفة، وفرص عمل قليلة، وحيز محدود للإنفاق من المالية العامة، وحكومات تفتقر إلى الشعبية.

· ( آسيا والمحيط الهادئ) من المرجح أن يكون انتقال التداعيات من روسيا إلى المنطقة محدودا نظرا لعدم وجود علاقات اقتصادية قوية بينهما، ولكن بطء النمو في أوروبا سيخلف آثارا فادحة على كبرى البلدان المصدرة. أما أكبر الآثار على الحسابات الجارية فسوف تظهر في اقتصادات رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) المستوردة للنفط والهند والاقتصادات الواعدة ومنها بعض جزر المحيط الهادئ. وقد تزداد فداحة هذه الآثار بسبب تراجع السياحية في البلدان المعتمدة على الزيارات الروسية. وبالنسبة للصين، من المتوقع أن تكون الآثار المباشرة أصغر نظرا لدفعة التحفيز المالي التي ستدعم هدف النمو لهذا العام وهو 5,5% في حين أن مشتريات روسيا من الصادرات الصينية قليلة نسبيا. ومع هذا، فارتفاع أسعار السلع الأولية وضعف الطلب في كبرى أسواق التصدير يضيفان إلى التحديات التي تواجهها.

· وهناك تداعيات مماثلة في كل من اليابان وكوريا، وقد يؤدي تقديم دعم جديد على النفط فيهما إلى تخفيف تلك الآثار. وفي ظل ارتفاع أسعار الطاقة، سيرتفع التضخم في الهند والذي بلغ بالفعل الحد الأعلى للنطاق الذي يستهدفه البنك المركزي. ويُتوقع تراجع ضغوط أسعار الغذاء في آسيا بفضل الإنتاج المحلي والاعتماد على الأرز أكثر من القمح. أما الواردات من المواد الغذائية والطاقة المكلفة فسوف ترفع أسعار المستهلكين، لكن الدعم والحدود العُليا المقررة لأسعار الوقود والغذاء والأسمدة قد تخفف من تأثيرها المباشر – وإن كانت المالية العامة هي التي ستتحمل تكاليفها.

· (مصر) ضعت الحرب الروسية في أوكرانيا الحكومة المصرية أمام تحدّيَين أساسيَّين وفوريَّين؛ أولًا، تحصل مصر، التي تتصدّر قائمة الدول المستوردة للقمح في العالم، على 85 في المئة من حاجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا مجتمعتَين. وعلى نحوٍ متوقع، أدّى الاختلال في إنتاج القمح الأوكراني وسلاسل التصدير، فضلًا عن التبعات الحادة للعقوبات التي فُرِضت على الأنشطة الاقتصادية والتجارية الروسية، إلى ارتفاع شديد في أسعار القمح. وسيكون على الحكومة المصرية استخدام المزيد من مواردها المالية لتأمين إمدادات القمح ودرء المخاطر التي تهدّد الأمن الغذائي للبلاد. ويعود ذلك جزئيًا إلى التضخم الشديد الذي تعاني منه مصر، ويُتوقَّع أن يرتفع 2.3 نقطة مئوية ليسجّل 7.5 في المئة هذا العام، فضلًا عن تراجع قيمة الجنيه المصري. ومن العوامل الأخرى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومنها الخبز الذي يسجّل ارتفاعًا في سعره بسبب الإجراءات التي أُعلِن عنها سابقًا لإصلاح نظام الدعم. وغالب الظن أن موارد مالية إضافية ستُخصَّص لضبط أسعار الرغيف، ولا سيما أن معدل الفقر في أوساط السكان يناهز 30 في المئة. ويُعتبر إعلان الحكومة مؤخرًا عن توسيع مساحة الأراضي المخصّصة لزراعة القمح بواقع مليونَي فدان بحلول نهاية سنة 2024 استراتيجية متوسطة الأجل يمكن تطبيقها لتعزيز الأمن الغذائي في مصر، ولكنه لا يخفّف من الأوضاع الهشّة الفورية التي يعاني منها السكان بسبب الحرب الأوكرانية.

خامساً- التداعيات الجيوسياسية:

تسبّب الغزو الروسي لأوكرانيا وما أعقبه من حظر على المنتجات الروسية – بما يشمل حظر الصادرات النفطية الروسية – بارتفاع في أسعار النفط التي استعادت المستويات التي كانت عليها قبل آب/أغسطس 2014، مع تخطّي سعر البرميل 100 دولار أميركي. وفيما تعثّرت أيضًا القدرات الإنتاجية للجهات الأخرى المنتجة للنفط لأسباب مختلفة، قد تحافظ أسعار النفط على ارتفاعها لبعض الوقت. ولعل أهمية هذا التطور تبرز بصورة خاصة على المستوى الجيوسياسي بالنسبة إلى بلدان الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة، اضطُرَّت البلدان المنتجة للنفط في المنطقة، وعلى رأسها السعودية، إلى اعتماد تدابير لطالما كانت حاجة إليها من أجل تحقيق إصلاحات اقتصادية تتيح لها الابتعاد عن الاقتصادات الريعية ونموذج دولة الرعاية الاجتماعية. وهكذا فإن السؤال المطروح هو إذا كانت الاحتياطيات المالية التي راكمتها تلك الدول حديثًا سوف تؤدّي إلى إعادة عقارب الإصلاح الاقتصادي إلى الوراء سعيًا وراء مكاسب سياسية قصيرة الأجل، أم أنها ستتعلم الدرس وتدرك أن الإصلاح الاقتصادي ضرورة، بغض النظر عن أسعار النفط. وسوف يكون التأثير شديدًا أيضًا على البلدان المستوردة للنفط. ففي حين أن أسعار النفط المرتفعة ستزيد من المخاطر المُحدقة بالبلدان التي تعاني أصلًا من ظروف اقتصادية صعبة، أمكنَ في السابق التخفيف من حدّة بعض هذه التحديات من خلال الحصول على قروض من البلدان المنتجة للنفط. ليس واضحًا الآن إذا كانت هذه القروض ستُستأنَف بعد التحولات في التحالفات السياسية، ما يُعرِّض بعض البلدان المستوردة للنفط مثل الأردن لخطر اقتصادي متزايد لقد أبدت معظم البلدان العربية، في موقفها الرسمي في الأمم المتحدة، إدانتها للغزو الروسي، لكن ردود الفعل العامة كانت متفاوتة. فقد تساءل البعض، على نحو مبرَّر، لماذا لم تصدر ردود فعل دولية شاجِبة بالحدّة نفسها للاحتلال الإسرائيلي المفروض على الفلسطينيين أو للغزو الأميركي للعراق. وأثارت بعض التعليقات في الغرب، من قبيل أن اللاجئين الأوكرانيين “يشبهوننا” وغيرها، اتهامات مبرَّرة أيضًا للغرب بممارسة العنصرية. ردود الفعل هذه في الشرق الأوسط مفهومة، لكنها تجاهلت حتى الآن أن الانتقائية في إدانة اللجوء إلى القوة لاحتلال دول أخرى هو طريق من اتجاهَين: فقد تستخدم إسرائيل، مثلًا، هذا التفاوت في الرأي لتبرير احتلالها للأراضي العربية. ويتجاهل رد الفعل هذا أيضًا محنة الأوكرانيين الذين يعانون من الحرب والاحتلال. إذًا، حاولت معظم بلدان المنطقة، ومنها إسرائيل، التزام الحذر، وكان رد فعلها على الغزو خافتًا. لكن، مع استمرار الحرب وتداعياتها، سيصبح من الأصعب الحفاظ على هذا الموقف.

المراجع

* موسوعة ويكبيديا بعنوان الصراع الروسى الاوكرانى.

* شبكة الميادين نت الاخبارية تقرير عن الحرب الروسية الاوكرانية.

* موقع صندوق النقد الدولى (الحرب في أوكرانيا وأصداؤها عبر مختلف مناطق العالم).

* جوناثان ، روسيا وأوكرانيا: ما مدى تأثير الحرب على الاقتصاد العالمي؟، بى بى سى الاخبارية.

* عمرو حمزاوى ، مركز مالكوم كير –كانيغى للشرق الاوسط ، ما تعنيه الحرب الروسية في أوكرانيا لمنطقة الشرق الأوسط.

* سكاى العربية الاخبارية ، حرب روسيا وأوكرانيا تلقي بظلالها.. اقتصاد العالم يدفع الثمن.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة