11 أبريل، 2024 6:40 م
Search
Close this search box.

الحراك السياسي في العراق.. التأقلم مع مرحلة ما بعد داعش والاستعداد للانتخابات التشريعية 2018

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ صافيناز محمد أحمد
تجدد الحراك السياسي في العراق مؤخرًا بعد عامين من الجمود الذي فرضته تطورات الأوضاع الناتجة عن مواجهة أجهزة الدولة، العسكرية والأمنية، لتنظيم الدولة “داعش” في المحافظات التي سيطر عليها، والتي وصلت إلى مرحلتها الأخيرة بتحرير مدينة الموصل بمحافظة نينوى الاستراتيجية معقل التنظيم في العراق. فالحراك الذي شهدته العلاقة بين الكتل والقوى والأحزاب السياسية العراقية، بالتزامن مع اقتراب المعارك ضد “داعش” من نهايتها، يعود في مجمله العام إلى محاولة تلك القوى ترتيب أوراقها وتحالفاتها قبل الانتخابات التشريعية المقرر لها شهر إبريل 2018، لما لهذه الانتخابات من أهمية باعتبار أن الحكومة التي سيتم تشكيلها بناء على نتائج تلك الانتخابات ستكون مخولة بمهام غاية في الصعوبة لرسم مستقبل العراق داخليًا وخارجيًا في مرحلة ما بعد القضاء على”داعش”.

وقد سبق جدل الاستعداد للمشهد الانتخابي البرلماني جدل مماثل بشأن الانتخابات المحلية على مستوى المحافظات؛ التي قرر البرلمان تأجيلها لتتم بالتزامن مع الانتخابات التشريعية القادمة بعد أن كان مقررًا إجراؤها في سبتمبر الجاري (2017). وقد برر البرلمان هذا التأجيل بكونه ضرورة ملحة تفرضها التحديات التي تواجهها الدولة في حربها على الإرهاب في عدد من المحافظات المحررة، والتي تتطلب من الحكومة العراقية العمل على تسوية أوضاع تلك المحافظات قبل الدخول في سياقات العملية الانتخابية، سواء على مستوى الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات)، أو على مستوى الانتخابات البرلمانية.

ملامح الحراك السياسي الحالي

ازدادت شراسة الصراع السياسي بين الأحزاب والتكتلات السياسية في العراق خلال الشهرين الماضيين على خلفية اقتراب عملية حسم المواجهة مع تنظيم الدولة لصالح الحكومة العراقية، وفي ضوء استعدادات تلك القوى للعملية الانتخابية التشريعية. وذلك على الرغم من عدم حسم مسألة القانون المنظم للانتخابات والجاري مناقشة بنود مشروعه في البرلمان حتى توقيت كتابة هذه السطور، وهو القانون الذي سيترتب عليه بلورة شكل التحالفات الانتخابية المقبلة. كما لم يتم حسم الجدل بشأن تشكيل مفوضية عليا جديدة للانتخابات يتم إنشاؤها وتنظيم عمل أعضائها وفقا لقانون انتخابي جديد تطالب به عدد من التيارات السياسية كالتيار الصدري، الذي يرى أن هيئة الانتخابات القائمة تخضع لسيطرة شبكة من التابعين لزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الوزراء حاليا. الأمر الذي قد يقف عائقًا أمام تحقيق مكاسب انتخابية يعتد بها لباقي القوى والأحزاب السياسية.وقد اعتبر التيار الصدري أن تشكيل مفوضية جديدة للانتخابات يعد أهم خطوة نحو الاستحقاق الانتخابي البرلماني القادم، ومارس في هذا الإطار ضغوطًا شديدة من أجل التعجيل بحسم هذه الإشكاليات، عبر الدفع بأنصاره لتنظيم العديد من الاحتجاجات وصلت إلى حد محاصرة المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد خلال فبراير الماضي، والدخول في مواجهات دامية مع قوات الأمن جراء ذلك، فضلًا عن استمرار المظاهرات حتى شهر إبريل وتجددها على استحياء خلال أواخر يوليو الماضي.

وفي سياق ذلك الحراك ثمة ملامح عامة لعدد من المشروعات السياسية لبعض القوى والتكتلات الحزبية بدأت في الظهور على ساحة المشهد السياسي العراقي، والتي تستخدمها تلك القوى كبرامج للتسويق الانتخابي. نشير فيما يلي إلى أهم تلك الملامح:[1]

– مشروع “التسوية السياسية”، والذي يروجه رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم المستقيل من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى، أحد مكونات التحالف الوطني الشيعي الحاكم، خلال شهر يوليو الماضي. وهو المشروع الذي يستهدف تحقيق مصالحات تاريخية بين مكونات الشعب العراقي السياسية والمذهبية، وإعادة بناء الثقة المفقودة بين مكونات المجتمع؛ وتحديدًا بين المكون الشيعي والمكونين السني والكردي.

– مشروع “الأغلبية السياسية” الخاص بتكتل دولة القانون الذي يترأسه نوري المالكي نائب رئيس الوزراء، والذي يستهدف من خلاله حصر تداول العملية السياسية بين القوى الشيعية التقليدية، والحفاظ على تحالفاته مع القوى الدينية المتشددة منها، الأمر الذي يقضي على آلية التوافق التي جرى العمل بها منذ تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة في عام 2014 وحتى الآن، ويعيد تصدير سياسات طائفية مقنعة في صورة الغالبية السياسية البرلمانية المأمول تحقيقها من جانب ائتلاف دولة القانون خلال الانتخابات القادمة.

– مشروع التيار الصدري المعنون باسم “الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد”، وهوعلى النقيض من مشروع المالكي. ويرفض مقتدى الصدر وفقًا لهذا المشروع نظام المحاصصة الطائفية ويطالب بحكومات غير حزبية، ويعارض الصدر عودة نوري المالكي إلى منصب رئيس الوزراء عبر الأغلبية السياسية الحزبية، التي يسعى الأخير للحفاظ على وجودها كآلية لحسم القرارات البرلمانية. ويرى الصدر أن إقرار قانون جديد للانتخابات، وتشكيل مفوضية جديدة لها، من شأنه وضع حد لتطلعات المالكي وحلفائه داخل التحالف الشيعي الحاكم للحصول على عدد كبير من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات القادمة.

– مشروع “الدولة المدنية” وهو المشروع السياسي للكتلة الوطنية العراقية التي يترأسها الشيعي الليبرالي إياد علاوي. ويطالب المشروع ببناء دولة عراقية مدنية علمانية تقوم على تحقيق العدالة والإصلاح. كما يدعو إلى تشكيل حكومات تكنوقراط بعيدًا عن المحاصصة الحزبية، ويطالب بكسر سيطرة الأحزاب الدينية على السلطة. جدير بالذكر أن المشروع يعتبر رد فعل على حالة الفشل التي حظيت بها تجربة الأحزاب الدينية الشيعية في حكم العراق، لاسيما أنها ارتبطت بقدر كبير من السياسات الطائفية ضد المكون السني والكردي.

– مشروع رئيس الوزراء حيدر العبادي، والذي يسعى إلى الاستمرار في السلطة عبر حسم نتيجة الانتخابات القادمة، التي من المحتمل أن يخوضها من خلال تحالف جديد خارج تحالف ائتلاف دولة القانون أو خارج التحالف الوطني. ويستند العبادي في ذلك إلى النجاحات التي حققتها حكومته في مواجهة تنظيم الدولة، على الرغم من تراجع ملفات داخلية مهمة كالمصالحة الوطنية، ومحاربة الفساد، وتطبيق الإصلاحات السياسية والإدارية. كما يستند إلى دعم القوى الخارجية كالولايات المتحدة وبريطانيا، وهو الدعم الذي تنظر إليه طهران بعين الريبة والشك، مخافة أن يؤدي تقارب العبادي وواشنطن إلى الإضرار بخارطة النفوذ والسيطرة الإيرانية في العراق خلال ترتيبات مرحلة ما بعد “داعش” وما بعد الانتخابات القادمة.

– مشروع القوى السنية، والذي بدأ بتشكيل تحالف سني جديد لتمثيل المحافظات السنية المستعادة من سيطرة تنظيم الدولة تحت مسمى “تحالف القوى الوطنية العراقية”. المشروع قدمه رئيس البرلمان سليم الجبوري، ويسعى من خلال هذا التحالف إلى ضم معظم القوى والأحزاب السنية العراقية في مشروع سياسي جامع استعدادًا لمرحلة ما بعد القضاء على تنظيم الدولة. المشروع يستهدف أيضًا تجاوز سياسات الاحتقان الطائفي ومواجهة سياسات التغيير الديموعرافي التي تنتهجها قوى التحالف الشيعي الحاكم في بعض المحافظات السنية. وقد جاء في بيان تأسيس التحالف السني الجديد أن مستقبل المحافظات السنية المحررة من داعش مرهون بمدى قدرة ذلك التحالف على التفاعل مع تحديات المرحلة الجديدة.

– مشروع عشائر “غرب الأنبار”، ويمثله تحالف لعدد من القوى السنية التي لم تشارك في التحالف السني السابق ذكره. ويقوم المشروع على وثيقة تستهدف ضمان السلم الأهلي بين مكونات المجتمع العراقي، وإعادة تأهيل أبناء العشائر السنية ودمجهم في الحشد العشائري، على أن يدمج الأخير في الجيش الوطني العراقي.

ورغم ما تمثله المشاريع السياسية السابقة من حراك سياسي عراقي واضح، إلا أن هذا الحراك نفسه سيظل بلا نتائج فعالة على مجمل المشهد السياسي العراقي، طالما لم يتم البت في مسألتي قانون الانتخابات والمفوضية العليا؛ لأن حسمهما من شأنه الدفع بمسار التحالفات الانتخابية الجديدة نحو الظهور على خريطة العمل السياسي الحزبي العراقي قبل العملية الانتخابية في إبريل القادم. لكن في الوقت ذاته فإن مجرد عودة الحياة للمشهد السياسي العراقي الجامد على وقع مواجهة تنظيم الدولة من شأنه رفع سقف التفاوض بين الكتل والقوى السياسية العراقية حول شكل وطبيعة التحالفات الانتخابية القادمة.

تحالفات وصراعات البيت الشيعي

تصاعدت حدة الخلافات بين التكتلات والقوى السياسية الشيعية العراقية خلال الفترة الأخيرة، على وقع استعداداتها للاستحقاق الانتخابي التشريعي. كما شهدت تلك القوى تغييرات في نمط تحالفاتها السياسية مؤخرًا، والتي قد تؤشر على خارطة تحالفات انتخابية جديدة مستقبلًا، ومنها:[2]

– حالة التقارب المتزايدة بين ائتلاف الكتلة الوطنية برئاسة العلاوي، الذي يمثل التيار المدني، وبين تيار مقتدى الصدر، أحد التيارات المشاركة في السلطة عبر التحالف الشيعي الحاكم. وانعكست حالة التقارب تلك في مشاركة التيار المدني في المظاهرات التي دعي لها تيار الصدر خلال الربع الأول من العام الجاري للمطالبة بإلغاء التشكيل الحالي للمفوضية العليا للانتخابات، التي تتشكل من شخصيات محسوبة على تيار نوري المالكي، وتشكيل مفوضية جديدة وسن قانون انتخابي جديد. وتعتبر مشاركة التيار المدني في مظاهرات تيار الصدر هي المشاركة الثانية من نوعها، حيث شارك ائتلاف الكتلة الوطنية في مظاهرات تيار الصدر العام الماضي على وقع المطالبة بإحياء عملية الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد.

– حالة التقارب بين رئيس التحالف الشيعي بقيادة عمار الحكيم، الذي استقال من رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى مكونًا تيار سياسي جديد تحت مسمى تيار الحكمة الوطنية في أغسطس الماضي، وبين التيارات السياسية الكردية وتحديدًا الأحزاب الكردية الثلاثة التابعة لإقليم كردستان (حزب الاتحاد الوطني، الحزب الديقراطي، حركة التغيير”كوران”). وانعكس هذا التقارب في الزيارات التي قام بها عمار الحكيم للإقليم، واجتماعه مع قادة الأحزاب المذكورة سواء في أربيل (مقر الحزبين الاتحادي والديمقراطي)، أو في السليمانية (مقر حركة التغيير). وقد استهدفت تلك الزيارات الترويج لمشروع “التسوية السياسية” الخاص بعمار الحكيم لدى أحزاب الإقليم من ناحية، وتشكيل وفود متبادلة بين الجانبين لبحث موضوع استقلال إقليم كردستان وتقريب وجهات النظر بين قادة الإقليم وأحزابه، وبين الحكومة المركزية في بغداد من ناحية ثانية. هذا بخلاف محاولات جانبية قام بها الحكيم لإعادة إحياء الدور السياسي للتحالف الشيعي الكردي الموجود في الإقليم.

– حالة التقارب بين رئيس الوزراء حيدر العبادي، القيادي في حزب الدعوة أحد مكونات ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وبين تيار الصدر من ناحية وتيار الكتلة الوطنية برئاسة إياد العلاوي من ناحية ثانية. بما يؤشر على نمط تحالف جديد، ويؤشر كذلك على رغبة متزايدة لدى العبادي (الأكثر اقترابًا وارتباطًا بالولايات المتحدة وبدرجة أقل بإيران) بالانفصال عن حزب الدعوة (التابع تمامًا لسياسات ولاية الفقية في إيران)، وتشكيل كيان حزبي جديد (تكتل الحرية والبناء) بالتحالف مع التكتلات السياسية المذكورة خلال المرحلة المقبلة.

أما بالنسبة للصراعات والانشقاقات، فتشهد العديد من التكتلات والأحزاب حالة من الخلافات والانشقاقات بين صفوفها. كما تشهد علاقاتها ببعضها البعض تجاذبات وتنافسات حادة على وقع ترتيب “البيت” الشيعي العراقي في مرحلة ما بعد داعش، وفي مرحلة الاستعداد للانتخابات التشريعية القادمة. هذه الانشقاقات والتجاذبات يمكن رصدها فيما يلي:

– الصراع في صفوف حزب الدعوة أحد مكونات ائتلاف دولة القانون، وهو الحزب الذي يضم كل من رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي والسابق نوري المالكي الذي يشغل منصب أمين عام الحزب. وكل منهما له رؤية مختلفة إلى حد ما عن الآخر؛ حيث يمثل المالكي تيار الصقور في الحزب، وهو أكثر ارتباطًا بإيران وامتثالًا لتوجهاتها داخل العراق. بينما يمثل العبادي تيار الحمائم ويعرف عنه استياؤه من النفوذ والسيطرة الإيرانية على توجهات الحزب. وذلك على العكس من المالكي الذي يعتبر انعكاسًا مباشرًا لسيطرة ولاية الفقيه الإيرانية على القرار السياسي العراقي. هذه القدرة على”الفكاك النسبي” من السيطرة الإيرانية التي تتوافر للعبادي ترجع إلى كونه أكثر ارتباطًا بالولايات المتحدة التي تمنحه وضع “الحليف” في حربها على الإرهاب. هذا الخلاف بين المتشددين والمعتدلين داخل حزب الدعوة يمهد الطريق لرغبة العبادي في الانفصال عن الحزب، والتحالف مع التيار المدني استعدادا للانتخابات القادمة، ويؤشر على قراءة جيدة من قبل العبادي لتوجهات الرأي العام العراقي التي بدأت تتململ من سيطرة الأحزاب الدينية (الأحزاب الشيعية الدينية) على الحياة السياسية، وانعكس ذلك في المظاهرات التي اجتاحات عدد من المحافظات الشيعية والسنية على مدى العامين الماضيين للمطالبة بالإصلاح السياسي والإداري ومحاربة الفساد.[3]

– الصراع والتنافس بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، من ناحية، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، من ناحية أخرى؛ فمقتدى الصدر الذي يشارك في السلطة والبرلمان (له 7 وزراء، استقالوا من مناصبهم في إبريل 2017، وعدد 34 مقعدًا برلمانيًا) ويعارض في الوقت ذاته الحكومة التي هو جزء منها، لا يزال يتولى زمام المعارضة التامة لعودة نوري المالكي لقيادة الحكومة العراقية عبر الانتخابات القادمة، وذلك لعدة أسباب لا يتسع المجال هنا لشرحها. بل إنه تزعم سلسلة مطالبات حشد لها الرأي العام العراقي لمحاربة المالكي لمسئوليته عن تفشي الفساد، وسيطرة تنظيم الدولة على عدة محافظات بالعراق خلال فترة ولايتيه للحكومة (2006 -2014). وهي الفترة التي تم خلالها تشكيل هيئة الانتخابات العامة من شخصيات محسوبة على المالكي. هذا فضلا عن الرفض الضمني للسيطرة الإيرانية على الحياة السياسية العراقية. وقد بدأ تيار الصدر توظيف ذلك خلال مظاهرات أنصاره التي كانت تنادي بشعار”إيران بره بره”.البعض يري في تحركات تيار الصدر، خلال العامين الماضيين، فضلا عن تحركات مقتدى نفسه الخارجية (زياراته للدول العربية) خلال الشهرين الماضيين، نوعًا من التمهيد للحصول على تأييد داخلي وخارجي لسياسات تياره بما قد ينعكس على سلوك الناخبين في الانتخابات المحلية والبرلمانية القادمة. فهناك من يرى أن مطلب الإصلاح الذي ينادي به مقتدى الصدر، على مدى العامين الماضيين، يستهدف جذب انتباه ليس جمهور الناخبين من القاعدة الشعبية فقط، ولكن أيضا يستهدف جذب الكتل السياسية للشعار نفسه. بينما ينتقد البعض الآخر مجمل تلك التحركات والسياسيات لكونها لا تزال تفتقد رؤية شاملة للإصلاح. ويرى أنصار هذا التصور أن حظوظ الصدر في الانتخابات القادمة لن تتجاوز حدود مكاسبه البرلمانية الحالية، ومن ثم، فإن خيارات تحالفاته لن تخرج عن إما التحالف مع زعيم الكتلة الوطنية إياد علاوي، أو التحالف مع حيدر العبادي الراغب في الانشقاق عن حزب الدعوة. وجدير بالذكر هنا أن ثمة مؤشرات تقول بسعي مقتدى الصدر إلى حل كتلتة البرلمانية “الأحرار” ليدعم ائتلاف جديد من شخصيات مستقلة مدنية وعلمانية.[4]

– الصراع على طبيعة تشكيل مفوضية جديدة للانتخابات بين ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي نائب رئيس الوزراء وبين تيار الصدر؛ فالصراع حول تشكيلة المفوضية سيحسم اتجاه الانتخابات القادمة؛ حيث يسعى الصدر إلى تغيير التركيبة القديمة الموالية لنوري المالكي؛ وذلك عبر تشكيل خريطة تحالفات جديدة بينه وبين كل من التيار المدني وتيار الكتلة الوطنية (إياد علاوي) وبعض قيادات حزب الدعوة وتحديدًا حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي. وفي حالة نجاح الصدر في تشكيل هذا التحالف السياسي سنكون أمام تغيير فعلي في خريطة تحالفات القوى الشيعية أبرز ملامحها إنهاء سيطرة تيار ائتلاف دولة القانون على تشكيلة الحكومة والبرلمان. في المقابل، فإن المالكي يسعى بدوره لعقد تحالفات تمكنه من الحصول على غالبية مطلقة (50% + 1) في البرلمان القادم، بما يوفر له غالبية سياسية تمكنه من استمرار سيطرة ائتلافه على تشكيلة البرلمان والحكومة، وتمكنه كذلك من استمرار العمل بنظام المحاصصة الطائفية. وهو في سبيل ذلك سيسعى لتحالفات شيعية سنية كردية. فبالرغم من سياسات المالكي الطائفية تجاه المكون السني طوال سنوات رئاسته للحكومة، سعت بعض قيادات العشائر السنية وبعض القيادات السياسة كسليم الجبوري، رئيس البرلمان، إلى التحالف مع المالكي خلال الانتخابات القادمة. بينما يفضل البعض الآخر من التيارات السنية نفسها، كتكتل القوى الوطنية السنية، التحالف مع كل من التيار الصدري ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. أيضًا يسعى المالكي للتحالف مع بعض قوى المكون الكردي؛ وتحديدًا حركة التغيير.[5]

– انشقاق عمار الحكيم عن المجلس الإسلامي الأعلى؛ مع استمرار منصبه كرئيس للتحالف الوطني الشيعي. وهي الخطوة التي أحدثت ردود أفعال متباينة من قبل القوى الشيعية المختلفة؛ وقد صُنفت تحت رأيين مختلفين أحدهما يتبع مرجعية النجف العراقية على السيستاني)، والآخر يتبع مرجعية قم الإيرانية (علي خامنئي). فخطوة انسحاب عمار الحكيم من قيادة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والتحاق عدد كبير من الأعضاء به وتأسيس تيار سياسي جديد تحت قيادته عُرف باسم تيار الحكمة الوطني، اعتبرها الكثيرون من المهتمين بالشأن العراقي نتيجة طبيعية للتطورات التي شهدها المجلس مؤخرًا، لاسيما الخلافات الحادة الموجودة بداخله بين تيارين: الأول، يتزعمه الحكيم ومعظمه من الشباب ويرغب في إجراء تغييرات تتماشى وتطورات الأوضاع العراقية في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، من منطلق مصالح العراق في المرتبة الأولى وبعيدًا عن التدخل التام الذي تمارسه طهران في الشأن العراقي وبشكل يختلف عن نظام ولاية الفقيه. والثاني يمثله عدد كبير من الأعضاء المخضرمين في المجلس الذين يرتبطون عقائديا بولاية الفقيه بقوة، ويرغبون في استمرار العلاقة الارتباطية بين إيران والعراق قائمة كما هي دون تعريضها لأية تغييرات حادة، ويرغبون كذلك بدور أكبر في صناعة القرار داخل المجلس. كما أُعتبرت تلك الخطوة نتيجة منطقية لسياسات عمار الحكيم نفسه خلال السنوات الثلاثة الماضية التي هدفت إلى التخلص من إرث المجلس، الذي يعد انعكاسًا واضحًا للنفوذ الإيراني في العراق، بالنظر إلى صياغة قرار تأسيسه في إيران خلال ثمانينيات القرن الماضي، في وقت كانت معظم القيادات الشيعية العراقية مطاردة من قبل الدولة.

وقد اختلفت الآراء بشأن أهداف تلك النقلة النوعية التي أحدثها عمار الحكيم؛ فثمة من يرى أن الحكيم استهدف التخلص من الصبغة الدينية التي يتسم بها المجلس الإسلامي عبر تأسيس تيار له صبغة ليبرالية وليست دينية، لاسيما وأن المزاج العام العراقي بدأ منذ عامين ينتقد التيارات السياسية ذات الصبغة الدينية، بل واعتبرها المسئولة عن العديد من الأزمات السياسية والاجتماعية التي يعاني منها العراق. وبالتالي، فإن خطوة تأسيس الحكيم لتيار غير ديني جاءت كقراءة مستقبلية من جانبه للأوضاع العراقية في مرحلة ما بعد داعش، التي قد لا تحظى فيها الأحزاب الدينية بالمكانة نفسها التي كانت عليها قبل عام 2015. وهو العام الذي شهد احتجاجات خرجت من المحافظات الشيعية نفسها لتنتقد سياسات الحكومات الشيعية المتعاقبة وتحميلها مسئولية تدهور الأوضاع في العراق على كافة المستويات. هذا فضلا عن رأي ثالث يرى أن خطوة الحكيم تدخل ضمن حسابات الاستعداد للانتخابات التشريعية المقبلة، من باب أن انفصال الشخصيات السياسية القيادية من أحزابها الدينية المعتادة، ما هو إلا محاولة للهروب من الأخطاء السياسية الفجة التي وقعت فيها تلك الأحزاب عبر تكوين تيارات جديدة تحمل الطابع المدني.[6]

– تشتت وانقسام مكونات التحالف الوطني الشيعى؛ حيث يرى البعض أن المجلس الإسلامي الأعلى فقد قوته السياسية؛ لكونه يمثل جماعة سياسية التفت حول عائلة الحكيم أكثر من كونه تيارًا سياسيًا له دوره السياسي في المشهد الحزبي العراقي. وقد ازدادت حظوظ هذا الرأي مع انسحاب عمار الحكيم من رئاسة المجلس وتشكيله تيار الحكمة الوطنية الجديد الذي سيخوض به الانتخابات القادمة، ضامًا إليه عددًا كبيرًا من شباب المجلس، مما أدخل تلك التيارات في خلافات حادة مع تيار الأعضاء القدامى أو المخضرمين. هذا فضلا عن تحويل التزامه المرجعي الشيعي في عام 2003 من مرجعية قم في إيران إلى مرجعية النجف العراقية. بالإضافة إلى تراجع حالة الدعم الإيراني الذي احتضن تأسيس المجلس في ثمانينيات القرن الماضي، نتيجة لانشقاق منظمة بدر عنه وانضمامها لتيار ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها نوري المالكي نائب رئيس الوزراء، والذي يحظى بدعم إيراني قوي. ناهيك عن حالة التراجع في الأداء السياسي والإداري لأعضاء المجلس المشاركين في التشكيل الحكومي ومن بينهم وزراء أتُهموا بالفساد.[7]

– جدل مشاركة الحشد الشعبي الشيعي في الانتخابات المقبلة، ويقدرعدد فصائله بنحو 67 فصيلًا عسكريًا. فقد تباينت الآراء بشأن ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي ليس فقط حول دورها في محاربة تنظيم الدولة في المحافظات ذات الغالبية السنية، وما ارتبط بهذا الدور من ممارسات طائفية قامت بها تلك الميليشيات ضد سكان تلك المحافظات، ولكن أيضا حول إعطائها دورًا سياسيًا بالمشاركة في الانتخابات القادمة، الأمر الذي جعل من تلك الميليشيات أكبر مهدد لاستقرار الدولة العراقية في المستقبل المنظور. ومكمن عدم الاستقرار يرجع إلى كون الحشد قوة عسكرية لمجموعة من الفصائل خارج الإطار الرسمي للدولة، وترفض أية محاولات إخضاعها للدولة أو نزع سلاحها، بالإضافة إلى سيطرة إيران تدريبًا وتسليحًا على تلك الميليشيات. هذا فضلًا عن التزامها بنظام ولاية الفقيه الإيرانية. وقد انعكست سيطرة إيران على قرار الحكومة بشأن الحشد الشعبي في تأكيدات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، أثناء زيارته الأخيرة لطهران في يونيو الماضي، بخطورة المساس بهيئة الحشد الشعبي، وهو ما يعني أن أي صدام بين العبادي والحشد سيضع الأول في مواجهة مباشرة مع إيران.[8]

وفي هذا السياق، حاول العبادي اتباع سياسة احتواء بعد الانتقادات التي وجهت لميليشيا الحشدعلى وقع ممارستها الطائفية؛ حيث جعلها قوى عسكرية رسمية وفقًا لقرار إلحاقها بالجيش العراقي وضبط اسمها تحت مسمى “هيئة الحشد الشعبي” وإخضاعها لقيادته المباشرة. إلا أن الأمر ازداد تعقيدًا بإعلان بعض فصائل الحشد الشعبي رغبتها في دخول معترك الانتخابات القادمة، في مخالفة صريحة لطبيعة دورها العسكري الأمني. وترى قيادة الحشد أن المشاركة ليست على مستوى الهيئة كمؤسسة عسكرية كاملة، ولكن على مستوى الفصائل المكونة لها والتي ترغب في استثمار انجازها العسكري ضد تنظيم الدولة استثمارًا سياسيًا. وهي في إطار ذلك ستدخل الانتخابات عن طريقة قائمة واحدة تضم كافة فصائل الحشد عدا كتائب حزب الله (العراق) وحركة النجباء، على أن تتحالف تلك القائمة مع ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي. كما أن تلك الفصائل تجري العديد من الاتصالات مع عدد من أحزاب البيت الشيعي لضمان تحالف بديل في حالة فشل النقاشات بشأن التحالف مع ائتلاف دولة القانون. ما يعكس السعي الحثيث لتلك اللفصائل نحو المشاركة في الانتخابات القادمة، وحجز مكانًا في الحياة السياسية العراقية بعد أن كانت رقمًا مهمًا في معارك الحسم العسكري ضد تنظيم الدولة.[9]

ثمة إذن حالة من الحراك السياسي تشهده الدولة العراقية منذ دخول المواجهات مع “داعش” مرحلتها الأخيرة خلال الشهور القليلة الماضية، عنوانه الرئيسي هو الاستعداد للانتخابات البرلمانية في إبريل 2018 المقبل. وأن التكتلات السياسية والقوى الحزبية دخلت في مسار البحث عن التحالفات الانتخابية في لعبة توازنات جديدة قد تغير من خريطة التحالفات التقليدية القائمة. كما أن حالات الحراك السياسي من قبل التيارات المدنية بدت أكثر قبولًا من جانب الرأي العام السياسي والمجتمعي، كرد فعل على فشل الأحزاب الشيعية الدينية المسيطرة على السلطة، في إحداث نقلات نوعية على مستويات الإصلاح السياسي والإداري ومحاربة الفساد، لاسيما بعد ترسيخها لسياسات طائفية في التعامل مع باقي المكونات السياسية والاجتماعية. الأمر الذي قد يؤشر على احتمال أن يمنح جمهور المقترعيين العراقيين أحزاب وقوى الحراك المدني نسبة يعتد بها من أصواتهم خلال الانتخابات المقبلة. لكن هذا لا يعني تراجع المعادلة السياسية القائمة على سيطرة الأحزاب الشيعية على السلطة؛ لأن هذا التصور يحتاج لسنوات من العمل السياسي من قبل التيارات المدنية، ولكن يعني حلحلة تلك المعادلة بما يسمح بهامش حركة لباقي القوى المدنية بصورة تمكنها من تقاسم السلطة والنفوذ حتى وإن كانت في موقع المعارضة. فنجاح هذا الاحتمال يظل مرهونًا بقدرة الحراك المدني على مواصلة ضغوطه الاحتجاجية على الحكومة، للتعجيل بحسم مسألتي قانون الانتخاب وتشكيل المفوضية العليا للانتخابات، بما يخرج الأخيرة من قيود الارتهان للأحزاب الدينية التي توظف الهوية الطائفية خدمة لمصالحها السياسية، وفتح المجال أمامها لتمثيل الرأي العام الوطنى؛ أي أنه آن الأوان لتفعيل الهوية الوطنية العراقية العابرة للطائفية.

[1] نور أيوب، “مشاريع عراقية تسابق التحالفات الانتخابية”، الأخبار (اللبنانية)، 13/2/2017. انظر أيضًا: “العراق واستحقاقات ما بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 27/8/2017. انظر أيضًا : محمد صادق الهاشمي، “المشاريع السياسية الشيعية للانتخابات المقبلة 2018… التيار المدني؟”، موقع المدار، 14/8/2017. انظر أيضًا: حسين داود، “ترحيب شيعي وكردي بالتحالف الجديد للقوى السنّية العراقية”، جريدة الحياة، 16/7/2017.

[2] مصطفى العبيدي، “العراق: الصراع بين القوى السياسية يزداد شراسة في خضم التحضيرات الانتخابية”، القدس العربي، 11/2/2017. انظر أيضًا: “العراق واستحقاقات ما بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 27/8/2017.

[3] العراق واستحقاقات ما بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، مرجع سبق ذكره. انظر أيضًا: حميد الكفائي، “هل يقود التشتت السياسي العراقي إلى نشوء تيارات جديدة؟، جريدة الحياة، 14/3/2017.

[4] “العراق واستحقاقات ما بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، مرجع سبق ذكره.انظر أيضًا: علي المعموري، “استراتيجيات الصدر في مواجهة القوى الشيعية العراقية”، الجزيرة نت، 22/3/2017. انظر أيضًا: نور أيوب، “مشاريع عراقية تسابق التحالفات الانتخابية”، الأخبار (اللبنانية (، 13/2/2017.

[5] “تظاهرات بغداد قد تغير الخريطة الشيعية للحكم”، جريدة الحياة، 13/2/2017. انظر أيضًا: علاء اللامي، “العراق: الانتخابات المقبلة وطموحات المالكي”، الاخبار (اللبنانية)، 14/3/2017.

[6] “الاستقطاب الشيعي يبدّل خريطة القوى العراقية”، جريدة الحياة، 27/7/2017. انظر أيضًا: صافيناز محمد أحمد، “سياسات عمار الحكيم ومقتدى الصدر.. إيران وتحديات ترتيب البيت الشيعي العراقي”، مختارات إيرانية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يونيو2017.

[7] حميد الكفائي، مرجع سبق ذكره.

[8] جدير بالذكر أن فتوى تشكيل الحشد الشعبي كانت صادرة من المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني في عام 2014، لمواجهة تنظيم الدولة “داعش” فيما عُرف “بالجهاد الكفائي”.

[9] “العراق واستحقاقات ما بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية”، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، مرجع سبق ذكره. انظر أيضًا: نور أيوب، “الحشد الشعبي وانتخابات 2018: فخّ السياسة!”، الأخبار (اللبنانية)، 13/7/2017.

المصدر/ مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب