13 نوفمبر، 2024 6:40 ص
Search
Close this search box.

الحدود الإفريقية والانفصال في القانون الدولي

الحدود الإفريقية والانفصال في القانون الدولي

يتناول كتاب “الحدود الإفريقية والانفصال في القانون الدولي”، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات، في أبريل/نيسان 2017، قضية إشكالية تتعلق بالانفصال داخل كيان الدولة الموروثة عن حقبة الاستعمار والتي لا تزال القارة الإفريقية تواجه انعكاساتها وتأثيراتها حتى اليوم ولطالما خلَّفت حروبًا أهلية ونزاعات مسلحة في عدد من الدول والأقاليم (إريتريا وجنوب السودان)، وهو ما يُفَسِّر نفور دول القارة جمعاء من فكرة انفصال أي إقليم من أي بلد إفريقي، بل ترفض القارة الإفريقية ذلك جملةً وتقاومه. وهنا يطرح الكتاب سؤالًا مركزيًّا: من أين جاء هذا الالتزام الجماعي الإفريقي برفض الانفصال؟ وما السند القانوني للإصرار على استبقاء الحدود القائمة؟

وفي محاولة إجابته عن هذا السؤال، يحاول الدكتور، الدرديري محمد أحمد، أن يوضح في الباب الأول من الكتاب دواعي نشوء النظام الإفريقي للإقليم وكيفية تشكُّله ويحرر المفاهيم التي تميزه؛ فيُبيِّن أن قرار الدول الإفريقية باحترام الحدود القائمة، دون أن تكون ملزمة قانونًا، قد قاد إلى إقرار “عدم المساس بالحدود الموروثة” قاعدة عُرفية جديدة. إضافةً إلى ذلك، أدَّى إعلان القاهرة خلال اجتماع رؤساء دول منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد في دورته الأولى بين 17 و21 يوليو/تموز 1964 إلى تطوير ممارسة دولية في احترام واستدامة الوضع الإقليمي الذي تحقق عند الاستقلال تطورت إثرها قاعدة “الوضع الراهن” التي تستديم الترتيب الحدودي الذي خلَّفه المستعمر. نتيجة لذلك، نشأ في إفريقيا نظام عُرفي للإقليم غيَّر كثيرًا من الكيفية التي ينطبق بها القانون الدولي على إفريقيا. وبشكلٍ خاص شدَّد ذلك النظام على منع إعادة ترسيم الحدود الإفريقية وحظر الانفصال جاعلًا من هذين العُرفين مبدأين قانونيين آمرين لا يجوز للدول مخالفتهما أو الاتفاق على ما عداهما.

وبالرغم من كون النظام الإفريقي للإقليمفي كامل عافيته وعنفوانه، كما يلاحظ المؤَلِّف، ويحظى بالتقدير العميق من الدول الإفريقية كافة، فإنه لم يُعترَف به قضائيًّا بل أنكرته محكمة العدل الدولية في قضية “النزاع الحدودي (بوركينا فاسو/مالي)” مستبعِدةً إمكانية التطور التدريجي لمبدأ عُرفي إفريقي ضمن القانون الدولي. ثم رأت المحكمة أن إفريقيا تبنَّت لدى الاستقلال مبدأ “لكلٍّ ما بيده” الأميركي-الإسباني وطبقته على إفريقيا. بل أغفلت المحكمة القيمة المعيارية لإعلان القاهرة واعتبرته مجرد وثيقة كاشفة مؤكِّدة على مبدأ “لكلٍّ ما بيده”. ومن ثم يبين هذا الباب الخطأ الكبير الذي وقعت فيه المحكمة ويوضِّح الفارق بين مبدأ “لكلٍّ ما بيده” والقواعد العُرفية الإفريقية ويرصد الآثار القانونية المختلفة المترتبة على تطبيق هذه القواعد وكيف أنها تختلف جوهريًّا عن آثار مبدأ “لكلٍّ ما بيده”.

بينما جاء الباب الأول مصوَّبًا على تبيين القواعد القانونية البديلة التي ابتدعتها إفريقيا لتنظيم إقليمها وحدودها، يُخصَّص الباب الثاني لدراسة مسألة حظر الانفصال في إفريقيا؛ فيوضح هذا الباب كيف أن القاعدة الإفريقية لتحريم الانفصال جاءت نتاجًا لتكريس حدود الاستقلال واستدامة الوضع الإقليمي الراهن. فبسبب هذه القاعدة المركزية لا تتأتَّى المطالبة بالانفصال علنًا في إفريقيا ولا يجوز لدولة إفريقية أن تُقِرَّ مطلبًا انفصاليًّا صريحًا. وتحاشيًا للكُلفة السياسية الباهظة للمناداة بالانفصال جهرة، يرى المؤَلِّف أن الانفصاليين في إفريقيا يعمدون إلى التظاهر باحترام القاعدة الإفريقية ويتقدَّمون بدعاوى بديلة على أمل أن تلقى صدى لدى المنظمة الإفريقية واستجابة من الدولة الأم. فمنهم من يزعم أنه يسعى لإحياء حق قديم في استفتاء التحرر من الاستعمار كما حدث في إريتريا، ومنهم من يطالب بحق دستوري في تقرير المصير كما كانت دعوى جنوب السودان، ومنهم من يعمل للانفصال التصحيحي بزعم إنكار حقه في التمثيل الحكومي كما قيل بشأن كاتنقا. وقد أدَّى هذا التمويه إلى تشويه النظام الإفريقي للإقليم وتعقيد ظاهرة الانفصال في القارة مما صعَّب فهمها وعَسَّر من تقديم الحلول لها.

ولمواجهة هذه المعضلة، ينظر الكتاب مليًّا في إمكانية تطوير حَذِر لحقٍّ جديد في تقرير المصير الخارجي يشمل الانفصال. فإذا كان تقرير المصير الخارجي يقتصر تقليديًّا على حالتي التحرر من الاستعمار أو الاحتلال العسكري، فإنه مطلوب إقرار نسخة محدَّثة منه تمكِّن القانون الدولي من مواجهة حالات الهيمنة التي تحدث ضمن الدول المستقلة متعددة الأعراق.

ويوضِّح الكتاب أنه بالرغم مما تحقق بفضل حظر الانفصال في إفريقيا وبالرغم من جدوى وأهمية الإبقاء على القاعدة الإفريقية لتحريم الانفصال فإنه يلزم أن يُقِرَّ القانون الدولي استثناء من تلك القاعدة يكفل حقًّا في الانفصال التكافؤي يُستحق في حالات الهيمنة المجتمعية؛ إذ إن وجود مثل هذا الاستثناء يعزِّز من احترام تكافؤ العِرقيات المختلفة في الدولة المستقلة متعددة الأعراق ويمثِّل الملاذ الأخير في حالة تعرض إحدى العرقيات لهيمنة الأخرى. كما أنه يؤدي إلى معالجة عيوب النظام الإفريقي للإقليم التي كشفت عنها خمسون عامًا المنصرمة ويهيئه لمواكبة عصر جديد تعلو فيه قيمة الإنسان وكرامته البشرية على اعتبارات السيادة والسلامة الإقليمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات عن الكتاب

العنوان: الحدود الإفريقية والانفصال في القانون الدولي

تأليف: الدرديري محمد أحمد

النشر: مركز الجزيرة للدراسات-الدار العربية للعلوم ناشرون

التاريخ: 2017

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة