20 أبريل، 2024 12:23 ص
Search
Close this search box.

الحارس في حقل الشوفان.. الضجر من زيف الأغنياء والميل للعزلة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (الحارس في حقل الشوفان) للكاتب الأمريكي “جيروم ديفيد سالينجر” تكشف زيف مجتمع الأغنياء في أمريكا في الخمسينات، من خلال عيون مراهق موصوم بالعزلة بسبب كرهه للزيف والنفاق وهي رواية نالت شهرة كبيرة.

الشخصيات..

هولدن كولفيلد: البطل، مراهق في السابعة عشر من عمره، يتصف بالطول الذي يجعله يشبه البالغين كما أن شعره قد ناله الشيب، ابن لمحامي غني يصر على إلحاقه بمدارس شهيرة، لكنه يمل من ذلك ويطرد من أكثر من مدرسة بسبب كرهه للنظام ولممارسات الناس في طبقته، يعبر عن كراهيته للناس مرارا داخل الرواية ورغبته في الانعزال وعيش حياة بسيطة.

سالي هايز: صديقة للبطل كان يقابلها بشكل دوري، صارحها برغبته في أن يهجر الحياة الاجتماعية ويعيش حياة بسيطة لكنها غضبت منه، فتاة مراهقة ترى أن كل ما تعيشه حياة طبيعية ولا تجد أية غرابة فيها.

فيبي: أخت البطل الصغيرة، طفلة، يرتبط بها نفسيا لدرجة أنه يصر على توديعها حين يقرر الهروب من حياته الزائفة والذهاب بعيدا ليعيش حياة بسيطة، وحين تقرر السفر معه يتراجع عن قراره لأجلها.

آلى: اخو البطل الأصغر منه، توفى ولا نعلم السبب لكنه في الغالب كان مريضا، وقد احدث موت “آلي” شرخا في نفس البطل حتى أنه يتذكره كثيرا وحتى يخاطبه بينه وبين نفسه حين يشعر بالضيق.

الراوي..

الراوي هو البطل “هولدن”، يحكي عن نفسه بضمير المتكلم ويخاطب صديق متخيل طوال الرواية وكأنه يحكي لأحدهم عن ما يجري، يحكي أحاسيسه وانفعالاته والتي تمتلئ بها الرواية، في خلال بضعة أيام قضاها بعيدا عن مدرسته التي طرد منها وخارج المنزل.

السرد..

رغم شهرة الرواية منقطعة النظير إلا أن السرد في نظري يتصف بالتكرار الذي يصل إلى حد إشعار القارئ بالملل، فالراوي يظل يكرر أحاسيسه تجاه الناس وكرهه للزيف الذي يتصفون به مرارا وتكرارا، ويوجز ذلك في جمل مباشرة دون أن يحاول التعبير عن تلك المشاعر من خلال مشاهد وأحداث، الرواية تسير ببطء شديد في أحداث متشابهة إلى حد السأم، ويتخلل تلك الأحداث الأحاسيس السلبية التي يبثها الراوي طوال الوقت في حكيه المباشر للقارئ المتخيل، وجمل أشبه بتعليقات على ما يجري معه، وأحكام مطلقة على الناس الذين يتعامل معه، ورأيه فيهم وشتائم كثيرة حاول المترجم التخفيف من وطأتها فترجمها في ألفاظ عربية مقبولة، كما أن رأيه في النساء والفتيات اللاتي تعامل معهن أثناء زمن الرواية القصير كان سيئا للغاية وسلبيا، ودوما ما كان يصفهن بالقبح أو بالعهر، تقع الرواية في حوالي 313 صفحة من القطع المتوسط ولا تعتمد على أي تشويق وإنما على سرد بطيء وشبه متوقف.

الضجر من زيف الأغنياء والسعي نحو البساطة..

أبرز ما تتناوله الرواية هو الضجر من زيف الأغنياء والسعي نحو البساطة، حيث أن “هولدن” قد مل وهو في هذه العمر القصيرة الحياة الزائفة التي يعيشها، تصرفات الطلاب الأغنياء في المدارس التي يذهب إليها، وتفاخرهم إما بوسامتهم أو بغناهم أو بأشياء أخرى كثيرة تبعث فيه الضجر، تهافتهم على تفاصيل حياة هي مفتعلة بالنسبة للبطل، فهناك “ستراد ليتر” رفيقه في الغرفة في مدرسته الأخيرة “بنسي” التي طرد منها، شاب وسيم يهتم بإظهار تلك الوسامة في عنجهية وغرور، ويحاول إغواء الفتيات والفوز بلحظات لذة معهن من خلال الخداع والكلام المعسول، صديق آخر يسكن بغرفة مجاورة، شاب يمتلئ وجهه بحبوب الشباب ويتصرف بطريقه كريهة، فضولي ولا يتهم بنظافته الشخصية ومتطفل يضجر “هولدن” أيضا بتصرفاته الصبيانية، ونماذج أخرى وصفها البطل وكيف أنها تبعث فيه الضجر والملل.

كما انتقد مدير المدرسة الذي يقوم بممارسات لعينة، يحابي الأغنياء ويتعمد تجاهل الأقل غنى، أو أهالي الطلاب الذين لا يكونون مثاليين من وجهة نظره، كما أنه يتلاعب في إدارته للمدرسة في الطعام وتفاصيل أخرى كثيرة، وانتقد أيضا المدرسين الذين تتصف حياتهم بالرتابة والملل بالنسبة للمراهق “هولدن”، ورغم أن مدرس التاريخ يعامله بود وأحزنه أن “هولدن” قد رسب في مادته لكن “هولدن” أجبره على ذلك حين لم يجب على أسئلة الاختبار، بل وأرفق مع ذلك رسالة ساخرة من الأستاذ، رغبة منه في أن يرسب في هذه المادة. ورغم الود والتعاطف الذي يتعامل به هذا المدرس العجوز وزوجته إلا أن “هولدن” لا يستطيع مبادلته أية مشاعر إنسانية، وإنما يتقزز من شيخوخته ومن ضعف جسده ومن طريقته في إسداء النصائح له.

يمكن القول أن “هولدن” بطل ضد سلبي، يميل إلى العزلة والانطواء والتعامل مع العالم من خلال ثقب صغير يطل منه من شرنقته التي يعزل نفسه فيها، يكتفي بمشاهدة الناس من بعيد وإطلاق أحكام عامة وسلبية عنهم، والإمعان في التقزز منهم، كما أن رأيه سلبي تجاه النساء في العموم وهذا أمر سيء بالنسبة لي كقارئة. “هولدن” يكره زيف مجتمع الأغنياء أو زيف ممارسات الطبقة التي ينتمي إليها والداه، والذي يبدو واضحا أنه لا يسعى إلى الانتماء إليها لأنه لا يريد أن يتعلم في تلك المدارس التي تهتم بالشكليات أكثر من الجوهر، ولا أن يستمر في صحبة هؤلاء الشباب المضجرين، فقط يريد أن يعيش في حقل شوفان ويكون حارسا فيه، أو يعيش في محطة بنزين ويتخلي عن السمع والكلام فقط ليرحم نفسه من التحدث مع الناس والتعامل معهم.

أمراض الأغنياء..

من الواضح أن شخصية “هولدن” ليست شخصية طبيعية فهي ربما تعاني من أزمات نفسية كثيرة، لكنه رغم ذلك في حكيه في الرواية أشار لموضوع هام، مما أكسب الرواية شهرتها وقبولها لدى الناس، وهو زيف الأغنياء ونفاقهم وسعيهم للاهتمام بتفاصيل وشكليات زائفة، لكن من المدهش أيضا أن “هولدن” نفسه لم يخل من أمراض الأغنياء وتعاليهم وغرورهم، فهو نفسه يعترف أنه لا يرتاح حين يسكن معه في نفس الغرفة شاب أفقر منه، حيث أنه انزعج حين سكن معه شاب يمتلك حقائب رخيصة، وأنه يكره الحقائب الرخيصة حتى أن الشاب اضطر إلى تخبئة حقائبه تحت سريريه، وما كان من “هولدن” إلا أن يخبئ حقائبه هو الغالية، لكن الشاب استغل ذلك، على حد قول “هولدن” في الرواية، وأظهر حقائبه الرخيصة ووضعها في مكان مرئي فقط ليوحي للآخرين أن هذه الحقائب الرخيصة ملك ل”هولدن” وليست له، يتضح من حديث “هولدن” عن ذلك الشاب مدى الاحتقار الخفي له لأنه فقير، وإن كان “هولدن” نفسه لا يعي ذلك أو يصرح به، كما أنه حين تحدث عن الفتيات اللاتي قابلهن في البار الذي ذهب إليه، بعد أن هرب من مدرسته كان يصفهن دوما بالعاهرات والقبيحات، فقط لأنهن موظفات بائسات يسعين لرؤية ممثلين السينما المشهورين.

وحتى عند حديثه عن الراهبات واللاتي صرح أنه معجب بإخلاصهن في عملهن إلا أن حديثه عنهن لم يخل من احتقار أو على الأقل تقليل من الشأن، ف”هولدن” نفسه ورغم إدعائه المتواصل أنه يكره الأغنياء وزيفهن إلا أنه يرى الفقراء أقل مكانه ويتحدث عنهم حديث لا يخلو من التقليل، كما أنه لم يصرح أنه يكره الأغنياء لغناهم ولكن لافتعالهم، ويتباهي أثناء حديثه بالأموال التي يملكها أو بالأشياء الغالية التي اشتراها حتى وإن لم يكن ذلك غاية في الوضوح.

كما انتقد “هولدن” السينما والأفلام وطريقة تمثيل الممثلين في ذلك الوقت، والتي اعتبرها زائفة أيضا، كما انتقد أخيه الكاتب الذي تحول إلى كاتب سيناريوهات أفلام لهوليود، وكره ذلك منه فهو يحب الروايات الجيدة لكنه يكره الاتجار بالكتابة، وامتد نقده إلى ممثلي المسرح حتى وإن كانوا على درجة عالية من الإتقان، إلا أنه يجد دوما مآخذ عليهم حتى وإن كان إتقانهم في عملهم، هو باختصار شخص ضجر يعاني من رهاب التعامل مع الناس، والميل إلى العزلة، لكنه يصوغ مرضه وميله إلى الانطواء بأن الناس هم السيئون وأنه لا يحب التعامل معهم.

الميزة في الرواية أن البطل مراهق ضجر سلبي لم يحاول فلسفة أفكاره أو إعطاءها قيمة كبيرة، فقط عبر عن مشاعره وأحاسيسه تجاه الناس والعالم ببساطة ودون تعقيد، كما حكي عن تفاصيل أيام قليلة قضاها بعيدا عن بيته بالتتابع ببساطة أيضا، ودون رغبة في إضفاء جاذبية على حكيه. لكنه رغم ذلك يبقى إنسانا محايدا لدرجة الاستفزاز، حتى أنه لم يظهر أي تعاطف تجاه أمه المكلومة التي ذكر مرارا أنها حزينة لموت أخيه، لكنه لم يعبر أبدا عن حبه او اهتمامه بها، وكذلك أبيه الذي يهتم لأمره، أو أخيه الأكبر الكاتب فقد عبر عن حبه واهتمامه بأخته الصغرى وأخيه المتوفى.

الكاتب..

“جيروم ديفيد سالينجر” (من 1 يناير 1919- 27 يناير 2010) هو روائي أمريكي، عُرف بروايته (الحارس في حقل الشوفان). لم ينشر “سالينغر” أي عمل أدبي بعد عام 1965. ولد “جيروم” في “منهاتن” بـ “نيويورك”، والدته “ماري جيليتش” كانت نصف اسكتلندية نصف أيرلندية. ووالده “صول سالينغر” كان يهودياً من أصل بولندي وعمل ببيع “جبن كشروت”. غيّرت أمه اسمها إلى “ميريام” وتحوّلت إلى اليهودية. ولم يعلم “جيروم” أنها لم تكن يهودية في الأصل إلا بعد حفل الـ بار متسفا الخاص به. ولدى “جيروم” شقيقة واحدة هي “دوريس”.

نشأ في البرونكس وبدأ كتابة القصص القصيرة في المدرسة الثانوية، ونشر العديد في أوائل الأربعينيات قبل أن يشارك في الحرب العالمية الثانية، في 1948 نشر قصته (يوم مثالي لسمك الموز), في مجلة الـ “نيويوركر”. وفي 1951 نشر (الحارس في حقل الشوفان) التي جنت نجاحاً شعبياً سريعاً.

داوم “سالينغر” في المدارس الحكومية في الجانب الغربي ب”منهاتن”، ثم انتقل إلى مدرسة مكبري الخاصة في الصف التاسع والعاشر. مثّل العديد من المسرحيات المدرسية وأظهر موهبة درامية رغم معارضة والده لأن يصبح “جيروم” ممثلاً. التحق بأكاديمية وادي فورغ العسكرية في وين بـ “بنسلفانيا”. وهناك كتب قصصه (تحت الغطاء) في حجرته ليلاً على مصباح ضئيل. ثم التحق بجامعة نيويورك 1936, وغادر الربيع التالي. في الخريف ذاته دفعه والده لتعلم تجارة اللحوم. وأُرسل ليعمل في شركة في فيينا. النمسا. وغادرها قبل وقوعها في أيدي النازيين بشهر. في آذار 1938 داوم في كلية أورسينوس في بنسلفانيا لفصل دراسي واحد فقط. في 1939 حضر درساً مسائياً للكتابة في جامعة كولومبيا. والتقاه “وايت بورنيت” المحرر بمجلة “ستوري”. ووفقاً ل”بورنيت”، “سالنيغر” لم يظهر نفسه إلا في الأسابيع القليلة قبل نهاية الفصل الدراسي الثاني، حيث, حسب قوله “عاد فجأة إلى الحياة”، وأكمل ثلاث قصص قصيرة، وكانت قصصه محكمة وجيدة، ونُشر له في مجلة “ستوري”.

في 1941. بدأ “سالينغر” يرسل قصصاً للـ “نيويوركر”، والتي رفضت سبعة من قصصه، من بينها (غداء لثلاثة) و(أنا ذهبت للمدرسة مع هتلر)، لكنها قبلت قصته (عصيان ماديسون). وهي قصة عن مراهق غير مبال بأحداث ما قبل الحرب. مما جعلها غير قابلة للنشر حتى 1946. خاصة مع أحداث الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربور.

خلال حملة النورماندي نحو ألمانيا. التقى “سالينغر” بـ “ارنست هيمنغواي”. الكاتب الذي تأثر به والذي عمل كـمراسل حرب في باريس. وقال “سالينغر” أن لقاءهما كان من ذكرياته الإيجابية عن الحرب. كما عمل كمستجوب لـ أسرى الحرب نظراً لتفوقه في الفرنسية والألمانية. عانى “سالينغر” من صدمة نفسية سيئة بعد الحرب. وأُدخل المشفى للعلاج النفسي بعد حادثة سقوط برلين. وفي مرة أخبر ابنته أن: “المرء لا يتخلص أبداً من رائحة اللحم المحترق في أنفه. مهما عاش “. وقد دارت بعض أعماله حول هذه التجربة.

في أواخر الأربعينيات اعتنق “سالنيغر” الزن, وفي 1948 أرسل قصته (يوم مثالي لسمك الموز) إلى “النيويوركر”. التي كانت سبباً في شهرته.في الأربعينيات، تحدث “سالينغر” مع العديدين حول رواية عن “هولدن كولفيلد”, بطل قصة (عصيان ماديسون). وقد نشرت في 16 تموز 1951 تحت عنوان (الحارس في حقل الشوفان) . تراوحت ردود الأفعال حولها, من الإعجاب المطرد إلى التحفظ على جرأتها بالنسبة لذاك الوقت.

أعماله: “الحارس في حقل الشوفان (1951)- تسع قصص (1953)- فراني وزووي (1961)”، توفي “سالينغر “لأسباب طبيعية في منزله في نيو هامبشاير في 27 يناير 2010، عن عمر 91 سنة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب