18 أبريل، 2024 1:19 م
Search
Close this search box.

الجيوش والتحول الديمقراطي في أفريقيا

Facebook
Twitter
LinkedIn

تأليف: مجموعة باحثين
تحرير: حمدي عبد الرحمن
الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية
عدد الصفحات: 256
سنة النشر: 2015
كتاب جماعي أصدره منتدى العلاقات العربية والدولية بالدوحة، وهو عبارة عن مجموعة أبحاث قدّمها باحثون مهتمون بالشأن الإفريقي، وقد شارك فيه وقام بتحريره حمدي عبد الرحمن. يتكون الكتاب من مقدمة، وستة فصول، كل فصل عبارة عن بحث تناول الموضوع من زاوية من زواياه.

تحت عنوان “الاتجاهات الحديثة في الدور السياسي للجيوش”، تناول البحث الأول، بقلم أحمد عبد ربه، إشكالية دور الجيش وعلاقته بالمجال السياسي والمدني، إذ قامت الدراسة بشرح المفاهيم المتعلقة بهذه الإشكالية، والعلاقات التي تجمع المدني بالعسكري في الجيوش، من خلال طرح أسئلة من قبيل: من الذي يضع القوانين للدولة؟ الجيش؟ أم السياسيون المدنيون؟ وهل حالة “العسكرة” للدولة حالة طبيعية؟ ثم ثنّى بالحديث عن تطوّر حقل دراسات العلاقات المدنية العسكرية، التي تدرس طرقها في الحكم، من الانقلابات إلى وضع القوانين، وكيف أن التخلف في إقامة قوانين مدنية يترك فراغًا يتمدد به العسكريون. وكذا تحليل أسباب الانقلابات اقتصادية كانت أو سياسية أو غير ذلك، ثم يناقش فكرة وصول العسكر إلى الحكم، وطبيعة الأنماط التي يمكن استقراؤها في هذه الحالة؟ ليطرح أهم النظريات في حقل العلاقات المدنية العسكرية، وهي في رأيه ثلاثنظريات هي: نظرية “الانفصال”، وترى أن العسكر يجب أن يبقوا منفصلين تمامًا عن الدولة، لا يتدخلون في شؤونها المدنية بتاتًا. والنظرية الثانية هي نظرية “التوافق”؛ التي ترى أن العسكر والمجتمع والسياسيين يجب أن يتشاركوا جميعًا في علاقة تعاونية، فلا انفصال لطرف عن طرف في التركيبة الاجتماعية للجيش، وفي صنع القرار السياسي، وفي آلية اختيار الضباط، وفي النمط العسكري. تبقى نظرية “التنافس” بين المدني والعسكري، لكن هذه النظرية إنما تسود في الدول الأقل ديمقراطية، حيث يتنافس المدنيون والعسكريون على إدارة البلاد.

ويختم الباحث فصله بالحديث عن السيطرة المدنية والتحول الديمقراطي، ولم يغفل هنا الحديث عن دور الجيوش في التحول الديمقراطي مستدلاً بالجيش التونسي في هذا الصدد، غير أنه يشير إلى أن بقاء العسكر متحكمًا يؤخر التحوّل الديمقراطي الحقيقي، مقررًا أن الجيوش بإمكانها أن تسهم في التحول الديمقراطي، كما أن بإمكانها أن تسهم في العكس.

أما البحث الثاني في الكتاب فهو دراسة قدمها حمدي عبد الرحمن بعنوان “الجيوش والسياسة في إفريقيا”، معالجًا فيها طبيعة دور الجيوش السياسي وتحديات التحول الديمقراطي، وقد افتتحها بتوكيد أن تولي الجيش أمر السلطة يضرب بالسلطة المدنية عرض الحائط، باحثًا في أسباب تسييس الجيوش الإفريقية ومرجعًا ذلك إلى طبيعة الحروب بين المجتمعات الإفريقية، التي أوكلت الأمر إلى الجيوش بسبب إرث الحروب التاريخية، و هناك من يرى أن السبب في تسييس الجيوش يرجع إلى حالة الحرص على الغنائم والعوائد والمصالح الشخصية التي تهم كبار الجيش وضباطه، إضافة إلى تماسك الجيوش، وقدرتها على التغيير في إفريقيا.

انتقل عبد الرحمن بعد هذا إلى إشكاليات العلاقات بين العسكري والمدني في الدول الإفريقية، وتناول ما عالجه أحمد عبد ربه في الفصل الأول، إلا أنه أضاف أن من أسباب تحكم العسكري في المدني هو عدم رغبة القوى الحاكمة (كبعض الرؤساء) في تغيير هذا الوضع. وعرض أربعة نماذج للعلاقات بين المدني والعسكري في الدول الإفريقية:

1. النموذج الأول هو النموذج الذي يمارس فيه العسكريون الضغط للتأثير على القرار السياسي، كزيادة ميزانيات العسكر مثلاً.

2. النموذج الثاني حيث يستخدم العسكريون التهديد لتحقيق ما يريدون.

3. النموذج الثالث تدخل العسكريين لاستبدال حكومة مدنية بأخرى.

4. النموذج الرابع هو الانقلاب على الحكومة المدنية، وتولي العساكر بأنفسهم أنظمة الحكم.

ذكر الكاتب هناك دولاً وفقت في عدم التدخل العسكري في شؤونها المدنية، وذكر وسائل الرقابة المدنية عليها، فهناك دول بقيت مدنية ديمقراطية حقيقية لا ضمانة لها إلا الحكم الصالح (كتنزانيا)، ودول أخرى بقيت مدنية بضمانة الدول الخارجية (كالسنغال وجيبوتي)، ودول بقيت مدنية باسترضاء الضباط ورشوتهم وإرضائهم (ككينيا)، ودول أخرى عن طريق اختراق السياسيين للجيش، وهي في توازن بين البرلمان والجيش (كأنغولا).

في الفصل الثالث قدّم محمد عاشور أطروحته “العلاقات المدنية العسكرية والانتقال الديمقراطي في جنوب إفريقيا” دارسا هذه الدولة كنموذج من النماذج الإفريقية لتناول العلاقة بين العسكر والمدنيين تاريخيًّا، منذ قيام الاتحاد بين قوى البريطانيين والأفريكانر، حيث وضعت المواثيق التي تقضي بألا يقاتل للدفاع إلا الجيش الأوروبي فقط! غير أن تحولاً آخر طرأ عام 1948م، وبفضل الديمقراطية، هو أن يصل الأفريكانر إلى سدة الحكم، وهو ما أسهم في إعادة تشكيل الجيش من جديد، بحيثيتشارك فيه البيض والسود في خدمة البلاد لمصلحة جنوب إفريقيا لا لمصلحة بريطانيا العظمى، كما كان الأمر في السابق، ثم قفز قفزة أخرى بعد عام 1994 ليتشكل الجيش من جديد بطريقة يخضع فيها الجيش للسلطة المدنية الجديدة، وتحويله “من مؤسسة قائمة على أساس الامتياز العنصري إلى الأخذ بمعيار الجدارة”.

انتقل الكاتب بعد هذا ليتحدث عن بنية الجيش في جنوب إفريقيا، حيث ازداد عدد السود والملونين والآسيويين في هذا الجيش الأبيض، إلا أن غير البيض منهم لم يصلوا إلى مراتب قيادية إلا في القليل النادر. كما عرج على دور الجيش السياسي في فترة (الحكم العنصري)، إذ عمد الجيش (الأبيض) إلى عقيدة قتالية مفادها قمع كل التمردات التي تطالب بالحقوق السياسية، ومحاولة زيادة القوة والمهارة لمواجهة كل ما يعين تلك الحركات من الدول الأخرى، وهو ما أسهم في قوة الجيش مع الزمن.

لكن الدراسة أشارت إلى أن هذا الجيش القوي في النهاية كان تحت سيطرة المدنيين، ولم يكن مستقلاً يفعل ما يريده العسكريون دون رقابة مدنية، غير أن كثرة التمرد من غير البيض وكثرة القمع سببت نوعًا من انعدام الشفافية بين الجيش والجمهور؛ حتى إذا ما جرى التحول من النظام القمعي إلى نظام التوافق والتفاهم والمصالحة تغير نظام الجيش، وأضحى أكثر خضوعًا للمدنيين والرقابة من ذي قبل. إلا أن مشكلة هذا التعدد بقيت في الألوان والأجناس في جنوب إفريقيا، غير أنّ الجيش لا يزال تحت سلطة المدنيين والبرلمان؛ لخدمة (جنوب إفريقيا ديمقراطية موحّدة). وفي ختام البحث حديث عن مستقبل الجيش الجنوب إفريقي وعلاقته بالجانب المدني. حيث أشار عاشور إلى نجاح جمهورية جنوب إفريقيا بدرجة كبيرة في إدارة المرحلة الانتقالية من الحكم العنصري إلى حكم الأغلبية. كما نبه إلى أنّ تفاقم الصراعات في القارة الإفريقية عززت من دور جيش جنوب إفريقيا خارجيا في عمليات حفظ السلام في القارة. ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع معدل الجريمة وتصاعد العداء للأجانب في جمهورية جنوب إفريقيا أدى إلى الاعتماد على الجيش في أداء بعض مهام الأجهزة الأمنية، وبالتالي تورطه في الشؤون الداخلية على خلاف ما كان تخطط له السلطات الجديدة من إقصاء الجيش من التورط في مهام وزارة الداخلية.

ومن جنوب إفريقيا إلى نيجيريا، حيث قدّمت الباحثة هالة ثابت دراسة حول الموضوع نفسه في ذلك البلد، فنيجيريا دولة تمتلك أهمية كبرى في الخيرات الاقتصادية فهي دولة مصدّرة للنفط، وفيها إمكانات تؤهلها بجدارة للريادة في قارة إفريقيا، كما تملك قوة عسكرية هي الأكثر عددًا والأكثر خبرة في القارة السوداء.

غير أن نيجيريا لم تفلح في إقامة نظام ديمقراطي حقيقي بسبب التدخل العسكري المستمر في نظام الحكم، وتتساءل الباحثة: أيمكن القول إن هذا التدخل العسكري ناتج عن طموحات العسكريين، أم عن فشل الحكم المدني في نيجيريا؟

للإجابة عن هذا السؤال تطرح الباحثة تاريخ الجيش النيجيري، وتفصل تشكيلاته العرقية، وتشرح البنية الاجتماعية وتراتبية التجنيد وقضايا الميزانية، ثم تتحدث عن دور الجيش السياسي في نيجيريا منذ الاستقلال، مفصلة في هذه المسألة تفصيلاً تاريخيًّا حكومة فحكومة، لا تلي حكومة إلا ويخلفها انقلاب عسكري في كل مرة! ثم تطرح بعد هذا إجابتها عن سؤالها الذي انطلقت منه في البحث، لتقرر أنه لا يمكن القول إن سبب تلك الانقلابات هو طموح العسكر بإطلاق، ولا هو رداءة الحكم المدني بإطلاق.

ومن نيجيريا إلى موريتانيا، ومنذ البدء يخبرنا الباحث السيد علي أبو فرحة بأن حالة موريتانيا فريدة؛ إذ هي دولة مدنية النشأة ومدنية الاستقلال، إلا أن هذا الصفو لم يلبث أن تعكّر بفوضى الانقلابات التي ابتدأت منذ عام 1978، وكان لحرب الصحراء المغربية (1976) أثر في هذا التغيّر، تلك الفوضى التي جعلت موريتانيا الأعلى عربيًّا في عدد الانقلابات! ومن أجل أن يحلل الباحث وضع الجيش وعلاقته بالتحول الديمقراطي في موريتانيا؛ قام ببيان تاريخ الجيش الموريتاني ونشأته وتطوره، ثم ثنّى بالحديث عن البنية الاجتماعية للجيش، إذ تنوع البنية تابع لتنوع الأعراق في موريتانيا، وأبرزها العرب والزنوج، وفي داخل كل عرق منهما تقاسيم وطبقات وتباينات؛ ما يؤدي إلى إشكالات في مشاركة أبناء تلك الأعراق في الجيش! وسرد الباحث أهم الانقلابات التي حصلت في موريتانيا، وإسهام الأعراق فيها. إلا أن العرق العربي كان هو الأكثر إسهامًا في صنع الانقلابات.

كما تناول تراتُب المناصب في العسكر، وعالج مشكلات الميزانية، ليتكلم فيما بعد عن الدور السياسي للجيش الموريتاني منذ عهد الاستقلال، سردًا تاريخيًّا وتحليلاً للأسباب، وبيّن أن سمة “الانقلاب” تبدو هي السمة الوحيدة للتغيير في موريتانيا، وأنه ليس ثمّة ما يشي بعكس ذلك في المرحلة الحالية أو القادمة.

أما الباحثة راوية توفيق فأطروحتها هي خاتمة أبحاث هذا الكتاب، وقد خصصت ورقتها للحديث عن الجيش في كينيا، وصدّرت ورقتها ببيان أن كينيا نجت من الانقلابات العسكرية، وتتساءل عن السر في ذلك، وكسابقيها تبدأ الباحثة في عرض تاريخي للجيش الكيني وظروفه، وبعد سرد تاريخ الجيش الكيني والظروف والتجارب التي مر بها تطرح الباحثة هذا السؤال: هل كينيا مثال ناجح لإدارة العلاقات المدنية العسكرية؟ لتجيب في نهاية البحث أنه رغم تجنب كينيا محاولة انقلاب فاشلة فإن ذلك لا يعد نجاحًا؛ ذاك أن الأسباب لا تزال حاضرة، فصحيح أنه تم القضاء على هذا الانقلاب إلا أن الاستمرار في تضييق الحريات والتسلط والقمع يمكن أن يؤدي إلى انقلاب عسكري آخر، ويزداد الأمر خطورة في عصر محاربة الإرهاب؛ بسبب تزايد الاعتماد على الجيش وتوسيع حدوده وصلاحياته، وهو ما لا ينبئ بمزيد اطمئنان في المستقبل.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب