كتبت – بوسي محمد :
بمناسبة قرار المتحف الوطني العراقي الاخير بعرض 40 قطعة آثرية في معرض الفنون “بينالي البندقية” بإيطاليا، نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية مؤخراً تقريراً مفصلاً عن كنوز العراق الآثرية المنهوب في الفترة التي اعقبت الإحتلال الاميركي، موضحة في بدايته ان “يوم التاسع من نيسان/أبريل 2003، يوم مشئوم على العراقيون لا يُنسى بمرور الأشهر والسنوات.. فهو اليوم الذي تعرضت فيه العراق لـ”الإبادة الثقافية”، وهو إصطلاح يستخدم لوصف التدمير المدروس لثقافات شعب أو أمة، حيثُ تعرض التراث الثقافي لعمليات نهب واغتصاب ممنهج للآثار”.
منوهة إلى ان عمليات نهب التراث الثقافي والحضاري للعراق أبان الغزو الأميركي عام 2003 قد طالت المؤسسات التنظيمية الكبرى التي ترمز لحضارة العراق، مثال “المتحف الوطني العراقي” في بغداد الذي وقعت عليه حصة الأسد من عمليات النهب والسرقة.
عن تاريخ المتحف الوطني
تقدم الصحيفة البريطانية نبذة مختصرة عن تاريخ المتحف الوطني العراقي، معتبرة انه “يُعد من أقدم وأهم وأكبر المتاحف في العراق، يقع في بغداد عاصمة العراق، ويأتي في المرتبة الثانية بعد المتحف المصري، من حيث التأسيس ولا يَقل عنه شأناً من حيث القيمة التاريخية للآثار. ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1923 – 1924، حيث جمعت عالمة الآثار البريطانية “غيرترود بيل” آثار العراق ووضعتها في حيز صغير داخل مبنى السراي أو القشلة، وفي عام 1926 تم إفتتاح مبنى آخر في شارع المأمون نقلت إليه جميع الآثار بسبب ضيق المساحة، وتم تعيين “بيل” في هذه الفترة مديرة للمتحف”.
“وفي عام 1966 قررت الحكومة العراقية بناء متحف جديد في منطقة العلاوي، يكون أكثر إتساعاً يتمتع بمواصفات المتاحف العالمية، تم نقل جميع الآثار التي تعبر عن ثقافة وحضارة وتاريخ العراق إليه، وسمي بالمتحف الوطني العراقي بعدما كان يعرف بـ”متحف بغداد للآثار”، ويضم المتحف قطع آثرية ثمينة من حضارة بلاد وادي الرافدين”.
“بينالي البندقية”.. خطوة للأمام
يشير تقرير “الجارديان” إلى ان المتحف الوطني العراقي قد “اتخذ خطوة غير معتادة، إذ قرر عرض 40 قطعة آثرية في معرض الفنون “بينالي البندقية” بإيطاليا، وهي مؤسسة فنون إيطالية يقع مركزها في مدينة البندقية تم تأسيسها عام 1895 وهي خاصة بدعم الفنون المعاصرة، حيث تقيم المهرجانات لعرض أعمال الفن المعاصر من الرسم والنقش والتصميم والنحت والموسيقى والرقص”. مؤكداً على انها ستكون هي “المرة الأولي التي يسمح فيها بعرض الآثار التي ترمز إلى حضارة العراق قانونياً خارج البلاد”.
وقد عرض جناح المتحف الوطني العراقي داخل “بينالي البندقية” الأواني القديمة المصنوعة من الطين، والمزهرية، والمواد الطبية، والآلات الموسيقية وتماثيل الآلهة والحيوانات، وبعضها يعود تاريخه إلى 6.100 قبل الميلاد.
توضح الصحيفة البريطانية، أنها “ستكون هذه هي المرة الأولى منذ عام 1988، التي يتم فيها منح الإذن للآثار الموجودة في المتحف العراقي الوطني لمغادرة العراق. وكان قد تم افتتاح المتحف العراقي رسمياً في شباط/فبراير عام 2015 من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بعد إغلاقه لمدة 12 عاماً، وذلك بعد أن ساهمت الجهود الدولية في استعادة وإرجاع العديد من القطع الآثرية المسروقة والمنهوبة خلال الغزو الأميركي للعراق.
تقول الناشطة ومدير مؤسسة رؤيا للفن المعاصر “تمارا الجلبي”، نجله رجل الأعمال العراقي والسياسي الراحل أحمد الجلبي، في حديثها مع الجارديان: “من المهم أن يرى العالم تراثنا العراقي وآثارنا التي تعبر عن حضارتنا وذلك في الوقت الذي يجري تدميرها”.
لافتة “الجلبي” إلي أن السماح بمغادرة هذه الآثار البلاد بشكل قانوني في اليوم الثاني بعد محاولات الجيش العراقي لإستعادة غرب الموصل من “داعش”، “وترحيلها في هذا التوقيت بالذات إلى معرض بينالي البندقية، الذي يعتبر أكبر معرض فني في العالم، يحمل رسالة خاصة لهؤلاء الناس الذين يعتقدون بأنه لا يوجد فن ولا تراث في العراق أو ليس هناك شيئاً يستحق إنقاذه”. وتشير الجلبي، منظمة المعرض في البندقية، إلى أنها كانت “تسعى جاهدة للحصول على موافقة من السلطات العراقية والشعب العراقي للسماح بتلك الأجسام والآثار لمغادرة البلاد”. مؤكدة على أنها كانت “مهمة ليست سهلة”.
متابعة، بانه قد “تم سرقة ما يقارب من 15.000 قطعة آثرية من المتحف الوطني العراقي أثناء الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 الذي اطاح بحكومة صدام حسين، تم إرجاع ثلث منها في وقت لاحق”. ومن المنتظر أن يتم عرض تمثال من الطين لإلهة الخصوبة، وعدد من التحف البسيطة، كما سيتم عرض معروضات تمثل الحياة اليومية العراقية، مثل “عقد التبني والمدرسية الطين، وكلاهما من الفترة البابلية”.
وتواصل “الجلبي” معلوماتها عن المعرض مؤكدة على انه “سيضم أيضاً عمل جديد من ثمانية فنانين عراقيين. بالإضافة إلى تخصيص جناح خاص لعرض تراث العرق الذي يجمع بين الثقافة العراقية القديمة والمعاصرة”. آملة في “فتح قنوات ثقافية داخل وخارج العراق، والإبتعاد عن التفكير النمطي بأن الطريقة الوحيدة للحفاظ على الآثار هو إبقاءها مغلقة بإحكام داخل المتحف”.
من هي “تمارا الجلبي”؟
وتستعرض الصحيفة البريطانية مسيرة “تمارا الجلبي”، مؤكدة على انها تنتمي إلى “أسرة عراقية ثرية تعمل في القطاع المصرفي، ولها علاقات بالملكية الهاشمية، وهي نجلة أحمد عبد الهادي الجلبي رجل أعمال سابق وسياسي عراقي، اشتهر بمعارضته لحزب البعث الحاكم آنذاك وخاصة صدام حسين، لعب دوراً في إقناع الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين في عام 2003، حاصل على درجة الدكتوراة في الرياضيات من جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة، اختير عضواً في مجلس الحكم العراقي الإنتقالي وترأسه لمدة 30 يوم، كان مهتم بقضية الشيعة في العراق وإعلان اغلبيتهم واحقيتهم في الحصول على الحكم، كما أسس “البيت الشيعي”، وكان له دور بارز في تأسيس قائمة الإئتلاف العراقي الموحد والتي عن طريقها حصل على مقعد في الجمعية الوطنية الإنتقالية التي جرى إنتخابها في 30 كانو ثان/يناير 2005، توفي في 3 تشرين ثان/نوفمبر 2015.
وقد “اهتمت تمارا بالشأن الثقافي، فكانت حريصة كل الحرص على عرض تراث العراق بالخارج، فقامت بتأسيس “مؤسسة رؤيا للفن المعاصر”، وشاركت في معرض بينالي البندقية لعرض أعمال الفنانين العراقيين، فكان هدفها الأول والأخير تقديم جانب من الحياة في العراق مُخالف لما تبثه وسائل الإعلام من مشاهد الدمار والتفجيرات والدم”. حسب ما افاد به تقرير الصحيفة البريطانية.