خاص: إعداد- سماح عادل
مرض التوحد من أخطر الأمراض التي تواجه الأطفال، والذي أصبح ظاهرة في العقود الأخيرة. لذا نسعى إلى فهم كل ما يتعلق بهذا المرض.
مهارات التخاطب..
ولا تتطور مهارات الخطاب لدى حوالي ثلث إلى نصف الأفراد المصابين بالتوحد، بدرجة تكفي احتياجات التواصل اليومي. ويمكن أن توجد اختلافات في التواصل منذ السنة الأولى من عمر الفرد، ويمكن أن تشمل تأخر الاستجابة، والأنماط الصوتية التي لم يتم تزامنها مع من يقوم برعاية المريض. وفي السنة الثانية والثالثة، يصدر الأطفال المصابون هذيانًا متنوعا، وحروفا ساكنة، وكلمات، وعبارات أقل تواترا وتنوعا؛ فإيماءاتهم أقل اندماجا مع الكلمات، واحتمالية طلبهم شيء ما أو تبادلهم خبرات مروا بها تكون قليلة، كما أنهم كثيرا ما يكررون الكلمات التي يقولها الآخرون (لفظ صدوي)، أو يعكسون الضمائر.
ولا شك أن الاهتمام المتبادل هام في الخطاب الوظيفي، ولكن يبدو العجز في ذلك علامة يتسم بها الأطفال المصابون: مثلا ربما ينظرون إلى يد من يشير إلى شيء ما دون النظر إلى هذا الشيء، ويخفقون باستمرار في الإشارة إلى الأشياء أو التعليق على شيء ما أو مشاركة تجربة ما. وقد تكون لديهم صعوبة في الألعاب التي تعتمد على الخيال، أو استخدام الرموز في اللغة.
وأوضحت دراسات ثنائية تم أجراؤها أن الأطفال الذين يعانون من التوحد وتتراوح أعمارهم من خمسة إلى ثمانية أعوام يقومون بأداء متساوي، بينما يؤدي البالغون بشكل أفضل منهم، وذلك في المهام الأساسية الفردية التي تشمل اللغة والمفردات الإملائية. وأدى الفريقان أداء أسوأ في مهام اللغة المعقدة مثل اللغة التصويرية، والفهم والاستدلال. وغالبا ما يخمنون الكثير مما لم يعرفونه من خلال استخدام مهاراتهم اللغوية الأساسية؛ وأشارت الدراسات إلى أن هؤلاء الذين يتحدثون إلى المصابين بالتوحد يكونون أكثر مبالغة في نقل ما يفهمه الجمهور.
التكرار..
يقوم الأطفال المصابون بالتوحد بالعديد من أنماط السلوك المتكرر أو المقيد، والتي صنفها مقياس تقدير السلوك التوحدي على النحو التالي:
النمطية: الحركة المتكررة، مثل ترفرف اليدين، أو دوران الرأس، أو اهتزاز الجسم.
سلوك قهري: المتبع في الالتزام بالقواعد، مثل ترتيب الأشياء على هيئة أكوام أو صفوف.
التماثل: مقاومة التغيير، مثل الإصرار على ألا ينقل الأثاث من مكانه، وعلى ألا يقوم أحد بإيقاف هذا الشخص.
السلوك الشعائري: يمثله نمطٌ غير متغير من الأنشطة اليومية، مثل وجود قائمة ثابتة، أو وجود أحد الطقوس في خلع الملابس. ويرتبط ذلك ارتباطا وثيقا بالتماثل. ويقترح دمج الاثنين معا.
السلوك المقيد: وهو سلوك محدود في التركيز أو الاهتمام أو النشاط، مثل الانشغال ببرنامج تليفزيوني واحد أو الانشغال بلعبة واحدة.
إصابة الذات: وتشتمل على الحركات التي تصيب أو يمكن أن تؤذي الشخص، مثل دبس العين، أو قطف الجلد، أو عض اليد، أو ضرب الرأس. وأفادت دراسة أجريت عام 2007 أن إصابة الذات في مرحلة ما أصابت نحو 30% من الأطفال المصابين بالتوحد.
ويتضح أنه لا يوجد سلوك متكرر بعينه أو إصابة ذاتية بعينها خاصة بالتوحد، ولكن التوحد نفسه يعتبر نمطا مرتفعا لحدوث هذه السلوكيات وزيادة خطورتها.
أعراض مستقلة..
يمكن أن يصاب الأفراد الذين يعانون من التوحد بأعراض مستقلة عن أعراض التشخيص، ويؤثر ذلك على الفرد نفسه أو أسرته. يتميز نحو ما يقدر ب 1.5% إلى 10% من الأفراد المصابين بالتوحد بقدرات غير عادية، بدء من المهارات المنشقة مثل حفظ الأمور البسيطة إلى المواهب النادرة للغاية التي تتواجد لدى العلماء المصابين بالتوحد. ولكثير من المصابين مهارات فائقة في الإدراك والانتباه، مقارنة بعموم السكان. وتم العثور على تشوهات حسية في أكثر من 90% من المصابين، واعتبر البعض ذلك علامة مميزة أساسية، رغم عدم وجود أدلة قوية على أن الأعراض الحسية تميز التوحد عن اضطرابات النمو الأخرى.
وتوجد حالات التشوهات الحسية بشكل أكبر عند المصابين الأقل استجابة مثل الاصطدام بالأشياء، وعند المصابين الأكثر استجابة مثل الاستغاثة عند سماع أصوات عالية، وتكون هذه الحالات كبيرة أيضا عند محاولة المصابين إحداث ضجة لجذب انتباه الآخرين مثل الحركات الإيقاعية. ويقدر أن 60-80% من المصابين لديهم علامات حركية تشمل ضعف العضلات، وضعف التخطيط للحركة، وضعف في المشي على القدمين. ويكون العجز في التنسيق الحركي في حالة طيف التوحد أكبر من ذلك الموجود في حالة التوحد البسيط.
ويصدر سلوك غير عادي في تناول الطعام عند ثلاثة أرباع الأطفال المصابين، لدرجة أن ذلك كان سابقا مؤشرًا لتشخيص المرض. وتعتبر الانتقائية هي المشكلة الأكثر شيوعا، على الرغم من طقوس تناول الطعام ورفضه في بعض الأحيان، فإن ذلك لا يؤدي إلى سوء التغذية. وبالرغم من أن بعض الأطفال المصابين لديهم أعراض أمراض الجهاز الهضمي، فهناك نقص في البيانات المنشورة لدعم النظرية القائلة بإن الأطفال المصابين بالتوحد لديهم أعراض أمراض الجهاز الهضمي بشكل أكثر أو مختلفًا عن المعتاد؛ وتشير الدراسات إلى نتائج متضاربة، وإلى أن العلاقة بين مشكلات أمراض الجهاز الهضمي والتوحد غير واضحة.
قد يُلاحظ على بعض الأطفال المُصابين بالتوحد وجود بعض التشوهات الخلقية البسيطة، مثل تشوهات في الأذن الخارجية أو شذوذ في رسم البصمة على الأصابع وتشوهات أخرى، قد تعكس حصول تأخر في التطور الجنيني للطفل.
ويعاني آباء الأطفال المصابين بالتوحد من مستويين أعلى من التوتر، ويقر أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد أن قدر إعجابهم بشقيقهم المصاب أكبر من إعجابهم بأشقائهم غير المصابين وأنهم أقل تعارضا مع الشقيق المصاب، ويتشابه في ذلك أيضا أشقاء الأطفال المصابين بمتلازمة دوان، ومع ذلك، فقد أبلغوا عن مستويات أقل من التقارب والحميمية مقارنة بأشقاء الأطفال المصابين بمتلازمة داون؛ أشقاء الأفراد الذين يعانون من مرض التوحد لديهم خطر أكبر من الرفاه السلبي وعلاقات أخوية أشد فقرا كبالغين. هناك أدلة مبدئية على أن مرض التوحد يحدث بشكل متكرر عند الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهوية الجندرية.
أساس وراثي..
منذ فترة طويلة يفترض أن هناك سببا مشتركا بين المستويات الوراثية، والمعرفية، والعصبية يؤدي إلى ثالوث أعراض التوحد المميزة. ومع ذلك، هناك شك متزايد أن التوحد هو اضطراب معقد له جوانبه الأساسية ذات الأسباب الواضحة، والتي تحدث معا في كثير من الأحيان.
وللتوحد أساس وراثي قوي، على الرغم من أن جينات التوحد معقدة وأنه لا يتضح ما إذا كان يمكن تفسيره عن طريق الطفرات النادرة بالغة الأثر، أم عن طريق التفاعلات النادرة للمتغيرات الوراثية المشتركة. وتنشأ درجة من التعقيد بسبب التفاعلات بين جينات متعددة، وبسبب البيئة، والعوامل الوراثية التي لا تتغير، ولكنها تتوارث وتؤثر على التعبير الجيني.
وأشارت دراسات التوائم إلى أن الوراثة تصل إلى 0.6 في التوحد و0.9 في طيف التوحد، وإلى أن أشقاء المصابين بالتوحد أكثر عرضة 25 مرة للإصابة به عن عامة السكان. ومع ذلك فإن معظم الطفرات التي تزيد من خطر الإصابة بالتوحد لم يتم تحديدها. وبشكل عام لا يمكن إرجاع سبب التوحد إلى طفرة المندلين (أحادية الجينات) أو إلى شذوذ الكروموسوم الواحد. ولم تظهر أي من المتلازمات الوراثية المرتبطة باضطراب طيف التوحد سببا انتقائيا للتوحد.
وللعديد من الجينات المرشحة الموجودة آثار صغيرة محدودة على أي جين معين. وقد ينتج العدد الكبير للأفراد المصابين بالتوحد في عائلة لم يصاب باقي أفرادها بهذا المرض بسبب تضاعف المادة الوراثية أو حذف جزء منها أو نسخها خلال الانقسام المنصف (الاختزالي). وبالتالي فإن جزءا كبيرا من حالات التوحد قد يرجع إلى أسباب جينية وراثية وليست موروثة: لذا فالطفرة التي تسبب التوحد ليست موجودة في جينيوم الأبوين.
قد يكون تشخيص مرض التوحد أقل لدى النساء والفتيات بسبب افتراض أنه في المقام الأول حالة ذكورية، ولكن الظواهر الوراثية مثل البصمة والربط X لها القدرة على رفع وتيرة وشدة الحالات عند الذكور، وقد تم طرح نظريات لوجود سبب وراثي وراء تشخيص الذكور أكثر من الإناث، مثل نظرية الدماغ المطبوعة ونظرية الدماغ الذكورية المتطرفة.
التشابك العصبي..
وتشير أدلة إلى أن سبب مرض التوحد يعزي إلى اختلال التشابك العصبي. ويمكن أن تؤدي بعض الطفرات النادرة إلى مرض التوحد عن طريق تعطيل بعض مسارات المشابك العصبية، مثل تلك المعنية بالتصاق الخلية. وتشير دراسات استبدال الجينات في الفئران إلى أن أعراض التوحد ترتبط ارتباطا وثيقا بالخطوات التنموية اللاحقة التي تعتمد على النشاط في نقاط التشابك العصبي وعلى تغييرات النشاط المستقلة. وتبدأ كل الماسخات (العوامل التي تسبب تشوهات خلقية) المتعلقة بخطر الإصابة بالتوحد، في النشاط خلال الأسابيع الأولى من الحمل. وعلى الرغم من أن هذا لا يستبعد إمكانية بدء التوحد أو تأثره في وقت لاحق، فهناك دليل قوي على أن مرض التوحد ينشأ في وقت مبكر للغاية من بدء مرحلة النمو.
وبالرغم من أن الأدلة الخاصة بالأسباب البيئية غير مؤكدة ولم تثبتها دراسات موثوقة، تجري عمليات بحث واسعة النطاق. وتشمل العوامل البيئية التي قيل إنها تؤدي إلى – أو على الأقل تساهم في – تفاقم التوحد، أو قد تكون هامة في البحوث المستقبلية، ومن أمثلتها: بعض الأطعمة، والأمراض المعدية، والمعادن الثقيلة، والمذيبات، وعوادم الديزل، والكلور، والفثالات والفينولات المستخدمة في المنتجات البلاستيكية والمبيدات الحشرية، ومثبطات اللهب المبرومة، والكحول، والتدخين، والمخدرات غير المشروعة، واللقاحات، والإجهاد قبل الولادة، رغم عدم وجود أي أدلة تثبت أو تنفي علاقة بعض هذه العوامل بالتوحد بصورة تامة.
وقد يصبح الآباء في البداية مدركين أعراض التوحد التي تحدث لأطفالهم وذلك باقتراب موعد التطعيم الروتيني. وقد أدى ذلك إلى وجود نظريات غير معتمدة تلقي باللوم على اللقاح «الزائد» والمادة الحافظة الموجودة فيه، باعتبارهما السبب في الإصابة بالتوحد. وقد تم اكتشاف أن النظرية الأخيرة التي بحثتها إحدى الدراسات وقامت برفع دعوى قضائية ضدها، كانت عبارة عن «تزوير متقن». وعلى الرغم من أن هذه النظريات تفتقر إلى الأدلة العلمية وأنها غير مقنعة بيولوجيًا، أدى قلق الآباء ومخاوفهم بشأن وجود علاقة بين اللقاح والإصابة بالتوحد إلى خفض معدلات التطعيمات في مرحلة الطفولة وتفشي الأمراض التي تمت السيطرة عليها سابقًا في بعض البلدان، وإلى حالات وفيات بين عدة أطفال كان من الممكن تجنبها.