15 نوفمبر، 2024 2:40 م
Search
Close this search box.

التكلفة الاقتصادية لحرب اليمن وأثرها على أطراف الصراع

التكلفة الاقتصادية لحرب اليمن وأثرها على أطراف الصراع

إعداد/ منصور علي البشيري
يُعَدُّ اليمن أحد أقل الدول نموًّا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويحتل مركزًا متأخرًا في مؤشرات التنمية البشرية العالمية، ويُصنَّف ضمن قائمة الدول منخفضة التنمية ويحتل المركز 168 من بين 188 دولة وفقًا لتقرير التنمية البشرية العالمي 2016؛ حيث بلغت قيمة دليل التنمية البشرية في اليمن حوالي 0.482 مقارنة بحوالي 0.497 لمتوسط الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة وحوالي 0.687 للدول العربية(1).

لم يشهد اليمن فترات استقرار طويلة تمكِّنه من تحقيق أهدافه التنموية المنشودة؛ إذ وقع ضحية الصراعات المسلحة والعنف المتكرر بين النخب السياسية والحركات المسلحة أبرزها الحرب الأهلية عام 1994 وحروب صعدة الست (2004-2010) مع جماعة الحوثي، إلى جانب الأنشطة الإرهابية التي شهدها اليمن خلال العقود الماضية والتي أثَّرت سلبًا على صورة اليمن إقليميًّا ودوليًّا وأبرزته كبلد غير آمن وغير مستقر، وصولًا إلى الحرب الحالية بين الحكومة الشرعية المعترف بها إقليميًّا ودوليًّا مسنودة بالتحالف العربي وبين جماعة الحوثيين وحلفائهم من أعضاء المؤتمر الشعبي العام.

ومع أن الأسباب الجذرية للصراعات المختلفة في اليمن متعددة ومتنوعة، إلا أن أهمها كان انعدام العدالة والمشاركة السياسية الحقيقية والحرية الحقيقية وغياب المواطنة وصعوبة الوصول للخدمات الاجتماعية والتنمية المتساوية والمستدامة، وما نتج عنها من قضايا متعلقة بالعدالة في توزيع الموارد والثروات على المناطق والمحافظات اليمنية وبالأخص المناطق المنتِجة للموارد والثروات.

على وقع احتجاجات شاملة اجتاحت دولًا أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خرجت المظاهرات الشعبية (الثورة الشبابية الشعبية) في اليمن، في فبراير/شباط 2011، للمطالبة بتحقيق العدالة وبحكومة أكثر مشروعية واستجابة للمواطنين والتي انتهت بتوقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، والتي كان من أهم مخرجاتها تسليم السلطة من الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، إلى رئيس توافقي وتشكيل حكومة توافق وطنية تمثِّل كل فرقاء العمل السياسي وانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي انطلق في 18 مارس/آذار 2013، والذي مثَّل نقلة نوعية في مسار المصالحة الوطنية الشاملة في اليمن؛ حيث استهدف المؤتمر إجراء مراجعة عميقة وشفافة ومسؤولة لكل الاختلالات ومكامن الضعف في هياكل الدولة والممارسات السلبية التي أفضت لمشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية وضعت اليمن ضمن قائمة الدول الفاشلة والمهددة بالانهيار(2).

لقد خرج مؤتمر الحوار الوطني بمجموعة من الرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان يمكن أن تكون أرضية مناسبة لبناء السلام المستدام في اليمن، وأهمها: صياغة دستور جديد لليمن وتحوله من دولة بسيطة (مركزية) إلى دولة مركبة (فيدرالية/اتحادية) تهدف إلى ضمان الشراكة العادلة في الثروة والسلطة وللحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعيين، إلا أن التطورات العسكرية المتزامنة مع الحوار والتالية له وفشل المكونات اليمنية والدول الراعية لعملية الانتقال السياسي في التوصل إلى تسوية سياسية متفق عليها وبالأخص فيما يتعلق بموضوع الأقاليم وعددها، قد أسهم في العودة وبقوة نحو الصراع والحرب من جديد بين أطراف الصراع، بل وانخراط العديد من دول الإقليم في هذا الصراع بصورة مباشرة كما هي الحال بالنسبة لكل من السعودية والإمارات أو غير مباشرة بالنسبة لإيران وحلفائها في المنطقة.

لقد أفرزت الحرب الأهلية منذ مارس/آذار 2015 وحتى الآن ضغوطًا اقتصادية واجتماعية وإنسانية كبيرة على اليمن واليمنيين؛ حيث أسهمت -وبصورة كبيرة- في تراجع الأداء الاقتصادي وتدهوره بصورة حادة نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي العام والخاص وحالة الحصار المفروضة على البلد، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وبالذات البنى التحتية والمؤسسية؛ الأمر الذي انعكس في تدني مستوى الدخل وتزايد معدلات البطالة واستشراء الفساد وسوء توزيع الموارد والثروات. إلى جانب تدهور الجانب الاجتماعي والإنساني المتمثل في تزايد حالات النزوح والقتل واللجوء والتشريد وتزايد حالات سوء التغذية وتفشي الأمراض الوبائية وما صاحب ذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان. كما أفرزت هذه الحرب أيضًا ضغوطًا على دول التحالف وبالأخص كل من السعودية والإمارات سواء على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الحقوقي والدبلوماسي ولحق بها العديد من الخسائر البشرية والمالية، وهو ما تحاول هذه الورقة رصده وتحليله ومعرفة آثاره وتداعياته على حاضر اليمن ومستقبله.

1. التكلفة الاقتصادية والإنسانية على اليمن 2015-2018
من المؤكد أن الحرب الأهلية الجارية في اليمن، والتي دخلت عامها الرابع، قد ألحقت باليمن واليمنيين أضرارًا بالغة على المستوى الاقتصادي والإنساني، ويمكن تقسيم تلك الأضرار إلى قسمين: الأول: الأضرار المباشرة للحرب والمتمثلة في القيمة المالية للأصول الاقتصادية والاجتماعية المدمرة سواء العامة أو الخاصة، والثاني: يتمثل في تكلفة الفرصة البديلة التي خسرتها القطاعات الإنتاجية والخدمية والتي توقفت بشكل جزئي/كلي عن العمل والإنتاج جرَّاء الحرب وغياب مقومات السلامة الإنتاجية أو لعدم وجود موارد الطاقة اللازمة للإنتاج، فضلًا عن التكلفة الإنسانية المتمثلة في تزايد حالات القتل والإصابة والنزوح والتهجير القسري من المدن والمحافظات المختلفة.

على الرغم من عدم وجود تقييم وحصر دقيق لحجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد اليمني جرَّاء الحرب المستمرة والتدمير المستمر للبنى التحتية والمنشآت العامة والخاصة الإنتاجية والخدمية وعدم قيام الجهات المعنية بعمل المسوحات الفنية اللازمة لتحديد حجم هذه الأضرار، إلا أن هناك بعض التقارير والدراسات التي حاولت أن تعطي تقديرات أولية لحجم هذه الخسائر، والتي يمكن استعراضها في التالي:

1.1. التكلفة الإنسانية للحرب

ففي جانب الخسائر البشرية، تشير تقديرات الاحتياجات الإنسانية الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (3)، في يناير/كانون الثاني 2018، إلى وصول عدد ضحايا الحرب في اليمن إلى حوالي 62 ألف شخص منهم 9.2 آلاف قتيل وحوالي 52.8 ألف جريح، منهم قرابة 3.3 آلاف طفل ما بين قتيل وجريح. كما تشير تلك التقارير إلى وجود حوالي 22.2 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية يشكِّلون 75% من إجمالي عدد السكان، منهم 11.3 مليون شخص في حاجة ماسَّة وشديدة للمساعدات الإنسانية منهم 8.4 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويواجهون خطر المجاعة بمن فيهم 3 ملايين نازح في الداخل. فضلًا عن وفاة حوالي عشرة آلاف يمني ممن يحتاجون للعلاج خارج البلاد، بسبب إغلاق مطار صنعاء من قبل قوات التحالف.

2.1. التدمير الممنهج للبنى التحتية

تعرَّض رأس المال المادي الذي تراكم خلال العقود الخمسة الماضية، والذي كان في الأساس لا يفي باحتياجات السكان من الخدمات الأساسية وبالذات خدمات الكهرباء والمياه والطرقات والإسكان، إلى أضرار واسعة النطاق جرَّاء الاستهداف المباشر والممنهج لهذه البنى، من قبل أطراف الصراع كافة بما فيها التحالف العربي، عبر الغارات الجوية التي دمرت غالبية تلك المرافق بصورة كلية أو جزئية كان آخرها استهداف منشآت استخراج وتوزيع المياه في مدينة الحديدة خلال شهر يوليو/تموز 2018.

ونظرًا لاستمرار الحرب وبالتالي استمرار التدمير لبقية البنى التحتية من كافة أطراف الصراع فإنه من الصعوبة بمكان التوصل إلى تقييم شامل للأضرار وبالتالي فإن ما سنذكره في هذا الجانب ما هو إلا تقديرات أولية صادرة عن بعض الجهات ذات العلاقة، ففي جانب الخسائر المادية وحتى يوليو/تموز 2018، تشير بعض التقارير الحقوقية غير الرسمية(4) إلى تضرر البنية التحتية بشكل كبير جرَّاء الحرب؛ حيث تشير إلى تضرر 15 مطارًا، 14 ميناء، 2512 طريقًا وجسرًا، 727 خزانًا وشبكة مياه، و185 محطة ومولد كهرباء، و421 شبكة اتصالات، و882 مدرسة ومعهدًا، و318 مستشفى ومركزًا صحيًّا، و1797 منشأة حكومية، و360 محطة وقود سيارات، و265 ناقلة وقود، و316 مصنعًا، و295 مزرعة دواجن ومواشٍ، و490 موقعًا أثريًّا ومنشأة سياحية، و112 منشأة رياضية.

3.1. التكلفة الاقتصادية للحرب (تكلفة الفرصة الضائعة)

على الرغم من اتسام الوضع الاقتصادي العام في اليمن، قبيل اندلاع الحرب الأهلية الأخيرة والتدخل الإقليمي، بانخفاض معدل النمو الاقتصادي الحقيقي مقارنة بالاحتياجات التنموية على مستوى الفرد وتحسن مستوى الدخل أو على مستوى البلد وما تتطلبه العملية التنموية من موارد وإمكانيات لازمة لتحقيق أهداف التنمية المتعلقة بنقل اليمن من إطار الدول الأقل نموًّا على المستوى العالمي إلى مستوى الدول متوسطة الدخل، إلا أن هذه الحرب قد عملت على تجريف ذلك الأداء المتواضع وتحويله إلى خسائر اقتصادية متراكمة سنة بعد أخرى تنعكس وبصورة مباشرة على حياة اليمنيين لتجرعهم مزيدًا من البؤس والفقر والجوع.

ففي جانب الأداء الاقتصادي الكلي، تشير بعض التقديرات الاقتصادية (5) إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي اليمني بصورة كبيرة خلال السنوات 2015–2018 جرَّاء الحرب والصراع؛ حيث قُدِّرت الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بحوالي 47.1%، بمعنى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال سنوات الحرب الأربع قد خسر ما يقارب 50 مليار دولار، مع العلم بأن متوسط خسائر الحرب في دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط يتراوح ما بين 6-15% فقط من الناتج المحلي وعلى المستوى العالمي ما بين 4-9%. وترجع الزيادة في خسائر الناتج المحلي الإجمالي في اليمن مقارنة بالدول الأخرى إلى ترافق الحرب مع حالة من الحصار البري والبحري والجوي المفروض على اليمن من قبل قوات التحالف العربي من ناحية، ومن ناحية ثانية استخدام أطراف النزاع في الداخل موارد الطاقة اللازمة للعملية الإنتاجية كأدوات في نزاعها وبالذات الكهرباء والمشتقات النفطية، فضلًا عن انقسام مؤسسات الدولة الاقتصادية بين طرفي النزاع.

في جانب الموازنة العامة للدولة، تشير تقارير وزارة المالية إلى تراجع الإيرادات العامة للدولة بحوالي 50% خلال العام 2015 و60% خلال عام 2016؛ حيث تراجعت الإيرادات العامة من حوالي 2.2 تريليون ريال يمني في عام 2014 إلى حوالي 1.1 تريليون في عام 2015 ثم إلى 900 مليار ريال فقط في عام 2016 (وصل سعر الصرف للريال اليمني في بداية أغسطس/آب 2018 إلى حوالي 550 ريالًا/دولار). ويعود ذلك بصفة أساسية إلى توقف إنتاج وتصدير النفط والذي تُمثل عوائده قرابة الـ 50% من إجمالي الإيرادات، فضلًا عن تعليق المساعدات الخارجية للموازنة العامة. ونتيجة لتراجع الإيرادات فقد انكمشت النفقات العامة هي الأخرى وبنسبة تصل إلى 36% عام 2016 مقارنة بعام 2014، مع العلم بأن انقسام البنك المركزي اليمني بين صنعاء وعدن قد عمل على تعطيل الموازنة العامة للدولة خلال العامين 2017 و2018 لتواجه بذلك الموازنة العامة أزمة سيولة أسهمت في توقف دفع رواتب نسبة كبيرة من الموظفين والمتقاعدين وبالذات في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين ولقرابة العامين.

ومع توقف تدفق إيرادات الصادرات النفطية والغازية إلى خزينة الدولة جرَّاء توقف الإنتاج والتصدير، عمل البنك المركزي على سحب الاحتياطيات الخارجية لتغطية واردات السلع الأساسية؛ حيث تراجع الاحتياطي النقدي الخارجي من 4.2 مليارات دولار نهاية العام 2014 إلى 485 مليون دولار فقط نهاية العام 2016؛ الأمر الذي أسهم في تدهور قيمة العملة المحلية بصورة كبيرة ليصل سعر الصرف للريال اليمني في بداية أغسطس/آب 2018 -كما سبق القول- إلى حوالي 550 ريالًا/دولار مقارنة بحوالي 215 ريالًا/دولار في مارس/آذار 2015، فضلًا عن ارتفاع معدل التضخم وبصورة كبيرة.

4.1. خسائر القطاع الخاص

نظرًا للدور الاقتصادي الكبير الذي يلعبه القطاع الخاص في اليمن باعتباره القطاع المهيمن على مجمل الأنشطة الاقتصادية باستثناء قطاع النفط والغاز، فقد كانت وطأة الحرب والخسائر الناتجة عنها كبيرة على القطاع الخاص، وبالذات في قطاعات تجارة الجملة والمطاعم والفنادق والنقل والتخزين والاتصالات والبناء والتشييد والتمويل والتأمين والعقارات، ومن خلال مقاربات حسابية مستندة إلى مساهمة القطاع الخاص في تركيب الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات السابقة للحرب والمقدرة بحوالي 56%(6) فإن الخسائر التي لحقت بالقطاع الخاص جرَّاء توقف النشاط الاقتصادي له بصورة كلية أو جزئية في منشآته تتراوح ما بين 25-27 مليار دولار، وإذا ما تم إضافة الخسائر الناتجة عن تدمير المنازل الخاصة والمنشآت الصناعية والتجارية والزراعية ووسائل النقل الخاصة فإن إجمالي خسائر القطاع الخاص ستتضاعف بالتأكيد.

من ناحية ثانية، أشار مسح تأثير الأزمة اليمنية على القطاع الخاص (7) الذي أعدته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة كانت الأكثر تضررًا من النزاع وبنسبة تصل إلى 34% من إجمالي الشركات مقارنة بحوالي 17% من الشركات الكبيرة. كما أن الشركات العاملة في مجال الخدمات كانت الأكثر تضررًا حيث توقف حوالي 35% منها عن العمل مقارنة ببقية الشركات العاملة في القطاعات الأخرى.

ومن حيث المناطق الأكثر ضررًا على منشآت القطاع الخاص، يبين التقرير أن حوالي 95% من منشآت القطاع الخاص في كل من عدن وتعز قد تضررت بصورة جزئية أو كلية. وفي المقابل، كانت الأضرار التي لحقت بالشركات في صعدة أكثر كثافة وبنسبة 43% من إجمالي التكلفة التقديرية لمتوسط الأضرار. من ناحية ثانية، تشير نتائج المسح إلى أن الغالبية العظمى من الشركات (%73) ليس لديها إمكانية الحصول على التمويل منذ اندلاع الحرب وفقط 14% من الشركات حصلت قرض.

2. التكلفة الاقتصادية والبشرية على دول التحالف 2015-2018
مع دخول الحرب في اليمن عامها الرابع دون أفق واضح لتحقيق السلام سواء عبر المسارات السياسية أو الحسم العسكري، تستمر الخسائر البشرية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لدول التحالف العربي وبالذات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارهما الدولتين المتورطتين بصورة مباشرة بالحرب في هذا البلد بما لذلك من انعكاسات سلبية كبيرة على الصورة العامة لهما على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

وعلى الرغم من تكتم دول التحالف على خسائرها الاقتصادية والبشرية في حربها على اليمن خلال السنوات الماضية، إلا أن هناك العديد من التقديرات التي تنشرها مراكز الأبحاث المتخصصة، فوفقًا لصحيفة الواشنطن بوست، فإن الخسائر البشرية للمملكة العربية السعودية في المناطق الجنوبية تقدر بنحو 2500 جندي، و60 ضابط صف ومن الرتب العليا. ومن حيث مستوى الإنفاق المالي على الحرب قدَّرت مجلة التايمز البريطانية تكلفة الحرب بنحو 200 مليون دولار يوميًّا، أي 72 مليار دولار سنويًّا و252 مليار دولار خلال سنوات الحرب، فيما تقدر مصادر أخرى التكلفة بمبلغ أكبر بكثير، فوفقًا لتقديرات فورين بوليسي فقد بلغت تكلفة الحرب التي تكبدتها السعودية في الأشهر الستة الأولى فقط والمتعلقة بالصفقات العسكرية حوالي 725 مليار دولار (8).

1.2. تداعيات الحرب على الاقتصاد السعودي

وبدون الخوض في التفاصيل الدقيقة للخسائر الاقتصادية التي تحملتها السعودية في حربها على اليمن خلال السنوات الماضية، يمكن التطرق إلى مجموعة من المؤشرات الاقتصادية المنشورة ضمن التقارير الاقتصادية السعودية (9) والتي قد تعطي صورة أولية لحجم الخسائر المالية والاقتصادية السعودية في حربها على اليمن خلال الفترة، وذلك على النحو الآتي:

– تزايد نفقات الدفاع (الإنفاق العسكري) بصورة سنوية؛ حيث تزايدت من 160 مليار ريال (42.7 مليار دولار) في العام 2015 إلى 190 مليار ريال (50.7 مليار دولار) في عام 2017 وإلى حوالي 210 مليار ريال (56 مليار دولار) في موازنة العام 2018، وبمعدل نمو سنوي متوسط يصل إلى 9.5%، مع العلم بأن جزءًا كبيرًا من النفقات العسكرية ونفقات الحرب الأخرى يتم إدراجها ضمن بنود أخرى في الموازنة العامة وبعضها لا تتضمنه الموازنة.

– تزايد عجز الموازنة العامة خلال السنوات الثلاث الماضية على الرغم من زيادة الإيرادات العامة بصورة كبيرة جرَّاء ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية وزيادة العوائد المالية لتصدير النفط السعودي، فضلًا عن زيادة الإيرادات الناتجة عن فرض ضرائب ورسوم جديدة على المواطنين والمقيمين في المملكة وخفض الدعم الموجه للمشتقات النفطية والخدمات الأساسية؛ حيث ارتفع عجز الموازنة العامة من 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى 15.8% عام 2015 قبل أن يتراجع العجز بصورة محدودة في العامين 2016، 2017 ليصل إلى 12.9% و9.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

– لمواجهة الإنفاق العسكري الكبير ولتغطية عجز الموازنة العامة، لجأت السعودية إلى السحب من أصولها الخارجية، بحيث تراجعت قيمة الأصول الخارجية من 732.3 مليار دولار في عام 2014 إلى 616.3 مليار دولار عام 2015 ثم إلى 535.7 مليار دولار، و496.5 مليار دولار في العامين 2016 و2017 على التوالي وبمعدل تراجع سنوي بمتوسط حوالي 12.1%.

– لجوء المملكة إلى الدَّيْن العام لتغطية نفقاتها العسكرية وتمويل عجز الموازنة العامة بشقية المحلي والخارجي، حيث ارتفع الدين العام من 44.3 مليار ريال وبما نسبته 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى 142.2 مليار ريال وبنسبة 5.8% من الناتج المحلي عام 2015، ليواصل الارتفاع في العامين 2016 و2017 بصورة كبيرة، حيث بلغ عام 2016 حوالي 316.6 مليار ريال وبنسبة 13.1% من الناتج المحلي وحوالي 443.3 مليار ريال وبنسبة 17.2% عام 2017، وبذلك فإن الدين العام للملكة قد حقق نموًّا متوسطًا خلال فترة الحرب بلغ 128%.

2.2. تداعيات الحرب على الاقتصاد الإماراتي

وبالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فنظرًا لصغر حجم مشاركتها في الحرب على اليمن مقارنة بالمشاركة السعودية سواءً من حيث عدد الطائرات المقاتلة أو من حيث القوات البرية واعتمادها بصورة شبه كلية على القوات اليمنية الموالية لها تحت اسم الأحزمة الأمنية أو النخب المناطقية التي أنشأتها في المحافظات الجنوبية من اليمن والمقدرة بحوالي 35 ألف مجند؛ فقد حدَّ هذا الأمر من خسائرها البشرية والمالية في هذه الحرب مقارنة بالخسائر السعودية؛ حيث تشير بعض المصادر(10) إلى أن الخسائر البشرية للإمارات في حرب اليمن منذ عام 2015 بلغت حوالي 111 فردًا، وفي الجانب الاقتصادي تشير بعض التقديرات إلى أن الإمارات تنفق قرابة 1.3 مليار دولار على تدخلها في اليمن شهريًّا وبما يساوي 16 مليار دولار سنويًّا وحوالي 55 مليار دولار خلال سنوات الحرب.

من ناحية أخرى، ترى بعض المصادر(11) والدراسات أن خسائر الإمارات أكبر بكثير مما ورد أعلاه مستندة في ذلك إلى عدد من المؤشرات في جانب السياسات الاقتصادية التي تم اتخاذها في السنوات الماضية، وعلى رأسها: قيام السلطات الاتحادية برفع معدل الضرائب والرسوم على الخدمات في الإمارات على المواطنين والمقيمين وإزالة الدعم عن بعض السلع والخدمات التي تقدمها الحكومة وأهمها المشتقات النفطية، إلى جانب لجوء الإمارات إلى الصندوق السيادي للدولة لتغطية نفقاتها في اليمن وسدِّ عجز الموازنة بحيث تراجعت أصول الصندوق قرابة 30 مليار دولار نهاية عام 2015، كما أنها خفضت حيازتها من سندات الخزانة الأميركية من 200 مليار دولار إلى 66 مليار دولار فقط منتصف عام 2017.

وإلى جانب الخسائر البشرية والاقتصادية التي تتكبدها الإمارات في اليمن، فإنها تتحمل خسائر أخرى تتمثل في اهتزاز صورتها لدى غالبية اليمنيين وبالأخص في المناطق المحررة من الحوثيين؛ حيث أدت التصرفات الفردية الإماراتية الرامية إلى إضعاف الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دوليًّا من خلال بناء تشكيلات عسكرية مسلحة غير خاضعة لمؤسسات الشرعية وتعمل على عرقلتها في عدن والمحافظات الجنوبية وتعز من خلال نشر الفوضى الأمنية، إلى جانب شروعها في بناء قواعد عسكرية في بعض الجزر اليمنية بدون أي تنسيق مع الحكومة اليمنية أو حتى علمها، كل ذلك قد حوَّل نظرة اليمنيين تجاه الإمارات من دولة مشاركة في حرب إعادة الشرعية اليمنية إلى دولة احتلال لها مطامع اقتصادية وسياسية في اليمن بغض النظر عن موقف الحكومة اليمنية وسكوتها تجاه التصرفات الإماراتية في غالب الأحيان.

خاتمة

من خلال ما سبق، يمكن القول: إن الحرب الأهلية في اليمن وما صاحبها من تدخل إقليمي من قبل كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحت اسم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، قد أدت إلى أضرار وخسائر بشرية وإنسانية واقتصادية كبيرة وفادحة تحمل اليمن الجزء الأكبر منها. فإلى جانب الخسائر البشرية الجسيمة والمشكلة الإنسانية التي خلَّفتها الحرب لتصل -وفق تصريح لمساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية- إلى أنها أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم من صنع البشر، فقد لحقت بالاقتصاد اليمني خسائر اقتصادية جسيمة تفوق في تقديراتها الأولية وحتى اليوم الـ 100 مليار دولار ولا يمكن لليمن واليمنيين تعويضها بسهولة في المرحلة القادمة إذا ما تحقق السلام في هذا البلد.

وإلى جانب الخسائر التي لحقت باليمن، فقد نالت كل من السعودية والإمارات نصيبها من الخسائر البشرية، وإن كانت محدودة مقارنة بخسائر اليمنيين، إلا أنها تكبدت خسائر اقتصادية كبيرة ربما تفوق قيمتها حجم الضرر والخسائر التي لحقت باليمن، مع العلم بأن الجزء الأكبر من هذه الخسائر كان من نصيب السعودية.

وإلى جانب الخسائر الاقتصادية التي لحقت بدول التحالف هناك خسائر سياسية وأخلاقية وحقوقية لهذه الدول خلال حربها في اليمن، وبالإمكان أن تزيد خسائرها على مستوى ثقة المستثمرين وخلق الوظائف، فضلًا عن الخسائر المحتملة لفقدان ثقة مواطنيها جرَّاء السياسات الخاطئة التي ترتكبها في حق شعوبها وفي حق المنطقة وسعيها لتحميل المواطن جزءًا كبيرًا من تكاليف مغامراتها في الخارج من خلال زيادة الضرائب ورفع الدعم المقدم للسلع والخدمات الأساسية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*منصور علي البشيري- باحث اقتصادي يمني.

مراجع
(1) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، تقرير التنمية البشرية 2016 تنمية المجتمع، لمحة عامة، تقرير، 2016، ص 24، (تاريخ الدخول: 2 أغسطس/آب 2018): http://hdr.undp.org/sites/default/files/HDR2016_AR_Overview_Web.pd
(2) الجمهورية اليمنية، وثيقة الحوار الوطني الشامل، تقرير، صنعاء 2014، ص 13، (تاريخ الدخول: 2 أغسطس/آب 2018): http://www.ndc.ye/ndc_document.pdf
(3) مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، خطة الاستجابة الإنسانية الطارئة لليمن 2018، يناير/كانون الثاني 2018، ص 4، (تاريخ الدخول: 2 أغسطس/آب2018): http://ye.one.un.org/content/dam/unct/yemen/docs/unct-ye-YHRP-doc-2018-Ar.pdf
(4) المركز القانوني للحقوق والتنمية، نشرة إحصائية، يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 2 أغسطس/آب 2018): http://www.lcrdye.org/
(5) إصدارات وزارة التخطيط والتعاون الدولي، نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية، تقرير، (العدد 34، يونيو/حزيران 2018)، ص 2-3.
(6) البشيري، منصور علي، اليمن: أولويات الإعمار وإعادة التأهيل، ورقة عمل غير منشورة، يناير/كانون الثاني 2017، ص7.
(7) إصدارات الصندوق الاجتماعي للتنمية، وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر، Business Climate Survey، تقرير، 16 مارس/آذار 2015.
(8) حمداني، زهير، “بالدولار.. خسائر السعودية بحرب اليمن في عامها الرابع”، الجزيرة نت، 27 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 2 أغسطس/آب 2018): http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2018
(9) إصدارات مؤسسة النقد العربي السعودي، الإحصاءات السنوية 2017، تقرير، مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: أغسطس/آب 2018):
http://www.sama.gov.sa/ar-sa/EconomicReports/Pages/YearlyStatistics.asp
(10) عبد الحق، صادق، “خسائر الإمارات في اليمن ودوافع ترميم علاقتها بهادي”، العربي الجديد، 14 يونيو/حزيران 2018، (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2018): https://www.alaraby.co.uk/politics/56baf3f3-d788-4d4c-b000-ab169b7d67e7
(11) إصدارات مركز الإمارات للدراسات والإعلام، النشرة الأسبوعية، 8 فبراير/شباط 2018، ص4، (تاريخ الدخول: أغسطس/آب 2018): https://drive.google.com/file/d/1p1fxQ1gog6poz7jHdas0wbgZE–cAAh1/view
المصدر/ الجزيرة للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة