16 نوفمبر، 2024 1:48 م
Search
Close this search box.

التطوّر الأمني للمنظمات الاستخبارية الصهيونية

التطوّر الأمني للمنظمات الاستخبارية الصهيونية

إعداد/ عبد العزيز أبو عليان
لم يختلف المستوطنون الصهاينة، حول معاداة الدولة العثمانية للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين، لكن الخلاف كان حول الطرق الواجب اتباعها لمعارضة السلطات العثمانية، فكان بعضهم يرى أنه يجب التظاهر بالوقوف إلى جانبها بالأموال والسلاح، والتطوع، وقامت مجموعة أخرى – تم طردها إلى مصر – بالتطوع في الجيش البريطاني لمكافحة الأتراك، وقرر آخرون العمل بسرية في ظل وجود السلطات العثمانية لتزويد البريطانيين بالمعلومات حول ما يجري في فلسطين، فكانت منظمة نيلي الاستخبارية.
انتشر الجراد أثناء الحرب العالمية الأولى في آذار (مارس) عام 1915م، في فلسطين وبلاد الشام، وتسبب ذلك في إبادة الزراعة ؛ لذلك عيّن جمال باشا(1 ) الصهيوني أهارون أهرونسون (Ahron Ahronson ) (2 ) ،مدير محطة التجارب الزراعية في عتليت(3 )، مسئولاً عن مكافحة الجراد ؛ فقسم أهارون فلسطين إلى عشرين منطقة، وفي كل منطقة عيّن مراقباً صهيونياً من سكان المستوطنات من أجل مساعدته في المهمة، وعندما قررت السلطات العثمانية إبعاد أعداد كبيرة من اليهود ؛ قرر أهارون تقديم استقالته من ملف مكافحة الجراد، ومساعدة بريطانيا والوقوف معها ضد السلطات التركية، مقابل الحصول على وعد من بريطانيا على أن تكون فلسطين للصهاينة ؛ فلم يقبل جمال باشا استقالته، وبقي يمارس نشاطاته في مكافحة الجراد، وينتقل في كل مكان من فلسطين ( 4 ) .
بعد فشل الهجوم التركي على قناة السويس عام 1915م، رأى أهارون أهرونسون، ضرورة الوقوف مع بريطانيا، بإمدادها بمعلومات استخبارية تفيدها في عملها العسكري ضد الأتراك (5 ) ؛ لذا شكّل أهارون أهرونسون مجموعة عُرفت باسم (مجموعة أهرونسون) (6 ) ، وبرز منها : أهارون أهرونسون، وأخوه الكسندر(7 )،وأخته سارة(8 )،وأبراهام أبشالوم( فاينبيرغ )(9 )، ونعمان بلكيند( 10)،ويوسف ليشنسكي(11 ).
وتحوّل اسم المجموعة في عام 1917م، إلى نيلي(12 )، وقرر أهارون الاتصال بمكتب المخابرات البريطانية في بورسعيد، الذي كان يرأسه وولي(Woolley )، فأرسل أخاه ألكسندر أهرونسون( Alexander Aharonson )، للقيام بتلك المهمة، ولكن محاولته فشلت (13 ) .

أولاً: التطوّر التاريخي لمنظمة نيلي:
لجأ أهرونسون لتجنيد مخبرين له في المستعمرات الصهيونية الجنوبية ممن يستطيعون التجول في منطقة بئر السبع وما جاورها، واستخدام النساء للحصول على المعلومات وخاصة في دمشق مقر الأركان العامة التركية، وتمكنت سارة أهرونسون من جمع المعلومات عن الفرق التركية وتمركزها، وخرائط المواقع العسكرية التركية، وتم إرسالها إلى القوات البريطانية(14 )، وتوقف الاتصال بالبريطانيين بعد أسر قائد مكتب المخابرات البريطانية (وولي )، ورأى أهرونسون أنه يجب مغادرة فلسطين والذهاب إلى إنجلترا( 15)،وفي نهاية عام 1916 م، غادر أهرونسون إنجلترا متجهاً إلى مصر(16 )؛ ليتمكن من متابعة عمل منظمته عن قرب.
ظهرت عدة أزمات في العلاقات الداخلية بين أعضاء منظمة نيلي لأسباب متعددة، في الوقت الذي كان يدور العمل بنشاط، لجمع المعلومات وتنظيم أعمال التجسس، حيث كانت تناقضات بين أعضاء نيلي الذين كانوا متطوعين، وأولئك الذين خدموا في مجال الدعاية، وطالبوا بأجور وأموال لهم، وإخراج عائلاتهم من فلسطين خوفاً عليهم عندما يتم القبض عليهم، ولم تكن نيلي تستطيع التخلي عنهم(17 ).
وكان من أسباب الخلاف: مقتل أبشالوم، حين قررت القيادة إخفاء موته؛ مما أدى إلى إثارة الشكوك حول القاتل؛ فاتهم نعمان بلكيند يوسف ليشنسكي، وزعم أنه قتل أبشالوم صديقه من أجل ترؤس المجموعة(18 ).

علاقة نيلي مع اليشوف:
واجهت منظمة نيلي منذ ظهورها العديد من العقبات، فقد أثارت عمليات التجسس التي نفذتها قلق قيادة اليشوف الصهيوني، في حال اكتشاف تعاونها مع البريطانيين، مما يؤدي إلى ضربات من الأتراك للصهاينة؛ فسخرت المنظمة من موقف اليشوف الصهيوني، فازداد الخناق عليها(19 ).
أرادت منظمة هاشومير (الحارس) مكافحة وإنهاء منظمة نيلي؛ فقد عرض يسرائيل جلعادي تفكيك المنظمة على اللجنة السياسية في اليشوف؛ فقررت اللجنة عدم التسرع في الموافقة على المقترحات التي قدمها ضد منظمة نيلي، بعد تسلمهم الذهب الذي جاء لهم من مصر عن طريق نيلي؛ فخفَّت نسبة المعارضة لها، وأدرك أعضاء اللجنة السياسية أنه يمكن الاستفادة من نيلي، فهي قادرة على حماية المستوطنين من المجاعة، ولم تطلب نيلي منهم، سوى عدم التدخل في نشاطات التجسس( 20) .
أخذت نشاطات نيلي بالتزايد والتوسع، وازداد تأثيرها على قيادات ومؤسسات اليشوف، حيث انضم عدد كبير من الرجال المهمين في القيادة؛ مما آثار الخوف عند أعداء نيلي داخل اليشوف، خاصة لدى منظمة هاشومير (الحارس)، بعد أن تقلصت نشاطات الحارس، وأخذت نيلي في العلو(21 ).
انقسمت منظمة هاشومير تجاه نيلي قسمين؛ قسم في الجليل الأعلى بقيادة يسرائيل جلعادي، حيث كان يطالب بتفكيك المنظمة، وقسم آخر أراد التعاون مع نيلي، وعقدت لقاءات بينهما، وجرى الاتفاق على أن تقوم نيلي بتهريب بعض قيادات هاشومير المطلوبة للقوات التركية عبر البحر( 22).
تعاملت قيادة اليشوف واللجنة السياسية مع نيلي كأمر واقع، واتخذوا قراراً بالتعامل معها،حيث تقوم نيلي بنقل اثنين من ممثلي القيادة للمشاركة في المؤتمر الصهيوني، عن طريق البحر، ومع تلك الخطوة عبّر أهارون أهرونسون عن فرصته في ذلك التقدم في مذكراته بخصوص تطور العلاقة مع اليشوف واعترافه الضمني بوجود نيلي ونشاطاتها قائلاً:” الآن ليس لدينا شيء نخجل منه ونخفيه، على العكس تماماً، الآن نستطيع أن نقول لهم،عن طبيعة العلاقة بيننا وبين أصدقائنا خارج فلسطين” (23 ).
بعد كشف أمر منظمة نيلي، والبحث عن يوسف ليشنسكي قرر أعضاء الحارس قتل ليشنسكي وتسليم جثته للأتراك، خوفاً من القبض عليه حياً؛ فيقوم بالإبلاغ عن أعضاء (الحارس) كعملية انتقام منهم، وفي يوم 9 أكتوبر(تشرين أول )عام 1917م، نقل أعضاء الحارس ليشنسكي إلى شاطئ البحر، وحاولوا اغتياله، وأصيب بطلقات، لكنه نجح في الهرب، وحاول الوصول إلى البريطانيين، وقبض عليه البدو في 20 تشرين أول (أكتوبر )عام 1917م،وسلموه للأتراك، وتم نقله لدمشق وحُكم عليه مع نعمان بلكيند بالموت، وفي 16كانون أول (ديسمبر)عام1917م،تم إعدامهما( 24)،كما تم اعتقال سارة أهرونسون وباقي أعضاء القيادة، والعناصر، وبذلك تم القضاء على التنظيم الأمني الصهيوني(نيلي)(25 ).

ثانياً: القواعد الأمنية وتطبيقاتها لمنظمة نيلي:
اتبعت منظمة نيلي الاستخباراتية الصهيونية عدداً من القواعد الأمنية في عملها، خاصة وأن عملها أمني بشكل كامل، ومن تلك القواعد ما ارتبط بالمنظمة ككل، ومنها ما ارتبط بالعناصر، وقواعد أخرى ارتبطت بالجهة المعادية:

1- القواعد الأمنية على مستوى المنظمة:
استندت منظمة نيلي إلى ركائز مهمة في العمل الأمني، التي إذا غاب أحدها أحدث شرخاً بالغاً مدمراً للبنيان بأكمله، ومن تلك الركائز:

أ) التخابر مع البريطانيين:
ويعُرف التخابر في المؤسسات الأمنية بأنه صورة من صور الاتصال بدولة أجنبية بقصد إجرامي(26 ).
أراد أبشالوم فينبرغ (Abshlom Venberg )، والكسندر أهرونسون عام 1915، الخروج من فلسطين، لإيجاد طريقة للاتصال بالبريطانيين، في مقر القيادة العسكرية في القاهرة، ولقد اتفقا مع صاحب سفينة عربي لإيصالهما إلى إحدى الموانئ المصرية،لكن خطتهم لم تكتمل بسبب موت صاحب السفينة (27 ) ،واتبعت المنظمة طرقاً أمنية متعددة للتواصل مع البريطانيين،منها :

السفر عن طريق البحر:
انطلق ألكسندر أهرونسون في الثامن من شهر آب (أغسطس) عام 1915م، من بيروت برفقة أخته رفكا (28 ) ، على متن السفينة الحربية الأمريكية (دامونيس)، بجواز سفر أسباني مزيف، وعند وصوله إلى مصر اشتبه به البريطانيون، وأرادوا إرجاعه، لكنه بمساعدة بعض الضباط البريطانيين نجح في دخول مصر ( 29 ) .
ونشر في 31 آب (أغسطس) من العام نفسه، في الجريدة الإنجليزية المحلية بمصر عدة مقالات حول الوضع في فلسطين، وسوريا ومن خلالها كشف عن أخبار على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري؛ حتى يجلب أنظار القيادة العسكرية البريطانية واستخباراتها له ( 30 ) ، واقترح ألكسندر على البريطانيين إمدادهم بمعلومات حول الوضع في فلسطين وسوريا والعراق، وقوبل الاقتراح بعدم اهتمام بريطانيا، حيث كانت مصر تعج بالجواسيس من فلسطين والشام (31 ) .
زادت هيئة ألكسندر أهرونسون الشبيه بالألمان، الشكوك حوله، وظهر كأنه عميل للأتراك، فقد عارض الكولونيل نيوكومث (Nyukumt )؛ الذي كان رئيس الاستخبارات البريطانية في القاهرة فتح قناة اتصال معه، وتعامل معه بشكوك عالية ؛ لأنه لا يوجد مجموعة جواسيس تعرض خدماتها الاستخبارية مجاناً، على أمل الحصول على مكاسب سياسية مستقبلية غير واضحة ؛ ولذلك لم يحظ بثقة، وأمر ألكسندر بمغادرة مصر بسرعة(32 ).
يرى الباحث أنه يجب على القيادة الأمنية أن تحسن اختيار عناصرها للمهام، وأن تأخذ الشكل والمظهر الخارجي بعين الاعتبار، فقد أخطأت نيلي عندما أرسلت ألكسندر أهرونسون الشبيه بالألمان للإنجليز؛ فتخوّفوا منه لأن مصر في تلك الفترة كانت تعج بالعملاء للألمان.
فشل الكسندر في إقناع البريطانيين بقبول فكرته في التجسس، فلم يجد وسيلة لإبلاغ أهارون بفشله، وبعد أسابيع من الانتظار، قرر أهارون أهرونسون إرسال أبشالوم فينبرغ للمحاولة مرة أخرى (33 ) ،فأمَّن لنفسه جواز سفر مزيف، وسافر بتاريخ 30 آب (أغسطس) عام1915م، من بيروت إلى مصر، وعندما وصل التقى بشاب مسيحي من فلسطين، اسمه تشارلي بوطجي، الذي نسَّق لأبشالوم مقابلة ضابط من الاستخبارات البحرية في بور سعيد بمصر، والتقى أبشالوم مع الليفتنانت (ويلي) ؛ الذي أعجب بالفكرة ووافق على خطته، وتم وضع آلية للتواصل البحري بين مصر والصهاينة في عتليت عبر سفينة بريطانية ستمُر بشكل شهري على شواطئ فلسطين، لاستلام المعلومات من محطة التجارب في عتليت (34 ) .
أوضح ويلي لأبشالوم ماهيّة المعلومات التي يحتاجها الجيش البريطاني، ومتابعة تحركات الجيش التركي، وعدد القوات، وقدرة وتدريب الضباط الأتراك، وقيادات الوحدات العسكرية، وإرسال تقارير عامة عن وضع فلسطين الاقتصادي والسياسي، والأسعار وحجم الاستيراد، وكذلك الأسرى الذين يقعون في أسر الجيش التركي، والخطط العسكرية التركية، وحدّد طريقة الاتصال السري بين الطرفين( 35).
يرى الباحث أن المعلومات التي طلبها البريطانيون كانت دقيقة، وفي كل الجوانب سواء الاقتصادية، أم السياسية والعسكرية، فمعرفة العدو لتلك المعلومات الأمنية يحدد خطة بريطانيا لمواجهة الجيش التركي.
سافر أبشالوم إلى عتليت، بتاريخ 8 تشرين ثانٍ (نوفمبر)عام 1915م، على متن سفينة حربية للأسطول البريطاني، ونقل البشارة إلى صديقه أهارون أهرونسون، وبعد عودته، بدأ أهارون حملته الاستخبارية وأعمال التجسس، وفي شهر تشرين ثانٍ (نوفمبر) من العام نفسه، بدأت نيلي بجمع المعلومات، وسافر أبشالوم إلى القدس، لجمع المعلومات حول مصير الطياريْن الفرنسيين اللذيْن وقعا في أسْر الجيش التركي، بعد حدوث عطل في محرك الطائرة، مما اضطرهما للهبوط في بئر السبع (36 ) .
مكث أبشالوم في القدس من (13-17) تشرين ثانٍ (نوفمبر)عام 1915م، للبحث عن معلومات عن أولئك الأسرى، وتعقب وضع الجيش التركي والنشاطات العسكرية لهم، ونزل في فندق (باست)، الذي كان ينزل فيه الضباط الأتراك، والتقى بالعديد منهم، وجمع معلومات مهمة، وذكر في تقرير أرسله لويلي: “استخدمت سمعي وبصري، ومكثت طويلاً بين الضباط الأتراك، تجولت معهم في المعسكرات والمستشفيات والمخازن العسكرية، عندي معلومات عسكرية مهمة جداً”(37 ) .
يتضح مما سبق أن أبشالوم كان متحمساً لفتح قناة التواصل مع البريطانيين، فعمل بنشاط في جمع المعلومات الأمنية للبريطانيين، وخاصة في عملية فندق باست.
تم تجميع كافة المعلومات في عتليت، وأهارون وأبشالوم في انتظار قدوم السفينة لأخذ المعلومات ونقلها إلى مصر عبر البحر، ولكن لم تصل السفينة، فكتب أبشالوم رسالة للضابط ويلي يقول فيها:” لقد تأخرت السفينة، ونحن ننتظركم في المكان المتفق عليه. الرجاء إرسال السفينة وعدم التأخير”(38 ). ولم تأتِ السفينة، وبعدها قرر أبشالوم التوجه لمصر لتجديد الاتصال مع البريطانيين(39 ).

السفر عن طريق البر:
سافر أبشالوم في 12 كانون أول (ديسمبر)عام 1915م، عن طريق الصحراء لإعادة الاتصال مع البريطانيين مرة ثانية، وخلال سفره من العريش إلى مصر ألقى الأتراك القبض عليه(40 )،وتدخّل أهارون لدى جمال باشا، وأقنعه أنه يعمل معه في مكافحة الجراد، وتمكّن أهارون من إخراجه من السجن، بتاريخ 10 كانون ثانٍ (يناير)عام 1916م(41 ).
بعد أن تم الإفراج عن أبشالوم قرر السفر مرة ثانية لمصر، لكن عبر تركيا، وعندما كان أبشالوم في القسطنطينية، في انتظار تأشيرة السفر لألمانيا، قابل سارة ( sarah ) أخت أهارون، وأخبرها عن خطته للعمل ضد تركيا، وتحمست سارة للعمل بشكل كبير، وسارعت بالعودة إلى فلسطين، قبل أيام من استلامه التأشيرة للسفر إلى ألمانيا(42 )، وفي ذلك الوقت وجد عمال محطة عتليت ورقة مربوطة في إحدى الطوافات أمام شواطئ عتليت، موقعة من ويلي، مكتوب عليها أنه سيرسل السفينة خلال يومين، وسوف يجدد الاتصال بأبشالوم ؛ فأرسل أهارون رسالة وطلب منه العودة بسرعة إلى فلسطين ؛لأن البريطانيين سيقومون بتجديد الاتصال بهم(43 ).

عن طريق المقابلة:
وصل أهارون أهرونسون إلى مصر في الثاني من تشرين ثانٍ (نوفمبر) عام 1915م، تحت اسم مستعار، والتقى بالكابتن سميث (Smith ) من المخابرات البريطانية البحرية، وبعدها انتقل أهارون إلى الإسكندرية، والتقى بالكولونيل سيمسون (Simpson )، رئيس جهاز الاستخبارات ؛ الذي بدأ أهارون العمل معه، وفي اللقاء الأول بينهما قال أهارون :” إنكم ما زلتم تشكون فينا، وأنكم تجعلون تلك المهمة صعبة، ورجالنا يعّرضون أنفسهم للخطر، وسأحاول السيطرة على نفسي لإعادة إقناع أبشالوم، والاتصال به، إذا أردتم المواصلة .(أنا سئمت) “(44 ).
وفي وقت لاحق أرسل أهارون رسالة إلى وزارة الدفاع البريطانية، في 20 كانون أول (ديسمبر)عام 1916م، أبلغها عن نيته وقف الارتباط مع البريطانيين، وأن ذلك الأمر انتهى، ولن ينجح، وسوف يقوم بقطع كافة الارتباطات مع البريطانيين؛ بسبب عدم التعاون، وقلة الثقة ( 45)، لكن قيادة الاستخبارات البريطانية لم تُرد وقف العلاقة والتنازل عن خدمات أهارون ومجموعته ؛ لذلك أرسلت مبعوثاً خاصاً لأهارون، للتفاوض معه وتهدئته، وتم تحديد جدول المواعيد للعمل والاتصال البحري، وبدأ العمل الجاد بين شبكة أهارون أهرونسون وقيادة الاستخبارات البريطانية في مصر(46 ).
ويرى الباحث أن رجل الأمن مطالب بالحكمة في عمله؛ فعدم القدرة على التقدير السليم للموقف يعطي مردوداً عكسياً، والمعالجة المتسرعة للموقف الأمني قد تترتب عليها أضرار بالغة.
مما سبق يتضح أن تلك الطرق السابقة قديمة حديثة، حيث يقوم العدو الصهيوني في هذه الأيام باستخدامها في التواصل مع عملائه.

ب) الرقابة الدائمة للميدان لوضع آليات للحد من الانحراف عن الهدف:
نجح أهارون أهرونسون في الاتصال مع بريطانيا، ومن ثم انتقل للقاهرة، وانتظر أبشالوم رجوع أهارون إلى فلسطين بفارغ الصبر، ولكنه لم يأتِ ؛ فقرر معاودة المحاولة لفتح الاتصال مع البريطانيين براً عن طريق صحراء سيناء، وحاولت سارة أن تمنعه من الخروج إلى مصر، وحسب شهادة يوسف ليشنسكي حول حادثة مقتل أبشالوم فيقول :” خرج أبشالوم وليشنسكي في 20 كانون ثانٍ (يناير)عام 1917م، ووصلا سوياً إلى منطقة الحدود بين الأتراك والبريطانيين، فهاجم المجموعة 30 بدوياً يطلبون تسليم المرشد؛ لأن عليه ثأراً، فرفض أبشالوم تسليمهم المرشد، فتم إطلاق النار عليهم فقتل أبشالوم والمرشد ،وأصيب ليشنسكي، وترك المهاجمون المنطقة مخلفين جثتي أبشالوم والمرشد البدوي، ويوسف ليشنسكي مصاباً، فجمع قواه وواصل المسير إلى قاعدة للجنود الأستراليين الذين نقلوه لبورسعيد، وجاء أهرونسون ونقله إلى المستشفى العسكري في القاهرة، واهتم به حتى شفائه(47 ).
خرج أهرونسون مع أصدقائه، في 20 شباط (فبراير)1917م، على متن سفينة (مناحيم)( 48) إلى شواطئ عتليت، وأعادوا ليشنسكي إلى فلسطين، ومعه أوامر جديدة للعمل القادم(49 ).
تسلمت سارة عبء إدارة نيلي بعد غياب أبشالوم، منذ كانون ثانٍ (يناير) عام 1917م، حتى شهر تشرين أول (أكتوبر) في العام نفسه، وخلال تسعة أشهر كانت تدير عمليات نيلي بشكل يومي، تحت ضغط كبير، واستطاعت الصمود خلال تلك الفترة، وتشجع كل من كان يعمل معها، وترأست سارة قيادة نيلي(50 ).
كان نعمان بلكيند مُصراً على لقاء أهارون في مصر؛ لاستيضاح أمر مقتل أبشالوم، حيث كان يشك في يوسف ليشنسكي، وعندما طلب من سارة أن يسافر على متن سفينة(مناحيم)، إلى مصر، رفضت ذلك؛ فهدد بالوصول إلى أهارون عبر الصحراء، فبدأ رحلته في 9-10 أيلول(سبتمبر) عام 1917م، وعين له مرشداً بدوياً، وجهز نفسه للسفر، عبر الصحراء جنوباً، متجهاً لمصر(51 ).
طلبت بريطانيا من أهارون في صيف عام 1917م، معرفة مسألة الغواصات الألمانية الواقعة في الشرق الأوسط التي كانت متواجدة قبالة بيروت، فقام أهارون بإرسال رسالة إلى سارة لمعرفة الأمر، فقامت بإرسال أحد عناصر نيلي من عمال محطة عتليت إلى بيروت للبحث عن الغواصات، وإرسال تقريره المعلوماتي عنها، فبعد وصوله لبيروت أخذ يجمع المعلومات عنها، وتوصل إلى التالي: الغواصات الألمانية كانت من نوع N63 ،و عددها 6 غواصات، منها اثنتان كبيرتان، والأربع الأخرى صغيرة، ويعمل في الغواصتين الكبيرتين طاقم مكون من 30 شخصاً، وطول كل واحدة منهما 85 متراً، وعرضها 15 متراً، وأرفق مع تقريره صوراً للغواصات(52 ).
يعتقد الباحث أن مما يمتاز به العمل الأمني أنه عمل قد تبرز فيه ـــ وعلى مدار الساعة ـــــ أمور مفاجئة تتطلب تحركاً سريعاً، وتدخلاً مدروساً؛ لذلك يتبين كيف قامت نيلي بسرعة إرسال أحد عناصرها ليجمع المعلومات عن الغواصات الألمانية.
كانت إحدى الرسائل التي أرسلها أهارون بتاريخ 10 يوليو (تموز)عام1917م،يطلب من سارة معلومات عن المدافع 125MIM ،و ط 10 CWD ، في صفوف القوات الألمانية والتركية، وتحركات الجيوش في العفولة، وعدد الجنود الذين يتحركون على متن كل قطار، وعدد أطنان الغذاء المنقولة، ووضع السكة الحديدية في بئر السبع واللد والعفولة، وخرائط خطوط التلغراف والتلفونات، وعن حركة القطار بين دمشق ودرعا، ودرعا والعفولة، والعفولة والرملة، والرملة وبئر السبع، وحول حركة نقل الطعام والمواد المختلفة، نريد معرفة التالي :” ما هي المواد المنقولة، كم عدد الجنود في كل فرقة نقل، حركة الجيش في فلسطين في كل مكان، ومدى كل مدفع، وعدد الذخيرة وفعاليتها، وأنواع الطعام، وتفاصيل عن أنواع البنادق والمدافع، وكذلك طلب أهارون في رسالته القصص المروية عن الحرب عند كل طرف، وما هي الخطط المهمة المنوي القيام بها(53 ) . ويدل مما سبق على أهمية المعلومات التي كان يقوم عناصر نيلي بجمعها، حول طبيعة المواد المنقولة وعدد الجنود وغيرها من المعلومات المهمة حول الجيش التركي، وفي ذلك، دلالة واضحة على أنه يجب على عنصر الأمن أن لا يغفل عن أية معلومة، ولو كانت بسيطة في أي مجال من المجالات، فإن لها أهميتها.
يتضح مما سبق دور قيادة منظمة نيلي في الخارج بالرقابة الدائمة نحو توجيه عناصرها للهدف الذي أقيمت من أجله المنظمة.

ت) توضيح طبيعية المهام للعناصر:
كان من أوائل أعضاء نيلي أهارون أهرونسون، وألكسندر أهرونسون، وسارة أهرونسون، مع أبشالوم فينبرغ، وبعدها انضم الأخوان تسفي وهيرش أهرونسون والأب أفرايم(54 )، وجنّد أبشالوم زوجته وأخاها نحوم فيليفوتس المهندس في بلدية القدس، وزوجته شوشانا، وأبناء عمه نعمان، وإيتان بلكيند(55 )، وقريبه روفائيل أبو العافية(56 )، كما وتم تجنيد عمال محطة عتليت جميعاً للعمل في المنظمة (57 ).
عادت سارة من تركيا بعد حياة سيئة مع زوجها، وأقامت في بيت والدها في زخرون يعكوف، حيث كثرت النقاشات حول مستقبل الصهاينة في فلسطين، وكانت تقول:أنا مستعدة لعمل أي شيء ضد تركيا، وأراد أهارون أن يخبرها عن طبيعة عمله التجسسي، لكن والدها أفرايم، كان يرفض؛ لأن ذلك الموضوع ليس من شأن النساء، وسارة تقول: أنا جاهزة للمساعدة، فرّد أهارون عليها: إنها ليست لعبة أطفال بل عملية خطيرة، ومن يتم القبض عليه سوف يتعرض للتعذيب، وربما للشنق، وبذلك أوضح لسارة نتيجة العمل التجسسي التي ستقوم به من خلال جمع المعلومات عن الجيش التركي والأوضاع العامة في فلسطين(58 ) .
طلبت سارة معرفة طبيعة العمل التي ستقوم به، فأعطاها أهارون ورقة فيها العديد من الأسئلة التي استلمها من البريطانيين، فأخذت سارة الورقة وقرأتها، وكان مضمونها : أرسلوا لنا فوراً وضع القطارات، والسكك الحديدية في جنوب فلسطين، عدد القطارات يومياً، وكم عدد الجنود الذين يتنقلون على متن تلك القطارات يومياً، وضحوا لنا خريطة تلك السكك، وما هي عدد السكك الجديدة التي تم بناؤها، وهل هناك سكك في طور البناء، وهل يوجد فصائل خاصة تقوم بحراستها في الليل، وكيف تتم حراسة السواحل، قائمة الأسئلة كانت كبيرة، ولم تكمل سارة قراءتها، وسألت كيف ستحصلون على تلك المعلومات؟، فأجابها أخوها قائلاً: لدينا شبكة من المخبرين، وما يقارب عشرين رجلاً من الضباط والمهندسين والأطباء وكافة العاملين في الجيش التركي ومؤسساته(59 ).
يرى الباحث أنه يجب على المؤسسة الأمنية أن تحسن اختيار عناصرها عند التجنيد، وأن تحسن تدريبهم وتأهيلهم على ما يحتاجونه من مهارات، وأن توضح لهم طبيعة العمل الأمني الذي سيقومون به، كما فعل أهارون مع أخته سارة، فقد أوضح لها طبيعة عملها، وخطورته.

ث) توفير عناصر بشرية قادرة على تنفيذ المهام:
عملت منظمة نيلي على تجنيد عناصر لها في جميع المؤسسات التركية بفلسطين، فقامت بتجنيد نحوم فيليفوتس المهندس في بلدية القدس، الذي عينه جمال باشا فيما بعد مديراً لتزويد الجيش بالمياه، والدكتور فايمن الذي كان يعمل طبيباً في الجيش التركي، كما قامت بتجنيد العديد من العناصر في معظم محطات القطارات(60 ).
وكلف أهارون روفائيل أبو العافية في مصر بتجنيد عدد من عناصر أعضاء الكتائب العبرية، وذلك لخدمة الشبكة، وللسفر على متن (مناحيم)، وتم تجنيد 40 عنصراً من عناصر حركة الجدعونيم(61 )، ففي عام 1917م، حيث اتسعت نشاطات المنظمة، وأصبحت بحاجة لجهد بشري أكبر، جمع ألكسندر وسارة أعضاء المنظمة وأخبراهم بشكل رسمي أن أهارون أهرونسون زعيم الشبكة، يريد تجنيدهم لنيلي؛ فوافق معظمهم على ذلك(62 ).
كما حاولت قيادة نيلي تجنيد المجموعة اليافاوية(63 )، حيث تم عقد لقاءات بين أبشالوم وسارة، وممثلي المجموعة، واقترحت نيلي عليهم: ” أن تقوم المجموعة بالمشاركة في جمع المعلومات لصالح شبكة التجسس البريطانية، وبالمقابل تحصل المجموعة على الأموال والسلاح، والحماية في حال تم الهجوم عليهم من العرب في يافا بواسطة الأسطول البريطاني المتواجد في البحر المتوسط؛ فرفضت المجموعة التعاون مع منظمة نيلي( 64).
عملت سارة على تجنيد كل من رأت أنه يستطيع أن يجمع المعلومات في مجال معين،،فسمعت عن الدكتور (ن)،وهو طبيب عسكري كان يعمل في العفولة، وكان رافضاً لفكرة التجسس، لكنها استمرت في إقناعه حتى أصبح عضواً معها، وقد أرسل لها العديد من المعلومات المهمة جداً، وعرفت أن المهندس (و)،يعمل في الجيش، وسعت إلى التواصل معه، ولقد استطاع الدكتور (و) الذي كان يعمل في دمشق أن يزود سارة بمعلومات مهمة عن دمشق، عن طريق زوجته التي كانت تسافر بين دمشق وفلسطين، كما استطاعت سارة تجنيد دافيد سكلوفيتش(65 )، الذي زودها بمعلومات مهمة من طبريا، وحيفا، والناصرة، والعفولة؛ وقد نشرت عناصرها على الجبهة التركية من بئر السبع حتى بيروت ودمشق(66 ) .
يتضح مما سبق أن نيلي قامت بمحاولة تجنيد عناصر لها لجمع المعلومات في جميع أنحاء فلسطين وبلاد الشام، وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وإرسالها للبريطانيين.

ح) الاتصال والتواصل داخل المؤسسة الأمنية:
بدأت عملية نقل المعلومات في الفترة ما بين شباط (فبراير)، وتشرين أول (أكتوبر) من عام 1917م، وارتبطت بسفينة (مناحيم)، التي كانت تنطلق من مدينة بور سعيد بمصر إلى عتليت وبالعكس، ولقد نقلت أبناء المجموعة من عتليت إلى مصر وبالعكس، ونقلت معها المعلومات الاستخبارية العسكرية التي كانت تُجمع في عتليت، ومع تجدد الاتصال مع بورسعيد وعتليت عبر سفينة (مناحيم)، تم تحديد المواعيد لقدوم وذهاب السفينة، لكن تلك المواعيد لم تكن دوماً دقيقة ؛ لأن ظروف البحر كانت تجبر السفينة على الرسو في قبرص أو سوريا، وتم تحديد مواعيدها في الليالي غير القمرية، بداية أو نهاية الشهر، وكانت تقف على بعد معين من سواحل عتليت(67 )، ويتم إنزال القوارب وإرسالها إلى الشاطئ، وعليه يتم نقل المعلومات إلى السفينة في قلب البحر، لئلا تتعرض للخطر، كما تم وضع إشارات للسفينة حتى يتم الإنزال بأمان(68 ) .
بعد أن صار الاتصال مع البريطانيين في مصر مستمراً ودائماً، طلب أهارون من سارة السفر إليه في مصر، فسافرت بصحبة يوسف ليشنسكي بتاريخ 15 نيسان (أبريل)عام 1917م، وخلال وجودهما في مصر تم تدريب يوسف ليشنسكي بواسطة عدد من ضابط الاستخبارات والخبراء البريطانيين في مصر على تفكيك المتفجرات واستخدامها، من أجل تفجير (جسر المجامع)، الذي يربط فلسطين بسوريا ولبنان، وقام أهارون بتدريب أخته على المطلوب منها من أجل إنهاء المهمة.
وأثناء وجودها في مصر أخبرت سارة أخاها أنها ليست قادرة على وصف الوضع في فلسطين، وأنه سيئ للغاية، حيث يقوم الأتراك بمصادرة البهائم والممتلكات وكل شيء، ويأخذون المحصول لزيادة المؤونة الخاصة بالجيش التركي، وأن الجيش التركي أُمر بتفكيك السياج حول المستوطنات؛ من أجل إحاطة المعسكرات التركية، وأن الناس يعانون من الجوع والمرض، وكثير من الصهاينة في السجن، وتم اقتلاع كافة الأشجار لاستكمال بناء السكك الحديدية العسكرية، وقاموا بطرد شباب يهود يافا و(تل أبيب)( 69).
شرحت سارة كل الأمور السابقة للضباط الإنجليز بعد يوم من لقائها بأخيها، وقالت :” عليكم القدوم بسرعة، وإنهاء ذلك الوضع، وتقديم المساعدة لنا”، فرد عليها أحد الضباط الانجليز: “النصر قريب، نحن نقدر جهودكم والمعلومات التي تقدمونها لنا، لكننا بحاجة إلى معلومات أكثر وأوسع، نحن نخطط لغزو قريب من بوابات غزة، لكن المكان مُحصن أكثر مما توقعنا، ونحن بحاجة للمعلومات أكثر، عن كافة الجبهات المحصنة، فقالت سارة: لا أستطيع أن أمدكم بتلك المعلومات إلا بعد الاتصال بالعناصر في عتليت، وطلبوا منها معلومات عن الوضع الاقتصادي، والوضع بشكل عام، ومعلومات عن نفسية الجنود، ووضع المياه لدى الأتراك(70 ).
وضعت الخرائط على الطاولة، وقامت سارة بشرح كل ما تعرفه، وأشارت إلى ما تعرفه من أماكن، وآبار ومعسكرات، والسكك الحديدية، وبعدها بيوم تعلمت سارة شيفرة جديدة، ووعدتهم بأن المعلومات الجديدة التي ستقوم بنقلها ستكون بالشيفرة الجديدة التي تعرفها هي فقط، وكانت معقدة للغاية، لكل حرف علامة خاصة، ولكل مكان، وسلاح رقم خاص، وتتغير الشيفرة كل شهر، وتم الاتفاق خلال وجودها بمصر، على إرسال المعلومات بشكل يومي عبر الحمام الزاجل(71 )،وبعد حوالي شهرين عادت سارة ويوسف ليشنسكي على متن سفينة مناحيم إلى عتليت، وذلك في نهاية حزيران (يونيو)عام1917م،واستأنفا العمل من جديد، وقاما بجولة سفريات جديدة من الشمال للجنوب(72 ) . ويدلل ما سبق على أن القيادة الميدانية لمنظمة نيلي قامت بعمل تقييم للواقع الأمني في فلسطين، والتعرف على الأخطار في محاولة لتلافيها والبحث عن الفرص لاقتناصها في صالح العمل، فكان سفر سارة من ذلك المنطلق التقييمي للعمل الأمني.

خ) التثبت من صحة المعلومات:
كانت سارة تقوم بتسجيل المعلومات بعد التأكد من صحتها، ثم تقوم بإخفائها إلى حين يتم إرسالها بسفينة (مناحيم)، وكانت تتأكد من صحة المعلومات الواردة من المصادر العربية، حيث أنهم يقومون بالتضخيم والمبالغة في وصف الأمور، وتثق بالمعلومات الواردة من المصادر والمخبرين الصهاينة، مع أنها لا تقلل من أهمية المعلومات الواردة من العرب، لكنها كانت تقوم بالتأكد منها عدة مرات قبل تسجيلها وإرسالها( 73).
طلب أهارون من سارة الاهتمام بمصدر المعلومة أكثر، والاستفسار عن وضع حفر الخنادق وخطط الدفاع، وماذا يقال عن البريطانيين ومدافعهم ؟، وهل تصيب الأهداف أم لا؟، هل يتدرب الجيش التركي ليلاً على الدفاع وكيف تتم حراسة السواحل ؟، وطلب معرفة كيفية التوصل إلى رجال مهمين، وإلى أين يتم إرسال رجال مهمين، والرجال غير المناسبين في الجيش، ونظام الحركة والسفر داخل فلسطين وخارجها، ومعرفة مَنْ من السكان يؤيد ويدعم السلطات التركية، وما هو موقف البدو؟، الرجاء إرسال تقارير مفصلة عن الوضع في القدس، والمهم أن تعرفوا ما يحدث بالتفصيل، وتقارير مفصلة عن الوضع في كل مستوطنة، والوضع الاقتصادي في كل واحدة منها، وأسعار السلع الغذائية (74 ).
يرى الباحث أن الأخذ بالمعلومة الأمنية والبناء عليها قبل التثبت من صحتها، تبنى عليها قرارات خاطئة؛ لذلك طلب أهارون من سارة التأكد من صحة المعلومة المرسلة، والتثبت منها قبل إرسالها له في القاهرة، وعليه فإنه يجب على المؤسسة الأمنية أن تربي عناصرها على أن المهم هو نوع الإنجاز قبل كَمِّه، وعليها أن تعاقب كل من يتهاون في الأخذ بأية معلومة أمنية قبل استيفاء موثوقيتها.

د) الاستفادة من التشفير وطرق الإخفاء:
يُعرف التشفير في الأمن بأنه عملية تحويل المعلومات إلى شيفرات غير مفهومة (تبدو غير ذات معنى)؛ لمنع الأشخاص غير المُرخَّص لهم من الاطلاع على المعلومات أو فهمها، ولهذا تنطوي عملية التشفير على تحويل النصوص العادية إلى نصوص مُشفَّرَة(75 ) .
عندما أخذ أهارون أخته سارة في بداية تجنيدها إلى مركز نيلي، سألت سارة أهارون كيف يتم التعامل مع المعلومات ؟، فرد عليها قائلاً: نقوم بسترها بين أكوام القش، حتى تأتي السفينة ويتم تسليمها لها، وأخبرها أن تقوم بحفظ المعلومات غيباً، وعندما تتأكد من أنها لوحدها وآمنة تقوم بتسجيل المعلومات على الورق، وعدم كتابتها بالشكل العادي، فعلمها الكتابة بالحروف المشفرة، حتى لا يتم فهمها في حال تم كشف المعلومات(76 ).
بدأت سارة العمل، واستقرت في محطة تجارب في عتليت، وفي الليل كانت تقوم بتسجيل كافة المعلومات الواردة إليها وتحفظها كما علمها أهارون(77 ) .
يعتقد الباحث أن العمل الأمني له اعتباراته الخاصة، فالمعلومة فيه تختلف عن المعلومة في أي مجال آخر؛ لذلك أخذت نيلي بكافة الاحتياطات الأمنية للمحافظة على المعلومات الأمنية؛ لكي تصل للبريطانيين قبل أن تكشف.
جاء أبشالوم في أحد الأيام ، وأخبر سارة أنه قد جاءت معلومات من نعمان بلكيند، جمعها من بعض الضباط الأتراك كالتالي ” كان في الشمال أحد عشر مدفعاً، تم إرسال ثمانية منها إلى جبهة الجنوب”، وقد أرسل بلكيند مع المعلومة خرائط جديدة للسكك الحديدية في الجنوب، وقد حاولت سارة كتابة المعلومة حسب الطريقة التي علمها إياها أهارون، فكانت تعتمد الطريقة على عكس الحروف اللاتينية بنظام معين، Aتصبح k وb تصبح L ، وهكذا تكتب المعلومات الأمنية المرسلة، والأسلحة كانت تكتب بالأرقام، ولقد استعانت سارة بالقاموس لتسيطر على الأمر، وتمت كتابة المعلومة السابقة بالشكل الآتي : 18 A 100 NLMA 11 RCS KLAS TAB ، ثم وصلت إلى سارة عدة أسئلة جديدة أرسلها البريطانيون، فقد، طلبوا المزيد من المعلومات عن السكك الحديدية الجديدة التي تم بناؤها، والإصابات والقتلى من الجنود الأتراك في القصف البريطاني على الجنوب، وردة فعل الأتراك على الهجوم، فكتبت سارة كل المعلومات التي تتعلق بذلك، بنظام الشيفرة، وأرسلتها(78 ).
يرى الباحث أن من مهارات العمل الأمني تشفير المعلومات؛ كي لا تكشف، فنيلي كانت تستخدم تشفير المعلومات قبل إرسالها للبريطانيين، وتغير الشيفرة بين الفينة والأخرى؛ وذلك من باب المحافظة على المعلومات، فالمعلومة الأمنية حكر على من هم بحاجة إليها فقط.
بعد عودة سارة إلى مزرعة عتليت، كان لديها معلومات مهمة، ولم تنتظر حتى قدوم السفينة لإرسال المعلومات، فقامت بكتابة المعلومات بالشيفرة الجديدة، على ورقة صغيرة، وربطتها في قدم حمامة زاجلة، وأرسلتها وكانت (LKL SNT 101 ACO ZOPY DO79 RFEO ، ومعنى الرسالة، أن المكان غير المحصن في جبهة الجنوب، موجود في بئر السبع، وقريباً سنحصل على خرائط وصور لتلك المنطقة، وأرسلتها بواسطة حمامة زاجلة ( 79).
سقطت الرسالة التي كانت مربوطة في رجل الحمامة في يد الأتراك؛ ولم يفهمها أحد ؛ لأنها مكتوبة بحروف مشفرة، ومكتوبة بالحروف اللاتينية المقلوبة على سبيل المثال، تم كتابة 1-10 بالحروف K-D وبدلاً من P-B وبدلاً من 4-C وبدلاً من Y-D ، وخلال أيام الشهر تم إجراء تغيير في الرموز، أما المدن فسُميت بالأرقام فمثلاً: دمشق1، درعا 2، القدس 3، عفولة 4، يافا 5، غزة 6 (80 ).

ذ) التأقلم مع المستجدات، والتعامل مع الأزمات التي تطرأ على المؤسسة الأمنية بحكمة:
ازداد التوتر في زخرون يعكوف، وعتليت، بعد اعتقال نعمان بلكيند، ووصل إلى ذروته، ولقد هدد باقي أبناء المستوطنات بمكافحة نيلي، إذا تضرر اليشوف، وأرسلت سارة مرة أخرى رسالة لأخيها أهارون، طلبت فيها إيقاف أعمال التجسس، لكن يوسف لشينسكي رفض الفكرة واستمر في العمل(81 ).
حاصرت القوات التركية زخرون يعكوف في الأول من تشرين أول (أكتوبر) عام 1917م، وتم منع دخول أي شخص، أو خروجه منها، وكان معظم أعضاء نيلي موجودين في المستوطنة، وفي اليوم الثاني تم اعتقال كل عائلة أهارون أهرونسون، ومعظم أعضاء مجموعة نيلي ما عدا يوسف لشينسكي الذي استطاع الهروب(82 )،وضغطت السلطات التركية على الأسرى للاعتراف بأعمالهم وبمكان يوسف لشينسكي، قد استخدمت السلطات التركية معهم سلسلة من الأساليب للاعتراف(83 ).
وخلال عملية الاعتقال قالت سارة لأعضاء نيلي :” لا تخافوا، وقولوا: إننا نعمل في محطة التجارب الزراعية في عتليت، ولا نعرف شيئاً آخر”، وبدأ التعذيب لسارة، وفي اليوم الرابع من التحقيق معها طلبت من محققها السماح لها بالاستحمام وتغيير ملابسها في البيت، وخلال وجودها في الحمام كتبت رسالة إلى ديفيد ستنربرغ أحد عناصر الجدعونيم، جاء فيها ” يقولون إنهم سيرسلوننا إلى دمشق، وأكيد هناك سيشنقوننا “، فقررت سارة الانتحار ليلاً، حين سألت أحد عناصر نيلي عن المكان الأفضل في الجسم لإطلاق النار عليه، بحيث يؤدي للموت السريع، وفي الساعة الخامسة والربع صباحاً من اليوم التالي، أطلقت سارة على نفسها النار، واستمرت مشلولة أربعة أيام، وهي على قيد الحياة، ثم ماتت(84 ).
يتضح مما سبق أن العمل الأمني عمل حساس متشعب، قد يتعرض لتغيرات سريعة، أو لأزمات غير متوقعة، الأمر الذي يتطلب وجود الإدارة الأمنية الرشيدة، كما فعلت سارة عندما كُشف أمر منظمة نيلي، فأوقفت عمل نيلي، وعندما بدأت الاعتقالات اتفقت مع العناصر على أنهم كانوا يعملون في محطة التجارب الزراعية فقط، وصمدت في التحقيق دون إعطاء أية معلومة عن مجموعتها؛ وأطلقت النار على نفسها؛ للحفاظ على باقي العناصر.

2- القواعد الأمنية على مستوى العناصر:
وضعت نيلي لعناصرها مواصفات لابد أن يتمتعوا بها، أهمها:

أ) التوجيه والإرشاد:
بعد انضمام سارة لمجموعة نيلي، نقلتها عربة صغيرة من زخرون يعكوف، إلى محطة التجارب الزراعية في عتليت، واستقبلها الموظفون بحفاوة، وخلال التصافح قام أهارون بإعلامها مَنْ منهم تابع لنيلي من خلال نبرة الصوت، وبعض الإشارات(85 )، وأخبرها عن أهمية اختيار مكان محطة عتليت، فهو قريب من الشاطئ والموانئ المصرية، التي منها تأتي سفينة( مناحيم )، وترسو قبالة سواحل عتليت، وأخبرها بمهمتها الجديدة، وهي الانتباه لحركة السفينة (مناحيم)، وعندما تراها تعطيها إشارات ضوئية، وبعد ذلك تقوم الزوارق بإرسال المعلومات لها؛ وأما إذا كانت لا توجد معلومات، فأمرها أن تقوم بإعطاء إشارة مخالفة، عندها تتحرك السفينة وتعود(86 ).
وعندما تكون نافذات الغرف في المزرعة في عتليت مفتوحة، تعني أن الطرق آمنة، وكان وضع علم أسود أو أبيض على شرفات النوافذ لمعرفة إذا كان الوضع آمناً أم لا، وأحياناً كان يتم استخدام الفوانيس الضوئية، وإعطاء إشارات ضوئية للسفينة، وكُلفت سارة بمراقبة السفينة( 87)،وبعدها يتم تبادل الأوراق والرسائل والنقود والذهب( 88).
يتضح مما سبق أن قيادة نيلي عملت على تأمين الطريق لسفينة (مناحيم)، وإعطائها علامات السلامة والخطر المتفق عليها مع البريطانيين.

ب) الرصد وجمع المعلومات:
يُعرّف الرصد بأنه الخطة المتناسقة والمدروسة الموجهة لاستخدام كل الوسائل المتيسرة للحصول على كافة أنواع المعلومات الصحيحة والموثقة، وتصنيفها وتقديرها لإمداد المسئولين بالحقائق والتقديرات الواقعية، وفي الوقت المناسب(89 ).
استطاعت سارة نشر عناصرها من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، وعلى طول وعرض فلسطين، وفي الليل والنهار، ودون توقف، ولا خوف، وواصلت نشاطاتها بجمع المعلومات للبريطانيين (90 ).
جمع عناصر نيلي المعلومات، وأرسلوها لمحطة التجارب في عتليت لسارة، ويوسف ليشنسكي، ومن ثم للمخابرات البريطانية، وكانت المعلومات حول حركة القطارات والجيوش، والخطط العسكرية والخرائط، وأسماء القادة العسكريين وكتائبهم، والمطارات ومحطات الإرسال اللاسلكي، والوضع الاقتصادي، وأسعار السلع، وقيمة العملة، ووتيرة التجنيد وعدد الجنود (91 ).
بدأت سارة تهتم بالمعلومات ذات الطابع العسكري، أثناء مرحلة التواصل الدائم مع البريطانيين، وتقوم بكتابة وتسجيل تلك المعلومات حسب الشيفرة التي علمها إياها أهارون، وترسلها بشكل مستمر له في مصر(92 ).
قابل إيتان بلكيند في درعا يهودياً اسمه (ابرهام رففورت)، كان هارباً من الجيش التركي، فقام بتجنيده للعمل معه، وكلفه بمتابعة محطة القطارات من بيته، وحركة الجنود، ونقل الأسلحة والمعدات العسكرية، وتسجيل كافة المعلومات التي يحصل عليها، وأية معلومات أخرى تهم نيلي( 93).
ويرى الباحث أنه من مهارات رجل الأمن الناجح استغلال الفرص المتاحة له، كما فعل إيتان مع أبرهام الذي استغله في الرصد والمتابعة.
استلم إيتان رسالة من أخيه نعمان، في منتصف شهر آب (أغسطس)عام 1917م، ليسافر لمستوطنة ريشون ليتَسيون، والتقى مع سارة ويوسف ليشنسكي، وطلبت سارة من إيتان ونعمان السفر معها للقدس وإلى الرملة ؛ لرؤية آثار القصف البريطاني للمواقع والمطارات العسكرية التركية، وتسجيل الأحداث ؛ لكن نعمان طلب من سارة وليشنسكي إيجاد حل لمسألة الضابط التركي بهاء الدين، الذي طلب منه نعمان إحضار بعض الخرائط العسكرية التركية له، حيث كان يعمل في كتيبة 35 في منطقة حيفا، وعندما أحضر الضابط له الخرائط، خاف نعمان من أن يكشف أمره، فخطفه ووضعه في بيته في ريشون ليتَسيون، وأراد يوسف ليشنسكي قتل بهاء الدين، لكن سارة رفضت ذلك، وطلب نعمان منها تأمين نقله لمصر مقابل تلك المساعدة(94 )، واقترح نعمان نقل الضابط لزخرون يعكوف، وأخذ ملابسه العسكرية وتركها على شاطئ بحر حيفا؛ حتى يعتقد الأتراك أنه مات غرقاً(95 ).
وكان من أهم العاملين في الرصد وجمع المعلومات لنيلي الدكتور فايمن، وقد كان أول تقرير له يحمل وصف العفولة جغرافيا ومحيطها، وذكر الأماكن العسكرية فيها، وعدد المدافع، والمخازن، وكان يضيف تغطية عامة للوضع العسكري في المنطقة دائماً، وكان يجلس مع الضباط في القطار، وكان لديه دوماً مواعيد حضور وذهاب القطارات، وكان ينقل جدول تحرك القطارات بشكل دوري إلى زخرون يعكوف، وفي يوم التحرك العسكري التركي إلى السبع وغزة،كتب في تقريره كافة أسماء الوحدات، وعدد جنودها، حيث كان المرضى من الجنود يقصون له الحكايات عن جبهة الحجاز، وكشف عدداً من الوحدات التركية التي هربت من المخابرات البريطانية، وقام بإرسال تلك المعلومات لمحطة التجارب في عتليت(96 ).
وكان فايمن ــــ إضافةً إلى عمله طبيباًــــ مترجماً للجنود والطيارين الألمان، ويصفون أمامه أوضاع الجو، ولم يكن يعلم أحدٌ منهم أن كل ما قيل تم تسجيله، وصار في مكتب المخابرات البريطانية في القاهرة، وعرف مواعيد قدوم القيادات العسكرية، أمثال: أنور باشا(97 )، وجمال باشا، وذلك من أجل الفحص الطبي(98 ).
وكتب فايمن في أحد التقارير، التي أرسلها لمحطة التجارب عن القطار القادم من دمشق بتاريخ 28 آذار (مارس)عام 1917م، فذكر حمولته، وهي عبارة عن: سيارة واحدة، وأربعة مدافع للفرقة 53، قطر 7.50سم، وبرميلي بنزين، ومؤن وطعام للجيش، وطيارة عسكرية ألمانية وطيارها (99 ).
وكتب في أحد التقارير التي أرسلها عن وضع الأسرى الإنجليز، في القطار المسافر من القدس إلى دمشق، وفيه نقل 90 أسيراً من الإنجليز، ولقد اشتكوا من قلة الطعام، فقد كانوا يبيعون ما لديهم من ملابس للحصول على الطعام(100 )، ومن رسائله في الرملة أيضاً:” في الرملة ثلاثة مطارات، والمطار المركزي بالقرب من المقبرة خارج المدينة، وفيه 15طيارة، 6 منها صالحات للعمل، أما المعسكر الثاني المهم وبه مطار فهو بجوار السكة الحديدية على بعد 20 دقيقة من المدينة، ولم يسمح لأحد الدخول إليه، حتى للجنود الألمان، أما المعسكر الثالث، وفيه مطار، فهو على الطريق المؤدية إلى يافا”(101 ).
عُين الدكتور فايمن طبيباً عسكرياً، في حزيران(يونيو)عام1917 في المستشفى العسكري بالرملة، فنقل التحركات العسكرية في معسكر الرملة، وما كان يحدث في المطار الألماني، وقام بإجراء جولات وشاهد بعينه المخازن العسكرية، ومحطة اللاسلكي، والمطار، والأسلحة، وقام بإرسال كل مشاهداته تلك إلى نيلي(102 ).
يتضح مما سبق أن عنصر نيلي الدكتور فايمن رغم أنه طبيب، كان يقوم باستغلال عمله الطبي داخل المعسكرات التركية، ويجمع المعلومات ويقوم بإعطائها لنيلي، ويتم إرسالها للمخابرات البريطانية في مصر.
وذكر أبشالوم فاين في تقرير وصل إلى عتليت تفاصيل عن وضع الاستعدادات العسكرية للجيش التركي، وقام بترجمته ليوما شنئرسون في قبرص وأرسله للقاهرة، وتوجه الكابتن جرايبس في 12 آذار(مارس)عام 1917م لأهارون، ليعرف منه معلومات عن الوضع الطبوغرافي في جبهة المعركة في غزة والسبع، وأوضح أهارون له أن تلك الأماكن مريحة للتحصن التركي، ولن يتم نجاح الغزو البريطاني من جهتها، ولقد اقترح عليه الالتفاف على الجزء الأيمن للقوات التركية في غزة، وأن تتمركز القوات البريطانية في بئر السبع، لكن قائد القوات البريطانية رفض اقتراح أهارون، وبعد استبدال قائد القوات البريطانية بمصر، بالجنرال اللمبي(103 )،وطلب مقابلة أهارون، وطلب منه معرفة الوضع بشكل عام في فلسطين، والوضع النفسي والمعنوي للسكان، ووضع الصهاينة وعدد كل من الصهاينة والعرب، وأهدافهم وخططهم، والجيش التركي من حيث (القوة والضعف، وطبيعة الجيش، ومدى قوته)،والضباط الأتراك، وطبيعة جمال باشا وشخصيته(104 ).
والضابط التركي الذي هرب بمساعدتهم عبر البحر نقل لهم أن خطوط الدفاع التركية من جهة غزة محصنة، وأنه على البريطانيين المهاجمة من جهة بئر السبع (105 ).
كان نحوم فيليفوتس مندوب نيلي في مدينة القدس، وينقل الخرائط والوثائق السرية والسجلات، ففي أحد تقاريره لسارة بتاريخ 13 آذار (مارس)عام 1917م، حصل على خريطة المدينة ومبين فيها كافة الأماكن المهمة لهم، وقال سنحصل على خرائط أخرى عن أماكن مختلفة، ومهمة لبريطانيا، وفي صيف عام 1917م، أرسل لمصر خريطة دمشق، وفيها علامات كافة الأماكن التي يستخدمها الجيش التركي المتواجد فيها ؛ مصانع السلاح والذخيرة، ومخازن الأسلحة والمؤن، والمواقع العسكرية، ومكان سكن جمال باشا، ومستشفى المدينة، ومواقع محطات القطارات والسكك الحديدية، والجسور وأحوالها، ومصانع الخياطة، والمدارس العسكرية، ومصنع القنابل اليدوية(106 )،وكانت توفيا جلبرغ تقوم بنقل التقارير من المخبرين في فلسطين وخارجها إلى عتليت، وكانت تذهب بنفسها إلى طولكرم لجمع معلومات عن أي حدث فيها(107 ). ويدلل ما على سبق اهتمام قيادة نيلي بالمعلومات ذات الطابع العسكري عن الجيش التركي في فلسطين، وذلك يعني أن بريطانيا حددت طريق الدخول لفلسطين عبر تلك المعلومات المرسلة من عناصر نيلي.
يرى الباحث أنه يجب على رجل الأمن جمع المعلومات في كافة المجالات؛ فذلك يساعد في معرفة كيف يتعامل العدو، فكانت نيلي تجمع كل شيء من المعلومات، عن الجيش، حتى لو لم يكن مهماً.
لعب أبشالوم فاين في الجنوب (غزة والسبع)، دوراً مهماً لجمع المعلومات لنيلي، ليشنسكي فقد قدم له مبلغاً من المال لشراء بغلة وعربة، ليتنقل بسهولة في المكان ويجمع المعلومات عن تحركات الجيش التركي، بدأ فاين عمله في بداية أيلول (سبتمبر) عام1917م، وتنقل على مدار الشهر من مكان لآخر، وكان يسجل كل ما تراه عيناه على ورق السجائر، وتسجيل عدد القوات المتواجدة في المكان، وعدد المدافع، وأدوات إطلاق النار والأسلحة، وأسماء قادة الفصائل، وكل المعلومات تلك جمعها من خلال محادثاته مع الضباط الأتراك خلال تحركاته(108 )، والتقى أبشالوم فاين في روحاما(109 ) بالضابط المسئول عن الخرائط في الجنوب، الموضح عليها المعسكرات وآبار المياه، وأصبح على علاقة صداقة معه، وتمت سرقة كافة الخرائط منه ونقلها إلى القاهرة، ويقول في مذكراته :” لقد كنت بائع مياه على عربة، وقمت ببيع النبيذ للجنود الأتراك، ولقد كانوا يدعونني للسهر في خيامهم، وكنت أسمعهم عندما يتحدثون، ومن ثم أقوم بنقل كافة المعلومات للقاهرة”(110 ).
يرى الباحث أنه يجب على القيادة الأمنية توفير الاحتياجات لعناصرها بالكامل؛ لكي يقوموا بالمهمة بشكلها الصحيح، كما فعلت نيلي مع أبشالوم فاين، كما تتضح نباهة رجل الأمن من نيلي في استخدام ورق السجائر، ونسج علاقات للحصول على معلومات، ليعطي دلالة أن قلة الإمكانيات لا تشكّل عائقاً في العمل الأمني.
تم إعادة ألكسندر أهرونسون إلى بئر السبع بعد احتلالها من البريطانيين، وكلف بمهمات استخباراتية جديدة، وهي الكشف عن الجواسيس الأتراك بعد انسحابهم من بئر السبع، وعثر على عدد منهم، كانوا يقومون بنقل المعلومات إلى الجيش التركي، وعرف كافة تحركات الجيش التركي(111 ).
كان عناصر نيلي، قبيل المعركة الحاسمة يجمعون المعلومات ويواصلون تعاونهم مع المخابرات البريطانية، كوحدة أمامية ميدانية في جيش احتلال فلسطين، حيث كتب ألكسندر أهرونسون رسالة إلى وزارة الدفاع البريطانية بتاريخ 20 أيلول (سبتمبر)عام 1917م، جاء فيها:” عندما عدت إلى مصر استلمت العمل مكان أخي، شاركت في المعركة على غزة وبئر السبع، انضممت إلى الجيش، وأصبحت برتبة رائد، ولقد كلفوني بمهمة استخباراتية على جبهة المعركة، وكنت رئيس المخابرات في الجيش البريطاني في فلسطين(112 ).
قدم أهارون بعد لقائه مع أدموند اللمبي تقريراً مشفراً من نيلي، جاء فيه:” كل يوم يتجمع الجيش التركي، وكل يوم هناك طائرات ألمانية تحلق في سماء فلسطين، كل يوم تحركات للمدافع، ومعظم الجيش التركي تم تجميعه في غزة والسبع، إنهم يتوقعون هجوماً بريطانياً من السبع، كما وهناك قائد القوات التركية وهو: رفعت بيك، ومعه ثلاث كتائب، ولقد طلب نقل جيش حلب والناصرة إلى غزة، كما تم تلغيم الآبار والشوارع في بئر السبع، ومنطقة بئر السبع مكان ضعيف، ولن تصمد فيه القوات التركية”(113 ).
بعد احتلال بئر السبع وغزة، تحرك الجيش البريطاني لاحتلال القدس، وكل أنحاء فلسطين، وخلال ذلك انضم ألكسندر إلى “سلاح الفرسان البريطاني في الصحراء “، وقام بتجنيد عملاء من البدو للحصول على المعلومات عن الجيش التركي، وسافر سراً إلى بتاح تكفا وأرسل مبعوثاً خاصاً من هناك إلى زخرون يعكوف، حتى يتواصل مع بعض عناصر (الجدعونيم)،ويستخدمهم كمخبرين لجمع معلومات عن تحركات الجيش التركي، وأرسل مخبرين إلى حيفا، وعكا، وصفد للدخول لجبهة الأتراك، وقام بتوجيه الوحدات البريطانية، وإرشادها جغرافياً، في تلك المناطق بعد احتلال غزة والسبع( 114).
مما سبق يتضح أن منظمة نيلي قامت بنشر جميع عناصرها في أنحاء فلسطين؛ ليقوموا بجمع المعلومات عن أوضاع الجيش التركي ونقلها للبريطانيين.

ت) مقاومة الاعتقالات وأساليب التحقيق:
ويُعرف التحقيق بأنه مجموعة من الإجراءات المشروعة التي يلجأ إليها المحقق في سبيل كشف غموض الجريمة من حيث معرفة مرتكبها، وسبب ارتكابها، وكيفية ارتكابها، ومكان وزمان ارتكابها(115 ).
وقع نعمان بلكيند في يد الأتراك، بعد فترة وجيزة من سقوط حمامة في يد الأتراك، ولم يكن يحافظ على السر، ففي 13 أيلول (سبتمبر)عام 1917م، وقع قريبه أبشالوم فينبرغ في أسر الأتراك(116 ).
أنكر نعمان في التحقيق علاقته بمجموعة التجسس (نيلي)، وعلمت عائلته في ريشون ليتَسيون بأمر اعتقاله، وحاولت إخراجه من السجن المركزي في السبع، وبعد عدة محاولات فاشلة لإخراجه، أرسلت زوجته (عدينا)، ملابس له على السجن، ومن سرعتها لم تقم بتفتيش الملابس وإفراغها، وكان في تلك الملابس كان سجل مذكرات نعمان وبعض الأوراق المسجل فيها أسماء أعضاء المجموعة، وبعض التقارير عن التحركات والخطط العسكرية للسلطات التركية، الأمر الذي لم يستطع نعمان إنكاره(117 ).
ومما سبق يتضح فشل نعمان وزوجته الأمني في الحفاظ على المعلومات التي كانت بحوزته، وعدم توفير مخبأ للمعلومات في حال تعرضه لاعتقال، كما يظهر انعدام الحس الأمني عند زوجته في عدم تفتيش ملابسه التي كان يوجد فيها معلومات خطيرة أدت إلى نهايته.
وتم التحقيق معه مرة ثانية على مدار اليوم لكي يعترف، وخلال محاولة يوسف ليشنسكي وآخرين، إخراج نعمان من السجن، طلب منهم عاطف باشا 500 ليرة ذهب، خلال أسبوع، فتم جمع 300 ليرة ذهب، ولم يتم تأمين باقي المبلغ؛ وبذلك فشلت محاولة إخراجه من السجن، وقُدم نعمان للمحاكمة وأصدر عليه حكم الإعدام شنقاً (118 ) .
يرى الباحث أن الصهاينة استغلوا تفشي الفساد الإداري في المؤسسات التركية بفلسطين، لصالحهم، وذلك من خلال دفع الرشوة لمقاومة الاعتقال لعناصر التنظيم، أو للإفراج عمن تم اعتقالهم.

ث) الغطاء الأمني:
يُعرف الغطاء الأمني بأنه الواجهة التي يختفي خلفها العمل السري(119 )،فمثلاً استخدمت منظمة نيلي محطة التجارب في عتليت مركزاً أمنياً، بغطاء محطة للتجارب الزراعية، كما استغل أهارون عمله مسئولاً لمكافحة الجراد المنتشر في فلسطين، بسهولة التنقل بين القرى دون أي رقابة ؛ بسبب حرية التنقل التي منحت له، وتم استغلال البطاقات التي منحت لعناصر نيلي لممارسة عملهم لمحاربة الجراد في الرصد وجمع المعلومات، واستخدم الدكتور موشيه فايمن عمله طبيباً كغطاء أمني في جمع المعلومات (12 )، واستطاعت منظمة نيلي إخراج مَنْ يتم اعتقاله من عناصرها لدى السلطات التركية في حال تم إلقاء القبض عليه وهو يرصد ويجمع المعلومات، بدعوى أنه يعمل في محطة التجارب الزراعية(121 ).
أمرت سارة دافيد سكولوفيتش، أن يقوم ببيع الطعام بجوار محطة القطارات في العفولة، وكانت مهمته إعداد التقارير عن حركة القطارات، ومراقبة الوحدات العسكرية التي تنقل فيها، وأرسل عدة تقارير من خلال أحاديث الضباط عن حركة الجنود في الجبهات (غزة – الرملة – السبع)، وكافة أنواع المدافع، والأسلحة، وكل المعلومات أرسلت إلى مكتب المخابرات البريطانية في مصر(122 ) .
يرى الباحث أنه يجب على رجل الأمن أن يتمتع بصفات عدة منها ممارسة الغطاء الأمني، كما فعلت منظمة نيلي مع عناصرها؛ مما سهل عليهم رصد وجمع المعلومات.

ج) أمن الاتصالات:
اقترح مندل سنئيرنسون(123 )على أهارون في صيف عام 1917م، استبدال الاتصال البحري باتصال جوي، بين مركز نيلي في عتليت، ومركز القيادة العسكرية في مصر، من خلال استخدام الحمام الزاجل لتلك المهمة، حيث أنه أكثر أمناً من الاتصال البحري( 124).
وفي الثاني من نيسان(ابريل) عام 1917م، قرر أهارون استخدام الحمام الزاجل بين فلسطين ومصر، وذلك بعد أن استشار الخبير في شؤون الحمام الزاجل في قسم المخابرات البريطانية في مصر، الميجور ملكوم(125 ).
تم إرسال عدد من الحمام الزاجل من عتليت إلى مصر، وتم نقله إلى العريش وتم تدربيه للعودة إلى عتليت، ففي 17أيار(مايو) عام 1917م، تم إرسال مجموعة من الحمام الزاجل من العريش إلى فلسطين، وصلت بعد أيام، 6 حمامات من أصل خمسة وعشرين حمامة عادت إلى أماكن مختلفة، في المرة الثانية تم إرسال حمام زاجل من عتليت وزخرون يعكوف، وفي مرة أخرى تم إرسال الحمامات الست التي عادت إلى عتليت لمصر، ووصلت إلى مصر واحدة فقط(126 ) .
يرى الباحث أن الحمام الزاجل لم يحقق لنيلي نجاحاً كبيراً؛ فالحمام المرسل كثير، لكن الذي كان يعود قليل، مما كان سبباً في كشف التنظيم؛ لذلك يجب على القيادة الأمنية فحص التقنيات الحديثة قبل استخدامها في العمل الأمني.

ح) الإحساس بأهمية الخطر:
أرسلت سارة حمامتين من عتليت، في 30 آب (أغسطس)عام1917م، وأرسلت مع كل واحدة منهما رسالة بخط مشفر، أنه يجب إرسال(مناحيم)،في العاشر من أيلول (سبتمبر)، وبعد عدة أيام أرسلت حمامتين أخريين، وكتبت معهما الرسالة نفسها، لكن الحمامات الأربع لم تصل إلى مصر، ووقعت واحدة منهن في ساحة قصر أحمد باشا حاكم قيساريا(127 )، ولم ينجح الأتراك في فهم الرسالة ؛لأنها كانت مشفرة، لكن الرسالة أعطت إشارة بوجود مجموعة تجسس في فلسطين، وتم رفع الأمر لقائم مقام أعمال حيفا حامد باشا، فعلمت سارة بذلك الأمر(128 ) .
أخبر يوسف ليشنسكي أهارون بأن إحدى الحمامات سقطت في قصر حاكم قيساريا، فماذا نفعل ؟، وعلى إثر سقوط الحمامة، تم ذبح كافة الحمام الزاجل في محطة عتليت وزخرون يعكوف، وبعدها بساعات حضر الأتراك لتفتيش المكان، وأحضروا معهم الحمامة ووضعوها في أقفاص الحمام في المستوطنة، حتى يتم التأكد من أنها تابعة لذلك المكان(129 ).
تخوفت سارة بعد كشف أمر الرسالة، وشعرت أن وضع عناصر نيلي في خطر إذا بقوا في زخرون يعكوف، فقامت بإبادة جزء كبير من المعلومات، وخبأت جزءاً آخر تحت أكوام القش الموجودة داخل المستوطنة، وظلت سارة تنتظر السفينة حيث كان معها معلومات عسكرية مهمة، وكانت تريد إرسالها إلى مصر، وتأخر قدوم السفينة لعدة أيام، ثم وصلت السفينة مناحيم، وصعد عليها عدد من أعضاء نيلي، لكن سارة رفضت الصعود على السفينة، والهروب لمصر، فقد قررت السفر بعد يومين، وطلبت منهم إرسال السفينة بعد يومين من أجل تأمين سفر أبيها وأختها وصديقتها(130 ).
كتبت سارة لأخيها رسالة بسيطة وعاجلة: ” أنا أريد أن أكون آخر التاركين وليس أولهم”، وغادرت السفينة وعلى متنها عدد من أعضاء نيلي بتاريخ 25 أيلول (سبتمبر)عام 1917م، من شواطئ عتليت على مصر، وتم نقل الضابط التركي الذي وعده نعمان بلكيند بنقله لمصر مقابل مساعدته له، لكن السفينة لم تعد، وقامت السلطات التركية بمحاصرة مستوطنة زخرون يعكوف واعتقلت سارة وأسرتها وكل من هو موجود بداخل المستوطنة من عناصر نيلي( 131).
يرى الباحث أن العاملين في المجال الأمني يمرون بمواقف تتطلب منهم قراراً ميدانياً، وقد يكون ذلك في زمان أو مكان أو حال عدم توفر وسيلة الاتصال الآمنة مع قياداتهم، وعندها يجب اتخاذ قرار ما والعمل بموجبه، كما فعلت سارة مع عناصر نيلي لما اكتشف أمر المنظمة.

3- القواعد الأمنية على مستوى الجهة المعادية:
اتبعت نيلي عدة قواعد أمنية مع الأتراك لجمع المعلومات من خلالها، ومن تلك القواعد:

أ) الاختراق:
ويُعرف بأنه هو عملية زرع المصادر داخل جسم الجهات المعادية سواء كانت (تنظيمات، حكومات، أو الأجهزة التابعة لها..) لتُعتمد كعيون وأدوات عاملة، تحت غطاء مناسب(132 ). وطلب نعمان بلكيند من أخيه إيتان، عمل المستحيل للحصول على كتاب فك رموز الشيفرة اللاسلكية التركية الألمانية ؛ التي تستخدم في دمشق، فبعد سفره إلى دمشق كلف جمال باشا إيتان بمهمة جديدة، هي نقل الغذاء للمعسكرات والمستشفيات العسكرية في دمشق، والمراقبة على غذائهم(133 )، وأثناء وجود إيتان في دمشق شهد إعدام عدة قيادات عربية من سوريا والعراق ؛ ممن طلبوا من جمال باشا استقلال بلادهم، فقام بنقل المشهد لمجموعة نيلي في عتليت(134 )؛ وبعدها تعرف على صديق قديم من أيام الدراسة في المدرسة الداخلية في يافا هو (إليعزر ليفسون)؛ الذي كان يعمل ضابط اتصالات لاسلكي في دمشق، وبحكم عمله في نقل الغذاء على المعسكرات، التقى به عدة مرات، وسأله إذا كان قادراً أن يوضح له كيف يتم فك رموز شيفرة اللاسلكي الألمانية الجديدة، ووافق اليعازر على مساعدته في ذلك، وطلب منه أن يحضر الساعة السابعة مساءً، وبعد ذهاب الضباط الألمان للراحة، حضر إيتان في الموعد المحدد وشرح له إليعزر كيف يتم فك رموز الشيفرة، وبعد ذلك أخرج من الخزانة سجل رموز الشيفرة؛ التي كانت تستخدم لتحليل الإخباريات والإشارات اللاسلكية، والرسائل العسكرية من الجبهات إلى القسطنطينية( 135)، ودون أن يشعر إليعزر، سرق إيتان السجل ووضعه في جيبه، وشكره على الخدمة، وقال له: إنني سأغادر في نفس الليلة، وقد استأجرت غرفة في المنطقة المجاورة، وجلس هناك طلية الليل ينسخ المعلومات من السجل، وفي الصباح ـــــ عند عودته إلى محل سكنه في المستشفى العسكري في دمشق ــــــ، وجد ليفسون يبحث عنه، وكان قلقاً جداً، وأخبره أنه تم سرقة سجل فك الشيفرة، فاقترح عليه إيتان العودة إلى المعسكر، لإعادة البحث سوياً، فقام ايتان بإعادة السجل على أحد الأدراج، فقال له: لماذا كل ذلك القلق؟ ها هو السجل موجود هنا، ففرح فرحاً شديداً، وطلب اليعزر منه مغادرة المكان قبل وصول الألمان(136 ).
قام إيتان بإرسال سجل فك رموز الشيفرة إلى أبشالوم؛ فذهب أبشالوم فرحاً إلى سارة قائلاً: ” أحضرت كنزاً موجود فيه فك كافة أنواع الشيفرة التي يستخدمها الأتراك في مخاطباتهم للألمان، علينا إيصال الكنز إلى مقر القيادة في مصر لتصل للقيادة العسكرية البريطانية، فلم تصدق سارة ما شاهدته بعينها، حيث أخبرها أن الكنز وصل إلى إيتان في دمشق، وأرسله عبر مبعوث خاص، سري جداً (137 ).
يرى الباحث أن من أهم مواصفات رجل الأمن الشجاعة؛ فالشجاع يمكنه أن يعمل ويصمد في الأجواء الخطيرة؛ فيتمكن من الاستمرار في مهامه حتى يحقق أهدافه، لكن الجبان لو كلف بتنفيذ مهام أمنية، فإنه يبحث عن سبل السلامة؛ فالشجاعة لدى إيتان بلكيند جعلته يسرق الشيفرة التركية الألمانية دون خوف، وإرجاعها بحنكة وذكاء في مكانها دون أن يشعر صديقه بذلك.
اقترب موعد السفينة في أحد الأيام، ولا توجد معلومات كثيرة لدى نيلي، فقالت سارة: عليّ الخروج لجمع المعلومات بنفسي. تعجب أبشالوم، وقال لها: كيف؟، ردت عليه أستطيع، وقامت من مكانها، وأخرجت مظروفاً فيه بطاقة دعوة، وقالت: ها هي فرصتي، إنها دعوة من جمال باشا، يدعوني لحضور حفل زواج له، وسوف يقيم احتفالاً كبيراً، وسيتم دعوة كافة الضباط الأتراك من كافة أنحاء فلسطين(138 ).
قال أبشالوم لسارة: لابد أن أكون معك، فقالت له: لا، سأكون لوحدي، عليّ أن أقوم بمحادثة الضباط ونسائهم، وأسمع منهم كل جديد، وعندما تأتي السفينة آخر الشهر، سيكون لدينا الكثير من المعلومات لنرسلها لمصر، ومع توجهها لقصر جمال باشا في القدس، تم استقبالها بحفاوة، ورغم من المشاهد الغريبة والجديدة التي رأتها في قصر جمال باشا، إلا إنها لم تنسَ المهمة الأساسية لها (139 )،وفي إحدى محادثاتها مع أحد الضباط قال لها :”الانجليز يعتقدون أننا لن ننجح في التقدم في السويس، لكننا سنحاول، كتائب كثيرة مثل عدد الرمال متواجدة في النقب في انتظار أوامر الهجوم، وسوف يهجمون هجمة رجل واحد، ويطردون الانجليز من السويس”، واستمرت سارة في الرقص والاستماع والمحادثات والشرب حتى مطلع الفجر، وودعت جمال باشا، وغادرت، على وعد بإعادة الزيارة مرة ثانية(140 ) .

ب) التجنيد:
يُعرف بأنه عملية استقطاب، أو استمالة الأفراد طوعاً أو كرهاً، وذلك لتنفيذ أهداف محددة(141 ).
توصلت نيلي إلى تجنيد عدد من الضباط في صفوف الجيش التركي، ففي 29 تموز (يوليو)عام 1917م، كتب ليشنسكي لأهارون يقول:” توصلنا إلى تجنيد أشخاص سيقدمون لنا معلومات في المنطقة ما بين دمشق والقسطنطينية، معظمهم أعضاء المدرسة الداخلية الذين خدموا في الجيش التركي من الصهاينة، ويخدمون الآن في الجيش (142 ).
وتم تجنيد عدد كبير من الأعضاء والمخبرين في دمشق، وتم نقل نحوم قيليفوتش الذي تم تعيينه بواسطة جمال باشا إلى دمشق، مديراً لتزويد المياه للجيش التركي في المنطقة، ولعب دوراً مهماً، فجند معظم عمال مكتبه ؛وعمل إيتان بلكيند مراقباً على السكك الحديدية الحجازية( 143)،فكان عملاء ومخبرو نيلي متواجدين في كافة المناطق الاستراتيجية في فلسطين، ففي الجنوب عمل نعمان بلكيند، وأرسل تقارير دورية عن الوضع هناك، والدكتور فايمن، طبيباً عسكرياً في كافة المعسكرات التركية ونقل المعلومات من جميع الأماكن التي كان يدخلها، ودافيد سكسلوقيتش أرسل معلومات عن وضع السهل والجليل، وتنوعت عناصر نيلي ؛فقد عمل معها حراس، جنود، وأطباء، وطلبة، وعمال، ومزارعون، ومهندسون، وتجار، وموظفين، وبسطاء من عامة الشعب(144 ).
يتضح مما سبق أن منظمة نيلي استغلت جميع شرائح المجتمع الصهيوني في جمع المعلومات عن الجيش التركي.

ت) زرع المصادر البشرية:
تُعرف المصادر البشرية في الأمن بأنها: الأشخاص الذين يقومون بتوفير المعلومات، وهم من أهم وسائل جمع المعلومات(145 ).
بعد انتهاء عمل إيتان في مناطق ولاية شرق الأردن، طلب جمال باشا مقابلته في قصره في دمشق، وكلفه بالإشراف على الزراعة العسكرية في منطقة جبل الدروز وجبل الشيخ، والجولان وقال له :”عليك الاهتمام بالزراعة هناك، وعدم السماح للجراد بالانتشار في تلك المناطق ؛ لأننا نستخرج سنوياً من تلك المناطق 80 مليون كيلو قمح للجيش بدون مقابل، وإذا نجحت سأعطيك مدالية “(146 )،وبعد خروجه من القصر،قابل سعد الله بيك مدير مكتب جمال باشا في دمشق،وقدم له خريطة للمنطقة التي سيعمل فيها، وكان فيها 600 قرية، وطلب منه تعيين 600 موظف، للعمل على مكافحة الجراد في كل قرية، وأخذ الوثائق المطلوبة لتسهيل مهماته لدى الجيش والشرطة التركية،ومنح تصريح ركوب القطارات مجاناً،كمراقب عسكري على الزراعة العسكرية من قبل قيادة الجيش الرابع في الجيش التركي( 147).
يرى الباحث أنه يجب على رجل الأمن استغلال كل فرصة تقع بين يديه، للقيام بمهمته بشكل جيد، كما فعل عنصر نيلي إيتان حينما طلب تجنيد 600موظف للعمل معه، واستغلالهم لصالح نيلي.
بدأ إيتان عمله بعد أسبوع من سفره في القطار لمنطقة درعا، ونزل للسكن بجوار محطة القطارات في درعا، وكانت المحطة ذات أربع اتجاهات، فكانت لديه فرصة كبيرة للقاء عدد كبير من الناس لسماع المعلومات المهمة منهم، وتوصليها إلى نيلي، ومتابعة التطورات وحركة القطارات (148 ).
يعتقد الباحث أن رجل الأمن لا بد أن يكون اجتماعياً؛ حتى يصل للمعلومات التي يريدها، وقد كان عنصر نيلي يسجل كل معلومة يسمعها من الناس في القطارات ويسجلها لنيلي.

خلاصة:
هكذا يتضح أن منظمة نيلي قامت بعمل استخباراتي لصالح القوات البريطانية في مصر، وقد ساهمت المعلومات التي قدمتها نيلي في احتلال فلسطين، ورغم انكشاف أمر نيلي، واعتقال قادتها وعناصرها ؛ إلا أنها استخدمت العديد من القواعد الأمنية المهمة في مجال الأمن مثل: التواصل بطرق متعددة مع البريطانيين، والتثبت من المعلومات والسعي في جمعها من خلال العناصر المنتشرة في المناطق المدن والقرى الفلسطينية، كما وضحت لعناصرها طبيعية المهام المنوطه بهم، وحددت طرق التواصل داخل المؤسسة الأمنية، واعتمدت على نظام التشفير في إرسال المعلومات الأمنية للبريطانيين، فكانت تجربة أمنية صهيونية، تمت الاستفادة منها لاحقاً، لدى الهاغاناة، والوكالة اليهودية، وإتسل، وليحي(149 ).

الهامش
1 ولد في استنبول عام 1872م،أحد قادة تركيا في الحرب العالمية الأولى 1914-1918، شغل مناصب عده في الجيش العثماني ،والتحق بجمعية الاتحاد والترقي ، نال شهرته نتيجة صرامته خلال حكمه لبغداد ،أرسل إلى فلسطين عام 1914م،وفشل في غزو مصر ، واغتيل عام 1922م،في تفليس.(الكيالي،عبد الوهاب،وآخرون:موسوعة السياسة ،ج2،ص74).

2 باحث في العلوم الطبيعية وسياسي صهيوني ، ولد في ألمانيا عام 1876م ، وهاجر لفلسطين في السادسة من عمره مع والديه ، درس الزراعة ، وقام بجولة أبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية ، وحصل على منحة إقامة محطة زراعية تجريبية في عتليت ، وأسس مجموعة نيلي التجسسية لصالح بريطانيا ، وكان مقرباً لجمال باشا ، الذي عينه رئيساً لهيئة مكافحة الجراد ،الذي غزا فلسطين والبلدان المجاورة ، ومات في حادث طائرة فوق قناة المانش عام 1919م.( تلمي ،أفرايم ومناحيم : معجم المصطلحات الصهيونية، ص12؛مهاني ،علي: العلاقات الصهيونية البريطانية في فلسطين ،ص26؛ السنوار ، زكريا : منظمة الهاغاناة ،ص 20).

3 قرية عربية ، تقع على بعد 13كم من شاطئ البحر ،جنوبي حيفا ،أقيمت فيها مستوطنة حملت اسم القرية ، وضمت محطة التجارب الزراعية التي كان يديرها أهارون أهرونسون.(عراف ، شكري : المواقع الجغرافية في فلسطين ،ص467).

4 بلكيند، إيتان: هكذا كان- قصة إيتان بلكيند رجل نيلي(بالعبرية)، ص47؛
Singer ، Amy & Cohen ، Amnon: Aspects of Ottoman History ،p.107.

5 شرائيل، باروخ، وآخرون: موسوعة كارتا (بالعبرية)، ص959؛ ناؤور، مردخاي، وجلعادي، دان: أرض إسرائيل في القرن العشرين(بالعبرية)، ص98؛ بدر،حمدان: دور منظمة الهاغاناة ،ص 12.

6 ناؤور، مردخاي، وجلعادي، دان: أرض إسرائيل في القرن العشرين(بالعبرية)، ص98؛
Nili Spy Ring ، www.us-israel.org.

7 ولد في مستوطنة زخرون يعكوف عام 1888م، وتعلم في مدرستها، وكان يعمل في صباه في كروم اللوز والعنب التي كانت تابعة للبارون روتشيلد، ثم عمل في منظمة نيلي. (تدهار، دافيد: موسوعة اليشوف وبناته، ألكسندر أهرونسون (بالعبرية)، ج 7 ، ص 2773 ، (www.tidhar.tourolib.org ) .

8 شقيقة أهرون أهرونسون، ولدت في زخرون يعكوف عام 1890م، تزوجت يهودياً في تركيا، وانتقلت للإقامة في اسطنبول، وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولي، عادت إلى زخرون يعكوف ، وشاركت في نيلي واعتقلت،وأثناء نقلها للمحكمة العسكرية أطلقت النار على نفسها ،وماتت عام 1917م. (تلمي ، أفرايم ومناحيم : معجم المصطلحات ،ص12؛ عيلام ،يغآل:ألف يهودي في التاريخ الحديث،ص26؛ منصور، جوني : معجم الأعلام و المصطلحات،ص58).

9 ولد في عام 1889م، في صباه انتقل للعيش في الخضيرة، ثم تعلم في فرنسا، والتقى بأهرون وأصبحا صديقين، وقبل اندلاع الحرب خطب رفكا أهرونسون ، وصار جزءاً من عائلة أهرونسون ،وأصبح من زعماء منظمة نيلي ،وكان الساعد الأيمن لاهرون.( تلمي ،أفرايم ومناحيم، معجم المصطلحات الصهيونية، ص389؛كوهين، جيئولا: مقابلة مع رفكا أهرونسون (بالعبرية)،ص9).

10 من مواليد الخضيرة عام 1889م، تعلم في مستوطنة ريشون ليتَسيون وتأثر بأبشالوم فينبرغ وانضم لمجموعة نيلي ، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى كان يعمل في مصانع النبيذ التابعة للبارون روتشيلد، وكان الضباط الأتراك يزورون المصنع بشكل كبير ، ولقد استغل نعمان زياراتهم وأهداهم النبيذ مقابل الحصول على معلومات لنيلي ، ومع غياب أبشالوم فينبرغ الطويل أراد نعمان السفر للتأكد من أنه على قيد الحياة وخلال سفره تم إلقاء القبض عليه ، وأُعدم مع يوسف ليشنسكي.(تدهار، دافيد: موسوعة اليشوف وبناته، (بالعبرية)، ج 5 ،ص 2286 ، (www.tidhar.tourolib.org ).

11 ولد في مستوطنة متولا المقامة على أرض المطلة، عام 1886م، وتعلم في مدرسة المستوطنة، وعمل في الزراعة و الحراسة، وانضم لمنظمة هاشومير (الحارس)، لكنه كان من ضمن القوات غير النظامية فيها، وعمل في منطقة بيت شيمن في مجال الحراسة، وكان متخصصاً في العلاقات مع العرب، وأصبح عضواً في منظمة نيلي، وتم إعدامه في سجن دمشق مع نعمان بلكيند بعد اكتشاف السلطات التركية منظمة نيلي وتورطه فيها.( تدهار،دافيد: موسوعة اليشوف وبناته، (بالعبرية) ، ج 5 ،ص 2311 ، (www.tidhar.tourolib.org ).

12 سميت نيلي بهذا الاسم اختصاراً للعبارة التوراتية (نيتسح يسرائيل لويشكير) بمعني نصيح إسرائيل لا يكذب. (قاسمية، خيرية: النشاط الصهيوني، ص305؛ أبو حلبية، حسن : تاريخ الأحزاب العمالية الصهيونية،ص80؛ السنوار، زكريا: منظمة الهاغاناة،ص21).

13 شرائيل، باروخ، وآخرون: موسوعة كارتا (بالعبرية)، ص959؛ مهاني، علي: العلاقات البريطانية الصهيونية في فلسطين، ص 26؛ السنوار ، زكريا : منظمة الهاغاناة ،ص21؛ ناؤور، مردخاي ، وجلعادي، دان : أرض إسرائيل في القرن العشرين(بالعبرية) ، ص98؛ ياهف، دان: طهارة السلاح،ص26.

14 قاسمية، خيرية : النشاط الصهيوني، ص 304 ،306؛ السنوار، زكريا : منظمة الهاغاناة الصهيونية، ص 21 .

15 مهاني، علي: العلاقات البريطانية الصهيونية في فلسطين، ص27.

16 ناؤور، مردخاي، وجلعادي، دان : أرض إسرائيل ) بالعبرية)، ص 99 .

17 أفيجور، شاؤول، وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 388.

18 أفيجور،شاؤول ،وآخرون : تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)،ص 388.

19 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص194.

20 أبو حلبية، حسن: تاريخ الأحزاب العمالية الصهيونية، ص79.

21 السنوار، زكريا: منظمة الهاغاناة، ص9.

22 أفيجور، شاؤول، وآخرون : تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)،ص360.

23 شرائيل، باروخ، وآخرون: موسوعة كارتا (بالعبرية)، ص957.

24 عمار، نزار: الاستخبارات الإسرائيلية ،ص7ا ؛ اريه ، يهوشع وآخرون: موسوعة (الفترات الكبرى في تاريخ أرض إسرائيل )(بالعبرية)ج3 ،ص109 ؛ روجل نيكديمون:المتجهون نحو الشمال (بالعبرية)، ص67.

25 اريه، يهوشع وآخرون: موسوعة (الفترات الكبرى في تاريخ أرض إسرائيل )(بالعبرية)،ج3،ص112؛ شرائيل، باروخ، وآخرون: موسوعة كارتا (بالعبرية)،ص21.

26 تربان، كمال: مدخل إلى العلوم الأمنية، ص283.

27 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية) ، ص72؛
Nili Spy Ring ، www.us-israel.org.

28 الشقيقة الصغرى لأهرون أهرونسون، ولدت عام1892م، كانت من سكان مستوطنة زخرون يعكوف، خطبها أبشالوم فينبرغ .(كوهين،جيئولا:مقابلة مع رفكا أهرونسون (بالعبرية)،ص4).

29 بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص 23؛ ليقنا، اليعازر:أهرون أهرونسون ، الرجل وزمانه (بالعبرية) ،ص 200.

30 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية) ،ص 72.

31Singer ، Amy and Cohen ، Amnon: Aspects of Ottoman History ،p.108.

31 قاسمية ، خيرية : النشاط الصهيوني، ص124.

33 ليقنا، اليعازر:أهرون أهرونسون ، الرجل وزمانه (بالعبرية) ، ص 200.

34 أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 337.

35 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص76.

36 عومي ، دبورا: سارة بطلة نيلي(بالعبرية)، ص70.

37 عومي ، دبورا: سارة بطلة نيلي(بالعبرية)، ص 89؛ ليفنا ،اليعازر، وآخرون : نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ،ص80.

38 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص82.

39 بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية) ، ص29؛ ليقنا، اليعازر:أ هرون أهرونسون ، الرجل وزمانه (بالعبرية)،ص 202.

40 اريه، يهوشع وآخرون: موسوعة الفترات الكبرى (بالعبرية)، ج 3، ص 106.

41 بلكيند، إيتان: قصة إيتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص 91؛ بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص30؛ ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ، ص82.

42 بلكيند، إيتان: قصة إيتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص100.

43 أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 357.

44 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص133.

45 أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 357.

46 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ،ص136.

47 بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص69.

48 مناحيم: سفينة سياحية صغيرة وقديمة، تزن 160طناً، وكانت مهمتها نقل المعلومات والجواسيس من مصر إلى فلسطين وبالعكس، وإلى مكتب الاستخبارات البريطانية الخاص بالشرق الأوسط (E.M.S.I.B )، الذي كان مقر القيادة العسكرية البريطانية في مصر، وكان معظم طاقم السفينة من رجال المخابرات البريطانية العرب في فلسطين، وسوريا ولبنان، ومن الضباط البريطانيين (ليفنا، اليعازر، وآخرون :نيلي تاريخ الشجاعة السياسية( بالعبرية) ، ص142).

49 بلكيند، إيتان: قصة ايتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص91.

50 بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص70.

51 بلكيند،إيتان: قصة ايتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)،ص131.

52 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية)،ص235.

53 بشوت ،حيل : سارة شعلة نيلي (بالعبرية)،ص123.

54 ولد أفرايم عام 1849م، في رومانيا، وفد إلى فلسطين مع عائلته وهم من مؤسسي مستوطنة زخرون يعكوف، ونجله اهرون أهرونسون مؤسس منظمة نيلي التجسسية. (تدهار،دافيد: موسوعة اليشوف وبناته، (بالعبرية)، ج 5 ،ص 2086 ، (www.tidhar.tourolib.org ).

55 ولد في 15 تشرين أول (أكتوبر) عام 1897م، تعلم في مدارس مستوطنة ريشون ليتَسيون الابتدائية ، ثم في مدرسة الثانوية الداخلية في يافا ، والتحق بالأكاديمية العسكرية التركية ، وخلال خدمته في الجيش التركي أثناء الحرب العالمية الأولي ، التحق بمنظمة نيلي السرية، وتم اعتقاله بعد فضح أمر المنظمة ، وحكم عليه بالإعدام شقناً ، ولكنه استطاع الهروب من السجن في عام 1925م، وأصبح بعد ذلك نائب رئيس بلدية ريشون ليتَسيون ، ثم عمل في منظمة اتسل .( تدهار، دافيد: موسوعة اليشوف وبناته، (بالعبرية)، ج4،ص 2086 ، (www.tidhar.tourolib.org ).

56 ولد في عام 1893م، وتعلم في المدرسة الثانوية الداخلية في يافا، في عام 1914م،وعمل مدرساً للغة العبرية والفرنسية في مستوطنة ريشون ليتَسيون، هاجر بعد حملات جمال باشا وسافر لمصر ، واستقر بالإسكندرية ،وكان من نشطاء نيلي، وكان برتبة مساعد في الكتائب العبرية ، وخدم فيها حتى تفكيكها ، ولقد كلفه أهرون في مصر بأن يقوم بتجنيد عدد من أعضاء الكتائب لخدمة الشبكة ،وللسفر على متن سفينة مناحيم إلى فلسطين.( ليفنا ،اليعازر،وآخرون : نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ،ص250؛تدهار، دافيد: موسوعة اليشوف وبناته، (بالعبرية)، ج 5 ،ص 2678 ، (www.tidhar.tourolib.org ).

57 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية) ،ص82.

58 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص 88-92.

59 ليفنا، اليعازر،وآخرون : نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ،ص 254 ؛ عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية )،ص 88.

60 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص153.

61 الجدعونيم: في عام 1913م، أسست في مستوطنة زخرون يعكوف رابطة شبابية حملت اسم جدعونيم بزعامة الكسندر أهرونسون، بهدف توحيد وتنظيم شبان المستوطنة،و(الدفاع) عن حياة المستوطنين ، وممتلكاتها ، ولم تدم الرابطة سوى 14 شهراً ؛ بسبب تجنيد أعضائها للجيش التركي في بداية الحرب العالمية الأولي، وقدموا خدمات استخبارية لمنظمة نيلي(تلمي ، أفرايم ومناحيم : معجم المصطلحات ،ص90؛السنوار ، زكريا: منظمة الهاغاناة، ص15؛
From Hashomer to the Israel Defense Forces: Armed Jewish Defense in Palestine ، www.us-israel.org.

62 ليفنا، اليعازر،وآخرون : نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ، ص242.

63 المجموعة اليافاوية: شُكَّلت في عام 1917م، في يافا على شكل مجموعات محلية، الهدف منها (الدفاع) عن الاستيطان اليهودي في مدينة يافا، أوجدت لنفسها ما يشبه خدمة جمع المعلومات عبر محاولات مراقبة ما يدور في مدنية يافا.(هرئيل ،أيسر: الأمن والديمقراطية(بالعبرية)، ص 73).

64 أفيجور،شاؤول وآخرون : تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص363.

65 ولد في طبريا عام 1872م، تعلم اللغة العبرية والفرنسية في صباه، عمل أثناء الحرب العالمية الأولى مع سارة أهرونسون في منظمة نيلي، وكان يقوم بتقديم التقارير عن تحركات الجيش التركي العسكرية، وتوفي عام 1939م، ودفن في مستوطنة زخرون يعكوف (تدهار، دافيد: موسوعة اليشوف وبناته، (بالعبرية)، ج 12 ، ص 4107 ، www.tidhar.tourolib.org ).

66 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص78.

67 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص114.

68 ليفنا، اليعازر، وآخرون : نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ، ص 143.

69 عومي ، دبورا:سارة بطلة نيلي( بالعبرية) ،ص250.

70 بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص 129.

71 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص 234.

72 أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 534.

73 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص124.

74 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص260.

75 مغاري، هشام: الأرشفة الأمنية، ص188.

76 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص234.

77 بلكيند، إيتان: قصة إيتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص125.

78 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص236.

79 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص260

80 السنوار، زكريا منظمة الهاغاناة، ص23.

81 أفيجور، شاؤول آخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص371.

82 مهاني، علي: العلاقات الصهيونية البريطانية في فلسطين، ص 27.

83 بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)،ص94.

84 شرائيل، باروخ، وآخرون: موسوعة كارتا (بالعبرية)، ص21؛ أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص372.

85 بشوت، حيل : سارة شعلة نيلي (بالعبرية) ،ص68.

86Singer ، Amy and Cohen ، Amnon: Aspects of Ottoman History ،p.109.

87Proctor ، Tammy: Family Ties in the Making of Modern Intelligence ،P.451

88Aaron Aaronson ، www.us-israel.org.

89 أكاديمية نايف للعلوم الأمنية: الثقافة الأمنية، ص34.

90 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص77.

91 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ،ص 254.

92 أفيجور،شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص360.

93 بلكيند، إيتان: قصة إيتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص125.

94 أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 523.

95 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية) ،ص 124.

96 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية) ،ص 254.

97 ضابط وسياسي تركي بارز، لعب دوراً هاماً في ثورة عام 1908م، ضد السلطان العثماني، وعمل كضابط في حملة طرابلس (ليبيا) ضد الإيطاليين عام 1911م، لمع في حملة أدرنه ضد البلغار، وعين بعدها وزيراً للحربية، ولعب دوراً في جر تركيا إلي الحرب العالمية الأولي بجانب ألمانيا، وحوكم بعد الحرب بالموت، إلا أنه فر وحاول أن ينظم ثورة إسلامية ضد حكم كمال أتاتورك إلا إنه فشل وقتل خلالها. (الكيالي، عبد الوهاب، وآخرون: موسوعة السياسة، ج1، ص375).

98 ناؤور، مردخاي، وجلعادي دان: أرض إسرائيل في القرن العشرين(بالعبرية)، ص99

99 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص 254.

100Singer ، Amy and Cohen ، Amnon: Aspects of Ottoman History ،p.112.

101 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص85.

102 اريه ، يهوشع وآخرون: موسوعة (الفترات الكبرى في تاريخ أرض إسرائيل) (بالعبرية)ج3،ص111

103 قائد عسكري وسياسي بريطاني ولد عام 1861م، كان مندوب سامٍ على مصر من عام 1919إلى 1925م، اشترك في الحرب العالمية الأولي، وقاد القوات البريطانية في غزو فلسطين ضد تركيا عام 1917م، واستولي على مدنية القدس، ودمشق، وحلب. (الكيالي، عبد الوهاب، وآخرون: موسوعة السياسة ،ج1،ص263).

104 أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 549.

105 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص 730.

106 ياهف، دان: طهارة السلاح، ص26.

107 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص 340.

108 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص272.

109 روحاما: كيبوتس تابع لحركة الكيبوتسات القطرية يقع في مدخل النقب الشمالي، وكان في البداية مستوطنة زراعية، وأقيم الكيبوتس عام 1916م، على أراضي البلدة العربية جمامة، وفي عام 1917م، كانت المنطقة المحيطة بروحما ميدان قتال بين الجيش التركي والجيش البريطاني ، فدمرت روحاما وأبيدت مزارعها، وفي عام 1920م، أعيد الاستيطان فيها، وبعد مرور أقل من تسع سنوات دُمرت مرة أخرى خلال أحداث ثورة البراق عام 1929م. (تلمي ، أفرايم ومناحيم: معجم المصطلحات، ص 428 ).

110Proctor ، Tammy: Family Ties in the Making of Modern Intelligence ،P.451.

111Proctor ، Tammy: Family Ties in the Making of Modern Intelligence ،P.451.

112Singer ، Amy and Cohen ، Amnon: Aspects of Ottoman History ،p124.

113 ليفنا، اليعازر، وآخرون : نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ،ص 270.

114 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص 730.

115 نوفل، أمين: أصول التحقيق الجنائي، ص10.

116 السنوار، زكريا منظمة الهاغاناة، ص23.

117 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية) ، ص286

118 بلكيند، إيتان: قصة ايتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص131؛ ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص286.

119 كامل، محمد: المعلومة الأمنية، ص34.

120 عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص85.

121 ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص286

122 بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص 90.

123 مندل سنئيرنسون: ضابط مخابرات بريطاني عمل في مكتبها بمصر. (أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 367.

124 أفيجور، شاؤول وآخرون: تاريخ الهاغاناة (بالعبرية)، ص 368.

125Singer ، Amy and Cohen ، Amnon: Aspects of Ottoman History ،p.115. ( (

126 السنوار، زكريا منظمة الهاغاناة، ص23.

قرية فلسطينية بناها هيرودوس عام 10ق. م، على موقع برج ستراتون (أي عبد عشتارورت الفينيقية)، ودعاها باسمها إكراما لأغسطس قيصر، تم احتلالها من قبل الصهاينة عام 1948م. (عراف، شكري: المواقع الجغرافية في فلسطين، ص489).

السنوار، زكريا منظمة الهاغاناة، ص23.

ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية (بالعبرية)، ص345.

بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص94.

ليقنا، اليعازر: أهرون أهرونسون، الرجل وزمانه (بالعبرية)، ص272.

سليم ، السعيد: كيف نفهم الأمن؟،ص 77.

Proctor ، Tammy: Family Ties in the Making of Modern Intelligence ،P.123.

بلكيند، إيتان: قصة إيتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص126.

عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص80.

ليفنا، اليعازر، وآخرون: نيلي تاريخ الشجاعة السياسية ( بالعبرية) ،ص 234.

بلكيند، إيتان: قصة إيتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص125.

بشوت، حيل: سارة شعلة نيلي (بالعبرية)، ص 79.

عومي، دبورا:سارة بطلة نيلي( بالعبرية)، ص 112.
(4) Proctor ، Tammy: Family Ties in the Making of Modern Intelligence ،P.451

تربان،كمال: مدخل للعلوم الأمنية، ص258.

(2) عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص153.

Proctor ، Tammy: Family Ties in the Making of Modern Intelligence ،P.455. (3)

تربان، كمال: مدخل للعلوم الأمنية،ص256.

Proctor ، Tammy: Family Ties in the Making of Modern Intelligence ،P.122.

بلكيند، إيتان: قصة إيتان بلكيند رجل نيلي (بالعبرية)، ص109.

عومي، دبورا: سارة بطلة نيلي (بالعبرية)، ص79.

المصدر/ المعهد المصري للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة