كتابات : حاوره/ علي جبار عطية
ولد الفنان التشكيلي، ورسام الكاريكاتير الساخر سمير ملك علي في بغداد يوم السبت الموافق ١٩٥٦/١٢/٢٢م . تأثر في طفولته بأخيه الكبير فؤاد ملك الذي لم يتخذ الفن التشكيلي إلا هوايةً يمارسها للترويح عن النفس، بينما وجد سمير ملك خلاصه في هذا الطريق، ليتخصص أكثر في الفن الساخر، وليبدع فيه.
علَّم نفسه بنفسه، ونحتَ في الصخر، وتشرب من البيئة العراقية، خاصةً البيئة البغدادية ، فظهرت في أعماله، فأينما سافر، يحمل الهم والحزن العراقي، فهويته المحلية كانت جواز سفره الفني.
بدأ نشر أول رسومه الكاريكاتيرية في جريدة (التآخي) العراقية سنة ١٩٧٥م، ليصبح
عضواً في نقابة الفنانين العراقيين، والنقابة الوطنية للصحافيين العراقيين، والتجمع العالمي الكندي للكاريكاتير السياسي، وجمعية الكاريكاتير العراقي.
جذبتني رسومه اللاذعة الناقدة، والمتهكمة من الأوضاع غير الاعتيادية التي يعاني منها المواطن بعد التغيير سنة ٢٠٠٣ م، فكان أميناً في تناولها على مدار سنوات التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لديه مشاركاتٌ داخليةٌ وعربيةٌ وعالميةٌ.
ونُشرت رسومه في أكثر الصحف العراقية.
حاصلٌ على عدة جوائز وشهادات تقدير منها جائزة المركز الثالث في مسابقة النزاهة لسنة٢٠١١م، وحصل سنة ٢٠٢٠ م على شهادة جمعية سفراء التعليم للتنمية والإبداع. A.e.A بمصر بوصفه سفيراً للفنون لسنة ٢٠٢٠م تقديراً لجهوده الفنية في نشر قضايا العرب في المحافل، والمعارض الدولية حسب وصف (حسن رجائي) رئيس مجلس إدارة سفراء التعليم، والمستشار الإعلامي والمدير العام لدى وزارة التربية والتعليم في مصر، وعضو الإتحاد الدولي للصحافة العربية.
شارك في مسابقة سوريا الدولية السابعة عشرة ٢٠٢١م برسمة بورتريت للشاعر نزار القباني فضلاً عن مشاركته في مسابقة الويب الدولية في أذربيجان ٢٠٢١ بمشاركة ٥٠٠ فنان
و ١١١٢ لوحة من ٦٨ دولة وكان بعنوان
( أوقفوا الحرب وابتسموا ).
إختار له في شهر شباط الماضي ٢٠٢١م مركز وكتالوج معرض الكارتون الأوربي في بلجيكا رسماً ضمن معرض (الفرص) يمثل علاقة حب بين زرافة،وجمل من بين٢٣١١ لوحة لـ ٧١٤ فناناً مشاركاً من ٨٠ دولة.
حاورته عبر (الماسنجر) إذ يقيم في محافظة الجيزة في مصر لنتعرف إلى تجربته الغنية فكان هذا الحوار.
*عندنا فنانون كبار برعوا في فن الكاريكاتير مثل مؤيد نعمة، وضياء الحجار، وبسام فرج، وخضير الحميري، وعبد الرحيم ياسر، وعباس فاضل، وفؤاد حسون، وعودة الفهداوي، وحمودي عذاب،وعلي الدليمي، وغيرهم فهل تأثرتَ بأُسلوبهم؟
ـ كانت بدايتي منذ الطفولة في الرسم التشكيلي متأثراً بأخي الكبير فؤاد ملك، وكان رساماً هاوياً لم يشترك في مسابقات، أو إقامة معارض، بعدها كانت لي فرصة نشر أول رسم كاريكاتيري سنة ١٩٧٥م في جريدة ( التآخي)، وكنت أتابع أسبوعياً مجلتي (المتفرج) و(الفكاهة) الكاريكاتيريتين، ومعجب بالفنان غازي الخطاط ،والفنان عباس فاضل،اللذين لكلٍ منهما أسلوبه الخاص به، لكنَّني لم أحاول تقليدهم لكي يكون لديَّ أسلوبي الخاص بي.
* تميل في أغلب رسومك إلى التعليق، والشرح، ووضع الحوار ، فهل تجد من الضروري ذلك، أم الأفضل ترك الأمر إلى نباهة القارىء ؟
ــ من ناحيتي أُفضّل ترك الأمر إلى نباهة القارىء ،فعندما يكون الكاريكاتير بدون تعليق يصبح عالمياً لا يحتاج الى ترجمةٍ، ويفهمه ابن البلد، أو الأجنبي مهما كانت جنسيته، ولا يقتصرعلى مَنْ يفهم اللغة فقط.
* يمتزج الكاريكاتير لديك بالمرارة، ألا تظن أنَّ في هذا ميلاً عن وظيفة زرع الابتسامة؟
ــ عندما رُسم أول كاريكاتير في العالم كان فيه انتقاد لحالةٍ سلبيةٍ بتغليفٍ فكاهيّ، ، فليس من الضروري للكاريكاتير أن يكون هدفه الفكاهة وزرع الابتسامة فقط، فهو يختزل صفحاتٍ كثيرةً من الكتابة عن موضوعٍ معينٍ برسمةٍ واحدةٍ لا تأخذ ربع صفحة من تلك الصفحات الكثيرة.
*شاركتَ في معارض ومسابقات عالمية، فهل يشكل ذلك فارقاً عندك في الفكرة وأُسلوب التعبير؟
ــ نعم. هناك فارقٌ، فمن خلال المشاركات وخاصة العالمية أمكنني الأطلاع على ما وصل إليه الفنان من خلال إخراج الرسمة، وخطوطها وأسلوب النقد، وحتى الألوان، وهذه كلها شكلت لديَّ رؤيا جديدة في فن الكاريكاتير.
*ما تأثير ابتعادك عن وطنك مدةً طويلةً على صعيد التجربة الفنية ؟
ـ لقد أثرت الغربة فيَّ نحو الأحسن ؛ نتيجة اطلاعي على بعض نتاجات الفنانين العالميين من خلال مشاركاتهم في الملتقيات العالمية.
* ما الذي أضافته إقامتك في مصر إلى تجربتك الفنية ؟
ــ لقد كان تواجدي الطويل في مصر الفن، والأدب،مصر الكنانة، وشعبها الأصيل منذ سنة ٢٠١٥م فرصةً للتعرف إلى أهلها الطيبين، وفنانيها الرائعين، فضلاً عن تعرفي إلى جمعية الكاريكاتير المصرية، وهي من أنشط وأكبر الجمعيات العربية في صناعة فن الكاريكاتير، وتتميز عن غيرها بكثرة إقامة الملتقيات لهذا الفن سواء أكانت محلية، أم عربيةً، أم عالميةً، وكثرة المشاركين فيها من جميع أنحاء العالم، وذلك رغم ظروف الجمعية المصرية البسيطة من الناحية المالية الصعبة، نجدهم كخلية نحلٍ تعمل ليلاً ونهاراً من أجل إنجاح الملتقى، وإظهاره بأجمل صورةٍ أمام العالم.
*لمدرسة الكاريكاتير المصرية فنانون كبار فماذا أخذتَ منهم ؟
ــ لا يخفى على أحدٍ أنَّه يوجد في مصر فنانون كبارٌ لهم باعٌ طويلٌ في هذا الفن، وتصوير الحالات سلبيةً كانت أم إيجابية، اجتماعيةً أم سياسيةً، وفي الحقيقة رغم ذلك لم أتأثر بهم كون الحالة الاجتماعية، والسياسية المصرية تختلف عن الحالة العراقية رغم تشابه بعض الحالات بين البلدين.
* ما سر تفوق المصريين بالنكتة، وهل هم الشعب الأكثر براعةً وحباً للنكتة؟
ـ هناك دراسةٌ أجراها الباحث الألماني راينر شتولمن توصلت إلى أنَّ الشعب المصري يتمتع بروح الفكاهة، وخفة الدم أكثر من غيره على مستوى البلاد المجاورة، والعالم ككل؛ نتيجةً للظروف الأقتصادية التي يعاني منها، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، فاللجوء إلى النكتة هو للتنفيس أو الترويح عن النفس، فإنَّ الضحك يعد المتنفس الوحيد للإنسان الذي يشعر بعدم الرضا عن وضعه، ويشارك العراقيون المصريين في الظروف الصعبة التي تشهدها بلادهم.
وتؤكد دراسة شتولمن أيضاً أنَّ الشعب البريطاني هو أكثر الشعوب في أوربا ضحكاً على الرغم مما يُعرف عن البريطانيين من برودةٍ وجديةٍ !
*لماذا تظهر حجوم أعضاء الإنسان في الرسوم الكاريكاتيرية مبالغاً فيها؟
ـ لأنَّ الكاريكاتير هو فنٌ ساخرٌ من فنون الرسم وهو صورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية، أو خصائص، ومميزات شخص، أو جسم ما، بهدف السخرية، أو النقد الإجتماعي أو السياسي، أو الفني أو غيره.
* بماذا تتميز المدرسة العراقية في فن الكاريكاتير عن المدرسة المصرية ؟
ــ لا تختلف المدرسة العراقية في الكاريكاتير كثيراً عن المدرسة المصرية في هذا الفن من نواحٍ كثيرةٍ، لكنَْهم يختلفون عنا فقط بغزارة الإنتاج، والنشر لوجود العديد من الصحف واعتمادها على ما يرسمه الفنان المصري، عكس ما موجود في العراق، فأكثر الصحف العراقية تعتمد على الكاريكاتير الجاهز من خلال مواقع التواصل الاجتماعي العديدة، يعني (عملية سرقة)؛ ولذلك نجد الفنان العراقي قليل الإنتاج
*متى تنتهي القطيعة بين رسام الكاريكاتير والطبقة السياسية ؟
ــ وُجد فن الكاريكاتير من أجل خدمة المجتمع بكل شرائحه سواءً أكانت اجتماعيةً أم سياسيةً ،
فطالما هناك خللٌ في أيٍّ منهما، وغيرهما فمن واجب الفنان الإشارة إلى هذا الخلل، وهذا ما يثير حفيظة المقصر سياسياً كان أو غيره،
ولا يخفى مع الأسف هناك قلةٌ قليلةٌ من الفنانين تحاول تلميع صورة السياسي الفاسد من خلال هذا الفن من أجل مصالح متبادلة.
*لماذا يبدو رسام الكاريكاتير أقرب إلى مخاطبة الأطفال في الرسم ؟
ــ إنَّ رسم الكاريكاتير، وخطوطه قريبةٌ جداً من رسوم الكارتون ذي المواقف المشاكسة المضحكة، ولذلك نلاحظ الأطفال دائماً يشدهم الرسم الكاريكاتيري الموجود في الصحيفة أكثر من باقي المواضيع الموجودة فيها.
*هل لفت انتباهك حالياً رسامٌ تتوسم فيه النبوغ؟
*يوجد في العراق فنانون لديهم كل مقومات رسامي الكاريكاتير الناجح، ولكن ظروف الوضع السياسي والاجتماعي حالياً الذي يعاني منه البلد، وخاصةً اعتماد الصحف على الكاريكاتير الجاهز من خلال مواقع التواصل الاجتماعي متهربةً من دفع أجور رسمة الفنان، أدى إلى اختفاء واندثار أكثر المواهب مع الأسف.
*نلاحظ غياباً شبه تام للمرأة التي ترسم الكاريكاتير، فبمَّ تعلل ذلك؟
ــ كما أشرتُ سابقاً فنتيجة الظرف السياسي والاجتماعي الذي يمر به البلد حالياً، وقلة المطلوب من هذا الفن في الصحف، وكذلك شحة اقامة الملتقيات لهذا الفن الداخلية أو الخارجية أدى إلى عزوف الفنانة العراقية من الخوض في هذا الفن في الوقت الحاضر.
* ما صحة قول إنَّ الإنسان البدائي عرف فن الكاريكاتير مبكراً حسب الرسوم التي وجدها المنقبون في الكهوف؟
ـ لا يوجد دليل قاطع على معرفة الإنسان البدائي لفن الكاريكاتير، ولكن توجد رسومٌ عثر عليها في(مغارة لاسكو). بجنوب فرنسا يرجع تأريخها إلى نحو 35000 سنة، حيث قام الإنسان الأول في العصر الحجري القديم برسم حيوانات كان يقوم بصيدها مثل الثيران
و الغزلان وغيرها.
*هل ما زال فن الكاريكاتير صامداً أمام التطورات التكنولوجية؟
ــ مهما تطورت التكنولوجيا يبقى فن الكاريكاتير موجوداً بقوةٍ ، وعلى العكس فقد تطور هو الآخر، وأصبح أكثر ممارسةً وانتشاراً بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، وحقق الغاية منه بأقوى فعاليةٍ.
*هل في النية الدخول في فن الأفلام المتحركة، وفن الانيميشن ؟
ــ كانت لي أمنيةٌ في الخوض في هذه التجربة، ولكن لظروفي الخاصة في الوقت الحاضر، لا أفكر فيه الآن، وأتمنى ذلك مستقبلاً.
* ما زالت في ذاكرتنا سلسلة (توم وجيري) ،
و( يا أرنب حوريك)، و(مغامرات السندباد البحري)، فلماذا لم تظهر سلسلةٌ أخرى بقوتها؟
ــ هناك أسبابٌ كثيرةٌ. ولكنَّ أولها التطور السريع في صناعة التكنولوجيا، وصناعة أجهزة الكمبيوتر، وأجهزة الألعاب الإلكترونية، التي أصبحت في كل بيتٍ، ويمارسها الصغار والشباب، وحتى قسمٌ كبيرٌ من الكبار، مما أدى الى توجه الشركات إلى صناعة الألعاب؛ لضمان كسبٍ ماليٍّ كبيرٍ عوضاً عن إنتاج هذه الأفلام التي فقدت الكثير من المتابعين لها.
*هل يمكن أن يعيش فنان الكاريكاتير من فنه؟
ــ بالنسبة للفنان الكاريكاتيري العراقي وباقي الدول العربية فمن المستحيل أن يعيش من مورد هذا الفن، إنْ لم يكون لديه موردٌ آخر، فهذا الفن ليس لديه مردود مادي يذكر. فمثلا في أحسن الأحوال يحصل الرسام على أجر قدره عشرة دولارات في الرسمة الواحدة في الصحيفة في الأسبوع الواحد، ولو نشرت في الشهر أربع رسمات تكون الحصيلة هي أنَّ الوارد أربعون دولاراً !!.