19 ديسمبر، 2024 4:08 ص

التسامح 2.. الاستياء والندم يسببان أمراضا جسدية

التسامح 2.. الاستياء والندم يسببان أمراضا جسدية

خاص: إعداد- سماح عادل

الشعور بالذنب يعني أن سلوكياتنا تتعارض مع معتقداتنا، وهو يجعلنا نحاول إصلاح الأخطاء التي تسببنا بها عمدا أو دون قصد، وقتها يكون الشعور بالذنب صحيا ومفيدا حين نستخدمه لاكتساب نظرة عميقة لقيمنا.

هناك اعتقاد مغلوط أن رفض مسامحة الذات إثبات علي شدة الأسف، لكن الحقيقة يقول د. “جون ديلوني”أن رفض مسامحة الذات علامة على فقدان الشجاعة لمواجهة ما حدث، وانه يعيق المواصلة بسلام، لاسيما عندنا يتطور الأمر إلى إحساس بالعار. وربما يستخدم الناس مشاعرهم السلبية كواقي يمنعهم من الاعتذار، الاعتقاد أن إغراق النفس في المشاعر السلبية قد يكون تعويضا عن ما بدر منا من أخطاء في الماضي.

“إيفرت وورثينجتون” عالم نفس سريري خبير في موضوع التسامح وأستاذ في جامعة فرجينيا كومنولث، ابتكر طرقا لدعم الناس وحثهم على مسامحة ذواتهم والآخرين، وقد حكي ما حدث في 1996، حين قتلت والدته في جريمة قتل وحشية بعد اقتحام شاب بيتهم بغرض السرقة، وكان الشاب يظن أن لا أحد في المنزل، استيقظت أمه فأحس السارق بالذعر وضربها حتى الموت، فيما بعد تمكن “إيفرت” من مسامحة الجاني، بينما أخوه “مايك” الذي اكتشف جثة والدته انتابته حالة صدمة نفسية كبيرة وكانت حادثة موت والدته تتجسد أمامه داخل ذهنه دوما بكامل التفاصيل.

لجأ “مايك” إلى أخيه “إيفرت” معبرا عن اضطرابه، فنصحه باللجوء إلي مساعدة طبية، بعد 3 أشهر تسبب الاكتئاب في انتحار”مايك”، احس “إيفرت” بالإدانة الذاتية بسبب أنه لم يقدم لأخيه الاستجابة التي كان يستطيع تقديمها له، ثم  وجد “إيفرت” رسالة انتحار “مايك”، وكان يطلب منه فيها أن يعتني بأمورهم المالية المتعثرة، تمسك “إيفرت” بفكرة المساعدة وكأنها الشيء الذي يستطيع فعله ليمضي قدما ويسامح نفسه علي تخليه عن أخيه.

تدمير..

التمسك بالغضب له آثار خطيرة على الصحة، فنكون عرضة للاكتئاب والأرق، يرى “ديزموند توتو” الناشط ورئيس الأساقفة في كتاب “الغفران” أن رد الأذى لصاحبه لن يوفر الراحة، التسامح هو الطريقة الأفضل لشفاء جروحنا، المغفرة هي الحل وإلا سنظل مقيدين بالمرارة تجاه من أذونا، نشعر بالحصار وبكوننا ضحايا حتى نستطيع الصفح عنهم، والاعتراف بأننا جميعا بشرا ولنا أخطاءنا، عند المسامحة نستطيع السيطرة على مصائرنا ومشاعرنا، ونصبح أحرارا عن طريق التخلي عن الغضب.

الدكتور “كارول بيرتوفسكي”  يفرق بين الشعور بالذنب والشعور بالعار، إحساس الذنب يأتي بعد تصرفنا بطريقة خاطئة نندم عليها، ومن الممكن أن تساعدنا في  تصحيح الأمور وتجعلنا أكثر وعيا بكلماتنا وأفعالنا، بينما العار ينشأ من شعور داخلي عميق بأننا مهانون ويائسون وغير جديرين بالاحترام والحب، ويؤدي بينا إلي  العزلة الشديدة والانفصال عن الواقع المحيط، وتتكون لدينا نظرة سلبية ونري الآخرين أكثر جاذبية ونجاحا اجتماعيا.

الدراسات العلمية عن التسامح، تكشف أن الغفران له تأثير إيجابي على البشر عقليا وعاطفيا وروحيا وجسديا، فهو يقلل من الغضب والاكتئاب، ويزيد الأمل، ويدعم الاتصال الروحي والثقة بالنفس، ويقضي علي التوتر والقلق والاضطرابات الجسدية.

رصدت الأبحاث الطبية والنفسية المختلفة أن الاستياء يسبب الأمراض الجسدية، مثل ارتفاع ضغط الدم والقرحة والصداع النصفي وآلام الظهر والنوبات القلبية وحتى السرطان.

تقول “ندا جولد” الأستاذة المساعدة في الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة جونز هوبكينز أن الغضب شكل من أشكال التوتر، عندما نغضب نحفّز استجابة الجسم للإجهاد. كما نشرت جمعية علم النفس الأميركية عام 2015 بحثا بعد تقييم 21 دراسة مختلفة حول التسامح، وجدت أن إيجابياته تدعم أيضا علاج تعاطي المخدرات.

نصائح لمسامحة الذات..

افهم الأسباب التي تدفعك لمسامحة ذاتك.

لماذا تحتاج لمسامحة ذاتك؟ عليك أن تقر علام ستسامح نفسك على وجه الدقة؟ ما الشعور الذي يؤرقك؟ صف أفكارك بعمق، حلل المشاعر السلبية دون الغرق تماما فيها، ثم أجب: هل تشعر بتلك المشاعر نتيجة لأمر قمت به أم لأنك تلقي باللوم على نفسك في حادث معين؟ استذكر الحدث المحدد في ضوء جديد، واعترف بالحقائق المحيطة حوله وكيف جعلك تشعر، لاحظ ما يصعب مواجهته، واكتب رسالة طويلة إلى ذاتك أو موجهة تبث فيها كل ما شعرت به آنذاك وما ينتابك الآن.

كُفّ عن فعل ما قد يعيقك عن مسامحة ذاتك.

احرص على إيقاف السلوك الذي يمثل المشكلة، فلنفرض أن أم لأربعة أطفال، أحيانا لا تقدر على كبح غضبها وتفرغه على أطفالها، ليتملكها بعد ذلك إحساس بالذنب. فور أن تدرك الأم سبب أزمتها، ولم تحس بتلك المشاعر وتجد طرق أخرى للتعبير عن ضغوطاتها واحتواء ما يزعجها دون إيذاء أحد أطفالها عاطفيا وجسديا، فستكون قد خطت أول عتبة في طريق الصفح عن ذاتها.

نصح المختصون بممارسة تمرين لرصد تأثير أفعالك، بمحاولة الإجابة عن الأسئلة الآتية على الورق، لتصور تأثير أفعالنا على محيطنا: “من الذي تأذى أكثر من غيره؟ ومن تأثر أيضا؟”، “ما الطرق التي أضرت بها أفعالي بسمعة/ علاقات/ نظرة الشخص الآخر لنفسه أو للآخرين أو العالم؟”، “ما نوع الألم الذي سببته لأحد: جسدي، عاطفي أو عقلي، أم شخصي، أم مالي؟”.

نَظِّم قائمة بالحدث وصنفه إلى 3 فئات مختلفة: الأخطاء الأخلاقية، وما لا أبرع فيه، وكل الأشياء الأخرى. الأخطاء الأخلاقية تستدعي الشعور بالذنب أو الندم، وتتطلب عدم المهارة تصحيحا مثل الالتزام بعدم القيام بعمل محدد مرة أخرى.

: لا تتفادَ الشعور بالذنب.

لا توجد مسامحة ذات دون شفقة عليها، والتعاطف معها، مع التحقق من صحة ما فعلناه بدلا من الاعتياد على الحكم على أنفسنا بقسوة واجترار أفكارنا

لا تتفادَ الاصطدام بكل شعور سلبي، بل حاول تغيير توازنه وأهميته كي لا يستحوذ عليك ويتمكن منك. تقبَّل حقيقة أن الشعور بالذنب عاطفة بإمكانها أن تجعلك تفهم تأثير تصرفاتك على شخص ما وأن تكون حافزا لتغيير نفسك نحو الأفضل. افصل أخطاءك عن هويتك وجوهرك، وكن على ثقة بأن الخطأ مهما بلغت فداحته فلا يجعلك شخصا سيئا وأن الأوان لا يفوت حقا.

نشر الباحث “ستيفن ستيتش” في عام 1990 دراسة تفيد أننا نؤمن بأفكار لا أساس لها من الصحة عندما يكون من السهل علينا تصديقها، ونتجاهل كل ما هو جيد، إذ يشوه القلق إدراكنا، فنصدق أسوأ ما في أنفسنا فحسب. علينا أن نهدأ والنظر بموضوعية إلى كل الأشياء التي قمنا بها، وأن نحاول التشكيك بانطباعنا الذاتي السلبي بأن نستمع مثلا إلى آراء المقربين عنا أو بأن نعزي أنفسنا بأننا على الأقل سنحاول أن نكون أفضل.

تحمل المسؤولية.

اعترف بما فعلته لنفسك بوضوح، أو تواصل مع الشخص الذي جرحته إن أمكن وأعلمه بندمك الصادق وتقبل مسؤولية أفعالك، دون تقديم مبررات وأعذار.

أحد التحديات في تحمل المسؤولية في تجنب الإفراط في إلقاء اللوم على نفسك أو التقليل من شأنها، واستيعاب ما أنت مسؤول عنه حقا فحسب، يتحمل الناس المسؤولية عن الأضرار التي لم يتسببوا بها أو يلومون أنفسهم كثيرا على بعض الأشياء الصغيرة.

قبل أن تتمكن من مسامحة نفسك، يجب أن تحدد ما تقدره وما تؤمن به. خذ لحظة للتفكير في كيفية التكفير عما تشعر بالذنب تجاهه، فكّر في كيفية إحداث فرق فعلي، ودوّن ما تؤمن به وما قمت به وأمدك بشعور أنه يتعارض مع قيمك وكيف تتجنب ذلك مجددا.

التعويض.

حاول أن تجد تعويضا ملائما لتسامح نفسك وليسامحك الآخرون في حال كنت أسأت لهم، وفي الحالة الثانية لا تفرض أسفك عليهم في حال كان ذلك سيؤذيهم بأي شكل أو معنى، امنح تعويضا مباشرا أو غير مباشر، وامنح غيرك الوقت والمساحة التي يحتاجون إليها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة