13 مارس، 2024 11:32 م
Search
Close this search box.

التدخلات التركية والإيرانية في المنطقة العربية: توافقات استراتيجية ومسارات مختلفة

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ مصطفى صلاح
كان لتداعيات الثورات العربية الأثر الكبير على التحديات الخارجية التي تواجها دول المنطقة، خاصة في ظل حالة الفراغ الاستراتيجي التي أصابت المنطقة العربية وتراجع المشروع العربي في مواجهة المشاريع التوسعية للعديد من الدول الإقليمية والدولية، هذا الفراغ سمح للعديد من القوي غير العربية لتبني مشاريع من شانها الإضرار بمصالح المنطقة، وإلي جانب إسرائيل برزت تركيا وإيران بمشروعهما الإقليمي الذي يقوم على التدخل في الشئون الداخلية والتوسع الجيوستراتيجي دون الاعتبار للمصالح العربية.

وعلى الرغم من أن العلاقات التركية الإيرانية شهدت محطات توافق وتوتر وتنافس، فالمتتبع لتاريخ العلاقات بين البلدين يجد أن الخط البياني لها متعرجا، فكانت صدامية في العهد الصفوي _ العثماني، وتوافقيه في العهد الشاهنشاهي _ الأتاتوركي، وصولا لما هي علىه الأن من تفاهمات إقليمية ورغبة في تقاسم النفوذ، حيث يركز الطرفان على مصير مشروعهما الإقليمي وحدود الدور الإقليمي المنشود لكل منهما.

إن التجاور الجغرافي والتنافس التاريخي أنتج فضاء وهامشا للتنافس والتعاون في آن واحد، ولذلك تتنافس تركيا مع إيران مثلما تتعاون، ولكن ضمن شروط موضوعية وقواعد لعب محددة، بحيث تمتزج أدوات التنافس مع محفزات التقارب لتنتج خليطا فريدا من نوعه في العلاقات الدولية والإقليمية.

وعلى خلفية إدراك الدول العربية لحجم التحديات التي تواجهها من خطر التدخل التركي والإيراني، تأتي القمة العربية التاسعة والعشرين المنعقدة في المملكة العربية السعودية بمدينة الدمام في 15 إبريل 2018م، لبحث التدخلات الإيرانية والتركية ومكافحة الإرهاب، إن ملف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، خاصة من قبل إيران وتركيا، يحتل الأولوية على جدول أعمال القمة العربية، وفي ضوء القلق العربي المتصاعد تبرز الضرورة البحثية لفهم استراتيجيتي البلدين وحدود تأثير دورهما في المنطقة العربية.

الفراغ الاستراتيجي مدخل التأثير

شكل غياب الحضور العربي وعدم قدرته على صياغة محددات جديدة لأمنه القومي والإقليمي الأثر الأكبر الذي سمح لتركيا وإيران بموازنة أدوارهما الإقليمية داخل الوطن العربي وفيما يلي أبرز المحددات الإقليمية لهما:

سياسياً واستراتيجياً: تتحرك تركيا وفق أيديولوجية قائمة على تصدير نفسها على أنها الدولة الديموقراطية التي ترعي مبادئها وتدعمها ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للدول العربية تحت غطاء دعم الديموقراطية، وكانت فرصة الربيع العربي بمثابة قبلة الحياة للمشروع التركي في تمرير سياستها التوسعية والتي تهدف إلي العودة إلي المنطقة العربية وفق مفهوم العثمانية الجديدة أو الجيوستراتيجية الحضارية الجديدة لتركيا، فبعد أن كانت تركيا تنتهج في سياساتها مبدأ تصفير المشكلات، أصبحت الأن تركيا محاطة بالأعداء، حيث تري تركيا نفسها وفق توجهها السياسي لاعبا من حقه أن يتدخل في الشئون الداخلية للبلدان العربية من منطلق أن استقرارها يهم تركيا، وعلى ذلك اعتبرت تركيا الثورات العربية بمثابة الطريق الممهد لتركيا للعب دور مهم في صياغة أمن المنطقة العربية بما يناسب تطلعاتها.

على الجانب الآخر، اتبعت إيران سياسة خارجية طائفية قائمة على تصدير الفكر الشيعي ومساندة الجماعات التابعة لها, ولهذا فإن إيران ولتحقيق طموحاتها الفكرية استندت في استراتيجيتها على مبدأ تصدير الثورة وخصوصاً لدل الجوار الجغرافي والاستفادة من التيارات الدينية الناشئة أو التي تحاول إنشاءها ودعمها بكل الوسائل المتاحة المالية والعسكرية وخصوصا تلك التي تعتنق المذهب الشيعي، مستندة بذلك إلي مبدأ تصدير الثورة الذي برز بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979م، وتقوم إيران بتوظيف البعد الديني في تحقيق أهدافها السياسية، وتتبني إيران ما يعرف باستراتيجية “أم القري” التي صاغها محمد لاريجاني، والتي تعتبر إيران نفسها مركز العالم الإسلامي الذي يجب على باقي الدول العربية والإسلامية الدوران في فلكه، وعلى ذلك رأت إيران أن الثورات العربية بمثابة امتداد للصحوة الإسلامية في إيران قبل 3 عقود، حيث عملت على تمكين الأقليات الشيعية في العديد من بلدان الوطن العربي لتحقيق دور أكبر في المستقبل السياسي.

اقتصادياً وعسكرياً: أولت الدولتين للبعد العسكري دورا مهما في صياغة دورهما الإقليمي، حيث تستخدم تركيا التدخل العسكري الاستباقي في تحركاتها في المنطقة العربية، بعدما كانت تتبني نهج عسكري دفاعي مرتكزا على حماية الحدود من دون المغامرات الخارجية، والذي كان سائدا أبان تأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفي كمال أتاتورك تحت شعار “سلام في الداخل، سلام في الخارج”، كما تستخدم تركيا نموها الاقتصادي في عقد الصفقات تحت مسمي أن تركيا تتبني اقتصاد إسلامي يسعي لخدمة الدول العربية، وتستخدم شركاتها مثل وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)، كأداة لتحقيق التوغل الناعم في المجتمعات العربية، عوضا عن جميع المناطق الأخرى التي تسعي حكومة حزب العدالة والتنمية التوغل داخلها.

بينما إيران تستخدم في رسم دورها العسكري العديد من السبل، أهمها دعم الحركات الشيعية دون مستوي الدول، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وقوات الحشد الشعبي في العراق، وتمدهم بالأسلحة وتوفر لهم التدريبات اللأزمة، إلي جانب ذلك، تصدرت القوات النظامية والمتمثلة في قوات الحرس الثوري المشهد داخل سوريا داعمة للنظام السوري وبشار الأسد، كما احتلت إيران الجزر الثلاث الإماراتية(طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسي)، عوضا عن سعيها إلي امتلاك القوة النووية وتطوير صناعتها الدفاعية، وتدعيم اقتصادها الوطني من أجل مواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها، وتستغل أيضا كونها أكبر احتياطي للنفط في العالم، في التحكم في أسعار النفط ورسم سياستها الاقتصادية بما يتناسب مع طموحها الإقليمي.

إن الأطماع التركية والإيرانية في المنطقة العربية هي أطماع تاريخية استمرت إلي أن وصلت أوجهها بعد الثورة الإيرانية 1979م، وتبلورت الأطماع التركية بعد صعود حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان إلي الحكم في 2002م، هذه الأطماع لم يواجهها موقف عربي موحد ضدها، مما أدي إلي توغلهم في العديد من الملفات التي تمس الأمن الإقليمي العربي.

تركيا وإيران توافق استراتيجي

على الرغم من اختلاف المشروعين التركي والإيراني في محدداتهم السياسية والاستراتيجية إلا أنهم يجمعهم رغبة في تقاسم النفوذ في المنطقة العربية.

ففي سوريا: على الرغم من الاختلافات الجوهرية في سياساتهما المعلنة تجاه سوريا، حيث تتبني تركيا هدف إسقاط النظام السوري بقيادة بشار الأسد ودعم المعارضة بالسلاح وتوفير معسكرات التدريب لهم، في حين تتبني إيران مواقف داعمة للنظام السوري، بل وتسانده بكافة أشكال الدعم، إلا أنهم نجحوا في تغليب المشترك واحتواء المختلف فيما بينهم ورسم الحدود الفاصلة بين المشروعين الإقليميين لكل منهما.

وعلى ذلك احتلت تركيا في يناير 2018م، منطقة عفرين السورية تحت دعاوي حماية الأمن القومي التركي، الأمر الذي ترفضه كل المواثيق والأعراف الدولية، وتتدعي تركيا أنها تواجه وحدات حماية الشعب الكردية والتي تعتبر بمثابة امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا والذي تصنفه إرهابيا، بل إن الحقيقي هو أن التدخل التركي جاء نتيجة للنجاحات من توازن القوي القائم حاليا في شمال سوريا، والذي بات يميل كثيرا لصالح الأكراد والنظام السوري.

إلى جانب ذلك تدعم تركيا العديد من الفصائل السورية المسلحة التي تتبني فكر متطرف، وتمدهم بالسلاح والمعدات مثل “الجيش السوري الحر” بل الأمر امتد لمشاركة هذه الجماعات في العمليات التركية في عفرين ضد الأكراد، كما دعمت تركيا العديد من الجماعات المصنفة أنها إرهابية في العديد من الدول العربية، مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بل وتقديم كافة الدعم وتوفير المنابر الإعلامية لهم، والتي تهدد أمن واستقرار العديد من الدول العربية، عوضا عن تقديم الدعم للعديد من الجماعات المتطرفة في سوريا وليبيا، وهو ما شكل تحدى آخر جديد تواجهه الدول العربية.

أما إيران، فتساند النظام الشيعي في سوريا نكاية في السعودية والدول العربية السنية، وتعد سوريا الأن بقيادة الأسد أكثر الحلفاء قربا من طهران، بل أن سوريا مفتاح السيطرة والتمدد في الوطن العربي، وأقرب إلي مراكز القوي في لبنان والعراق. حيث تحتل سوريا بموقعها الاستراتيجي مكانة هامة في الهلال الخصيب لما له من أبواب جغرافية مفتوحة تساعد إيران في استمرار توغلها ونفاذها في الجسد العربي.

وفي العراق: تتقاطع المصالح التركية الإيرانية خاصة تجاه الأكراد، في حين تختلف وجهة النظر لكلا الدولتين تجاه العراق، حيث تتنافس كلا الدولتين في السيطرة وتعظيم النفوذ للتأثير في المجريات الداخلية في ظل تعاظم السيطرة الإيرانية داخل العراق.

إلى جانب ذلك لا تتوقف تركيا عن الإعلان عن حقها في الإرث التاريخي العثماني في مدينة الموصل، التي كانت تابعة لتركيا طوال 4 قرون حتي الحرب العالمية الأولي، والتي فقدتها تركيا عقب توقيع معاهدة لوزان عام 1923م، واتفاقية أنقرة عام 1926م الموقعة بين تركيا وبريطانيا والعراق. ودائما ما تعلن تركيا بأن الحقوق التاريخية والدولية لتركيا تتمثل في الشريط الممتد من حلب حتي الموصل.

وعليه، قامت في أواخر سبتمبر 2016م، باحتلال الموصل تحت ذريعة مواجهة تنظيم داعش الإرهابي ومواجهة حزب العمال الكردستاني هناك، وذلك على الرغم من التنديد العراقي بقيادة رئيس الوزراء “حيدر العبادي” للسلوك التركي واصفا تدخل تركيا بالاحتلال.

على الجانب الأخر، تعد حرب الخليج الأولي والتي أستمرت 8 سنوات بين إيران والعراق، أحد العلامات الفارقة في علاقات البلدين، حيث كانت دوما الاتهامات العراقية موجهة إلي طهران بالتدخل في الأحداث السياسية والأمنية في الداخل العراقي، حتي أن إيران شاركت في تسهيل الغزو الأمريكي للعراق، حيث لم تتوفر فرصة للإيرانيين لبسط هيمنتهم على العراق كما حصل بعد عام 2003م، فقد دفعت إيران بكل قوتها لتثبيت أركان العملية السياسية في العراق، ولم تتردد الحكومة في طهران في مباركتها لأول شكل حكومي بعد الغزو الأميركي، والمتمثل بمجلس الحكم الانتقالي الذي شكله الأميركي بول بريمر منتصف يوليو 2003م.

إيران لبقاء مليشيا الحشد في العراق، أن الحشد يعتبر الدعامة الحقيقية لنفوذها بالعراق، وعلى الرغم من أن السلطة السياسية في بغداد التي هي بالمجمل تعتبر موالية لإيران، فضلا عن نقل التجارب والخبرات العسكرية والاستشارية بهدف ضمان استمرارية للتوغل الإيراني في الداخل العراقي.

إن إيران توغلت في مختلف مفاصل الدولة العراقية، وكونت ميليشيات تابعة لها، بل وتتحكم في الاقتصاد العراقي، عوضا عن جعل العراق وسوريا منصة الانطلاق للتدخل في شئون البلدان العربية الأخرى.

إن الحديث عن نهاية الاوضاع المأساوية في العراق يقود بالضرورة للحديث عن نهاية التدخلات الخارجية عموما و التدخلات التركية والايرانية بشکل خاص والتي أرهقت کاهل العراق واستنفذت الکثير من طاقاته.

إجمالاً- إن الجَسَارة الإيرانية والتركية العلنية للتدخل في الشؤون العربية لن تتوقف في ظل حالة التشتت العربي، وحالة اللامبالاة من غالبية دول المجتمع الدولي تجاه ما يجري في المنطقة العربية، وبالتالي هذه الجَرأة التركية والإيرانية لم تأت من فراغ وإنما جاءت كنتيجة طبيعية لغياب الدور العربي، ولعل العالم العربي بات أكثر احتياجا لإعادة ترتيب البيت العربي من الداخل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب