11 أبريل، 2024 8:07 م
Search
Close this search box.

التداوي بالفلسفة

Facebook
Twitter
LinkedIn

عرض/ محمد يسري أبو هدور
يبحث هذا الكتاب في أهمية الفلسفة وفي غاياتها وطبيعة علاقتها بالحياة الإنسانية، حيث يرفض المؤلف القول بأن التفلسف هو مجرد نوع من أنواع الترف الفكري.
يؤكد المؤلف سعيد ناشيد في كتابة “التداوي بالفلسفة” على أن الفلسفة هي طريقة تفكير مُثلى، من شأنها تبديل حياة ممارسيها إلى الأفضل، ومن ثم فهي طريقة ناجعة للتداوي من الآلام المرتبطة بالحياة.

والكاتب سعيد ناشيد هو باحث وكاتب مغربي مهتم بقضايا التجديد الديني والدراسات الفلسفية، من بين كتبه: “الحداثة والقرآن” و”قلق في العقيدة”.

ما الهدف من الفلسفة؟

يتحدث المؤلف في بداية كتابه عن المغزى والهدف من وراء دراسة الفلسفة، فيقول “إذا لم تنفعك الفلسفة في مواجهة أشد ظروف الحياة قسوة وضراوة، فمعناه أن دراستك لها –إن كنت تدرسها- مجرد مضيعة للوقت وعليك أن تعيد النظر في أسلوب التعلّم، ثم إنك قد لا تحتاج إلى الدراسة الأكاديمية المتخصصة إذا رغبت في تعلّم فلسفة الحياة، أو تأثير الفلسفة في حياتك، ليس فقط لأن الإنسان أفضل معلّم لنفسه، أو لأن الحياة أفضل معلّم للحياة، بل لأن الطابع التقني والنظري لتدريس الفلسفة قد أفقدها القدرة على تعليم الحياة، وجعلها مجرد فرصة لكي يتباهى المتعلّم بأنه يتكلم عن الفلاسفة أو يتكلم مثلهم. ولذلك لم يكتسب كثير من دارسي الفلسفة من دراسة الفلسفة غير وهم امتلاك المعرفة، ما جعلهم صيداً سهلاً للنزعات الأصولية والشمولية، نقول عنهم باختصار إنهم ضحايا ثقافة النصوص، والأمثلة كثيرة وشهيرة”.

ولما كان المؤلف يعرف بأن القارئ قد يعترض على طرحه، من خلال اللجوء لبعض من الأنساق الطوباوية المثالية، التي تغني في ظاهرها عن تكبد عناء المعرفة الفلسفية، فإنه يحدد بعد ذلك وظيفة الفلسفة وأهميتها الرئيسة في كونها أداة للتفكير النقدي الذي يساعد في التخلّص من الزيف، وتقديم الحقيقة المجردة من دون شوائب، فيقول: “حين يقوم التفكير النقدي بنزع السحر عن الأشياء فإنه يحمينا من خيبة الأمل، سواء تعلق الأمر بالتاريخ أو الحب أو الثورة أو السعادة أو الألم أو الموت، وبالتالي نكتسب القدرة على العيش بأقل ما يمكن من الآمال والأوهام”.

هل للتفكير الفلسفي دور في بناء الحضارة المعاصرة؟

في الفصل الأول من كتابه يطرح ناشيد سؤالاً جدلياً بامتياز، وهو ذلك الذي يستفسر فيه عن دور أعلام الفلاسفة من أمثال ديكارت وسبينوزا وروسو وكانط وهيغل وماركس ونيتشه، في إنتاج الحضارة الإنسانية المعاصرة التي نعيشها حالياً: تُرى هل كان لهؤلاء الفلاسفة دور مهم فيما وصلت إليه البشرية من منتجات حضارية مادية؟ أم أن مجهودات هؤلاء المفكرين المعرفية والبحثية لم تكن أكثر من كلام لا جدوى منه وفارغ من أي مضمون عملي حقيقي؟

في سياق الإجابة على السؤال السابق، يعترف المؤلف أن الفلسفة ليست شرطاً حتمياً في بناء الحضارة، وهو يؤكد على أن هناك مجموعة من الحضارات القديمة التي قامت وازدهرت من دون أن تعتمد بشكل كامل على الفلسفة، ويرى أن ذلك بسبب طبيعة الفلسفة نفسها، ذلك عندما يقول “إن التفكير الفلسفي هو النشاط العقلي الأكثر هشاشة… والاستمرار في التفلسف جهد استثنائي نادر يحتاج إلى بيئة حاضنة لا تلزم العقل بتقديس المسلمات”.

ولكن يعود الباحث بعد ذلك مستدركاً، فيؤكد على أن ابتداع أنساق علمية جديدة في العلوم والمعارف الحضارية المادية، يحتاج إلى طفرات فلسفية جديدة، فإذا ما أردنا تقديم نظريات مهمة في الفيزياء الفلكية أو الميكروفيزياء بحيث تتخطى ما وصل إليه كل من ألبرت أينشتين وماكس بلانك من قبل، فقد صار من اللازم علينا أن نستند إلى أطروحات فلسفية جديدة تتجاوز المعارف الفلسفية المعروفة حالياً. فالفلسفة بحسب ما يذكر المؤلف هي وحدها القادرة على نقد المفاهيم الكبرى، وعلى التنظير لمفاهيم بديلة عنها، وتلك المفاهيم تمثل حجر الزاوية في مسألة الإبداع والابتكار المعرفي. فبواسطتها يستطيع عقل الإنسان “أن يفكر في العالم والحياة، وفي الحضارة والسياسة، وفي الصيرورة والطبيعة، وأيضاً في الموت والفناء، إنه تاريخ التصورات الكبرى التي يقارب بها عقل الإنسان مسائل الوجود والزمان والكينونة والمعنى، بهذا المعنى تكون الفلسفة تعبيراً عن شيء أخر أكثر دقة، هو العقل الإنساني نفسه”.

من هنا فإن الباحث يطرح رؤيته الخاصة عن الفلسفة على كونها السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله تطوير الحضارة البشرية، والتي ظهرت آثارها في ميادين السياسة والفنون والأخلاق، وغير ذلك من حقول المعرفة الإنسانية.

على سبيل المثال، لا يمكننا أن نفكر في ظهور الديمقراطية من دون الرجوع لكتابات مفكري اليونان القدامى، من أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو، ولا يمكن فهم نظرية العقد الاجتماعي، والتي مثّلت الفكرة الأساس في طريق نقل البشرية من العصور الوسطى الغارقة في الاستبداد إلى العصور الحديثة التي تؤمن بالتشاركية السياسية، إلا بعد المرور على مؤلفات مونتسكيو وجان جاك روسو، وهي المؤلفات التي لعبت دوراً رائداً في الثورة الفرنسية فيما بعد. وأيضاً فيما يخص مسألة التسامح، وهي فكرة أصيلة في الثقافة المعاصرة، فإنه لا يمكن فهمها إلا من خلال الرجوع لأفكار فولتير وجون لوك وباقي فلاسفة عصر التنوير والنهضة.

أما فلسفة نيتشه فقد مثّلت حجر الزاوية في عدد من المشاريع الاستعمارية والإمبريالية المهمة، تلك التي حلم القائمون عليها بالنموذج النيتشوي المتمثل في الإنسان الكامل. ومن أهم تلك المشاريع، مشروع هتلر الذي تسبب في إزهاق أرواح العشرات من الملايين من البشر حول العالم خلال الحرب العالمية الثانية.

في السياق نفسه، فإن الكثير من المبادئ الهندسية المعمارية مقتبسة بالأساس من أفكار وأطروحات الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا. أما الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس فقد كان له دور رائد في تأسيس فلسفة أخلاقية تأثرت بها النظريات البيولوجية المعاصرة.

كل تلك النماذج والأمثلة والتي تربط بين الفلسفة من جهة ومنجزات الحضارة الإنسانية من جهة أخرى، استشهد بها المؤلف للقول بأن الفلسفة تعمل على “إنتاج صيرورة متواصلة نحو تأسيس عقل إنساني كوني”، وهو العقل الذي يمثل في حقيقته أفقاً نظرياً أمام الجنس البشري. ومن هنا فإن المؤلف يلتفت إلى حقيقة مهمة، وهي تلك التي تؤكد على أن أكثر المعادين للفكر الفلسفي في كل زمان ومكان هم في الحقيقة أولئك الداعون إلى الحفاظ على الخصوصية المحلية بمختلف خلفياتهم الثقافية والدينية، وكأن الفلسفة بما تقدمه من فرصة مهمة لإنتاج نظرة عالمية شاملة، تصطدم مع المتمسكين بهويتهم المحدودة القاصرة، والذين يرون أن فكرة الإنسان الكوني تعني القضاء عليهم وعلى وجودهم المستقل.

كيف تصبح الفلسفة أسلوب حياة؟

بعد أن تناول المؤلف مسألة أهمية الفلسفة في الحضارة الإنسانية، فإنه يبدأ بعد ذلك في طرح سؤال جديد ومهم، وهو ذلك الذي يستفسر عن الطريقة التي تتيح للفلسفة بأن تكون أسلوباً للحياة.

يرى ناشيد أن الفلسفة تساعد الإنسان على إعادة التفكير في أنماط التفكير الاعتيادية، وهو الأمر الذي يتيح الفرصة للتخلص من الآلام والمشاعر السلبية التي لطالما ارتبطت بلحظات الانكسار والخسارة في حياتنا.

على سبيل المثال، يتساءل المؤلف حول السبب في الشعور بالأسى والغضب، فيجيب بأن السبب الرئيس في ذلك هو أن الإنسان يتصور الألم وكأنه نوع من الظلم والاعتداء، أو أنه احتمال لشيء ليس بعادل، هنا يأتي التفكير الفلسفي كملجأ وملاذ أمن، حيث سيتيح هذا النمط من التفكّر، الفرصة أمام اكتشاف حقيقة مهمة، وهي تلك التي تعتقد بأن “الغضب مجرد رد فعل انفعالي يضرب بجذوره في أعماق اللاوعي الجمعي عندما كان الإنسان البدائي يرى الألم لعنة من الآلهة أو السحرة أو الأرواح الشريرة. وبهذا النحو من الإدراك العقلاني الهادئ يمكنني أن أتحرر من سطوة بعض الانفعالات السلبية البدائية… لن يختفي الألم بالضرورة لكن ستتحسن قدرتي على التحمل، بل قد أجعل الألم فرصة للإبداع بدل الشكوى، والغضب، والإحباط”.

ويعتقد الباحث أن هناك ثلاث عقبات رئيسة تقف في وجه الإيمان المطلق بأهمية الفلسفة في الحياة:

العقبة الأولى أن الفلاسفة عبر التاريخ قد اهتموا بالعقل، وتخصصوا في دراسة المجتمع والسياسة والعلم والمنطق، ولم يولوا اهتماماً يذكر بالجسد، فكيف يمكن أن ندعي أن هؤلاء يستطيعون إرشادنا على الطريق الأمثل للعيش؟

العقبة الثانية تتمثل في أن معظم الفلاسفة قد عاشوا حياة كئيبة وفاشلة، فقد عانوا من الأمراض المزمنة، والإخفاق العاطفي، والإفلاس المالي، وحتى المنفى والسجن والإعدام، هذا بالإضافة إلى فشلهم في أغلب الوقت على صعيد الحياة الاجتماعية والأسرية، فهل يستطيع هؤلاء أن يرسموا لنا خريطة السعادة التي من المفترض أن نسير عليها؟

أما العقبة الثالثة والأخيرة، فهي أن تاريخ البشرية يذكر لنا كيف أن الكثير من الحكماء الكبار مثل بوذا وكونفوشيوس، قد عاشوا حياة رائعة وقدموا طرقاً بديعة في التعامل وتحقيق السعادة من دون أن يحتاجوا أبداً لدراسة الفلسفة.

يجاوب ناشيد على تلك الاعتراضات واحداً وراء آخر، ويلخص إجابته بقوله “إن المبدأ التي تقوم عليه فلسفات فن العيش بسيط ومتفق عليه في تاريخ الفلسفة، التفكير هو أداة تحرير الإنسان من الانفعالات السلبية والغرائز البدائية والتي هي العامل الأساسي في تعاسته وشقائه”٠

ويؤكد ناشيد أن أغلب مشكلات الحياة تدور في فلك طريقة التفكير في المشكلة، على سبيل المثال، يستشهد المؤلف بقضية شهيرة قابلت الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وهي تلك التي وقعت عندما اشتكى له أحد النبلاء الفرنسيين من ضيقه وحزنه عقب إخفاقه الجنسي. يذكر ناشيد أن مونتين كان يعرف أن الإخفاق الجنسي هو مجرد حالة طبيعية قد تطرأ بين الفينة والأخرى بسبب أو حتى بلا سبب، لكن المشكلة أن عقل النبيل الفرنسي قد فهم أن هذا الإخفاق هو عجز، فسماه عجزاً جنسياً، ولأن اللغة هي نوع من السلطة، فإن مشاعر الإحباط قد زادت وتأججت فتحول الإحباط والإخفاق الطارئ إلى عجز دائم.

ويعلق المؤلف على ذلك بالقول إن “مجمل القول إن أصل المشكل هو طريقة تفكيرنا في المشكل، قاعدة تصدق على كل مجالات حياتنا اليومية”.

ويستشهد الباحث على نظريته، بما أورده الفيلسوف الفرنسي ألان في كتابه “في خواطر حول السعادة” عندما ذكر “إذا آمنت بأني سأسقط لا بد أن أسقط”٠

ويضرب أيضاً مثلاً من الحياة الواقعية، وهو عن الأديب الروسي العالمي دوستوفسكي، الذي صدر بحقه حكم بالإعدام، وكان واقفاً على مسافة دقائق قليلة من حبل المشنقة، وفي اللحظة الأخيرة تغير القرار، وتم استبدال الحكم بالنفي إلى سيبيريا، وهناك كانت في انتظاره حياة قاسية في السجن، ولكن مع ذلك عاد إلى الحياة التي سيصنع خلالها مجده الأدبي، وسيكتب فيها أهم رواياته على الإطلاق.

الفلسفة والأمل: كيف ينتج الأمل الحقيقي من ترك الآمال الكاذبة؟

يرى ناشيد أن الأمل هو واحد من أكثر الأهواء البشرية التي تعطل من قدرة الإنسان على الاستمتاع بحياته وعلى مواصلة تلك الحياة بطريقة نافعة وسليمة.

يستشهد المؤلف على ذلك بمجموعة من الأمثلة، منها ما ذكره العهد القديم في سفر صموئيل، أن الملك داوود كان له ابن مريض، وكان يتحسر كل يوم على حاله، ويأمل في شفائه، ووصل به حزنه عليه إلى درجة أنه قد أهمل ملابسه وابتعد عن الطعام واعتاد البكاء، ولكنه بمجرد أن عرف أن هذا الإبن قد توفى، “كفف دموعه، استحم، وضع العطر المناسب بعد أن غيّر ملابسه، ودخل إلى بيت يهوه لأجل الصلاة، ثم عاد إلى البيت طالباً الطعام”، وفسّر لخادمه حاله الجديد بقوله: “كنت حزيناً عندما كنت أشعر بأنه قد ينجو ويعيش، أما الآن، فأنا موقن بأنه لن يعود أبداً، بل أنا الذي سألحق به ذات يوم، فما جدوى الحزن إذاً؟”٠

يؤكد المؤلف على أن الأمل الكاذب هو نوع من الشر المحض، وأنه مرض يعيق الإنسان عن مواصلة الاستمتاع بحياته، ويضرب على ذلك مثلاً عندما تفقد أسرة ما أحد أطفالها، وتبدأ في رحلة البحث عنه في كل مكان، حيث تدخل تلك الأسرة في مشقة ومعاناة لا نهاية لهما، ولا تنتهي تلك الحالة البائسة إلا بالعثور على المفقود، أو بالتأكد من وفاته. ولذلك تحرص الشرطة في الحالة الثانية على أن يطلع أحد أفراد الأسرة على وجه الفقيد قبل دفنه، ليس لمجرد التأكد من هويته فحسب، بل أيضاً حتى يقطع أفراد الأسرة حبل الأمل والأماني، ويستطيعوا أن يكملوا حياتهم في هدوء.

يلاحظ ناشيد أن فكرة الأمل لم تقتصر على الحالات الفردية فحسب، بل إنها قد دخلت أيضاً في تركيبة العديد من الأيديولوجيات الكبرى، وخصوصاً الخلاصية منها، تلك التي تعد الإنسان بحياة طوباوية مثالية في المستقبل.

على سبيل المثال، ينتظر الشيعة عودة المهدي الغائب بفارغ الصبر لإقامة دولة الحق والعدل الإلهي، وينتظر المسيحيون عودة المسيح. أما الشيوعيون فينتظرون إقامة المجتمع الشيوعي، حتى نيتشه، كان ينتظر وصول الإنسان إلى الكمال، بحيث يظهر السوبرمان.

ويعلق المؤلف على فكرة الانتظار الأيديولوجي منتقداً لها بالقول: “قد يكون مبدأ الأمل عامل استقطاب كبير، لكنه سرعان ما يصبح لغماً ينتج العنف، ولو بعد حين، يكفي أن نتذكر عبارات من قبيل عجل الله ظهورك يا مهدي! أو، عاجلاً أم آجلاً سيتحقق المجتمع الشيوعي! الثورة غداً! الخلاص غداً! الإسلام غداً! أو ليست هذه الآمال العظيمة هي التي أوشكت أن تحوّل حاضرنا إلى جحيم؟ ألسنا نحتاج إلى آمال أقل، آمال أصغر، آمال بلا يقين، آمال بلا أمل؟!”٠

يرى المؤلف أن الشعور بانعدام الأمل قد يحررنا من أفق الانتظار الذي عادة ما يرسمه الآخرون بأهوائهم وأوهامهم، بل ينجينا من جحيم الانتظار كذلك، فعندما يتخلص الإنسان من تلك الأوهام الزائلة، يستطيع أن يتفاعل بشكل إيجابي مع الواقع المحيط به، وأن يستمتع به لأقصى درجة. ولذلك قال الفيلسوف الدانماركي سورين كيركغارد إن “اليأس هو الشرط الأساسي للوعي”٠

ويبرز ناشيد رأي الفيلسوف الروماني إميل سيوران، والذي يدعي بأن لحظة الرعشة الجنسية هي ذاتها لحظة اليأس، فلا شيء بعدها ولا متعة منتظرة، والارتياح النفسي الذي يعقبها هو ذروة اليأس التي تأذن بالنوم الهادىء والهانئ.

ويلخص الباحث كل الأفكار التي استدل بها في مسألة الأمل الكاذب، عندما يستعدي قول الشاعر الصوفي الأشهر جلال الدين الرومي في رباعياته “هناك الكثير من الأمل في غياب الأمل”.

كيف تساعد الفلسفة في تقبل القدر؟

يرى ناشيد أن التفكير الفلسفي من الممكن أن يكون مهماً كذلك لمعالجة الآثار الكارثية للضرر، فإذا افترضنا أن الإنسان قد تعرض لواحدة من ضربات الحظ ونوائب الدهر مثل الإفلاس أو الإقالة أو الفراق، فإن الفلسفة بطبيعة الحال لن تستطيع إزالة هذا الضرر، ولكنها في الوقت نفسه من الممكن أن تجعل القدر السيء أقل سوءاً “هذه الفرصة يمنحها التأمل، الذي يتيح لنا إمكانية إعادة بناء فهمنا للأمور، علماً بأن الفهم الجيد للأحوال السيئة يخفف من الشعور بسوء الأحوال”٠

للتأكيد على فكرته الداعية لمسايرة القدر، يستدعي الباحث مثالين: الأول مثال فلسفي استخدمه الفيلسوف اليوناني زينون الرواقي، ويتلخص في كلب مربوط من عنقه في حبل إلى عربة تتحرك بسرعة متصاعدة، بادئ الأمر فإن الكلب سوف يقاوم الجذب، لكنه عندما يدرك بأن الطوق محكم وأنه لا يوجد سبيل إلى الانعتاق منه، فإنه سوف يساير العربة حفاظاً على ما بقي من كبريائه، أو سيجد نفسه مجروراً بنحو مؤلم.

المثال الثاني، هو الملاكم الذي يقاوم ضربات خصمه ويراوغها، ولكنه عندما يتأكد من تفوق هذا الخصم عليه، فإنه يسايرها ويتداعى للسقوط حفاظاً على عظامه.

يبرز ناشيد أقوال فلاسفة مثل زينون وسينيكا وشوبنهاور، وكلها تدعو إلى أن يتصالح الإنسان مع قدره الخاص وأن يكف عن مقارنة قدره مع أي قدر آخر. فعلى سبيل المثال يقول نيتشه في كتابه “إنساني مفرط في إنسانيته”: “ينبغي أن تؤمن بالقدر، ويمكن للعلم أن يرغمك على ذلك، أما ماذا سينمو لديك عن ذلك الإيمان – جبن، استسلام، أم عظمة وجرأة- فهو ما سيدل على نوعية الأرض التي ألقيت فيها تلك البذرة”.

أما الفيلسوف الوجودي الفرنسي ألبير كامو في كتابه “أسطورة سيزيف”، والذي يحكي فيه عن شخصية سيزيف الذي ورد في الميثولوجيا الإغريقية على أنه قد خدع بعض الآلهة فتمت معاقبته بالشقاء الأبدي وبحمل صخرة كبيرة من أسفل الجبل إلى أعلاه بشكل متواصل لا نهاية له، فإنه يفترض أن سعادة سيزيف ممكنة، أو بالأحرى تخفيف شقائه وبؤسه، وذلك في اللحظة الذي يتقبل فيها قدره بلا تذمر ولا سخط. ففي تلك اللحظة تحديداً سوف يستطيع أن يحوّل مأساته إلى شعور إيجابي بالقوة، ويعود ناشيد مرة أخرى إلى رباعيات الرومي، حيث يستدعي قوله “كن مستسلماً راضياً حتى لا تلم بك التعاسة”
المصدر/ الميادين

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب