29 مارس، 2024 7:01 م
Search
Close this search box.

التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية

Facebook
Twitter
LinkedIn

عرض/ خالد أبو بكر
لم يعرف العربى معنى الديمقراطية قط؛ فبين جيل عصر النهضة فى القرن التاسع عشر ــ رفاعة الطهطاوى، جمال الدين الأفغانى، بطرس البستانى، ومحمد عبده ــ الذى حلم بدخول العرب عصر الدولة الحديثة، بمحاربة الاستعمار فى الخارج، وجيل الثورات العربية التى هبت لتحرير الإنسان من القهر والاستبداد فى الداخل، لم يكن للعرب نصيب من التجارب الناجحة التى تم فيها بناء ديمقراطية على أنقاض حكم استبدادى. لم يبرح العرب عبر هذه السنين الطوال طور القبيلة، وإن اختاروا شيوخها بما يقولون إنها انتخابات، رغم أن نتائجها تكون محسومة سلفا!.

من الكتب الممتعة، التى تطوف بالقارئ فى عالمنا العربى الموبوء بالاستبداد على تجارب لدول نجحت فى الانتقال إلى الديمقراطية كتاب «تجارب التحول إلى الديمقراطية.. حوارات مع القادة السياسيين»، الذى صدرت طبعته العربية عن دار «الشروق» هذا العام، بعد صدوره بالإنجليزية عن «المؤسسة الديمقراطية للانتخابات»، ومقرها الرئيسى السويد.

من أهم الاستخلاصات التى تخرج بها فور السياحة بين جنبات هذا الكتاب الذى يضم بين دفتيه 670 صفحة، أن «التحول إلى الديمقراطية هو نتاج عملية معقدة وطويلة الأمد، لم ولن تكون سهلة أو سريعة»، فتتذكر تلك البراءة التى كان عليها الشباب الذين ملأوا الميادين فى الثورات العربية؛ لأنهم لم يدركوا أن تحقيق الديمقراطية مسألة أعمق من أمر الإطاحة بديكتاتور؛ فالمهم هو ما سيلى ذلك.

تأتى أهمية هذا الكتاب فى أنه يقدم تجارب حية من لحم ودم للتحول الديمقراطى الناجح فى عديد من مناطق العالم، عبر حوارات معمقة أجريت بين شهرى يناير 2012 ويونيو 2013 مع 12 رئيسا، ورئيس وزراء واحد من تسعة بلدان لعبوا دورا بارزا فى تحقيق الانتقال الناجح من حكم استبدادى إلى حكم ديمقراطى، وهو ما يمكن اعتباره منجما من ذهب لمن يريد التعرف على التحديات التى واجهت عمليات التحول إلى الديمقراطية فى هذه البلدان التسعة، وكيف تمت مواجهتها.

أبرز هذه الحوارات كانت مع الرئيس البرازيلى لولا داسيلفا، الذى قاد التحول الديمقراطى فى بلاده، وفيردنيناند دى كليرك، رئيس جنوب أفريقيا، الذى تفاوض مع مانديلا لوضع حد لنظام الفصل العنصرى مطلع التسعينيات، وبشار الدين حبيبى، نائب الرئيس فى عهد ديكتاتور اندونيسيا سوهارتو الذى حكم البلاد فى الفترة من 1967 إلى 1998، والذى أصبح رئيسا بعد استقالة سوهارتو بسبب الاحتجاجات الواسعة ضده، والذى أطلق فور توليه الرئاسة سراح السجناء السياسيين ومنح الشرعية لعمل النقابات، وأنهى الرقابة على الصحافة، وسمح بتشكيل أحزاب سياسية جديدة، وغير قواعد السياسة الإندونيسية؛ ما مهد الطريق نحو التحول إلى الديمقراطية الدستورية.

يقدم الكتاب نماذج لقادة آخرين كانوا بارزين فى حركات المعارضة التى وضعت نهاية للحكم الاستبدادى، وساعدوا فى بناء ديمقراطيات مستقرة، منهم: باتريسيو آيلوين، القيادى فى حركة المعارضة ضد الجنرال أوجستو بينوشيه الذى حكم شيلى بين عامى 1974 و1990، وهو العام الذى أصبح فيه آيلوين الرئيس الاول المنتخب لبلاده بعد استعادة الديمقراطية.

يحتوي الكتاب كذلك على حوار مع تاديوس مازوفيتسكي، الذي أصبح أول رئيس وزراء لبولندا ما بعد الحقبة الشيوعية. هناك أيضا فيدل راموس، وهو مسؤول عسكري رفيع المستوى في الفلبين في ظل النظام الاستبدادي لفرديناند ماركوس، والذي انضم إلى المعارضة بعد تظاهرات شعبية عارمة في عام 1986، وعمل بعد ذلك وزيرا للدفاع، ثم الرئيس الثاني في فترة ما بعد ماركوس.
تلقى هذه المقابلات الضوء على ما قام به هؤلاء القادة وما دفعهم إلى ذلك، وتناقش مواصفات الفعل المؤثر فى إنهاء الاستبداد وصياغة الحكم الديمقراطى على السواء. يتذكر أولئك القادة كيف أدركوا المعضلات الأساسية التى اعترضتهم وكيف واجهوها، وما هى الأهداف المحددة التى أرادوا تحقيقها، وكيف يفكرون فى الدروس التى يمكن استخلاصها من تجاربهم فى عملية الانتقال الجارية حاليا وفى المستقبل، والفروق بين فرص التحول الديمقراطى اليوم وتلك التى كانت متاحة فى زمنهم.
هذا كتاب لا غنى عنه لمن أراد فهم المشاهد الضبابية والمعقدة فى عالمنا العربى منذ يناير 2011 إلى اليوم.
المصدر/ صحيفة الشروق

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب