4 مارس، 2024 10:56 م
Search
Close this search box.

التحذير من تصاعد المد الإيراني في العالم العربي

Facebook
Twitter
LinkedIn

عرض/ عماد عنان
واجهت الأمة العربية والإسلامية – ولازالت – على مدار تاريخها الحديث والمعاصر مخاطر متعددة، تسعى تارة لإحداث الفتن والقلاقل، وأخرى لفرض الاستعمار وتوطيد أركانه، وثالثة لنهب ثرواته ومصادره، ورابعة لإعادة تشكيل خريطته العقدية والمنهجية، ويعد المد الشيعي أحد أخطر التحديات، التي تواجه الأمة، لاسيما في الآونة الأخيرة، وبات إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية، أملا يداعب الصفويين الإيرانيين، وأملا سخروا لأجل تحقيقه كل طاقاتهم وإمكاناتهم، وهو ما دفع الكاتب الصحفي السيد أبو داود، لإطلاق صرخته المدوية التي تحذر من مخاطر هذا التصاعد الشيعي في العالم العربي، وضرورة توحيد كافة الجهود والرؤى لعرقلة هذا المشروع الاستعماري، الذي يستهدف السنة والعقل الجمعي الوسطي العربي المسلم، وذلك عبر مؤلفه الأخير المعنون بـ “تصاعد المد الإيراني في العالم العربي” والصادر مؤخرا عن دار العبيكان بالمملكة العربية السعودية.

حقائق لا أوهام
استهل الكاتب مؤلفه، بتخصيص باب كامل تناول فيه نبذة، عن نشأة الصفويين تاريخيا وسياسيا، بدءا من مؤسسهم صفي الدين الأردبيلي، والذي درس القرآن والسنة، ثم انخرط في حلقات الصوفية، ليتعلم منها كيفية جلب المريدين وتنظيمهم، وصولا إلى ما هو معروف الآن داخل إيران، ثم تطرق إلى الثورة الإيرانية 1979م وكيف إنها نجحت في فرض نفسها، كنموذج يحتذى به لدى الشعوب العربية، في وقت كانت فيه الثورة على النظم القمعية والاستبدادية، حلما يداعب خيال الملايين من سكان المنطقة العربية والشرق أوسطية، لاسيما في ظل حالة الاضطراب السياسي والاقتصادي والأمني بالمنطقة، مما جعل الأنظار جميعها، تتجه صوب طهران، وكيف إنها بقيادة الخميني نجحت وباقتدار، في اقتلاع جذور شاة إيران، وتأسيس نظام سياسي يقوده علماء الدين الشيعة، ليبدأ الصفويون أولى خطواتهم نحو تحقيق حلم الامبراطورية الفارسية.

ويشير الكاتب، أن مقولة “الهلال الشيعي” برزت لأول مرة على الساحة العربية، على يد الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، وذلك خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، في أوائل شهر ديسمبر 2004، عقب الاحتلال الأمريكي للعراق، عندما حذر من وصول حكومة عراقية موالية لإيران، تعمل بالتعاون مع طهران ودمشق، لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي، يمتد إلى لبنان، ويخل بالتوازن القائم مع السنة، مشيرا أن إيران تجد مصلحتها في إقامة جمهورية إسلامية في العراق، حسبما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” في الثامن من ديسمبر 2004م.

ويسعى الكاتب خلال هذا الباب من الكتاب، إلى التأكيد على أن مساعي المد الشيعي الإيراني لم تكن مجرد افتراءات، كما يدعي البعض، بل هي حقائق وواقع يحياه القاصي والداني في نفس الوقت، متعجبا في الوقت ذاته، من التحذير الأردني آنذاك من خطورة الهلال الشيعي، الذي يمتد إلى لبنان والعراق وبعض دول الخليج، بالإضافة إلى سوريا، لاسيما وأن هناك حالة انسجام شبه كامل، بين الأردن وأمريكا وطهران، بما يثبت وجهة نظره، في أن كل ما يقال، بشأن محاولات إيران لإعادة إنتاج الإمبراطورية الفارسية من جديد، هي حقائق فعلية لا مراء فيها.

وفي المقابل، أشار الكاتب في نهاية هذا الجزء، إلى دراسة الباحث السعودي نواف عبيد، مدير وحدة بحث مستقلة، تدعى “المشروع السعودي لتقييم الأمن الوطني”، والتي تستند إلى حقائق وأرقام، تفند نظرية المد الشيعي في المنطقة، مؤكدا استحالة قيام هلال شيعي، يمتد من إيران إلى البحر المتوسط، مستندا في ذلك إلى بعض المحاور، منها: عدد السكان، توزيع القوى الاقتصادية، توزيع موارد الطاقة، القوة العسكرية. ويخلص الكاتب إلى حصول الشيعة على مزيد من الحقوق، لكن “الانبعاث” الكامل غير ممكن، بسبب التحديات الديموغرافية والاقتصادية والعسكرية.

مشروع توسع قومي فارسي

“الحلم الإمبراطوري الفارسي، موجود دائما في عقول الإيرانيين، قبل الإسلام وبعده، وكانت النزعة القومية الفارسية، هي المسيطرة دائما، وتوارت بجوارها الهوية الإسلامية ورباط الأمة الإسلامية وفلسفة الأخوة الإسلامية”، بهذه العبارات استهل الكاتب الفصل الثاني من الباب الأول والذي اختار له عنوان (مشروع توسع قومي فارسي)، مؤكدا أن هناك حلما دائما ما يراود الإيرانيين ليل نهار، ومهما ادعوا غياب هذا الحلم، إلا إنه واقع حي وتجسيد عملي، لكثير من التوجهات والممارسات السياسية والاقتصادية والفكرية.

فلم يكن الحلم الفارسي الإمبراطوري، موجودا في عقل الشاة فقط، لكنه موجود في عقول الإيرانيين بعد الثورة أيضا، لكن الفارق أن الحلم الشاهنشاهي، اصطدم على حدوده بدولة كبرى هي الاتحاد السوفيتي، وكانت المنطقة العربية وقتها متماسكة إلى حد ما، إضافة إلى وجود ثلاث دول قوية في المنطقة، هي مصر وتركيا ودولة الصهاينة.

كما أورد الكاتب شهادات أربعة من الشيعة العراقيين، الذين أجرت معهم صحيفة الحياة اللندنية، حوارا في عددها الصادر بتاريخ الثامن من سبتمبر 2001م، حيث كشفوا النقاب عن التوجهات الإيرانية الرامية إلى السيطرة على المنطقة، وإعادة إنتاج المشروع الإيراني الامبراطوري من جديد، إضافة إلى التمييز الواضح، في المعاملة الإيرانية للعراقيين للسنة والشيعة، وكيف إن هناك محاولات مستميتة لتشيع العراقيين والقضاء على السنة داخل بغداد، لإنتاج دولة وشعب أغلبه من الشيعة، بما يمهد الطريق لإقامة الإمبراطورية الإيرانية من جديد.

البعد التاريخي لمشروع الهلال الشيعي

خصص الكاتب باب مؤلفه الثاني، لتناول الإرهاصات الأولى لنشأة مفهوم الهلال الشيعي، وذلك من خلال تناول الحقبة الفاطمية والصفوية، حيث بدأها الكاتب بالإشارة إلى بدايات جماعة من الثوريين الملاحدة، وكيف إنهم سعوا لنشر الفكر الملحد في الخفاء، في ظل التظاهر بالتشيع، وهو ما مثل خطورة فائقة آنذاك، على الدولة الفاطمية التي لم تنتبه لهذا الخطر إلا مؤخرا، ثم انتقل إلى تأسيس الدولة الصفوية عام 907هـ ، الموافق 1502م، على يد إسماعيل بن حيدر الصفوي، وكيف إنه سعى من أجل مصالحه الشخصية والعقدية، لمعاداة الأمة في كثير من قضاياها، ومحاربتها أحيانا أخرى، فضلا عن تحالفه مع الأعداء في كثير من المحطات التاريخية، إبان حكم الدولة الصفوية.

مخالب المشروع الإيراني

وفي محاولة سريعة، لإلقاء الضوء على أبرز معاقل الشيعة في المنطقة العربية، والتي تعتمد عليها إيران اعتمادا كبيرا، في سعيها لإعادة إمبراطوريتها الفارسية، تناول الكاتب خلال الأبواب الثالث، الرابع، الخامس، مخالب المشروع الإيراني، المتمثل في شيعة العراق، بوصفهم الغنيمة الكبرى، “حزب الله” اللبناني، باعتباره رأس الحربة، ويد إيران الكبرى في لبنان، والحوثيون في اليمن، وكونهم خنجر مسموم، في ظهر اليمنيين وجنوب منطقة الحجاز.

ثم ينتقل الكاتب سريعا، إلى تناول أهم مراكز الانطلاق المستقبلي الشيعي الإيراني في المنطقة، ونقاط الارتكاز القوية، نحو تصدير فكر التشيع على أوسع نطاق في المنطقة، من خلال التناول التفصيلي لشيعة البحرين ومطامع ضمهم، وشيعة الكويت وكيف إنهم يوظفون بطريقة احترافية، لنشر الفكر الشيعي خليجيا، ثم التشيع في سوريا والأردن ومصر والسودان والجزائر والمغرب، وأهم خصائصه وملامحه الأساس، وقراءة مستفيضة في واقعهم ومستقبلهم.

تناقض مع قضايا الأمة

نجح الكاتب بصورة ممنهجة، في كشف التضليل الإيراني ومحاولات السيطرة الشيعية على المنطقة، من خلال الشعارات الجوفاء، المرفوعة لنصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية، حيث خصًص بابا كاملا، لإلقاء الضوء على عدد من القضايا التي تفضح ازدواجية الشيعة الإيرانيين، وتفضح تناقضهم الواضح، بدءًا بقضية احتلال الأحواز العربية، والجزر الإماراتية الثلاث، مرورا بالتواطؤ ضد نظام الحكم الإسلامي الطالباني السني، في أفغانستان، والولاء الواضح لأرمينيا النصرانية، مقابل العداء لأذربيجان المسلمة، وصولا إلى الشعارات والمزايدات الجوفاء حيال القضية الفلسطينية، وهو ما جسدته شهادات السنة الإيرانيين.

كما سعى الكاتب أيضا، إلى التأكيد على قضية خطيرة وحساسة، مفندا بذلك ما تسعى إيران لترويجه على مدى سنوات طويلة مضت، حيت أكد الكاتب أن العداء الإيراني المزعوم للصهاينة وأمريكا، ليس إلا عداءً وهميا عبر وسائل الإعلام فقط، أما في الباطن فهناك تنسيق كامل بين طهران وتل أبيب وواشنطن، منوها أن التصريحات التي تخرج بين الحين والآخر على لسان الخارجية الأمريكية أو الصهيونية ضد إيران، ليست سوى فرقعة إعلامية لا أكثر.

الوعي الإسلامي يكشف الفتنة

واختتم الكاتب الصحفي السيد أبو داود مؤلفه، بتجسيد خطورة المد الشيعي الإيراني على المنطقة، من خلال رؤية، تناول فيها أبرز المواقف التي تجسد هذا التوجه الاستعماري، وتفضح المخططات غير المعلنة، لإعادة إنتاج إمبراطورية فارس من جديد، وأشار الكاتب، أن من بين تلك القضايا التي تكشف هذا الطرح، التعصب الإيراني للقومية الفارسية، حتى وإن كان على حساب الدين أو العرق أو الوطن، فالقومية الفارسية هي المرجعية، التي على أساسها يتم تقييم المواطنين، وهو ما يعكس تغلغل هذا الفكر، داخل الوجدان الإيراني ومعتقده السياسي، كذلك ما تمثله ولاية الفقيه، من إكمال لبقية أضلاع الصورة الشيعية الطائفية، وتقويض واضح لدور الأمة، لحساب المعتقد والفكر والمنهج الشيعي، بمختلف فروعه وأطيافه.

ويخلص الكاتب برسالة تحذيرية للعرب والمسلمين، على حد سواء، حثهم فيها على توخي الحذر، خوفا من الوقوع بين كماشة الإعجاب بالثورة الإيرانية، وما تمخض عنها من سياسات مغلفة بالصبغة الإسلامية، لاسيما بعدما تكشفت عوراتها، وفضحت مخططاتها التوسعية على حساب السنة، كذلك الانبهار بالغرب وما حققه من تقدم علمي وتكنولوجي في مختلف المجالات، مؤكدا أن أهل السنة بعامة، والعرب منهم خاصة، هم مجمع عداء الجميع، وموضع مكر الجميع، في الماضي والحاضر والمستقبل، وعليهم جميعا، أن يعوا دروس التاريخ في ذلك جيدا…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات عن الكتاب

العنوان: تصاعد المد الإيراني في العالم العربي

المؤلف: السيد أبو داود

الناشر: العبيكان

تاريخ النشر: 2014

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب