المؤلف : د.وسام حسين علي العيثاوي
نبذة عن الكتاب
مقدمة:
إن عملية التحديث السياسي مشروع ذو إتجاهين، فهي أما أن تكوُن عملية تنموية اجتماعية- سياسية، تستغرق مدة طويلة من الزمن في تبلورها واستقرارها للوصول إلى مرحلة الحداثة السياسية(أعلى مراحل التحديث السياسي) التي في ضوئها يتحقق الاستقرار السياسي،
إذ إن تحويل الأنظمة السياسية التقليدية التي يُهيمن عليه الطراز التقليدي إلى نظامسياسي مُتقدم، ليس بعملية سهلة التحقيق والانجاز بل إنها عملية صعبه ومعقدة جداً، وإنها ليست عملاً تلقائياً أو عفوياًولا يمكن أن تتم بسرعة بل إنها تستغرق زمناً طويلاً من أجل
تحقيقها، لذا يكون التركيز هنا على عملية تحديث النظام السياسي بصورة داخلية من داخل النظام السياسينفسه، وبإرادة ذاتية وبصورة تدريجية وتراكمية بقصد إيجادنظام متقدم سياسياً.
وأما أن يكون مشروع التحديث السياسي هدفاً سياسياً في المقام الأول، وذلك حين يكون السعي نحو ايجاد وتعزيز نظام سياسي تحقيقاً لإهداف ومصالح سياسية داخلية أم خارجية، وتحقيقاً لذلك يتم التركيز على وصول جماعة معينة إلى السلطة ومن ثم توجيه عملية
التحديث السياسي بصورة غير ذاتية سواءً من الداخل أم من الخارج بحيث يكون التحديثالسياسي هدفاً عرضياً وشكلياً، وليس تحديثاً حقيقياً يستند إلى المفاتيح العلمية والقواعد الأصولية لعملية التحديث السياسي.
وعبّر تتبع مسارعملية التحديث السياسي في العراق بعد العام (2003) يمكن القول أنها كانت هدفاً سياسياً في المقام الأول نتيجةفرّضها من قوى خارجية متمثلة بقوى الاحتلال الأمريكي وتوجيهه بالقدر الذي يحقق ويخدم مصالحه في العراق، وليس كنتيجة معبّرة عن
الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلد.لذلك رافقت عملية التحديث السياسي العديد الأشكاليات والصعوبات (وهي في إزدياد) منذ بدايتها ولغاية الآن، التي أدت دوراً كبيراً في عدم استقرار السلطة والمجتمع في كثير من الاوقات، بل وسمت العلاقة بين
المجتمع والدولة بالشد والتوتر أكثر منها بالجذب والانسجام. وبالتالي كانت عملية التحديث السياسي التي شهدها العراق بعد العام (2003)بفعل خارجي وبصورة عشوائيةوسريعة جداً ولم تكن بفعل ارادة داخلية وطنية وبصورة تدريجية تتلائم مع واقع المجتمع العراقي، الأمر
الذي أربك العملية السياسية فيما بعد وأوجد لها عدداً من الأزمات والاشكاليات التي تركت بصماتها واضحة على طبيعة البناء الدستوري وعلى طبيعة تركبية السلطة السياسية ومؤسساتها، وهذا الأمر إنعكس سلباً على عملية أيجاد مجتمع مستقر سياسياً ومتجانس ثقافياً
وموحد اقتصادياً.
لذلك أنطلقت دراسة هذا الموضوع من اشكالية مفادها، أن النظام السياسي العراقي كنظام تقليدي لم يشهد تحديثاً سياسياً في مستوياتهالسياسية كافة حسب المعايير الأساسية لعملية التحديث السياسي، إذ لم يكُن هذاالتحديث ذات اتجاه تنموي اجتماعي–سياسي للأنتقال
بالنظام السياسي العراقي من الطراز التقليدي إلى الطراز الحديث، بقدر ما كان تحديثاً ذا أهداف ومصالح سياسية خارجية بعيداً عن الإطار الاجتماعي والقيّم السائدة في المجتمع،إدى بالنتيجة إلى تلكؤ العملية السياسية وهو ما انعكس سلباً على الاستقرار السياسي في
العراق بعد العام (2003).وهذا ما دفعنا إلى البحث، في مدى تأثير التحديث السياسي على ظاهرة الاستقرار السياسي في العراق،وهل يصلح التحديث السياسي الذي شهده الغربتعميم تجربته في العراق؟ بعبارة أخرى هل يمكن نسخ المؤسسات السياسية الغربية في العراق
دون مراعاة الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟ وكيف يمكن لنا تفسير التغييرات التي طرأت على النظام السياسي العراقي بعد العام (2003) في ضوء قواعد وأصول ومفاهيم التحديث السياسي؟
المصدر/المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية