21 ديسمبر، 2024 5:58 ص

التحديات مابعد دحر داعش في نينوى

التحديات مابعد دحر داعش في نينوى

إعداد/ جيفارا زيا
المقدمة
يستبشر ابناء نينوى بعمليات تحريرها من ارهاب داعش وتحقيق النصر بهمة القوات الامنية العراقية المشتركة من الجيش والبشمركة والشرطة والحشد والقوات الامنية المحلية، بعد اكثر من ثلاث اعوام على احتلالها وتشريد اهلها وتدمير بنيتها الحضارية والثقافية واستبدالها بثقافة الهدم والهمجية. واليوم ينتظر ابناءها مرحلة جديدة ما بعد داعش بامل استعادة الامن والاستقرار والحياة الحرة الكريمة واعادة بناء مدينتهم عمرانيا وثقافيا ومراجعة المواقف سياسيا بما يحقق التعايش والسلم الاهلي والشراكة الوطنية بصيغة جديدة تختلف عما كانت عليه قبل داعش.
وعلينا جميعا دون استثناء الادراك والتيقن بان السياسات السابقة والممارسات على الارض كانت من اهم الاسباب للماسي التي يعيشها اهل نينوى في ظل طغيان وهمجية تنظيم داعش الارهابي.
ان واقعنا المرير اليوم وما الت اليه الاوضاع هي سبب كافي للتفكير مليا وبجدية للتحول الى صيغة جديدة من التفكير والعمل وفق رؤية تتناسب مع بناء واقع اخر يتماشى مع العصر ويقلل هموم ومآسي المواطنين الذين اصبحوا ضحايا الارهاب من جرائمه بحق الانسانية والابادة والتطهير والتدمير التي عكست سلبيا على كيان الانسان العراقي الذي يتوسم خيراً وحلا لايصاله الى بر الامان والعيش بكرامة.

المحور الأول : الطموحات المستقبلية لإدارة نينوى.

لا بد من الوقوف في كل مرحلة والنظر اليها بافق يتماشى مع واقعها الجديد واعتماداً على اسس رصينة وعوامل تساعد على الرؤية الجديدة نحو بناء مستقبل لهذه المدينة العريقة بعد تحريرها للخروج بها الى بر الامان والعمل على تطويرها وازدهارها وفق منظور يتماشى مع عدة عوامل:-
اولا: الدستور العراقي، ضمن الدستور العراقي في مبادئه الاساسية ان العراق دولة اتحادية (الباب الاول-المادة1) ويعتبر الاقليم احد تشكيلات النظام الاتحادي (الباب الخامس-المادة116).
ثانياً: اللامركزية الادارية، كما اشار نظام الحكم في العراق بانه لامركزي اداري، اي ان السلطة لامركزية.
ثالثا، العوامل الاقتصادية والجغرافية، لمحافظة نينوى موقع جغرافي استراتيجي ضمن العراق ويزخر بالخيرات والموارد الطبيعية التي تمكنه من تامين موارده الاقتصادية من اجل النمو والازدهار.
ففي الفترة الماضية عانت محافظة نينوى الكثير من تاثير المركز من تحديد صلاحياتها وعرقلة نموها والحرمان من الخدمات والمشاريع العملاقة بسبب ضعف السلطة المحلية واقتصارها على محدودية التعامل وفق اطر محدودة لاتسمح بالتمثيل الحقيقي لهذه المحافظة من حيث تقديم الخدمات وحرية الاقتصاد والتعامل الدبلوماسي وغيرها من الصلاحيات التي ممكن ان تكون متاحة في حال تحولها الى اقليم.

كما ان النظام السياسي الديمقراطي في العراق مازال فتياً لامكانية تطبيقه بشكل يخدم العملية السياسية ويؤسس الى دولة مؤسسات وانما بالعكس اصبح نظاما تحاصصيا في ابسط منافذ الدولة واصبح عائديا ومرتبطا بدرجة عالية من الاستئثار في السلطة باتجاه الحاكمين الجدد في كل مرحلة او دورة انتخابية، وبذلك اصبحت مراكز القوى محتكرة ومتسلطة في بعض الاحيان وبشكل عمودي على الاخرين وافقد البلاد تعدد مراكز القوى بما يخدم العامة وبشكل افقي لا يتمركز في نقطة واحدة.

ويعد التمثيل المحلي من اهم الاركان الفاعلة في النظرة الجديدة للحكم، بمنح حرية السكان بتدبير شؤونهم المحلية لحد معين لتنفيذ مايخدمهم وفق امتيازاتهم وخصوصيتهم، وهذا لايؤدي الى الانفراد و السيطرة او كما يسوق له بالتقسيم او الانفصال، وانما هو حرية التعبير لسكان محليين وفق رؤيتهم المعينة في ادارة شؤونهم وتامين حياتهم بكرامة.

ويعد توجه العراق الى تشكيل الاقاليم على مبدأ اقلمة المحافظات، وفق اسس دستورية واسس ادارية وجغرافية، من اهم عوامل استقراره السياسي والاقتصادي على المدى البعيد والنهوض بالبلاد الى نظام حكم يرسخ الديمقراطية وفق اطر اللامركزية ضمن المسموح به في القانون والدستور العراقي الضامن لتشكيل العراق من وحدات ادارية ذات صلاحيات محلية لا تتعارض مع الصلاحيات العامة السيادية او تهدد وحدته الوطنية كونها تراكيب او اجزاء لجسم واحد يمثل العراق الموحد، ومن اجل هذا لا بد من توفر عناصر لتعزيزه واهمها بناء الانسان العراقي على اسس التاخي وقبول الاخر لتحقيق المساواة وزرع روح الوطنية وهويته التي باتت شبه مفقودة في مخاض الثقافات الجديدة التي تسود البلاد من الطائفية والمحاصصة وصولا الى التطرف بانواعه.

المحور الثاني : التحديات التي تواجه إدارة نينوى الجديدة .

1- التقسيم العسكري. شهدت محافظة نينوى قبل سقوطها بيد تنظيم داعش الارهابي حالة من تعدد المرجعيات للقوات الامنية التي كانت متواجدة في المحافظة مما خلق حالة من الارباك وفقدان القيادة والسيطرة للمحافظة على امن المدينة والمواطن، وكانت على خلفيات سياسية مستاثرة بالسلطة وسلبطة المركز اضافة الى ضعف دور الادارة المحلية للمحافظة في التعامل مع هذا الملف الامني بسبب تغليب المصالح الضيقة على المصالح العامة واقتصارها على الاستفادة منها في حملات البرامج الانتخابية، والفساد المستشري في الاجهزة الامنية والخروقات التي زادت من انهيار هذه المنظومة الامنية في ساعات قليلة بعد قدوم داعش للمدينة ولم يذكر لاغلبها المقاومة والقتال والصمود في وجه الارهاب.

وما يميز المرحلة الحالية من وجود قوات امنية متعددة شاركت في عمليات تحرير نينوى، ولها ارتباط او تنظيم متعدد مع مراجعها الامنية بمختلف صنوفها التي تعمل تحت سيطرة قيادة عمليات تحرير نينوى حاليا، يتخوف من تاثيرها في مرحلة مابعد داعش من خلال بقاءها وفرض اجندتها في المناطق التي تحررها، مما قد يسهم في زعزعة الامن والاستقرار السياسي وبالتالي العودة الى المربع الاول بفقدان القيادة والسيطرة وتشكيل جغرافية على اسس عسكرية ترسمها القوات الامنية المحررة لتلك المناطق، وخاصة انه بعد انتهاء الحرب العسكرية لدحر داعش ستبدأ الحرب الامنية والتي ستحتاج الى عمل اكثر دقة وقوة وقد تستغرق فترة طويلة مالم يتم اتخاذ المعالجات الاساسية بضمان خلق جهاز امني محلي (الامن المجتمعي) يتكفل بالملف الامني في المحافظة، او قد نتوجه الى نزاعات مسلحة.

2-استمرار النزاعات. من المتوقع ان تكون المرحلة القادمة ما بعد داعش هي مرحلة تصاعد وتيرة النزاعات في المحافظة وخاصة النزاعات على المناطق، وهو ملف شائك لم يتم حله او وضع الاسس القانونية والبدء بالعمل وفقها، وتحوي محافظة نينوى عدد من المناطق المتنازع عليها بين اقليم كردستان ومحافظة نينوى والمركز بسبب “رفض التعددية”، بالرغم من ان هذه المناطق هي لسكانها المحليين منذ التاريخ ولا يوجد اي نزاع فيما بينهم على الاراضي، وفي ذات الوقت لا يوخذ بوجهة نظرهم او حريتهم في التعبير عن موقفهم من ذلك، فقد عانت هذه المناطق من التهميش والحرمان بسبب النزاعات عليها حول عائدية حدودها الادارية وهي بين ادارتين مختلفتين تتصارع فيما بينها مما خلق حالة من القلق وعدم الاستقرار، وخاصة ان سكانها من المكونات المختلفة اي من الاقليات الوطنية التي عانت الماسي من المذابح والتدمير والتهجير، وفي حال استمرار هذه النزاعات على مناطقهم ستتعرض الى التغيير الديمغرافي بسبب المزيد من هجرتهم والاصح تهجيرهم وعدم توفير سبل عودتهم للبقاء فيها بسبب تفاقم النزاعات عليها وربما تكون مدعومة بالالة العسكرية التي سبق وان تحدثنا عنها اعلاه.

3-الاقصاء والتهميش. عانت المحافظة بشكل عام من التهميش والاقصاء من حيث حرمانها من التصرف بمواردها ومن تخصيص الميزانية المركزية لها لادارة مشاريعها، وما يمكن ان نخص في هذا الجزء هو التخوف من استمرار حالات الاقصاء والتهميش بالنسبة لمكونات المحافظة وبالاخص الاقليات الاثنية والدينية، فهي اكثر من عانى حتى اصبحت ظاهرة عامة، فمناطقهم معرضة لسوء الخدمات والعمران وخاصة المشاريع الرئيسية والكبيرة واغلب ما خصص لها لم يستكمل تنفيذها بسبب عدم اهتمام ومتابعة السلطة المحلية للمحافظة واستشراء الفساد، كما عانت من تغييبها من التمثيل الحكومي في المراكز الادارية والمناصب الحكومية ومحاولات السيطرة على هذه المواقع من قبل الاحزاب المتنفذة او كتل السلطة. وبعد عمليات التحرير اصبحت مناطق الاقليات منكوبة فهي مدمرة بشكل كبير وغير مؤهلة للعودة والسكن السليم فيها مع تدمير البنى التحتية واغلب الدور والبنايات، مما خلق رد فعل سلبي لدى المواطن واحباط كبير وخيبة امل والتخوف من عدم الاهتمام بمناطقهم من قبل السلطة المحلية للمحافظة او المركز بسبب سياسات التهميش والاقصاء السابقة والتي قد يستمر ممارستها وبالتالي استضعاف السكان المحليين وعدم منحهم الدور والمكانة اللازمة للمشاركة في بناء بلداتهم المدمرة، وزيادة معاناتهم ومأسيهم من التشرد.

4-التطرف العنيف Violent Extremism. عانت محافظة نينوى بشكل خاص موجات الارهاب او التطرف العنيف واصبحت في مراحل مختلفة مرتعا له منذ سقوطها في 2004 ولحين احتلالها من قبل داعش في 2014 وجعلها عاصمة لدولة الخلافة الاسلامية داعش، ولا يعد تحرير المدينة ودحر داعش نهاية التطرف او الارهاب، فان ما خلفه داعش له اثر كبير على المجتمع الى درجة ممكن تسميته بثقافة مترسخة في عقلية الناس بعد ان حكموهم لقرابة ثلاث سنوات ونشروا تعاليمهم المتطرفة ودرسوها لهم وصنعوا منهم قياديين وربما بنو جيل من اداتهم ممكن ان تظهر مستقبلا وتحمل وتمارس نفس الافكار والافعال التي تعيد بالمدينة الى العصور المظلمة وتدمر ثقافتها التي كانت معروفة بالتعايش والتاخي لاختلاف تنوعها وتعددها الديني والاثني، وقد اصبح هذا الفكر المتطرف الجديد لايقبل بالاخر المختلف مما قد يستمر لفترة او فترات قادمة ما لم يتم معالجته جذرياً.

المحور الثالث: آراء و مقترحات حول مستقبل إدارة نينوى بعد تحريرها من داعش
استعادة التعايش السلمي. لا يقتصر استعادة نينوى على تحريرها وانما من الضروري والاهم هو استعادة التعايش السلمي فيها، كون فقدان الثقة اصبح من العوامل السلبية المؤثرة على اعادة حياة الناس مع بعضها البعض، ويمكن اقتراح الخطوات التالية لتفعيلها:
المصالحة الوطنية.
الشراكة الحقيقية.
التمثيل المحلي.
مكافحة الفكر المتطرف وخاصة التكفيري.
ترسيخ مفاهيم وقيم التعددية، وقبول الاخر، والتآخي.
تشكيل اقليم نينوى. على اساس اداري وجغرافي مستندا للدستور العراقي ونظام الحكم اللامركزي.
تشكيل محافظات جديدة غير منتظمة في اقليم. تشكيل محافظة في سهل نينوى وسنجار وتلعفر، ومنحها الوضع القانوني الكامل الممنوح للمحافظات العراقية الاخرى. تعويضا لما لحق بالمكونات المتضررة من الارهاب والمؤدية الى تهديدها الوجودي وتفريغ المنطقة منهم، وهو الفرق الذي يمتازون به عن بقية المكونات المتعرضة للاعمال الارهابية.
ابعاد المناطق المتنازع عليها من الصراعات والتعامل معها كمنطقة عزل Buffer Zone في المرحلة الحالية، والاعتماد على المبادئ التاريخية والقانونية في تحديد عائدية هذه المناطق، واتخاذ الاجراءات اللازمة في وضع مستقر وتحت اشراف دولي.
تدخل المجتمع الدولي. على المجتمع الدولي اتخاذ التدابير اللازمة وخاصة فرض السلم في مناطق النزاع، ودعم الاقليات الوطنية وتمكينها على الادارة والحماية الذاتية، والمساندة في تشكيل الوحدات الادارية المستحدثة، وبما يتناسب ومطالب سكانها، اضافة الى المساهمة في حملة اعمار المناطق المحررة ، وايصال المساعدات الانسانية من خلال التعامل بشكل مباشر مع المؤسسات والمنظمات الرسمية العائدة للسكان المحليين.

وختاما نشير الى العبارة التالية:
إنّ الظروف التي تهيئّ الفرد للانزلاق نحو الإرهاب حسب ما اتفقت عليها الأمم المتحّدة ومنظمّة الأمن والتعّاون بأوروبا تشمل :
الخلافات العالقة دون حلّ ونزع الصّفات الإنسانيةّ عن ضحايا مختلف أشكال الإرهاب وظواهره.
ضعف دولة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان.
التمييز المبنيّ على العرق والجنسيةّ والدّين.
الإقصاء السّياسيّ.
التهميش الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
انعدام الحوكمة الرّشيد .

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة