23 سبتمبر، 2024 9:23 م
Search
Close this search box.

التحديات الأمنية التي تواجه الامن الوطني العراقي

التحديات الأمنية التي تواجه الامن الوطني العراقي

اعداد / د. إيلاف راجح هادي
واجه المجتمع الدولي خلال السنوات الماضية تحديات عدة نتيجة التحولات التي بات يشهدها النظام الدولي، في ظل تعاظم الإضطرابات الأمنية والتهديدات غير التقليدية، وتزايد طموحات قوى دولية أخرى مثل (روسيا والصين)، حيث أثرت هذه الإضطرابات والتهديدات على استقرار النظام الدولي بشكل عام وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، كما وأن التطورات الإقتصادية والجيوسياسية كانت لها انعكاساتها على المجتمع الدولي، وفي مقدمتها تقلبات اسعار النفط و بروز عدد من الأزمات على سطح التفاعلات الإقليمية و من بينها الحرب اليمنية والأزمات في كل من سوريا، ليبيا والخلاف الخليجي. إلا ان من أهم الازمات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط هي ازمة الدولة. بعبارة اخرى، تصاعد خطير في نمط الادوار العابرة للحدود التي تقوم بها الفواعل من خارج اطار الدولة، الأمر الذي يستدعي الدول الكبرى للتدخل بصورة اكبر لضمان مصالحها في المنطقة. و في حالة الولايات المتحدة فإن الخطر مركب من وجهة النظر الإستراتيجية، وذلك بسبب تصاعد نفوذ الفواعل المضادة للسياسة الأمريكية مع توسع في ساحة عملياتها الإستراتيجية. لذلك كثير ما يلاحظ في الآونة الأخيرة حدة الخطاب الأمريكي تجاه الدور الإيراني في المنطقة و إتهامها بتمويل و توظيف الفواعل غير الحكومية من الفصائل المسلحة بالشكل الذي يهدد الأمن و الإستقرار الإقليميين. و من هذه القناعة خرجت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للعام 2018 والتي تضع في اولوياتها منطقة الشرق الأوسط حيث تعد خارطة طريق لبسط النفوذ الامريكي. لذلك سيحاول هذا التقرير تسليط الضوء على اهم المحاور و المسببات التي تدفع صانع القرار الامريكي للإبقاء على القوات الأمريكية في العراق.

على المستوى الإقليمي:
الأزمات الإقليمية في سوريا، اليمن وليبيا: تكشف المتغيرات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية للأزمة السورية بأن مسألة الوصول الى تسوية سلمية مستدامة في سوريا تعكس مدى إدراك الدول الراعية للمفاوضات في جنيف واستانة للتهديد من وراء الصراع في سوريا، واستحواذ احد الأطراف بصياغة مصير سوريا، لذا تسعى الدول الراعية من خلال هذه المفاوضات الى ايجاد حل سياسي. حيث من المحتمل ان تستمر اجتماعات جنيف خلال عام 2018، كما أن ممثلوا الدول الثلاث ( روسيا وتركيا وايران) سوف يجتمعون في سوتشي للمدة من 19 ــــــ 20 كانون الثاني 2018، للإعداد لإجتماع أوسع بين ممثلين من الحكومة السورية والمعارضة للمدة من 29 ــــــ 30 من الشهر ذاته. اما فيما يخص الأزمة اليمنية من المرجح ان تتصاعد حدة المواجهات بين الأطراف اليمنية المتصارعة الأمر الذي قد يدفع بالقوى الخارجية الى زيادة حجم الدعم الموجه الى حلفائها لاسيما من قبل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وقد يتطور هذا الحلف ليشمل قوى دولية مثل الولايات المتحدة وغيرها من الدول ذات الأغلبية المسلمة. اما فيما يخص الأزمة الليبية فلا توجد ملامح الإستقرار السياسي في افق العام 2018 وستستمر حالة الإنقسام الداخلي بين الفرقاء الليبيين وستتصاعد حدة المواجهات المسلحة الأمر الذي يعد فرصة ذهبية للجماعات الإرهابية لإعادة رسم استراتيجيتها في المنطقة.
الخلاف السعودي – القطري: يبدو إن هذا الخلاف قد تحول من شكله السياسي بين دولتين عربيتين عضوين في مجلس التعاون الخليجي الى خلاف إرادات بين القيادات السياسية الشابة في كلا البلدين. حيث ان طموحات كلاً من امير قطر تميم بن حمد و ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا تلتقيان في ظل رغبة المملكة بالتأثير على القرار السياسي في مجلس التعاون وليس بنفس المشاركة الذي تبحث عنه قطر في هذه المؤسسة. كما ان دخول اطراف اخرى على ساحة هذا الخلاف قد عقدت من معطيات التفاعلات الإقليمية حيث لمواقف تركيا وايران اثر سلبي في اطالة امد الخلاف بالرغم من اختلاف حدة ونوع الدور الذي قامت به كل دولة. ومن خلال قدرة قطر على مقاومة حجم الضغوطات التي مارسها التحالف الرباعي لاسيما على الجانب الإقتصادي ترجح التوقعات استمرار الخلاف خلال العام 2018 الا اذا ما تشكل تحالف عربي رافض لحالة الصدع في العلاقات العربية – العربية و يتخذ مبادرات من شأنها تقريب وجهات النظر دون تقديم تنازلات من قبل الطرفين. وبسبب توجهات قطر بالإنفتاح على ايران قد تبحث الولايات المتحدة عن حليف جديد لإقامة قاعدة عسكرية لمواجهة النفوذ الايراني لكن دون غلق القاعدة الموجودة في قطر. وتشير المقالات المنشورة في الصحف الامريكية الرصينة الى احتمالية لعب كردستان العراق لهذا لدور.
الدور التركي في المنطقة: بدأت تركيا في الآونة بإتخاذ مواقف سياسية تجاه المنطقة دون الحاجة للتنسيق مع الدول الاخرى لاسيما المملكة العربية السعودية من جهة والولايات المتحدة من جهة اخرى ولكنها لم تؤثر على عمق التعاون الاستراتيجي الامريكي ـــ التركي، وهي تحاول أن تلعب دور محوري على الصعيد الجيوسياسي لاسيما التواجد في القارة الافريقية وعقد الاتفاقيات بين السودان وتركيا واعلانها بأنها ستقوم بإحياء جزيرة السواكن في السودان والاستثمار فيها والتي ستكون مقدمات لبناء قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن المطلة على البحر الأحمر بالاضافة الى تثبيت قاعدتها العسكرية في قطر. تتجه تحركات تركيا نحو تعزيز دورها الإستراتيجي في المنطقة و الذي بات معزولاً عن القوى الإقليمية الاخرى على اثر الخلاف مع مصر والذي قد يتوسع مع دول التحالف العربي الذي تشكل لمقاطعة قطر من قبل (مصر، السعودية، الأمارات والبحرين). كما قد تسعى تركيا لمواجهة أجندات اقليمية اخرى لاسيما في الدول المجاورة لها وتحديداً في سوريا، حيث تحرص على التأثير على معطيات الاحداث الأمنية و السياسية هناك. إذ تسعى تركيا الى منع القوى الكردية من تحقيق اهدافها في انشاء منطقة نفوذ لها عابرة للحدود الوطنية. و يعد هذا الأمر من المطبات لحالة التنافس الإستراتيجي التي تشهدها المنطقة بين كلاً من تركيا وايران، حيث تلتقي اجندات البلدين حول منع قيام اي مشروع سياسي كردي. و ظهر ذلك في موقفها المتصلب من الإستفتاء الذي نظمته حكومة اقليم كردستان العراق في ايلو 2017. كما تلتقي اجندات البلدين في عدد من المحاور من اهمها: مساعي الحل السياسي للازمة السورية من خلال محادثات استانا، الخلاف السعودي ـــــــ القطري، ونقل السفارة الأمريكية من القدس. مع هذا قد يكون لحالة التنافر والتجاذب بين كلاً من تركيا وايران مخاطر على العراق لاسيما على الجانب الأمني. ولا يمكن اهمال الطموحات السياسية التركية في التأثير على الساحة السياسية العراقية لاسيما في المنطقة الشمالية الأمر الذي قد يكون على شكل دعم تركي مباشر وغير مباشر لبعض الجهات المحلية في العراق.
دور حزب الله في المنطقة و الفصائل المسلحة العابرة للحدود: تعد هذه المسألة من اهم التحديات التي قد تواجه المجتمع الدولي في العام 2018. و ترى كلا من الولايات المتحدة و بعض حلفائها مثل فرنسا، المانيا وبريطانيا ان الحشد الشعبي جزء من هذه المشكلة، مع هذا تختلف حدة مواقف هذه الدول تجاه الحشد و قد لا تتفق مع اميركا بشأن نوعية الإجراءات الواجب اتباعها لإحتواءه من وجهة نظرهم. الا ان هذا الأمر سيضع ضغوطات كبيرة على كاهل الحكومة العراقية لاسيما و إن خطر الإرهاب لم ينتهي بعد في العراق. ومن جملة الضغوطات الغربية على حزب الله التهديد بإصدار قرارات اممية تدين الحزب و تعتبره منظمة ارهابية على غرار قرار جامعة الدول العربية الذي تحفظ عليه العراق خلال العام 2017. كما تولي الولايات المتحدة اهمية بالغة للعلاقات الخارجية التي يتمتع بها حزب الله لاسيما مع ايران وسوريا. حيث ان العقوبات التي اصدرها الكونغرس بحق الحزب لاتقتصر على الجانب الاقتصادي بل تتعداه الى وقف نشاطاته الخارجية لاسيما في سوريا و ستعمل على فتح جبهة داخلية مضادة لنشاطات حزب الله الخارجية. قد يتطور هذا الأمر ولا يقف عند حدود المواقف السياسية بل قد يأخذ اشكالاً اخرى للمواجهة بين اميركا وحلفائها لاسيما السعودية من جهة و حزب الله من جهة اخرى.
القضية الكردية: على الرغم من النجاح الذي حققته الحكومة العراقية برئاسة الدكتور حيدر العبادي في التعامل مع الاستفتاء بخصوص الإستقلال الذي نظمه حكومة الإقليم في ايلول 2017، مع استعادة سيطرة الحكومة على كركوك و جميع المناطق المتنازع عليها، الا ان هذا التحدي لن يقف عند هذا الحد بل سيتعداه ليشمل المواقف الخارجية تجاه هذه القضية. و من الجدير بالملاحظة ان الموقف الامريكي دعم وبقوة الحكومة المركزية للحفاظ على عراق موحد الا ان هذا الموقف يشوبه تغيير في الخطاب بسبب تمسك الحكومة العراقية بموقفها المتشدد من حكومة الإقليم حيث طالبت الإدارة الأمريكية تقديم بعض التنازلات من بينها فتح الأجواء امام الرحلات الدولية مع اطلاق الرواتب لموظفي الإقليم. ليس من مصلحة العراق لاسيما على الصعيد الخارجي ان تستمر ازمة الإقليم حيث كلما طال امدها كلما تمكن الإقليم من توظيف ماكنة اعلامية و دبلوماسية لصالحه فضلاً عن مخاطر هذه الأزمة على الأمن و الإستقرار السياسي في العراق. و ما زالت النوافذ مفتوحة لاي تغيير محتمل في الموقف الامريكي تجاه هذه الازمة حيث يعد الكرد من الحلفاء الموثوقين لاسيما في سبيل مواجهة النفوذ الايراني. مع هذا لايمكن اغفال حقيقة مهمة مفادها هشاشة الصف الكردي سواءاً داخل او خارج العراق لعدم وجود قيادة سياسية موحدة لجميع المكونات السياسية الكردية.
نتائج الإنتخابات التشريعية في العراق: يعد هذا الأمر من أصعب التحديات التي قد تواجه العراق في العام 2018. و يعد دخول الحشد الشعبي الى الإنتخابات واحدة من اهم المعطيات التي قد تعد تحدياً امام العلاقات العراقية-الامريكية في المرحلة المقبلة بسبب حالة الإنتقاد التي يوجهها المجتمع الدولي لحالة الإصطفاف الطائفي في العملية السياسية (حسب المدرك الغربي العام). لذلك سيؤثر صعود بعض التيارات السياسية التي تمتلك أجنحة مسلحة سلباً على مصداقية السياسة الخارجية العراقية، كما سيجدد الدعوات الخارجية الى مخاطر التقسيم بسبب المخاوف من تمركز السلطة بيد جماعة محددة. و هذا الامر يعد تحدياً كبيراً للوجود العسكري الأمريكي في العراق بسبب معارضة قيادات الحشد لاي وجود عسكري اجنبي على ارض العراق.
على المستوى الدولي:
إستراتيجية الأمن القومي الامريكية الجديدة للعام 2018: لم تختلف استراتيجية الأمن القومي التي تبنتها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب عن الإستراتيجيات التي تم وضعها من قبل الإدارات الأمريكية السابقة من حيث روح الإستراتيجية والتي تضع أمن الولايات المتحدة ومصالحها الإقتصادية والسياسية ضمن اولوياتها في منطقة الشرق الأوسط خاصةً والعالم عامةً، كما ان الهدف العام للإستراتيجية الحالية يتلخص بالهيمنة و فرض الرؤية الامريكية على النظام الدولي. ولتحقق هذا الهدف لن تتوان الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة من توظيف القوة (بمختلف مستوياتها وانواعها) سواء كانت اقتصادية أو عسكرية ضد الدول التي تحاول الحاق الضرر بالمصالح الأمريكية للخطر أو في حال تعرض احد حلفائه لأي ضرر، والملاحظ على سياسة ترامب هو تهديده بالإنسحاب من الإتفاقيات مثل اتفاقية باريس للمناخ واتفاقية نافتا، ربما تكون ذلك مقدمات لإنسحاب الولايات المتحدة الامريكية من اتفاقية اخرى في المستقبل. كما إن هذه الإستراتيجية اعادت للأذهان مصطلح “الدول المارقة” الذي يعطي انطباعات مهمة عن الخيارات المتاحة امام صانع القرار الامريكي. وبهذا الصدد نلاحظ في الآونة الأخيرة تصاعد حدة الخطاب المتطرف على المستوى السياسي في الولايات المتحدة الأمر الذي ادى الى تقاطعات بين الرئيس وبعض عناصر ادارته مثل وزير الخارجية الذي يؤمن بالحلول الدبلوماسية في حلحلة القضايا الدولية ومنها العلاقات مع ايران. وتصاعدت الأصوات التي ترى في ان تغيير وزير الخارجية بات وشيكاً. بإختصار، تقع ايران في دائرة التركيز في هذه الإستراتيجية رفقة بعض الجهات (خارج اطار الدولة) في الإقليم من بينها حزب الله و الحشد الشعبي. حيث ما زالت الإدارة الامريكية متمسكة بسياستها القائمة على دعم الحلفاء السنة (Sunni based policy) مثل المملكة العربية السعودية. و من هذا المنطلق سيكون العراق ساحة مهمة لهذه الإستراتيجية.
الإستراتيجية الأمريكية تجاه ايران وحزب الله: مما لاشك فيه ان منطقة الشرق الأوسط تشكل أهمية قصوى للمصالح الإستراتيجية والإقتصادية للولايات المتحدة وبالتالي فهي لن تسمح لأي دولة لأن يكون لها نفوذ في هذه المنطقة, لاسيما مع العراق, الا أذا كانت متوافقة معها, كما ان السياسة الأمريكية تجاه ايران منذ عام 1979 الى الان هدفها واحد الا وهو تحجيم النظام الايراني الحالي. ولتنفيذ هذا الغرض قد تلجأ الولايات المتحدة الى عدد من الآليات منها: بناء قواعد دائمة للقوات الأمريكية في العراق؛ تفعيل دور الحلفاء الإقليميين و منهم تركيا و السعودية الأمر الذي يؤدي الى تصعيد عملية التسلح في المنطقة؛ الحاجة الى حكومة عراقية قوية ذات طابع ليبرالي بعيدة عن ايران. على الرغم من حجم التحديات الا إن الادارة الأمريكية حافظت على بعض النوافذ مفتوحة امام ايران وغيرها لتوظيف الأدوات الدبلوماسية حيث وافق الرئيس ترامب على تمديد العمل بالإتفاق النووي الإيراني. و من هنا تندرج قناعة مفادها ان الإدارة الأمريكية تنتهج سياسة “الإحتواء الصلب” حيث ان المنفعة من بقاء النظام الإيراني الحالي ولكن المشلول عن التدخل في المنطقة اكبر من منافع التدخل الأمريكي لتغييره على المستوى الإقليمي في الوقت الحاضر. لذلك فإن السياسة الأمريكية تجاه ايران ستشهد إتخاذ تدابير عقابية جديدة للضغط عليها وتحييدها من قضايا المنطقة. كما قد تشهد ممارسة بعض الضغوطات على دول جوار ايران مثل العراق و باكستان لغرض ابعادها عن طهران. إلا ان الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة ايران قد تنطلق من قناعة لدى صانع القرار الأمريكي مفادها ضرورة التدخل في العراق من اجل تقليل النفوذ الإيراني في المنطقة وقطع الطريق امام دورها في سوريا.
حالة الإستقطابات الدولية في المنطقة (روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا): تعد هذه المسألة من اهم المحفزات لتعزيز التدخل الأمريكي في المنطقة في العام 2018 لاسيما مع إستمرار حالة الصراع الداخلي والخارجي في الأزمات الإقليمية ولاسيما في اليمن، ليبيا و سوريا. حيث ديمومة هذه الأزمات يدفع الدول الكبرى نحو خيارين: الاول يتعلق بالرغبة بتحقيق حالة من التقارب بين القوى الدولية كا هو الحال في سوريا للتوصل الى حل سياسي يحافظ على الإستقرار و يعزز من الوضع الإنساني؛ و الخيار الثاني يتعلق بتصعيد حالة الإستقطاب كما هو الحال في اليمن حيث ان قدرة الحوثيين على ارض الواقع قد تدفع بعض دول التحالف العربي من توسيع دائرة التحالف لتشمل رسمياً اطرافاً دولية و اقليمية. و خلال العام 2018، من المرجح ان تستمر حالة الإستقطاب الدولي بسبب تصاعد الخطاب الأمريكي بالضد من ايران والتي ستعمل على تضييق الخناق على طهران من جميع الجهات و المستويات، حيث ستعمل على جذب روسيا الإتحادية لتخفيف دعمها لإيران لاسيما في مجلس الأمن مقابل تنازلات في سوريا. كما سيكون العراق ساحة محتملة للضغط بثلاثة اتجاهات: ايران من جهة و حزب الله من جهة اخرى و الداخل العراقي من جهة ثالثة. و بهذا الخصوص اكد كلاً من جون آلن و مايكل اوهنلن (في مقال مشترك على موقع بروكنغز) على تعهد ترامب بالحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في العراق لمدة طويلة. وتزامن هذا الإستنتاج مع تصريحات وزير الخارجية الامريكي تيلرسون على موافقة الكونغرس على تمديد مهمة القوات الامريكية في العراق لما بعد الإنتخابات التشريعية القادمة فضلاً عن تمديد مهمة المساعدات المقدمة لبغداد. ولن تقف حدود التنافس الدولي في المنطقة على روسيا و الولايات المتحدة بل قد تشمل اطراف اخرى للدخول على ساحة التنافس من بينها الصين و فرنسا. و قد يجد البعض ان لقرار الرئيس ترامب لنقل السفارة الى القدس تداعيات سلبية على المصالح الأمريكية في المنطقة حيث سيدفع العرب نحو قوى اخرى مثل الصين وروسيا لأخذ زمام المبادرة في هذه المسألة. الا ان الواقع الاستراتيجي يؤكد على انفراد الولايات المتحدة بهذا الملف لكونها الدولة الوحيدة القادرة على التأثير بصورة مباشرة على جميع الأطراف. مع هذا لايمكن اهمال الطموحات الصينية للعب دور عالمي مؤثر على مختلف الصعد. لذلك، تعمل الصين في السنوات الأخيرة على زيادة علاقاتها الإقتصادية والإستراتيجية مع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي العام 2018، سيستمرّ هذا النهج مع سعي بكين، ولو بحذر، إلى الحصول على دور أكبر في القيادة الدبلوماسية والسياسية في المنطقة .كما تسعى الدول الاخرى الى استثمار بعض نقاط الضعف في الدور الامريكي من بينها فشل الإدارة الأمريكية في الإطاحة بحكومة بشّار الأسد المدعومة من روسيا؛ إنقسام في موقف مجلس التعاون الخليجي؛ و اعادة تقييم بلدانَ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعلاقاتها الإستراتيجية. وتجري كلّ هذه التطوّرات في ظلّ مبادرات اقتصادية و أمنية تشهدها المنطقة من بينها الحزام الصيني التي تعمل بكين بموجبها على بناء شبكة مشاريع ثنائية الهدف تمرّ عبر بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تمثل حالة التنافس الدولي تحدياً كبيراً للمنطقة في ظل الإضطرابات السياسية والأمنية الحالية و التي قد تؤدي الى تقاطعات حادة في التوجهات الإستراتيجية قد تنعكس بشكل مواجهات او حروب بالوكالة.
شرق أوكرانيا صراع بالوكالة بين واشنطن وموسكو: في ظل المتغيرات والأزمات الدولية التي يشهدها المجتمع الدولي بدأت تعكس بظلالها على العلاقات الامريكية ــــــــــ الروسية، حيث أعلنت إدارة ترمب في 23/12/2017، بإرسال أسلحة دفاع وصواريخ مضادة للدبابات لكييف، وهو قرار الذي لاقى صدى لدى أغلبية الحزبين في الكونغرس الأمريكي والتي أثرت بدورها على عملية السلام في مينسك، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو لن تتنازل عن المزيد من الأراضي للجيش الأوكراني في الوقت الذي يطمح للفوز بولاية رابعة، وقيام موسكو بمضاعفة المساعدات العسكرية للإنفصاليين، ولم يعد خط الإتصال منطقة عازلة، ومما أصبح جبهة قتال نشطة. وفي هذا السياق، قد تنعكس تطورات هذه الأزمة على منطقة الشرق الأوسط و تحديداً على الأزمة السورية من جهة وعلى تعزيز العلاقات الروسية – الايرانية من جهة اخرى. لذلك فإن اي صفقة سياسية في اوكرانيا لن تتم بمعزل عن الأحداث في سوريا و بالعكس. و لا يمكن اهمال الدور التركي بالحالتين بسبب دخول الناتو على خط المواجهة من جهة و بسبب مساس هذه الأزمات بالأمن القومي التركي بصورة مباشرة. و بسبب وجود مصالح مشتركة بين العراق و تركيا في عدد من القضايا من ضمنها “ازمة المياه”، القضية الكردية، التماس المباشر مع الأزمة السورية، سيستدعي هذا الأمر تنسيقاً وثيقاً بين البلدين.
مكافحة الارهاب: إن التصدي للجماعات الإرهابية يعد هدفاً عالمياً مشتركاً يحتاج الى توافق سياسي يؤطر الجهود الإقليمية والدولية لدحر الكيانات الإرهابية التي باتت تضرب في مختلف بقاع العالم. ومن الملاحظ ان منطقة الشرق الأوسط اضحت الملاذ الآمن الذي تنطلق منه هذه الكيانات في عملياتها الإرهابية في قارات العالم المختلفة، لذلك فإن اي مشكلة سياسية في المنطقة ستترك آثاراً خطرة على جهود مكافحة الإرهاب، وستتيح الفرصة لهذه الكيانات من تنظيم نفسها لاسيما بعد الإنتصارات التي تحققت في العراق والتي تعد ضربة قاصمة للإرهاب في العالم ككل وليس في المنطقة فحسب. لذلك قد تشهد المنطقة تطورات استراتيجية منها قد يتوسع التحالف العربي و الإسلامي الذي عقدته الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية خلال زيارة الرئيس ترامب خلال عام 2017 ليأخذ خطوات واقعية في سبيل محاربة الإرهاب. إلا ان الأهداف الحقيقية قد تكون سياسية خلف مفردة محاربة الإرهاب من بينها إحتواء دولة ما في الإقليم او لمحاربة جهات خارج اطار الدولة، وقد تسعى السعودية خلال عام 2018، الى تفعيل التحالف الإسلامي العسكري التي اسسستها في 15/12/2015 والتي تضم (41) دولة. كما ستعمل الإدارة الأمريكية على تعزيز التعاون الامني مع العراق لغرض منع اية مخاطر اخرى من بينها: ظهور جماعات بمسميات جديدة مستثمرين بذلك اي حالة عدم استقرار سياسي داخل العراق او في المنطقة كما هو الحال في ليبيا و اليمن؛ تصاعد مخاطر الضربات الإرهابية النوعية في مناطق مختلفة من العالم لاسيما بعد هروب الإرهابيين من مناطق القتال وعودتهم الى بلدانهم؛ قد تغير الجماعات الإرهابية من نمط عملها و إعتمادها على الشبكة (خيوط العنكبوت) المنتشرة في مناطق متباعدة لتضرب مناطق حيوية محددة في محاولة منهم لإعادة تنظيم صفوفهم وكسب دعم مالي لخططهم المستقبلية.
الإستنتاجات:

تشير المعطيات المذكورة اعلاه الى وجود ميول كبيرة لدى صانع القرار الامريكي لتعزيز مستوى التعاون الامني مع العراق لتحقيق عدد من المكاسب منها ما يتعلق بجهود محاربة الإرهاب، و منها ما يتعلق بتعزيز الإستقرار السياسي في المنطقة. و من الجدير بالملاحظة ان السياسة الأمريكية في المنطقة تعطي للعراق أهمية بالغة و لذلك لعدة أسباب منها ما يتعلق بالموقع الجيو-استراتيجي و منها ما يتعلق بواقع السياسة العراقية و الظروف السياسية في المحيط الإقليمي. حيث ان الجهود الأمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني توظف ركيزتين: الأولى تتعلق بنوع الحلفاء الإقليميين الذين سيقومون بأدوار بالوكالة و الثانية تتعلق بمناطق العمليات التي سنفذ فيها الإستراتيجية الامريكية لمواجهة النفوذ الإيراني والفواعل القريبة من طهران. و ستقع على الحكومة العراقية ضغوطات كبيرة بهذا الإطار من أجل الحفاظ على سياسة العراق الرامية الى الإبتعاد عن سياسة المحاور في المنطقة و تعزيز علاقات متوازنة معتدلة مع جميع الأطراف.

المصدر : مجلة اتجاهات سياسية احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي – ألمانيا – برلين
المركز الديمقراطي العربي

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة