خاص : عرض – سماح عادل :
رواية (البيت) للكاتبة الأميركية، “مارلين روبنسون”، ترجمة، “سامر أبو هواش”.. تعكس شغف الكاتبة بالكتابة عن العائلة والبيت كرمز لها، فالبيت هو رمز الإنتماء إلى العائلة التي ينشأ فيها الإنسان، وتصبح حياته فيما بعد مشدودة بخيوط خفية نحو نشأته الأولى، إما يتمرد على ذلك الإنتماء أو يعيش أسيراً له طوال حياته.
الشخصيات..
“غلوري باوتون”: البطلة.. سيدة في الثامنة والثلاثين من عمرها، تضطر إلى العودة إلى بيت العائلة، بعد أن عاشت مع أحد الأشخاص عدد من السنوات؛ وتبين لها أنه مخادع وأنه يستغل أموالها، ترعى والدها العجوز الذي بلغ من العمر سبعون عاماً وتداعى جسده، يتمنى والدها أن تبقى طويلاً في هذا البيت، وهي تكتم مخاوفها من أن يكون ذلك مصيرها.
“جاك باوتون”: البطل الثاني.. أخو “غلوري”، يعود للبيت بعد عشرون عاماً من الإختفاء، وبعد أن أصبح عمره 43 عاماً، لا يصدق والده أنه عاد فعلاً بعد أن كان جرح العائلة الغائر، يعود متحفظ يتعامل مع أبيه وأخته بشكل رسمي ثم يرحل مرة أخرى.
“روبرت باوتون”: الأب.. هو قس متقاعد، ربى أبناءه على الإيمان الشديد وعلى حب الكنيسة، لكن ابن واحد فقط هو من خيب أمله وظل ضالاً طوال حياته، وحين عودته لم يستطيع الأب مسامحته تماماً رغم حبه الشديد له، فقد كان ينفجر غضباً فيه بين وقت وآخر.
“جون آيمز”: صديق الأب.. وهو يعيش في بيت مجاور للعائلة، وهو قس أيضاً، يحكي له الأب عن كل شيء ويعتبر بمثابة عم للأولاد.
الراوي..
يتراوح الحكي بين راوي عليم؛ يرصد تحركات الأبطال داخل البيت وخارجه، وما بين “غلوري” التي تحكي بضمير المتكلم، ولا توجد فواصل بين الراويين فحكيهما متداخل.
السرد..
إيقاع السرد بطيء جداً.. يتناول تحركات الأبطال داخل البيت دون أحداث تذكر، فالسرد يركز أكثر على رسم الشخصيات بعمق، وتقديمها للقارئ من خلال حوار زادت مساحته داخل الرواية، ومن خلال تذكر للماضي وإستدعائه، السرد يعكس تفاصيل الحياة اليومية داخل البيت بين “غلوري” و”جاك” والأب، وأحياناً أثناء زيارات الجار، قد يعاب على الرواية الإطالة، حيث تقع في حوالي 420 صفحة من القطع المتوسط، دون أحداث كثيرة.. لكنها تعكس هدف الكاتبة من تصوير حياة العائلة ومحنة أبطالها..
الإنتماء للعائلة..
يتضح شغف الكاتبة بفكرة العائلة وأهميتها في حياة الإنسان.. حيث أن رواية (البيت) هي الرواية الثالثة للكاتبة، والتي تتناول فيها هذه الفكرة من زاوية مختلفة، فرواية (تدبير منزلي) و(غلعاد) تناقش فكرة العائلة والبيت أيضاً.
تدور الرواية في فترة أواخر الخمسينيات، في قرية في الريف الأميركي تدعى “غلعاد”، وتحكي عن عائلة “روبرت باوتون”؛ ذلك القس الذي يعيش حياة دينية صرفة ويربي أولاده عليها، لكن ابناً واحداً يضل عن ذلك الطريق ويصبح متمرداً على كل ذلك، يشرب الخمر ويهمل دراسته ويسرق المحال ثم يصبح سارقاً ويدخل السجن، بعد أن تحمل منه إحدى الفتيات وهو في عمر العشرين، ويهرب تاركاً أسرته حوالي عشرون عاماً.
وحين يعود “جاك” إلى البيت بعد تلك المدة الطويلة؛ يعود خجولاً متحفظاً لا يعرف كيف يتعامل مع أخته التي تعيش في البيت، ولا مع أبيه العجوز.. تبين الرواية، من خلال الحوار والحكي، أنه يمتلئ حنين تجاه البيت القديم والعائلة، لكنه لا يعرف ما الذي جعله يشعر بالإغتراب طوال حياته عن تلك العائلة، أو لماذا لم يكن طفلاً عادياً يشعر بالإنتماء لهم، يحمل الأب نفسه مسؤولية إغتراب “جاك”، وأنه ربما لم يكن يحيطه برعاية كافية أو اهتمام، لكن “غلوري” تحاول نفي ذلك، في حين أنها هي أيضاً، رغم حنينها للبيت ولجو العائلة القديم، إلا أنها تخاف من أن يكون العيش في هذا البيت هو مصيرها النهائي، تعيش وحيدة فيه تحافظ على الأثاث القديم وترتيب المنزل كما هو، وتنتظر مجيء باقي الأبناء الذين اختاروا حياتهم وبنوها لكي يعودوا في العطلات.
تناقش الرواية مسائل إنسانية هامة؛ وهي مكانة العائلة داخل الإنسان، والحنين لأيام الطفولة والدفء العائلي والروابط العائلية بين الإخوة وبين الآباء والأبناء.. لا تنشغل الرواية بالإنحياز إلى أحد، فهي لا تدين الأب المتدين الذي يربي أولاده تربية صارمة، كما لا تدين الابن الضال الذي كان مصدر إزعاج دائم لعائلته حتى بعد رحيله الطويل، كان جرح لم يندمل يذكر باقي أفراد العائلة أنهم لم يكونوا على ما يرام وأن تماسك العائلة لم يكن مكتملاً تماماً.
التأثر بالكتاب المقدس..
يتضح في الرواية التأثر الشديد بالكتاب المقدس.. حتى أن الرواية تستعين بمقاطع منه وتستشهد بقصص منه، وكان هو الخلفية الواضحة، حتى أن بطلين في الرواية هما قسين في كنيسة، كما أن “جاك” و”غلوري” يهتمون طوال الوقت بثبات إنتمائهم لأبيهم عن طريق الذهاب إلى الكنيسة والتقرب إلى الدين.
كما أن “جاك” نفسه كان آسفاً لأنه ليس متديناً وخيب آمال والده القس فيه، حتى عندما أراد أن يريح والده في إحتضاره؛ سعى إلى الكذب عليه ليوهمه أنه مؤمن ومتدين وأن روحه ليست ضالة، لكنه لم ينجح في ذلك وثار عليه والده.
تقديس العائلة..
الرواية تقدس فكرة العائلة، ولا نعلم هل هذه سمة للأميركيين، أم أنها إحدى الأفكار الخاصة بالكاتبة نفسها ؟.. ورغم أن العائلة إحدى المؤسسات التي تستطيع من خلالها الرأسمالية إحكام السيطرة على الفرد واستغلاله، حيث أن العائلة هي التي تنتج الأفراد وتربيهم على المفاهيم الطبقية الرأسمالية، كما أنها تضمن ولائهم وانتمائهم للمجتمع وتضمن خدمتهم له، وذلك في فكر بعض المدارس الماركسية، مما يفسر تمسك المجتمع الأميركي الرأسمالي الذي وصل إلى أقصى مراحل التوحش الطبقي بفكرة العائلة، فهي النواة الأولى التي تحافظ على تماسك المجتمع وانتظاميته.
مما يعني أن أي تهديد لتماسك العائلة يعد أمراً خطيراً يهدد المجتمع ككل، وأن أي إفتقاد للإنسجام داخل العائلة يعني خللاً ما داخل المجتمع، لذا نجد هذا الحزن الشديد للشخصيات داخل الرواية واحتفائهم الشديد بالعائلة، ولكن لم تخف الرواية أيضاً ذلك الصراع الذي يدور داخل الشخصيات ما بين واجب الإنتماء للعائلة وما بين الرغبة في التحرر منها ومن قيودها، حتى القيود النفسية عليهم، فهم يحبون الإنتماء لها، لكنهم أيضاً يشعرون أنه عبء يثقل كاهلهم، يودون العودة للعيش في البيت القديم الذي يحمل ذكرى طفولتهم، لكنهم أيضاً يخافون أن يكون ذلك مصيرهم النهائي، دون أن يتسنى لهم العيش بحرية واستقلال وبناء حياة يختارونها بأنفسهم.
الكاتبة..
“مارلين روبنسون”، كاتبة أميركية، ولدت عام 1943 في بلدة “ساندبوينت” بولاية “أيداهو” الأميركية، في أقصى الشمال الغربي المحاذي لكندا. درست في كلية “بمبروك”، التي كانت مخصصة للنساء في جامعة “براون”، ونالت البكالوريوس عام 1966، وشهادة الدكتوراه في اللغة الإنكليزية عام 1977 من جامعة واشنطن.
أصدرت روايتها الأولى بعنوان (التدبير المنزلي) عام 1980، وروايتها الثانية بعنوان (غلعاد) عام 2004, وقد نالت عن روايتها الأولى “جائزة مؤسسة هيمنغواي” عام 1981، و”جائزة مؤسسة فوكنر” عام 1982, وفازت عن روايتها الثانية بـ”جائزة حلقة نقاد الكتاب الوطني للسرد” عام 2004, وتعمل حالياً في التدريس ضمن برنامج ورشة الكتابة في “جامعة أيوا”.
روايتها الثالثة، (البيت)، التي صدرت في 2008، حازت على إحدى جوائز جريدة (لوس أنغليس تايمز) للكتاب في 2008، إضافةً لـ”جائزة أورانغ للآداب للسرد النسائي” في 2009. وكانت من أبرز المرشحين النهائيين لنيل جائزة الكتاب القومي في أميركا. وقد تم اختيارها واحدة من ضمن أهم مئة كتاب لعام 2008 من قبل صحيفة (نيويورك تايمز)، واختيارها ضمن أهم عشرة كتب مفضلة لدى ناقد الكتب في صحيفة (النيويوركر غيمس وود) لعام 2008.