خاص: إعداد- سماح عادل
الاكتئاب أحد أنواع الاضطرابات العقلية, وهو عبارة عن تدني الحالة المزاجية لفترة طويلة، وينطوي على أعراض أخرى، ويمكن معالجة حالة الاكتئاب بكفاءة بمجرد التعرف عليها.
قد تشير كلمة اكتئاب إلى عدة أشياء مختلفة في الحياة العادية، الأمر الذي جعل من الصعب فهم هذه الظاهرة، لأن كلمة اكتئاب تستخدم لوصف عاطفة ما أو لوصف الاضطراب العقلي، كما تشير تلك الكلمة إلى الشعور السيئ المؤقت كجزء من خيبة الأمل وإلى التعب والكآبة والحزن في الحياة الطبيعية، ومن ثم فإن هذه المشاعر تساعد على تطور وتغير الأفراد بشكل طبيعي، ولا حاجة إلى علاج للتعامل مع هذه المشاعر.
كما يمكن أن تشير كلمة اكتئاب إلى حالة الاكتئاب العقلي التي قد تدوم إلى أيام قليلة أو ربما لشهور ولكنها لا تشتمل على الأعراض التي قد تجعل الحياة أكثر صعوبة، فالشعور السيئ لفترة مؤقتة بسبب التعرض للإحباط في الحياة، أو حالة الاكتئاب العقلية على سبيل المثال ليست اضطرابات عقلية، لأن الشعور بمثل هذه المشاعر ليس دليلاً على المرض، ولا يتم معالجتها على أنها اكتئاب.
الفرق بين الحزن والاكتئاب يكمن في حقيقة أن الحزن عادة ما يشتمل على موضوع وسبب، مثل فقدان الوظيفة أو فقدان أحد المقربين، فالإنسان في حالة الحداد بطبيعته يعالج المشاعر والذكريات المتعلقة بالفقيد داخل عقله البشري، ولكن الاكتئاب نادراً ما يكون له سبب واضح.
الأسباب..
قد تتعدد أسباب الاكتئاب التي تحتاج إلى المعالجة، فعادة ما يكون الاكتئاب نتيجة لمزيج من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية، ونادراً ما يكون هناك سبب واحد واضح للاكتئاب, والجينات والبيئة المعيشية المبكرة وأحداث الحياة قد تؤثر على مدى إمكانية تعرض المرء للإصابة بالاكتئاب.
مثلا قد تُزيد الطفولة الصعبة, مثل التعرض للإيذاء الجسدي أو العقلي أو التعرض للاعتداء الجنسي أو الإهمال, من احتمالية تعرض المرء للاكتئاب, كما يمكن أن يكون الاكتئاب نتيجة لمواجهة المرء هما ثقيلاً جداً عليه أو أمراً مؤلماً أو صعباً.
وقد يكون الاكتئاب في بعض الأحيان نتيجة لعامل جسدي، مثل العته أو قصور الغدة الدرقية أو مرض باركنسون, كما أن الآثار الجانبية لبعض الأدوية أو المخدرات أو تعاطي الكحول بشكل عام يمكن أن يُسبب الاكتئاب لبعض الناس، فضلاً عن أن العوامل الهرمونية أو عدم وجود ضوء ساطع خلال أشهر الشتاء قد يسبب الاكتئاب.
أعراض الاكتئاب..
قد يُصنف الاكتئاب على أنه خفيف أو معتدل أو حاد بناء على شدة الأعراض التي تشتمل على ما يلي:
– المزاج الاكتئابي:
ينطوي المزاج الاكتئابي على العديد من المشاعر مثل الانقباض والحزن والخدر والانفعالية، ويبدو المستقبل في عين المكتئب قاتماً وتافهاً، بالإضافة إلى أن البكاء يزيد كثيراً.
– فقدان السرور:
تصبح الأمور الباعثة للمرح غير مفرحة أو مثيرة للاهتمام، وذلك بسب فُقدان بهجة الحياة.
– الإرهاق:
تطغى عدم المبادرة على الشخص المكتئب وكذلك الجمود والإرهاق وكأنه لم يعد لديه الطاقة اللازمة للقيام بأصغر الأشياء.
– فقدان الثقة بالنفس وفقدان تقدير الذات:
حيث تشيع أفكار مثل الدونية والتفاهة، ولم يعد المرء يثق في قدرته على البقاء.
– انتقاد الذات دون أسباب معقولة أو الشعور بذنب لا أساس له:
الشعور بالذنب واستحقاق أن يحل به العقاب، وغالباً ما يظهر الشعور بالذنب مرتبطاً بالمواقف التي لا يستطيع المرء السيطرة عليها أو في المواقف التي لم يكن قد فعل فيها أي شيء خطأ.
– أفكار متكررة عن الموت أو تدمير الذات أو السلوكيات المدمرة للذات:
قد يؤوي عقل الشخص المصاب بالاكتئاب أفكاراً عن الموت, بل ويتمناه، كما يكون لديه أفكار انتحارية.
– مشاعر التردد وعدم القدرة على التركيز:
لم يعد المرء قادراً على التركيز أو أن يتصرف تجاه بعض الأمور التي طالما شعر بأنها تلقائية.
– التخلف النفسي والاهتياج:
قد يصبح الشخص المكتئب إما مشلولاً وإما شديد النشاط بشكل مقلق.
– اضطراب النوم:
قد يتمثل اضطراب النوم لدى المكتئب في صعوبة النوم أو النوم المتقطع والاستيقاظ خلال الساعات المبكرة من النهار أو قد يتمثل في الإفراط في النوم.
– تغير في الشهية ووزن الجسم
قد يفقد المصاب بالاكتئاب شهيته ويقل وزنه، أو قد تزداد شهيته وكذلك وزنه.
وبالإضافة إلى ذلك قد تختلف أعراض الاكتئاب تماماً من شخص إلى آخر، فأحيانا يتمثل الاكتئاب في آلام جسدية غامضة وعدم الشعور بالراحة مما يصعب اكتشافه، بالإضافة إلى أن المصاب بالاكتئاب قد يعجز عن وصف مشاعره للأشخاص المقربين إليه أو للمتخصصين في الرعاية الصحية، وقد يتحدث عن العلاقات الشخصية أو مشاكل في النوم، والمشاكل المالية أو الصحية بدلاً من أن يتحدث عن الاكتئاب.
المعالجة..
لقد تطورت أساليب التعرف على الاكتئاب وكذلك أساليب معالجته خلال العقود الماضية, أما اليوم, تتشابه أساليب التعرف على الاكتئاب ومعالجته مع أمراض أخرى، فالسعي وراء المعالجة وتلقي الدواء في وقته يعجل من الشفاء ويمنع تدهور حالة الاكتئاب، إلا أن الشخص المصاب بالاكتئاب في معظم الأحيان لا يسعى في طلب المساعدة إلا حين يشعر أنه لم يعد قادراً على تحمل الأعراض.
يحتاج المصاب أحياناُ إلى يكون نشيطاً جداً كي يتلقى العلاج، لكن ذلك هو سوء حظ، إذ غالباً ما يشعر من يعاني من الاكتئاب بالإرهاق الشديد، وربما تبدو أصغر الخطوات التي يتعين عليه اتخاذها صعبة جداً بالنسبة له.
طرق العلاج..
نادراً مايكون هناك سببًا واحدًا للاكتئاب، وبالتالي هناك أكثر من طريقة متاحة لعلاجه, وعادة ما يعالج الاكتئاب بالأدوية والعلاج النفسي في نفس الوقت، كما يمكن أن يُعالج الاكتئاب بالتحدث إلى شخص معين، وعادة ما تقدم ممرضات الاكتئاب (ممرضات مدربة خصيصاً على علاج الاكتئاب) مساعدات حوارية في مراكز الرعاية الصحية، كما تعد الأنواع المختلفة من المجموعات إحدى الوسائل المفيدة في علاج الاكتئاب، وقد تتطلب حالات الاكتئاب الشديدة أيضا العلاج داخل المستشفيات.
غالبا ما يشار إلى مجموعات مضادات الاكتئاب بالجيل القديم والجيل الجديد من مضادات الاكتئاب، وتتميز مضادات الاكتئاب من الجيل الجديد بأن آثارها الجانبية أقل، مثل التعب وجفاف الفم، ومع ذلك تعتبر مضادات الاكتئاب من الجيل القديم أكثر ملائمة لبعض الأشخاص الذين يعانوا من حالات الاكتئاب. اقرأ المزيد عن علاج الاضطرابات العقلية بالأدوية.
لن يشعر المريض بالاكتئاب بأثر مضادات الاكتئاب بشكل فوري، ولكنه سيشعر بدلا من ذلك، بأن تأثيرها يتكاثف تدريجياً خلال مدة من أسبوعين إلى ثمانية أسابيع من بداية العلاج، ومن ثم يجب ألا ينقطع المريض عن تناول الأدوية حتى ولو بدت كأنها لا تجدي نفعاً في البداية، أو كان التعب المرافق لتعاطي هذه الأدوية يزداد سوءً، فعادة ما يكون الأرق أول أعراض الاكتئاب التي تخففها الأدوية، أما بالنسبة لتحسن الحالة المزاجية, فيستغرق فترة أطول.
وإذا كان الدواء الموصوف لا يجدي نفعاً، ربما يستبدله الطبيب بآخر أو يغير الجرعة أو يصف دواء آخر إضافة إلى المستخدم بالفعل، فهناك بعض حالات الاكتئاب التي يفضل التعامل معها بالعلاج النفسي على بالأدوية، والعلاج المثالي هو عادة مزيج من العلاج النفسي والأدوية.
أما إذا كان الدواء يجدي نفعاً فعلى المريض أن يستخدمه من أربعة إلى اثنا عشر شهراً وفقاً لتعليمات الطبيب، حتى لو اختفت الأعراض، لأن حالة الاكتئاب قد تعود للمريض مرة أخرى إذا توقف عن تناول الأدوية في وقت مبكر جداً، فالتوقف عن تناول الأدوية ينبغي أن يكون وفق تعليمات الطبيب، وللحد من الأعراض التي تنشأ عن التوقف عن تناول الأدوية، عادة ما يتم تقليل الجرعة بالتدريج.
كما يمكن أن تشتمل أعراض التوقف عن تناول الدواء على الصداع والتعب والتعرق والاهتياج، حيث قد تظهر هذه الأعراض أثناء إعادة الجسم تكيفه مع التوقف عن تناول الأدوية، فإذا استمر التوتر والاكتئاب أو ازداد سوءً بعد انقضاء شهر من التوقف عن تناول العلاج، فربما يكون المريض قد توقف عن تناول الأدوية في وقت مبكر جداً.
هذا وينبغي على بعض المصابين بالاكتئاب الاستمرار في تناول الأدوية لفترة طويلة بعد انتهاء أخر نوبة اكتئاب تعرضوا لها، وهو ما يطلق عليها اسم العلاج الوقائي، كما يتعين على المريض الاستمرار في تناول الأدوية لأغراضِ وقائية خاصة إذا كانت حالة الاكتئاب التي كان يعاني منها شديدة، أو اشتملت على أفكار تدمير الذات، أو كانت تنتابه ثلاث نوبات من الاكتئاب، أو كان قد استفاد بشكل كبير من الأدوية، فالمعالجة الوقائية هي التي تبدأ مع الظهور الأول لأعراض الاكتئاب، وقد تكون مفيدة أيضاً إذا لاحظ الشخص الذي أُصيب بالاكتئاب من قبل أن أعراض الاكتئاب على وشك البدء.
العلاج النفسي..
لقد أثبت العلاج النفسي في حد ذاته أنه وسيلة فعالة لعلاج الاكتئاب، حيث إنه يساعد في التخلص منه وذلك للأسباب التالية:
- فمن خلال العلاج النفسي يمكن للشخص أن يتعلم كيفية تحديد طرق التفكير الشخصية وبالتالي سيكون قادرًا على تغييرها، حيث يبدأ في فهم سبب اختياره لطريقة معينة في التفكير وكيفية التخلص من الأفكار الضارة.
- قد يزداد تفهمه للأسباب التي تجعله يشعر بالاكتئاب وكذلك خلفياته، وهذا من شأنه خلق فرصة للتعامل مع المشكلات المؤلمة والصعبة في نفس الوقت.
- قد يتغير إدراك المريض لمشاعره وتفسيراته لها، وقد ينمو أيضًا وعيه بالمشاعر الشخصية وكذلك فهمه لها، ويبدأ في تعلم طرق جديدة ليعبر بها عن نفسه.
- قد تتوسع مداركه وقدراته لتفسير مشكلاته الشخصية بشكل أوضح وبمعانٍ جديدة.
- قد تختلف رؤيته لموقف يمر به أحد في الحياة ويتبنى وجهة نظر جديدة.
- قد يسلك طرق جديدة في التفكير ينتج عنها تغييرات في العلاقات القوية في الحياة العملية والدراسية.
التمارين الرياضية..
تزيد التمارين الرياضية نسبة إفراز الهرمونات التي تسبب المتعة في المخ, وهذا بدوره يخفف من حدة الاكتئاب والقلق بصورة خاصة, وقد يجد المرضى شديدي الاكتئاب صعوبة في إيجاد الطاقة اللازمة للمشي لمسافة قصيرة خارج مكانهم, لذا فعند استيقاظ المريض وخروجه يمكن أن يشعر بتحسن كبير في النهاية, ويجب التذكير هنا أنه عندما يفكر المريض في مزاولة بعض التمارين الرياضية, ينبغي الوضع في الاعتبار أن القليل من التمارين أفضل من لاشيء, ولا يقتصر دور التمارين الرياضية على علاج الاكتئاب والقلق, بل تخفيف حدة الانفعال والتوتر أيضًا.
النساء..
تعد النساء أكثر ميلا للإصابة بالاكتئاب مقارنة بالرجال، والأَسباب ليست واضحة بشكل كامل. تُمارسُ الهرمونات الدور الأكبر في الاكتئاب بالنسبة إلى العَوامِل البدنيَّة، حيث يُمكن أن تُؤدِّي التغيُّرات في مستويات الهرمونات إلى تغيُّرات في المزاج قبل الطمث بفترةٍ قصيرةٍ (وذلك مثل جزء من المُتلازمة السابقة للطمث)، وفي أثناء الحمل ومن بعد الوِلادة. تُصابُ بعض النساء بالاكتئاب في أثناء الحمل أو في أثناء الأسابيع الأربعة الأولى من بعد الوِلادة (حالة تُسمَّى كآبة المواليد baby blues، أو الاكتئاب التالي للولادة، وذلك إذا كان الاكتئاب أكثر شدَّةً).كما قد تكون الوظيفة غير الطبيعية للغدة الدرقية من العَوامِل أيضًا، وهي مشكلة شائعة بعض الشيء عند النساء.
هناك عدد من الاضطرابات والعَوامِل البدنيَّة التي قَد تترافق مع الاكتئاب أو تُسببه، فقد تُسبب الاضطرابات البدنية الاكتئاب بشكلٍ مُباشر (مثلما يحدث عندما يُؤثِّرُ اضطراب الغُدَّة الدرقية في مستويات الهرمون)، أو بشكل غير مباشر (مثلما يحدُث عندما يُؤدِّي التهاب المَفاصِل الروماتويدي إلى الألم والإعاقة).