6 أبريل، 2024 9:19 م
Search
Close this search box.

الاغتيال السياسي في إيران .. الملالي ومواجهة المختلفين

Facebook
Twitter
LinkedIn

عرض/ أسامة الهتيمي– كاتب مصري
تفتح قضية اغتيال المعارض ورجل الأعمال الإيراني سعيد كريميان في مدينة إسطنبول التركية نهاية شهر إبريل الماضي من جديد ملف الاغتيالات السياسية في إيران، والذي بالنظر في صفحاته المتخمة بالأحداث والقضايا يتكشف إلى أي مدى يمكن أن يوصف نظام الملالي منذ أن وصلوا لحكم البلاد عام 1979م بالعنف والدموية، ليس فقط تجاه هؤلاء المختلفين معهم على مستوى التوجهات الأيدلوجية، بل ومع أي شخص راودته نفسه بأن يعرب عن تباين -ولو بقدر ضئيل- مع ما يتبناه المرشد وقادة الثورة المزعومة، فضلا عن تلك الاغتيالات التي تأتي على خلفية دوافع قومية أو عرقية، أو حتى بحقّ هؤلاء الذين اعتبرهم الملالي عقبات تعرقل تنفيذ مشروع تصدير ثورتهم، فهم لا يترددون في استهداف أي شخص ولو كان من غير الإيرانيين.

وبغضّ النظر عن كون إيران واحدة من الدول الراعية للإرهاب أو تصنيفها باعتبارها الثانية عالميا من حيث عدد الإعدامات بعد الصين، والأولى بحسب نسبة السكان، وهي الإعدامات التي تتم وفق محاكمات علنية رغم أنها ناقصة وغير نزيهة حيث لا يتوافر فيها للمتهمين الحد الأدنى من الحقوق القانونية، إلا أن الاغتيالات السياسية التي نعنيها هنا هي عمليات القتل التي تتم وفق قرارات خاصة بقتل شخص بعينه خارج دائرة القانون الذي يفترض أن يتم التحاكم إليه فهي إذن قرارات تتخذ بحق المستهدفين ليست لها معايير قانونية، ويغلب عليها هوى متخذيها الذين لهم وحدهم حق اتخاذ قرارات قتل المستهدفين في الزمان والمكان اللذين يحلو لأصحاب القرار اتخاذهما، ودون أن يعلم الضحايا الأسباب وراء قرار اغتيالهم.

ومن ثم، وفي هذا الإطار، فإنه ليس من المبالغة في شيء الاعتقاد بأن أعداد الذين تعرضوا لعمليات اغتيال سياسي بيد السلطة الإيرانية وعبر رجالها، سواء كان ذلك في إيران أو في خارجها، والذين بلغوا وفق ما تم تسجيله عشرات الآلاف، يرقى لجعل إيران الدولة الأولى عالميا في معدل الاغتيال السياسي إن كان ثمة قائمة عالمية بذلك، الأمر الذي يطرح علامات استفهام وتساؤلات جديدة تضاف لغيرها حول حقيقة الموقف الدولي ممّا يحدث في إيران ولماذا لا يتم التحرك فعليا من أجل محاسبتها على كل هذه الانتهاكات التي تجري بحق الإيرانيين أو غيرهم من خلال هذه السلطة في الوقت الذي لا يتردد للحظة واحدة هذا المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته في أن يثير العواصف إذا ما وقعت حادثة انتهاك هنا أو هناك في البلاد العربية أو الإسلامية الأخرى؟.. إن ذلك بكل تأكيد يعكس إلى أي مدى تصبح المصالح هي المهيمنة على القيم والمبادئ والتي تجعل من هذه المؤسسات نماذج للكيل بمكيالين حتى إذا ما تضاربت المصالح أو دعت الحاجة لاستدعاء هذه الانتهاكات فإنه في هذه الحالة يمكن استخدامها من قبل القوى الدولية كورقة ضغط لتحقيق أهداف بعينها ليس إلا ودون حل جذري للقضية.

وما ذهبنا إليه ليس تجنيّا على المجتمع الدولي، بل هو أقل ما يمكن أن نصف به مجتمعًا تخلى عن دوره في حماية حقوق الإنسان في بلد يمارس كل أنواع الإيذاء البدني والنفسي تجاه كل مَن يعارضه أو يختلف معه قيد أنملة متشدقا بشعارات يلبسها ثوب دين هو في قيمه وتشريعاته أفضل نموذج على الأرض للتعددية وقبول الآخر واحترام الآراء وتقدير الاختلاف، فارتكب بأفعاله هذه جريمتين كبيرتين استحق بهما العقاب؛ أولاهما الإساءة للإسلام، وثانيتهما تلك الانتهاكات بحق الضحايا، وهو ربما ما دفع البعض إلى مظنة أن تتم مطالبات بمحاكمة قادة إيران المسئولين عن هذه الجرائم.

فتاوى واعترافات

يعلم كل المتابعين للشأن الإيراني أنه، ووفق النظام السياسي الحاكم في البلاد فضلا عن الدستور فإن كل سلوك أو تصرف يصدر عن أية جهة في الدولة الإيرانية يجب أن يحظى برضا وقبول من قبل المرشد الأعلى للثورة، ومن ثم فإنه ليس هناك جهة إيرانية قادرة على اتخاذ قرارات بإعدام أشخاص بعينهم دون العودة إلى مرشد الثورة، بل وبإصدار فتوى منه شخصيا.

ولعل الفتوى التي أصدرها المرشد الأول للثورة الخميني عام 1986 بشأن اغتيال الدكتور كاظم رجوي نموذج على ذلك، والتي جاءت عقابا لرجوي على دوره في فضح ملف الانتهاكات الحقوقية في إيران، والتي كان من آثارها المصادقة على أول قرار إدانة لانتهاك حقوق الإنسان من قبل نظام الملالي في الجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف عام 1985، الأمر الذي أجّج نار الغضب في صدر الخميني وأعوانه فأصدر فتواه تلك.

كذلك يعلم الجميع أن المذبحة المروّعة التي وقعت في السجون الإيرانية في صيف عام 1988 وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المعارضين الإيرانيين كانت بأمر مباشر من الخميني فيما أن الذين تولوا أمر تنفيذها أصبحوا فيما بعد يحتلون مناصب مهمة في الدولة الإيرانية فأحدهم أصبح نائبا لرئيس المحكمة العليا للبلاد وزعيم العتبة الرضوية ومرشحا لخلافة علي خامنئي وآخر يتولى وزارة العدل في حكومة روحاني وثالث يدير مكتب محاماة في طهران.

وكانت قد أسفرت حادثة الاغتيالات التي استمرت لنحو خمسة أشهر متواصلة عن اندلاع أعمال عنف وشغب في ربوع إيران برغم محاولات النظام أن تمر في سرية تامة مع إنكارها المستمر وخلق أسباب لتبرير إقدام النظام عليها غير أن منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية رفضت تبريرات النظام، وعلى رأس تلك المنظمات “العفو الدولية” التي أكدت رسمياً اختفاء أكثر من 4482 سجيناً، فيما أشارت جماعات المعارضة الإيرانية إلى أن عدد السجناء الذين تم إعدامهم أكبر بكثير مما ذكرته المنظمة، في إشارة إلى أن النظام الإيراني أعدم ما بين 8 آلاف إلى 30 ألف سجين سياسي.

وحاول النظام الإيراني أن يروج لأسباب تبرر هذه الاغتيالات بحق المعارضة السياسية فادّعى أن الضحايا ينتمون لحركة “مجاهدي خلق” وذيلت ذلك بكونهم إرهابيين مستندا في ذلك لفتوى الخميني التي صدرت قبيل الحادثة بوقت قصير، وذلك لإضفاء الشرعية على الحادثة، وقد جاء فيها أن “أعضاء مجاهدي خلق يحاربون الله، واليساريون مرتدّون عن الإسلام، وأن “أعضاء منظمة مجاهدي خلق لا يعتقدون بالإسلام وإنما يتظاهرون به وبالتالي نظراً لشنّ منظمتهم الحرب العسكرية على الحدود الشمالية والغربية والجنوبية لإيران ولتعاونهم مع صدام في الحرب والتجسس ضد إيران ولصِلتهم مع القوى الغربية للمطالبة بالاستقلال فإن جميع أعضاء منظمة مجاهدي خلق الذين ما زالوا يدعمون (خلق) ومواقفها فهم مشمولون باعتبارهم مقاتلين أعداء ونحتاج إلى تنفيذ أحكام الإعدام بشأنهم”([1]).

وكان الإيراني نيما سرفستاني قد استعرض وثيقة فتوى الخميني في فيلم وثائقي تحت عنوان «أولئك الذين قالوا لا للملالي» قدّمه في ألمانيا ووثق خلاله الجرائم التي ارتكبها النظام في إيران بعد قيام ما يسمى بالجمهورية الإسلامية عام 1979.

كذلك فقد تم في عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي تسريب قائمة تقضي باغتيال 197 مثقفاً وكاتبا، استنادا إلى فتاوى صادرة عن علماء شيعة من أمثال مصباح يزدي وجنتي وآخرين.

وبحسب وسائل إعلامية فقد اعترف التلفزيون الرسمي الإيراني -وللمرة الأولى- خلال شهر فبراير الماضي بتنفيذ عمليات اغتيال لمعارضي النظام خارج البلاد على يد عملاء له وذلك ضمن برنامج حواري حضره أنيس النقاش المعروف بتدريبه لعماد مغنية القائد العسكري السابق لميليشيات حزب الله اللبناني.

ففي هذا البرنامج أشار النقاش إلى أنه كان مسجونا في فرنسا، عندها تدخل المذيع الإيراني “وحيدي أمين بور” المنتمي إلى التيار الأصولي والمعروف بعلاقاته مع الأجهزة الأمنية الإيرانية موضحاً سبب اعتقال أنيس النقاش في فرنسا فقال المذيع: “بعد مرور عام من الثورة الإيرانية ذهب أنيس النقاش إلى فرنسا لاغتيال رئيس وزراء الشاه شابور بختيار وأن العملية لم تتكلل بالنجاح واعتُقل إثرها أنيس النقاش وسُجن عدة سنوات”.

وكان وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي قد اعترف هو الآخر في عام 2014 بـ “تنفيذ اغتيالات ضد معارضين لنظام الجمهورية الإسلامية في الخارج” ضمن نشاطات وزارته خارج البلاد حيث أكد أن “الاغتيالات شملت زعيم جيش النصر البلوشي عبد الرؤوف ريغي وابن شقيقه وأشخاص آخرين في باكستان”([2]).

بل إنه وفي عام 1985م نشرت صحيفة كيهان تصريحا لقائد الحرس الثوري آنذاك محسن رضائي ألقاه في المؤتمر الوطني للطلاب جاء فيه: “إننا نحكم من خلال الإرهاب” ومضيفا في موضوع آخر من التصريح: “لقد نشرنا إرهاباً مكّننا من التحكم في المعارضين”.

يضاف إلى ذلك تلك الأنباء التي تتوارد من إيران بين الحين والآخر حول قيام السلطات الإيرانية بتدمير مقابر جماعية تضم رفات العشرات بل والمئات من الذين تعرضوا للموت خارج دائرة القانون، ومن ذلك ما تم الكشف عنه في أول يونيو 2017 حيث اتهمت منظمة العفو الدولية السلطات الإيرانية بتدنيس حرمة مواقع قبور جماعية تحوي رفات أربعة وأربعين شخصاً على الأقل من عرب الأحواز تمت تصفيتهم في ثمانينيات القرن الماضي.

وأكدت المنظمة في تقرير صادر عنها أن تدمير وإزالة تلك المقبرة الجماعية أو غيرها سيمحو كافة الأدلة الشرعية المتوفرة ويقطع الطريق على أي محاولة مستقبلية لمساءلة مرتكبي جرائم القتل الجماعي والتصفية العرقية بحق المعتقلين في تلك الفترة أو تقديمهم للعدالة.

والمقبرة الجماعية التي تبعد نحو 3 كيلومترات عن مقبرة بيهيشت آباد ليست الوحيدة التي يتم طمس معالمها، حيث أفادت منظمة العدالة لإيران بأن مقبرة جماعية أخرى تضم رفات أكثر من 170 معتقلا سياسيا قرب مشهد تتعرض أيضا لمحاولات حثيثة من أجل العبث بها، وإخفاء الحقائق التي دفنت مع الضحايا فيها([3]).

اغتيال المثقفين

الاغتيالات التي تعرض لها المثقفون والسياسيون الإيرانيون أكثر من أن يكون بمقدورنا حصرها ذلك أن مسلسل استهداف هؤلاء بدأ مع وصول الخميني للحكم في نهاية السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن إذ يبرز من هؤلاء زعيم حزب الشعب الوطني داريوش فروهر وزوجته براونة اللذين قتلا عام 1989م، والكتاب مجيد شريف ومحمد مختاري ومحمد جعفر بونيده، الذين قُتلوا بصورة بشعة بأمر من سعيد إمامي، نائب وزير الاستخبارات السابق علي فلاحيان، بالإضافة إلى الكاتب سعيدي سيرجاني الذي قتل في السجن عام 1994م، والفنان الإيراني فريدون فرخ زاد الذي كان يعتبر من وجوه الشاشة الإيرانية في عهد الشاه.

وفي مقال للكاتب التونسي العفيف الأخضر نشر عام 1999م كشف فيه أن عضو البوليس السري الإيراني “السافاك” الذي فرّ إلى ألمانيا، محمد عامريان، أكّد أنه بعد جمع المعلومات حكمت “اللجنة السرية” غيابياً على 180 مثقفاً بالإعدام لاقترافهم جريمة “عدم التطابق مع النظام”.

وفي دراسة للباحث المتخصص في الشأن الإيراني علاء إبراهيم حبيب والتي جاء عنوانها “نظام الملالي في إيران وجرائم اغتيال المثقفين”([4]) رصد خلالها الباحث أسماء العديد من المثقفين الإيرانيين الذين تعرضوا للاغتيال طيلة أكثر من 35 عاما، وخلال عهدي الخميني وخامنئي، فضلا عن الفترات الرئاسية لكل الرؤساء الإيرانيين وهي الجرائم التي قام بعض الباحثين والكتاب بتوثيقها في مؤلفاتهم، ومنها كتاب (شهادات واقعية من داخل إيران) لعبد المنعم الجبيلي وكتاب (الاغتيالات السياسية في إيران) للدكتور أحمد الشاذلي وكتاب (الثورة البائسة) للدكتور موسى الموسوي.

ونقل الباحث عن دراسة نشرتها صحيفة العرب في أكتوبر 2016م تحت عنوان “التنوع العرقي في إيران مصدر أزمة” أكد خلالها مدير حملة استقلال بلوشســـتان في إيران محراب ســـرجو أنـــه خلال عام 2016 قُتل نحو 50 شـــخصا عن طريق إطلاق النار على مختلف نقاط التفتيش الأمنية في بلوشستان فيما أشار إلى أن ناشطا من البلوش أخبره بأن كثيرا من طلبة العلم البلوش يختفون في ظروف غامضة.

وحول عهد الخميني (1979-1989) أوضحت الدراسة أن الخميني كان على شعبه أشد وطأة وظلماً من سلفه الشاه، وأن عدد الذين تم اغتيالهم من 1979م وحتى 1988م أكثر من خمسين ألفاً، من ضمنهم آلاف المثقفين.

ومن نماذج الضحايا الأديب والشاعر الأحوازي نبي كريم هاشم النيسي، وهو من مدينة الحويزة التاريخية، حيث تم اغتياله بأوامر من الخميني وقد نصب له كمين، وهو في طريق عودته من أمسية شعرية أقيمت في جزيرة (صلبوخ).

وأوضحت الدراسة أن هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997) ركز على اغتيال رموز المعارضة الإيرانية خارج الحدود الإيرانية فيما باشر عهد خاتمي 1997 – 2005 بدوره عمليات الاغتيال التي شملت المثقفين والسياسيين، فتم تصفية العشرات منهم وهي العمليات التي عرفت آنذاك بـ “الاغتيالات المتسلسلة” ومن بينهم الكاتب والصحفي العربي الأحوازي يوسف عزيزي بني طرف.

ورأت الدراسة أن عهد أحمدي نجاد (2005 – 2013م) هو عهد اغتيال الشعراء، إذ تمّ في مارس من عام 2008م اغتيال ثلاثة شعراء عرب من الأحواز المحتلة في ليلة واحدة هم: طاهر سلامي وعباس جعاوله وناظم هاشمي بعد عقدهم أمسية شعرية في مدينة دينة معشور، كما أنه وفي عام 2012م تم اغتيال الشاعر منان بن صياح الذي اشتهر بقصائده الثورية وهو في الطريق إلى أمسية شعرية، وبعدها بعام واحد تم اغتيال الشاعر سعيد جاسم عباس بعد حضوره لأمسية شعرية في إحدى المدن الأحوازية.

أما عهد حسن روحاني الذي يتولى الرئاسة الإيرانية منذ عام 2013 فقد وصلت فيه عمليات الاغتيال السياسي إلى حد غير معقول، خاصة المثقفين في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان.

استهداف الدبلوماسيين

ووصلت الدموية الإيرانية إلى حد استهداف الدبلوماسيين التابعين لبعض الدول التي تنظر إليها إيران كأعداء، فحاولت اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير في الحادي عشر من أكتوبر عام 2011، وهي المحاولة التي تم تسميتها في وسائل الإعلام “بمؤامرة الاغتيال الإيرانية” و”مؤامرة إيران الإرهابية” في حين سمى مكتب التحقيقات الفيدرالي المؤامرة “بعملية التحالف الأحمر” وتم بعد إجهاضها القبض على المواطنين الإيرانيين غلام شكوري ومنصور أربابسيار واتهامهما من قبل المحكمة الاتحادية في نيويورك بالتآمر لاغتيال السفير السعودي عن طريق تفجير المطعم المتواجد فيه، وبعد ذلك التوجه للسفارة السعودية وتفجيرها أيضا فيما اعترف المتهمان بأنهما خططا بالفعل لتفجير السفارة السعودية.

وكانت إيران تسعى من وراء هذه العملية -ووفق تقارير إعلامية وقتها- للعمل على تسريع وتيرة الثورة في البحرين بطرق تمت مناقشتها ووضعها في قمة أولويات لجنة خاصة تنسيقية برئاسة علي أصغر حجازي وتحت إشراف المرشد الأعلى علي خامنئي فيما أن مخطط الاغتيال كان بمباركة وموافقة علي خامنئي نفسه، أما السبب الآخر فهو أن الجبير كان يتنقل يومياً بين أروقة الكونجرس الأمريكي والدوائر الحكومية مثل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لإطلاعهم على ما يحدث في سوريا([5]).

وبالطبع ليست محاولة اغتيال الجبير هي المحاولة الأولى أو الوحيدة فقد تم الكشف مرارا عن تورط إيران في محاولات اغتيال دبلوماسيين سعوديين وغيرهم ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية التي تشدد على الحفاظ على حياة الدبلوماسيين والسفراء والبعثات والمقرات الدبلوماسية ومن أمثلة هذه المحاولات محاولة اغتيال السفير السعودي في العراق ثامر السبهان على يد عناصر تتبع لميليشيات عراقية طائفية كـ “عصائب أهل الحق” و”كتائب خراسان” ومحاولة اغتيال 4 دبلوماسيين سعوديين في تايلاند وهم: عبدالله المالكي، وعبدالله البصري، وفهد الباهلي، وأحمد السيف في الفترة من 1989-1990 وكذلك محاولة اغتيال اغتيال الدبلوماسي السعودي حسن القحطاني في مدينة كراتشي عام 2011م واختطاف وقتل عدد من الدبلوماسيين الأميركيين في لبنان عام 1989م ومحاولة اغتيال مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين في باكو عاصمة أذربيجان عام 2012م وغير ذلك من عشرات حوادث الاعتداء على السفارات والدبلوماسيين الأجانب.

القتل المعنوي

ولم يكن الاغتيال الجسدي وحده هو وسيلة الملالي لفرض السيطرة على الشعب الإيراني بل لجأ الملالي أيضا إلى القتل المعنوي كوسيلة للتعامل مع الرفقاء الذين تجرؤوا يوما على أن يتخذوا مواقف أو يتبنوا آراء تختلف عن تلك التي يجب أن يلتزموها.

وقد طال هذا السلوك السياسيين والعلماء والفنانين وحتى المعممين من علماء الدين الشيعة، بل وأحيانا مَن هم برتب علمية أعلى من خامنئي نفسه، والذين تعرض بعضهم بالفعل لاغتيال جسدي فيما تعرض آخرون لاغتيال معنوي حيث فُرضت عليهم الإقامة الجبرية فمنهم من مات ومنهم من بقي في السجن حتى اللحظة مثل المرجع كاظمي بروجردي الذي مضى عليه ثماني سنوات في السجن ومورس ضده أنواع التعذيب النفسي والجسدي بوضعه في الزنزانات الانفرادية ومنع الدواء والعلاج عنه مما تسبب له بالعديد من الأمراض فيما منع من حضور دفن والدته التي توفيت كمدا عليه([6]).

ويبرز من السياسيين الذين هم أبناء المؤسسة الحاكمة في إيران وإن حُسبا على ما يسمى بالتيار الإصلاحي كل من مير حسين موسوي ومهدي كروبي، اللذين يخضعان للإقامة الجبرية منذ ست سنوات عقابا لهما على تشكيكهما بنتائج الانتخابات التي خاضاها ضد أحمدي نجاد عام 2009 ومشاركتهما في الاحتجاجات على خلفية هذه الانتخابات، وهي العقوبة التي اعتبرها البعض رأفة بهما إذ كان يمكن أن يعدما بتهمة الفتنة.

وبالطبع فإن ما تعرض له موسوي وزوجته “زوجته زهراء رهنورد” ومهدي كروبي هو شكل من أشكال الاغتيال المعنوي إذ توارد أن شرط النظام الإيراني لكي يرفع عنهما الإقامة الجبرية هو إعلانهما صراحة الانسحاب من الحياة السياسية، وهو ما يعني الخيار بين استمرار حبسهما حتى الموت أو نهايتهما سياسيا.

ومن النماذج البارزة أيضا للاغتيال المعنوي المعمم حسين علي منتظري والذي كان قد تم انتخابه نائبا للولي الفقيه بعد الثورة ولكن تم عزله بسبب معارضته للإعدامات في إيران عام 1988 فظل مهمشا حتى حُكم عليه في عام 1999 بالإقامة الجبرية في منزله بمدينة قم وذلك بسبب نقده اللاذع للمرشد الحالي إلى أن رفعت عنه بعد خمسة أعوام.

القتل خارج الحدود

منذ اللحظة الأولى لانتصارها لم يتردد قادة الثورة الإيرانية في الإعلان عن رغبتهم في تحقيق ما أسموه بتصدير الثورة، ومن ثم فإن مشروع هذه الثورة ليس مشروعا استبداديا فحسب وإنما هو أيضا مشروع توسعي، وهو الأمر الذي دفعها إلى أن تتخذ حزمة من الإجراءات تتجاوز حدودها فشملت هذه الإجراءات أيضا آلتها الدموية وقرارات الاغتيال السياسي التي استهدفت الكثيرين سواء من الإيرانيين المقيمين خارج إيران والذين باتوا وفق تصور قادة الثورة يمثلون خطرا على الثورة بنشاطهم وجهدهم لفضح الانتهاكات وواقع الأوضاع في إيران أو من غير الإيرانيين الذين يمثلون للثورة عقبات لتحقيق التمدد أو نشر أفكار الملالي الجديدة.

ومن النماذج الإيرانية التي تعرضت للاغتيال في الخارج يبرز الدكتور كاظم رجوي شقيق مسعود رجوي زعيم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، والذي تم اغتياله بتوجيه من الرئيس رفسنجاني في سويسرا عام 1990 وبفتوى صادرة عن الخميني عام 1986م، وكذلك ممثل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في روما محمد حسين نقدي، الذي كان قبل الالتحاق بالمقاومة سفير إيران في إيطاليا حيث تم اغتياله بعد الدكتور كاظم بثلاثة أعوام.

وفي عام 1996 تم اغتيال السيدة زهراء رجبي، القيادية في حركة مجاهدي خلق في اسطنبول، هذا بالإضافة إلى العشرات من أعضاء حركة مجاهدي خلق الذين تم اغتيالهم في العراق وباكستان وتركيا.

وفي تصريحات لزعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي نشر في تقرير أعده موقع “إيران بلا أقنعة” أكدت رجوي أن الاستخبارات الإيرانية بين عامي 1987 و1993 اغتالت معارضين في المدن التالية: دبي، هامبورغ، فيينا، جنيف، لندن، لارنكا، باريس، برلين، روما، كما أن التحريات التي أجرتها الأجهزة الأمنية في تلك الدول كشفت عن وجود آثار مشابهة في عدة حالات.

ولا يمكن هنا تجاهل ما تعرض له عناصر منظمة مجاهدي خلق المقيمين في العراق، والذين كانوا يقيمون في مخيم أشرف حيث بدأ مسلسل التنكيل بهم منذ عام 2009 إلى أن تم ترحيلهم عن العراق.

كما طالت قرارات الاغتيال السياسي أيضا شابور بختيار والذي تولى رئاسة وزراء إيران في 4 يناير 1979 وحتى 5 فبراير 1979 ليكون آخر رئيس وزراء قبل ثورة الخميني، غير أنه وبعد قيام الثورة هرب إلى باريس ليشكل في منفاه جبهة المقاومة الوطنية في إيران (NAMIR) المعارضة لنظام الملالي فتم آنذاك اغتياله من قبل حرس الثورة الإيراني.

ومن أشهر الاغتيالات التي نفذت بحق المعارضين الإيرانيين خارج البلاد تلك التي طالت الزعيمين الكرديين الإيرانيين عبدالرحمن قاسملو في النمسا، وصادق شرفكندي واثنين من رفاقه في برلين بألمانيا حيث أكّدت صحيفة (إلموندو) الإسبانية عام 2005م ونقلاً عن صحفي إيراني كان على صلة بجهاز المخابرات الإيراني وهرب إلى فرنسا أن الرئيس أحمدي نجاد متورط في اغتيال القيادات الكردية الإيرانية عام 1989 في فيينا.

وتعد المحاولة الفاشلة لاغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح عام 1985 هي المحاولة الأشهر للاغتيال السياسي بقرار من السلطة الإيرانية لشخصية غير إيرانية والتي تمت عندما كان الشيخ جابر الأحمد في طريقه للذهاب إلى مكتبه في قصر السيف عن طريق سيارة مفخخة غير أنه نجا منها فيما قُتل في تلك العملية اثنان من مرافقيه.

ويرى البعض أن هذه المحاولة التي نفذها عضو حزب الدعوة الإسلامية العراقي “جمال جعفر علي الإبراهيمي” والمعروف باسم “أبو مهدي المهندس” جاءت على خلفية موقف الكويت من حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق حيث أيدت الكويت العراق في الحرب.

[1]- http://cutt.us/3hl5

[2]- http://cutt.us/g0hvu

[3]- http://cutt.us/KxaVF

[4]- http://akhbar-alkhaleej.com/news/article/1048306

[5]- http://cutt.us/yZJhH

[6]- http://elaph.com/Web/opinion/2015/1/976067.html

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب