اعداد : د. ايلاف راجح هادي – د. حسين احمد دخيل
الملخص:
عند التطرق لموضوع الاعتدال السياسي بوصفه سلوك فردي ام جماعي سواءا على المستوى الخاص ام العام، نجد من الضرورة البحث في الاطار الفلسفي لهذا المفهوم. و على هذا الأساس، ستركز هذه الورقة البحثية على نظريات المفكر الامريكي جون رولز والذي ناقش هذا المفهوم في اكثر من منجز علمي ومنها كتابه الليبرالية السياسية “Political Liberalism” وكتاب قانون الشعوب “Law of Peoples”. ينطلق جون رولز من فكرة رئيسة مفادها ان الاعتدال السياسي للفرد يتأتى من قدرته على التفكير بعقلانية تجاه التجمعات الاجتماعية الاخرى التي تشاركه البيئة السياسية. كما ان هذا الأمر ينطبق ايضاً على طبيعة التفاعلات السياسية في المجتمع الدولي. يرى رولز ان على الوحدة التفاعلية (فرد ام دولة) تعظيم المصلحة العامة في سلوكها التفاعلي مع الوحدات المجتمعية الاخرى.
الا ان الاعتدال في الوقت ذاته يجب ان يحقق مصلحة الفرد كأساس للثقة التي تعزز التعاون بين الوحدات التفاعلية المختلفة. وهنا، على الوحدة التفاعلية ان لا تتنازل عن حقوقها الاساسية وان لا تغالي او تسرف في المطالبة بهذه الحقوق. ومن هذه الأرضية التفاعلية تتحقق مصالح الجميع وتتعظم الفائدة العامة على المجتمع ككل. يرى رولز ان عامل الثقة بين الوحدات التفاعلية المختلفة يعد من اهم العوامل التي تعزز التعاون من خلال “المعاملة بالمثل”.
اهمية البحث :
يعد هذا البحث الأول من نوعه بوصفه محاولة لتطبيق نظرية جون رولز حول “الليبرالية السياسية.” إذ لا يدخر الباحث جهداً في البحث عن مسار العملية الديمقراطية في العراق بعد 2003، و علاقتها بالتوجهات العامة للفرد في سلوكه السياسي و خياراته الإنتخابية على وجه الخصوص. كما يسلط هذا البحث الضوء على مكامن الخلل في التجربة الديمقراطية العراقية و مدى قدرة الأحزاب السياسية على فهم و تطبيق نموذج جون رولز لليبرالية السياسية الذي يدعو إلى ضمان العدالة الإجتماعية بالدرجة الأساس.
فرضية البحث :
ينطلق البحث من فرضية مفادها (يعد كلٌ من الاعتدال والعقلانية صمام امان للإستقرار المجتمعي والذي يصعب تحقيقه دون توفير عوامل داعمة اخرى مثل ضمان العدالة الإجتماعية وفقاً لمبدئي الإنصاف في الحقوق وتكافوء الفرص).
أشكالية البحث:
تجنح الأنظمة الدستورية في المجتمعات المتعددة الثقافات وذات الهويات الفرعية الى وضع الأطر السياسية والتشريعية الضامنة لتحقق الإستقرار السياسي والتعايش السلمي، ولكن الإستقرار السياسي والتعايش السلمي لايتحققا بدون تحقق مقوم المواطنة كثقافة عامة اولا وكممارسات واقعية ثانياً، ومن دون ضمان العدالة الإجتماعية والإنصاف، ما افتقرت له تجارب عده ومنها التجربة العراقية بعد 2003. فضلاً عن إن نظرية جون رولز حول الإعتدال السياسي تحتاج الى نظام ديمقراطي يشجع الثقافة اللليبرالية من جهة، و يحقق حالة من التوازن في سلوك الفرد بين الفردانية و المصلحة العامة.
هيكلية البحث :
يتضمن البحث دراسة المحاور الاتية: نظرية جون رولز حول الليبرالية السياسية واثرها على الإعتدال السياسي سواءاً في البيئة الداخلية لدولة ما او في المجتمع الدولي بوصفها بيئة تفاعلية واحدة. وكذلك تجربة الإعتدال السياسي في العراق منذ 2003. ومن ثم يخلص البحث الى
الاستنتاجات واهم التوصيات.
الليبرالية السياسية في فكر جون رولز:
يرى رولز ان الليبرالية السياسية هي العمود الرئيس والمهم لتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمعات المتعددة الثقافات والهويات الفرعية. الهدف الرئيس لليبرالية السياسية يتمثل في تكوين مواطن/فرد معتدل يحترم التعددية بوصفها ميزة مهيمنة في الثقافة العامة. فالتعددية ركن مهم لترسيخ ثقافة التعايش بين المفاهيم المتنوعة للعدالة.
ومن هذا المنطلق فإن الشغل الشاغل للمؤسسات العامة يجب ان يكون في سبيل تعزيز فهم مشترك للمصلحة العامة.[1] و من هنا، قد يثار عدد من التساؤلات حول شرعية السلطة وعلاقتها بالدافع العام او السببية العامة Public Reason.
و في ظل هذه العلاقة يشير رولز الى وجود نقطتين مهمتين في الليبرالية السياسية:
تساؤلات حول الأسس الدستورية لليبرالية السياسية.
القيم السياسية يجب ان تتجاوز جميع القيم الأخرى والتي قد تتقاطع معها في الحياة السياسية العامة.
في العدالة والإنصاف، يعتقد رولز ان السببية العامة لا تشتمل فقط على الإستخدام الأمثل لمفاهيم العدالة ولكن أيضاً على أخلاقيات وفضائل اخرى مثل الإعتدال والإنصاف. ويُضيف إن السببية العامة يجب أن تكون حجر الأساس لأي ثقافة عابرة للهويات, والتي يطلق عليها رولز (Overlapping Consensus) أي الإدراك المتداخل للواقع المجتمعي.
يعتمد هذا الإدراك المتداخل على عاملين: الأول, التعددية المعتدلة والتي تتكون من حالة مثالية يتعايش فيها مجموعة مختلفة من النظريات الشاملة (Comprehensive Doctrines) كالأديان والطوائف المختلفة بل وحتى الاديولوجيات السياسية. العامل الثاني، المفهوم العام للعدالة يجب أن يكون عام اي يتمتع بصفتين مستقل وحيادي من تأثيرات اي نظرية شاملة. بهذا الصدد، يرى رولز الديمقراطية الدستورية هي الضمان الوحيد لحيادية تطبيق مفهوم العدالة كالإنصاف.
لذلك، يتسائل رولز: ما مدى ترابط الإدراك المجتمعي للمواطن مع انتمائه الديني؟ يعتقد رولز ان من أكثر الإنتقادات أهمية التي وجهت لنظريته حول الليبرالية السياسية ان الفرد لن يتمكن من أن يفصل تفاعله المجتمعي من إنتمائه الديني، لهذا السبب يرى رولز ان الحل يكمن في خطوتين مهمتين: الأولى تتعلق بالشرعية الدستورية التي من خلال تطبيقها ستشكل إدراكاً مجتمعياً عابراً للهوية. العامل الثاني يخرج من رحم تطبيق العامل الأول، إذ ان الشرعية الدستورية يجب أن تضمن وجود حالة من العدالة الإجتماعية. وهنا، إذا ما شعر الفرد بأنه متساوي في الحصول على حقوقه السياسية والإقتصادية وانه قادر على حفظ هويته الفرعية في ظل نظام دستوري فإنه تدريجياً سيدعم فكرة الإدراك المتداخل الذي يؤمن بالسبب السياسي كأساس لإختيارات الفرد في الإنتخابات. فالمفهوم السياسي ممكن أن يكون نابع من الإطار الايديولوجي الشامل الذي يؤمن به الفرد بصورة عامة الا انه لن يكون جزءاً أو إستمراراً لهذا الإطار الايديولوجي الشامل. ان تحقيق هذه الحالة من التفاهم حول المفهوم السياسي للعدالة لن يتحقق من دون إتفاق سياسي عام والذي قد يأخذ أشكالاً متعددة من أهمها العقد الإجتماعي والذي يتمثل بالدستور الذي يساهم في إيجاده الشعب بصورة مباشرة. إن هذا الإتفاق سيضمن للفرد والمجتمع من مختلف المكونات الفرعية ارضية مشتركة للتعاون والإحترام المتبادل. من خلال هذا التعاون المشترك يبدء الفرد بتثبيت مبادئ العدالة الدستورية دون أن يربط نشاطه السياسي مع إنتمائاته العقائدية. و من خلال هذه البيئة من التعاون تتعضد أواصر الإدراك الدستوري في الثقافة السياسية لاسيما من خلال: التعددية المعتدلة [2]، و السببية العامة (الدافع العام) التي تعتمد على مباديء العدالة في تطبيقاتها المجتمعية.
هنا يبرز سؤال آخر: كيف ننتقل من الإدراك او الوعي الدستوري الى الوعي المجتمعي المتداخل؟ تتصدر السببية العامة هذه المهمة. وهنا، تنتقل المسؤولية لضمان الإستقرار السياسي من المؤسسات السياسية الى القوى المجتمعية.
وبهذا الصدد، يناقش رولز بالآتي:
“تطور المكونات المجتمعية التطبيقات السياسية وفقاً للآلية التي يتمكنون من خلالها من تفسير و تبرير سلوكياتهم تجاه المجتمع، و من الطبيعي هنا ان تتشكل الأغلبية السياسية.”[3]
قد يعترض البعض على هذا النص بالقول ان رولز يناقض قوله السابق حول السببية العامة التي تضمن حقوق الفرد والمجتمع على حد سواء على الرغم من الإختلافات العقائدية. و يجيب رولز هنا، ان السبيل لضمان بيئة سياسية عادلة تجاه الجميع، يجب ان تتحلى الأغلبية بالإعتدال، كما يجب أن تتشكل على أساس سياسي مدني وليس عقائدي ديني. ويضيف ان الاغلبية السياسية لكي تنجح يجب ان تحمي تفسير عام جماعي للعدالة والصالح العام. فالسببية العامة يجب أن تكون الأرضية التي ينطلق منها الفرد في خياراته وسلوكياته السياسية. فالسبب العام يجب ان يتحلى بالصفات الآتية: سياسي، معتدل، و حيادي. والسبب العام هو حالة من التوازن التي يصل اليها الفرد في تفضيلاته المتكررة بين عقيدته الشاملة وحدود المصلحة الخاصة. فالسببية العامة وان كانت عامة كصفة اساسية لها، الا ان اساسها يجب ان يكون سياسي ولا يهمل او يلغي الهوية الفرعية التي يحرص الفرد على حمايتها. ولابد للسبب العام ان يكون محدوداً بالوقت ذاته من أجل ضمان الحقوق الخاصة للفرد والمصلحة العامة للمجتمع. ان واقعية الليبرالية السياسية تحتم عليها التركيز على الفرد و ليس على الجماعة. اذا ما وجد الفرد بان حقوقه مضمونة في ظل اطار نظام سياسي دستوري عادل فلن يجد الحاجة الى تعظيم دور عقيدته الخاصة في نشاطه السياسي. فالعدالة المجتمعية هي الأساس الذي تنطلق منه الليبرالية السياسية لضمان الإستقرار السياسي. فالسلطة السياسية يجب ان تكون شرعية و تعبر عن سلطة مجتمع من الأفراد الأحرار والمتساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات. وهنا يعود رولز مرة أخرى للتأكيد على السلطة بصفتها تعبير عن حالة مجتمعية معتدلة في ظل نظام دستوري. فالعلاقة بين المجتمع والسلطة يجب ان تكون من (الأسفل الى الأعلى) والتي تكون فيها قوة المجتمع، بصفته تجمع لأفراد او مواطنين معتدلين أحرار، هي المحرك الرئيس للتفاعل السياسي.
و يُجيب رولز على نفسه بالقول ان السببية العامة قد تلاقي عدد من الصعوبات منها:
ان السببية العامة قد تطرح اكثر من حل معتدل لقضية سياسية معينة في الوقت ذاته، لذلك قد تخلق حالة من التنافس او الصراع السياسي بين القوى المجتمعية او السياسية المختلفة.
تعتمد السببية العامة على الفرد بحد ذاته. هذا الفرد قد لا يتمكن من ضمان الحيادية في خياراته السياسية.
العائق الثالث هو قدرة السلطة على متابعة وتنفيذ مسألة سياسية معينة وفقاً للسببية العامة دون التأثر بخيارات الأغلبية السياسية.
من خلال استعراض هذه الصعوبات يتيح للقاريء تمييز مسألة مهمة مفادها ان الليبرالية السياسية لن تتمكن من تخطي عائق الأغلبية السياسية والتي قد تشرك عقيدتها الشاملة في عملية صنع القرار السياسي. لذلك فان الواقع السياسي يفرض على الأغلبية السياسية ان تركز على الفرد ليكون هو حجر الأساس لتحقيق المصلحة العامة. ولتحقيق هذا الهدف، ثلاثة عوامل يجب ان تُحترم:
المفهوم الجماعي للمصلحة العامة.
احترام الذات للفرد ورغبته في عرض نفسه كعنصر فاعل متعاون في المجتمع.
الإتحاد الإجتماعي للوحدات المجتمعية المختلفة.
يمنح هذا الإتحاد (المجتمع الديمقراطي) للمواطنين القدرة على المشاركة والتنسيق في النشاطات المتنوعة، الأمر الذي سيعزز الثقة المتبادلة بين جميع المكونات المجتمعية. يحترم هذه الإتحاد ثلاثة اسس: الإعتدال، الإستقرار والشرعية. إذا ما تحققت هذه الشروط الثلاثة تنتقل الليبرالية السياسية من الوعي المجتمعي المتداخل الى مرحلة جديدة هي التبرير التوعوي للتعاون السياسي و غرزه في منطلقاتهم العقائدية الأساسية. وهنا تعمل الليبرالية السياسية على المساحة الداخلية لفكر ووعي الفرد من جهة، والوعي المشترك لمجموعة معينة بهدف تبرير التعاون مع المجاميع الاخرى لتعزيز الإستقرار السياسي من خلال تعضيد التعاون المتبادل القائم على فكرة المساواة في الحقوق الدستورية من جهة اخرى. بإختصار ان عملية التنشأة الضرورية للفرد المعتدل تتطلب الآتي:
ضمان المساواة والرغبة في التعاون.
على الفرد ان يتمتع بآلية منصفة لتقييم سلوكياته السياسية. تُدعى بـ”عبء التقييم”.
التسامح المعتدل.
لماذا ركز رولز على هذه المفردات؟ بإختصار، يرى رولز ان الليبرالية السياسية بدون فرد معتدل ستؤدي الى ثقافة شاملة جديدة وان كانت مبنية على اساس سياسي. لذلك نعتقد انه من الأفضل العمل لتأسيس ثقافة سياسية تسامحية معتدلة قادرة على استيعاب الخلفيات العقائدية الاخرى لضمان مشاركة شعبية اوسع في النشاط السياسي العام. الا ان هذه المشاركة يجب ان تكون عقلانية ومعتدلة تبحث على اواصر التعاون وتعززها من اجل بناء مجتمع متمدن ومستقر.
لن تكتمل هذه العملية دون مؤسسات دستورية فاعلة تحترم الشرعية وتعزز من ثقة الفرد بالنظام السياسي الذي يحقق العدالة الاجتماعية. لذلك يجب ان يشعر الأفراد بإنتمائهم الحقيقي للدولة الامر الذي سيساعدهم في الإنخراط والإنصهار في هوية وطنية واحدة.[4] لذلك عمد رولز الى تحديث السببية العامة في كتابه قانون الشعوب Law of Peoples. اذ اضاف “السبب العام النموذجي او الأمثل”. هذا النموذج يفرض على المسؤولين في النظام السياسي ممن يتبؤون مناصب تنفيذية، تشريعية او قضائية او حتى من المرشحين لهذه المناصب من اتباع السبب العام في سلوكهم السياسي العام تجاه المجتمع. في هذه الحالة فإن المواطن العادي ليس في منأى عن السبب العام المثالي بل هو في قلب عملية التأسيس لهذا النموذج. فالمواطن العادي هو الأساس الذي تعتمد عليه عملية اختيار المرشح لمنصب سياسي معين، كما يجب ان يحرص المواطن العادي على اختيار اشخاص قادرون على حفظ التعاون الجماعي ومراقبة المسؤولين لضمان العدالة الإجتماعية والتطبيقات الصائبة للإجراءات الدستورية. لذلك فإن عملية إنشاء مجتمع معتدل تعتمد على ثلاثة أعمدة رئيسة: مؤسسات دستورية، ثقافة معتدلة، والرغبة الحقيقية للإلتزام بأخلاقيات السياسة تجاه العدالة. و من هنا تبرز الحاجة الى تطبيق التسامح المعتدل الذي يحترم الشرعية والعدالة لضمان المصلحة العامة. لماذا التسامح المعتدل؟ وذلك لضمان اغلبية سياسية قادرة على استيعاب جميع الأقليات دون فرض ثقافة شاملة على الجميع من خلال استغلال السلطة.
وهذه العملية ذات اتجاهين: الاول يضمن حكومة شرعية معتدلة تجاه الجميع، ودستورية في سلوكياتها العامة. الإتجاه الثاني يرتبط بوجود ثقافة جماعية معتدلة تحترم التعددية وتسعى للتعاون ولضمان العدالة.
لذلك فإن الديمقراطية هي الإطار المؤسساتي التي تنشط من خلاله السببية العامة كإجماع اخلاقي للعلاقة بين السلطة والشرعية. الا ان السببية العامة لا تكون موضوعاً للخلفيات العقائدية الشاملة (الدين مثلاً). كما لاتتطلب تغييراً في هذه العقائد. بل تتطلب تغييراً في طبيعة سلوكيات الأفراد في التعبير عن هويتهم التي تندرج من هذه العقائد. و بما انه الليبرالية السياسية تحترم التعددية والتسامح في المجتمع الواحد لذلك فإن السببية العامة لاتهمل دور العقيدة الشاملة في الحياة المجتمعية بل تطلب من الأفراد ان يكونوا عقلانيين ومعتدلين في التعبير عن هوياتهم الفرعية وعقائدهم في الساحة العامة من التفاعل السياسي والمجتمعي. لذلك فإن الليبرالية السياسية ترى في العدالة والإنصاف المحركان الرئيسان لخلق ثقافة معتدلة تحترم الأخر وتحفز الفرد للتعاون وفقاً لإحساسه المسؤول تجاه الواجب المدني. وبما ان الليبرالية السياسية تحترم وجود ودور العقيدة الشاملة ومنها الدين فإن رولز يرى بأن “السببية العامة”، التي تعد حجر الأساس لنظريته، هي ليست علمانية في طبيعتها بل يجب ان تكون حيادية تجاه جميع الاديولوجيات والعقائد بما فيها العلمانية.[5] بهذا الصدد، يؤكد سيباستيانو مافيتوني في كتابه مدخل لرولز “Introduction to Rawls” على ان الشرعية تعد اهم مبدأ في الليبرالية السياسية والتي تضمن ليس فقط تطبيق العدالة وإنما مفهوم العدالة بحد ذاتها.
كذلك يذهب مافيتوني للتأكيد على ان تحديد مفهوم العدالة يعتمد على: تطبيق نظرية العدالة الإجتماعية من جهة، والتطبيقات السياسة التي تجعل الإمتياز للواقع السياسي وللتعددية من جهة اخرى.[6] بينما يرى رولز ان الفرد بصفته فاعل اخلاقي يجب ان يتمتع بقوتان ادبيتان: منطلق المصلحة العامة، والشعور بالعدالة. الا ان شعور الفرد بالعدالة بوصفها دافعاً لتحقيق التعاون ينبع من عقيدته الشاملة التي يؤمن بها والتي تعد الأساس الفكري التي ينطلق منها لتحقيق المصلحة العامة. لذلك فإن الواقع السياسي والإجتماعي سيعطي للأغلبية الفرصة لتفسير ورسم مفهوم العدالة وفقاً لعقيدتهم. لذلك يختلف مافيتوني مع رولز بقوله ان الليبرالية السياسية يجب ان تستند على مفهود موثوق وقوي للشرعية يستند في الأساس على قدرة المؤسسات لتطبيق مفهوم المساواة و العدالة.
من وجهة نظرنا، نرى ان العدالة والشرعية هما وجهان متساويان في الأهمية لعملية الليبرالية السياسية التي تسعى لإحترام التعددية دون فرض القوة. ولتحقيق ذلك تبرز الحاجة الى الوعي الجماعي العابر للهويات الفرعية والداعم للمؤسسات الدستورية العادلة. وتعد هذه العملية طوعية دون الحاجة لإستخدام القوة الخاضعة للسلطة الشرعية والتي قد تكون شرعيتها مثار تساؤل حال فرضها لمفهوم معين للعدالة يتقاطع مع مصالح القوة المجتمعية. وفي الوقت ذاته على القوى المجتمعية او الفرد الذي ينتمي اليها إحترام التعددية المعتدلة لقبول وتبرير اخلاقيات مؤسساتية مشتركة تؤكد على اولوية الواجب المدني تجاه الإتحاد المجتمعي العام.
من خلال هذا الجدل، يبرز سؤال مهم: كيف تنشأ مؤسسات حيادية، وفقاً لمفهوم رولز، إذا ما تم بناء الوعي الجماعي على عقيدة ما؟ الجواب واضح، ان تغليب عقيدة ما ومنحها صفة العمومية ضمن السببية العامة سيدفع بالأفراد الى إتخاذ هوياتهم الفرعية او عقائدهم مبرراً لسلوكهم السياسي الطائفي غير المسؤول وغير المعتدل. لذلك فان مافيتوني يرى بان السبب العام هو طريق للتبرير وليس أساس للشرعية التي يقوم عليها الاستقرار السياسي. ولهذا السبب، يقترح فض الإشتباك بين السبب العام (العبء المجتمعي) والسبب العلماني. وعلى هذا الأساس، فإن المسؤولين غير مطالبين لكي يكونوا علمانيين بينما على المؤسسات يجب أن تكون حيادية.[7] في هذا السياق، يؤكد هابيرماس على ان المقيدات الدستورية والمعايير القانونية هي التي تحدد مسار التسامح في السياق الرسمي من أجل كسر نمطية خطر هيمنة ثقافة الأغلبية.[8] على هذا الأساس، يعد كلاً من التيار الديني او العلماني خطراً على الحيادية السياسية وبذلك تعيق عمل المؤسسات الرسمية وقدرتها على احترام مبدء التعددية. تتكفل العدالة المدنية في ضمان الحيادية من خلال عدالة التوزيع، تساوي الفرص واحترام الحقوق الثقافية للأفراد.
اطلالة الليبرالية السياسية على التجربة السياسية العراقية ما بعد 2003
من خلال ما تقدم، لو اسقطنا نظرية رولز حول الليبرالية السياسية سنجد ان اكثر المشاكل في العراق ما بعد 2003 هي مشاكل سياسية أخذت منحى مجتمعي عندما تصارعت القوى المجتمعية حول احقية تفسير وتصميم المفهوم السياسي للعدالة، فضلاً عن صراع طال الشرعية. تغذى هذا الصراع بتآكل الثقة بين المكونات المجتمعية العراقية. وتسارعت عملية فقدان الثقة بسبب تصدء التسامح السياسي على أثر الصراع المجتمعي على المكاسب السياسية لإنعدام الواعز الجماعي للتعاون الذي أسماه رولز Burden Of Judgment. هذا الواعز الأخلاقي الطوعي هو الذي يدفع الفرد للإنخراط الفردي للمشاركة في اتحاد المكونات المجتمعية.
ما حدث في العراق، ان اغلب المكونات المجتمعية انحسرت على ذاتها وحصنت نفسها من خلال عسكرة المجتمع. تعسكر المجتمع وإنقلب على ذاته المدنية بسبب زعزعة ثقة الفرد بالمؤسسات الحكومية وقدرتها على توفير بيئة عادلة تتساوي فيها فرص الجميع. هنا، استبدلت العدالة المتبادلة او المتماثلة بالعنف المتضاد.
من وجهة نظرنا، نرى ان المشكلة في السلوك السياسي العراقي تقع في الثقافة السياسية التي تحرم الفرد من فرصة تقييم سلوكياته تجاه الآخر في بيئته المجتمعية، وعلى هذا الأساس فإن الفرد العراقي لا يبحث عن فرص لقاء المصالح بل يركز على المصالح الفئوية الضيقة التي من وجهة نظره ستؤمن له مصالحهِ المباشرة. اذ لاتوجد ثقافة سياسية جمعية بالغرض الذي يبحث عنه رولز، وعوضاً عنها وجدت ثقافات سياسية فرعية انبثقت من العقيدة الشاملة لكل مكون اجتماعي. من وجهة نظر ويتمان فإن النظرة الواسعة للثقافة السياسية تعتمد على قيمة المعرفة السياسية العامة.[9] بهذا الصدد، فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 على تكوين وعي مجتمعي عابر للهويات الفرعية يحترم التسامح والتعددية. كما فشل الوعي الجماعي في تبني مبدئي العدالة والإنصاف كأرضية مشتركة لإيجاد مبرر سياسي مشترك للتعاون.
بالمقابل ان سبب فشل نموذج الليبرالية السياسية في العراق بعد 2003 قد يرتبط بصورة مباشرة بالرفض المجتمعي للعلمانية. إذ يجد حامد حجي حيدر ان السبب العام وفقاً لرولز هو سبب علماني وليس محايد، وبهذا هو يتعارض مع مافيتوني بهذه النقطة. قد يتفق البعض مع ما جاء به حيدر كون الساحة السياسية العراقية قد شهدت نقاش حاد تجاه العلمانية. الا ان الأسباب الرئيسة لفشل الليبرالية السياسية قد ترتبط بضعف فرصة العدالة الإجتماعية والإقتصادية في العراق، فضلاً عن تمسك الأفراد بعقائدهم (طوائفهم) كمحرك رئيس لفهمهم الثقافي وواعز فعال لسلوكهم السياسي. وهنا يرى ديمبروفسكي ان احترام حرية الفكر والعقيدة الدينية تتيح للفرد التمسك بعقيدته الا ان الأهم هو ان يربط الفرد عقيدته هذه بمبدأ آخر هو الواعز الأخلاقي لبناء منظومة عادلة تدعو للتعاون.[10] ان اختلاف الفرص، وفقاً لديمبروفسكي، هو نتيجة طبيعة لإختلاف الظروف المجتمعية التي يمر بها الفرد الا ان العدالة في الحصول على الفرصة بحد ذاتها يجب أن يكون حق مضمون للجميع على قدم المساواة لا التفضيل على اساس الإنتماء العقائدي. ولن يتحقق هذا الأمر الا من خلال العقلانية والإعتدال التي يجب ان تتحلى بها المؤسسات الرسمية بوصفهما مقومات أخلاقية يجب زرعها في فكر المواطن لكي يشعر بكونه عنصر فاعل في منظومة عادلة. ومن ثم يبدء في الدفاع عنها وحمايتها من التدخلات غير الشرعية من بعض القوى المجتمعية ولاسيما الأغلبية.
في هذه النقطة، انتقد الكثيرون السلوك السياسي في العراق لاسيما الحكومي منه والذي يراه البعض بأنه سلوك طائفي غير منصف وعنيف تجاه بعض المكونات المجتمعية. الا ان حقيقة الأمر تقتضي منا التنويه الا ان السلوك السياسي في العراق لم يحترم التعددية ولا نقصد هنا فقط السلوك الحكومي بل وحتى الشعبي او الفردي. وهنا تبرز لنا مشكلة غياب الإتفاق على اولوية الحق على الإنتماء الفرعي. فالمشكلة في العراق معقدة و متشعبة، ولايمكننا توجيه اللوّم لجهة دون اخرى. وفي هذه الحالة، يُفضل الحديث عن إخفاقات مؤسساتية واضحة في مختلف المجالات.
على سبيل المثال، فشلت مجالس المحافظات من تحقيق الإزدهار والعدالة في مناطق سلطتها على الرغم من انها قد انتخبت من قبل أبناء المحافظة ذاتهم الا ان الاساس الذي استند عليه الناخب في اختيار مرشحه المفضل لم يكن معتدلاً او صائباً من وجهة نظر سياسية. بعبارة اخرى، لم يحرص الناخب على اختيار الأمثل القادر على ضمان العدالة الإجتماعية بل ذهب الى انتخاب من يعتقد انه سيوفر له فرصة جيدة لتحقيق مصلحته المباشرة.
من جملة انتقاداتنا لنموذج رولز يمكن ادراجها كالآتي:
ان ضعفه يكمن في قوته. رولز يؤكد على ان الاولوية يجب ان تمنح لمهمة بناء مؤسسات دستورية عادلة. الا انه اهمل الإجابة على سؤال مهم وهو من سيتبنى مهمة بناء هذه المؤسسات في المقام الأول. على الرغم من انه حاول أن يجيب من خلال تأكيده على ان الثقافة المعتدلة الجماعية ستكون نتاج للتوظيف الأمثل للنظام الدستوري. اودارد تجيب على هذا السؤال من خلال تأكيدها على عاملين مهمين[11]:
الإستقلالية السياسية.
الوعي الدستوري.
كلا العاملين لم يتوثقا في العراق، حيث ان الإستقلالية السياسية تتطلب إدراكاً شاملاً للحرية في السلوك السياسي. بينما في المقابل، فإن الفرد العراقي لا يستطيع ان يرى نفسه خارج إطار السلطة السياسية او الدينية. كما ان محددات الحرية السياسية يمكن ان تكون طوعية او اجبارية من خلال قوة قسرية لإتباع سلوك سياسي معين وفي كلا الحالتين فإن الوعي الجماعي لن يرى النور، والسبب في ذلك ان الوعي الجماعي (العابر للهويات) يعتمد على قوتين: الإلتزام الأخلاقي لدى الفرد والإعتمادية المتبادلة للتعاون. ان الوعي الجماعي لن يتحقق من خلال التعاون فيما بين النخبة السياسية فقط وذلك للأسباب الآتية:
تُدار السلطة من قبل أفراد من المجتمع اتيحت لهم الفرصة ليكونوا في مناصب مهمة، وان هذه الفرصة قد تتاح لأفراد آخرين غيرهم.
ان القيم التي يعتمد عليها الوعي الجماعي غير محصورة بفئة دون اخرى.
ان قيم الوعي الجماعي تنتعش في الأوساط الديمقراطية والتي تعطي الأولوية للفرد وليس للسلطة.
2- من المشاكل الأخرى التي تعاني منها المؤسسات الدستورية ان المسؤولين غير قادرين على التمييز بين التزاماتهم الرسمية التي تناط بهم بسبب تقلدهم لمناصب معينة وبين التزاماتهم الخاصة بصفتهم أفراد في مكونات مجتمعية معينة. وبالضرورة فهم غير قادرين على ضمان حيادية واستقلالية المؤسسات التي يديرونها بل يتمادون في تسخيرها لمصالحهم الشخصية و الفئوية.
ان الدستور بحد ذاته في العراق هو مثار جدل و خلاف سياسي كبيرين.
ان المكونات المجتمعية في العراق انتقلت الى مكونات سياسية بفعل غياب الرغبة في تأسيس منظومة تفاعلية تدعو للتعاون من خلال صهر الهويات الفرعية في بوتقة الهوية الوطنية. وبذلك فان المكونات السياسية باشرت بنقل صراعها المجتمعي الى البيئة السياسية و لاسيما التشريعية منها وبالعكس، الأمر الذي ادى الى تعطيل كبير في الأداء المؤسسي وجعل الشرعية موضع شك.
ان السبب العام الذي يحرك السلوك السياسي الفردي خاضع لسلطة وإرادة المكون المجتمعي وليس الفرد بصورة حرة على الرغم ان الأفراد لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم او مصالحهم الشخصية.
منهجيتنا في محاورة هذا التساؤل تركز على مرحلة سياسية عاشها العراق بعد عام 2003. ولكن هذه المنهجية لن تقتصر على استعراض الأحداث السياسية وإنما ايضاً تناقش الإطار النظري الذي تطرق لمدى ملائمة المجتمع العراقي والنظريات السياسية الحديثة المتعلقة بفرص إزدهار الديمقراطية والليبرالية السياسية.
وبهذا الصدد، نود الإشارة الى طروحات السيد محمد محمد باقر الصدر في كتابه “فلسفتنا” والذي يؤكد على ان المجتمع ذو الأغلبية المسلمة ليس لديه مشكلة مع الليبرالية السياسية كمنهج سياسي الا ان الاعتراض يكمن في تعظيم مبدء الفردانية على حساب المصلحة العامة. فالفكر الاسلامي لا يتعارض والحرية الفكرية التي لا تتقاطع ومسلمات الدين. من وجهة نظره يعد الدين مفردة اساسية في بناء المقوم الأخلاقي الذي يحدد سلوك الفرد بالشكل الذي يعزز المصلحة العامة. فالفرد من وجهة نظره هو الوحدة الأساسية للتفاعل المجتمعي البنّاء وليس الفردانية المغلقة. فالدين من وجهة نظره يعد ركناً اساسياً في ترسيخ الواعز الأخلاقي في المنظومة الفكرية للفرد والمجتمع على حد سواء.
من خلال هذه الطروحات نجد ان الجدل حول الليبرالية السياسية في العراق يعاني من أزمة مفاهيمية مفادها ربط هذا المفهوم بالسببية العلمانية. فضلاً عن ذلك فإن مفهوم العلمانية يشوبه الكثير من الحذر والشك بسبب ارتباطه بالسياسات الغربية الإستشراقية المعادية للإسلام كما يعتقد الكثير من العراقيين.[12] ويؤكد محمد الهاشمي بقوله ان الليبرالية السياسية يمكن لها ان تتفق مع الدور السياسي للدين في حال ابتعاد الأولى عن العلمانية كون المفردتان تبحثان عن تعظيم دور الفرد في المجتمع وتحقيق مصلحته وان كان ذلك بآليات مختلفة. ومن هنا يمكننا ان نستنتج ان الليبرالية السياسية لا ضير لها من ان توظف العلمانية السياسية لضمان حيادية المؤسسات من الخطاب الديني شريطة ان لا يعارض هذا النوع من الليبرالية دور الدين في المجتمع. الا ان العكس هو ما يحدث في العراق من خلال توظيف المؤسسات الرسمية ومن بينها التشريعية للخطاب الديني في العملية التشريعية بالشكل الذي قد يراه البعض تهديداً لحقوق الأقليات. وان هذا الأمر سيشكل عملية تأثير متبادل ذات إتجاهين: من الأعلى للأسفل وبالعكس. اي ان تبني المؤسسات الرسمية لهوية او عقيدة معينة سيحث الأفراد لتعظيم رغبتهم على التمسك بهويتهم وعقيدتهم الخاصة في سلوكهم السياسي وبالضرورة فأن الليبرالية السياسية ستكون على المحك. وفي ظل هكذا عملية ستترسخ الطائفية والعقائدية في التفاعل المجتمعي مما يدفع الأحزاب السياسية لتبني صبغة دينية وعقائدية ستعيق بشكل او بآخر الإستقلالية السياسية للفرد سواء بشكل طوعي او قسري. وأن صيغة التفاعل هذه قد تدفع المجتمع نحو العسكرة او التصادم البيني بين وحداته. و بالضرورة سيكون المجتمع المدني في خطر كبير وسيعاني من الشلل من خلال عدم قدرته على مواجهة او معارضة السلطة المجتمعية او السياسية.
ان المشكلة في الليبرالية السياسية تكمن في أساسها النظري إذ انها تدعو الى الشرعية الدستورية الضامنة لتطبيق مبدئي العدالة والإنصاف عبر مؤسسات قوية، كما تكمن في ان التطبيق العملي سيُظهر لنا سيطرة الأغلبية المجتمعية على الحياة السياسية وفقاً للعملية الديمقراطية. الا ان رولز بالوقت ذاته، يطالب الأفراد بالتخلي عن جزء من حقوقهم كأغلبية تجاه أقرانهم المواطنين من الأقليات وفقاً لمبدأ الاعتدال السلوكي.
ولتحقيق الإعتدال، يؤكد عامر حسن فياض على اربعة عوامل ضرورية للفرد العراقي: الديمقراطية، الإستقرار الإقتصادي، مجتمع مدني فاعل والتنمية الفكرية. الا ان هذه العوامل لن تعطي اُكلها من دون تطبيق مبدأ العلمانية الوظيفية (السياسية) التي تفصل المؤسسات السياسية عن أي ضغوطات مجتمعية سواء من الأغلبية او الأقلية. ويضيف فياض ان ما حدث في العراق هو ان الليبرالية السياسية تعاني من مشكلتين رئيستين: ضعف في الثقافة السياسية العامة، خلل في المهارات السياسية للأفراد الذين تولوا مهمة ادارة المؤسسات، وضعف في المجتمع المدني. فلم يتمكنوا من فصل انتماءاتهم العقائدية عن سلطات مناصبهم.[13] ان هذه الإشكاليات تطرح سؤال آخر: هل ان الثقافة السياسية الحالية مهيئة للديمقراطية؟ الجواب قد لا يكون قطعي بنعم او لا. الا ان الجواب حتماً سيشير الى عدد من العوامل التي تلعب دوراً مهماً في تحديد مدى الفهم العام لشروط نجاح الديمقراطية بوصفها فكراً وتطبيقاً عملياً. ويمكن إدراج العوامل كالآتي:
الحرية الفكرية والعقلانية السلوكية. ويقسم فياض هذه الحرية الى نوعين: الحرية الداخلية التي تتعلق برغبة الفرد لكي يكون فاعل مجتمعي حر؛ والحرية الخارجية التي يعبر عنها الفرد من خلال سلوكه تجاه الآخرين.
مجتمع مدني فاعل.
الليبرالية الديمقراطية.
من خلال تحليل المسارات التي سلكتها هذه العوامل في المجتمع العراقي نجد ان ثقافة الشعب لا تختلف كثيراً عن ثقافة النخبة الحاكمة الأمر الذي يجعل المؤسسات الرسمية في حال فراغ تنموي.[14] فالثقافة السياسية هي التي تصيغ وتحرك إدراك الفرد وسلوكه تجاه العملية السياسية، كما انها في الوقت ذاته تعد ضامناً لتماسك العملية السياسية إذا ما حرصت على تحصين المؤسسات الديمقراطية الليبرالية.[15] من وجهة نظر فياض ان المشكلة لا تقع في الثقافة الموروثة بل في آلية فرض هذه الثقافة الأمر الذي يصعب على الفرد من تنقيحها او انتقادها كونها متصلة برمزية قد تأخذ صيغة مقدسة في بعض الأحيان. مع هذا فإن هذه الثقافة قد شهدت تحولاً متضارباً تجاه المشاركة في العملية السياسية. هذا التضارب جاء بين التصاعد والتثبيط بسبب الظروف السياسية والأمنية التي شهدها البلد. ولابد من الإشارة هنا الى مسألة مهمة قد أثرت على رغبة الفرد في المشاركة السياسية والتي تتعلق بالإنفتاح السياسي في عملية صنع القرار السياسي. فالفرد، وان كان يملك رغبة فعلية في التغيير، الا انه لا يستطيع تحريك هذه الرغبة وفقاً للآليات الدستورية المفترضة بسبب بعض المعوقات العملية في الحياة السياسية.[16] من هذه المعوقات تصاعد عملية عسكرة المجتمع تدفع بدور المجتمع المدني نحو هاوية الفشل والإضمحلال. بهذا الصدد يشير الخبراء الى بعض المؤشرات التي تؤدي بالتجربة الديمقراطية الى الفشل[17]:
العجز المؤسساتي.
عدم الإستقرار الأمني وتهديد الإرهاب.
التدخلات الخارجية بسبب تقاطع الإستراتيجيات للقوى الإقليمية والدولية.
عدم توفير الأرضية الفكرية لاحترام التنوع المجتمعي.
عدم القدرة على تحقيق العدالة الإجتماعية والإقتصادية.
نقص المهارة والشعور بالمسؤولية لدى الفواعل السياسية.
ولتعزيز فرصة الفرد في المشاركة السياسية وتوجيه عملية التغيير لصالح المصلحة العامة، تجدر الاشارة لبعض العوامل وكالآتي: تقليص صلاحيات السلطة في الحياة العامة، وتعزيز الوعي السياسي للفرد والمسؤولين على حد سواء حول محدودية الصلاحيات الممنوحة للمؤسسات. فضلاً عن تعزيز الوعي الجماعي بضرورة الحفاظ على شرعية المؤسسات الرسمية والتي تعد الراعي الوحيد للمصلحة العامة. يؤكد الدكتور عامر فياض ان السيادة يجب ان تكون للشعب وهو الذي يمنح الشرعية للسلطة من خلال آليات ديمقراطية دستورية. فالديمقراطية هي الوسيلة التي يقوم من خلالها الشعب بنقل الحكمة من الأسفل (المجتمع) الى السلطة السياسية. لذلك يبرز لدينا سؤال: كيف تترجم سيادة الشعب الى واقع سياسي ملموس؟
الإجابة ببساطة عبر الإنتخابات. ولكن، قد يرى البعض ان المظاهرات هي مصدر آخر للتعبير عن السيادة الشعبية. الا ان ما يميز الانتخابات عن غيرها من الوسائل الدستورية هي القدرة على تحقيق الأغلبية السياسية في صنع القرار او ايصال صوت الشارع للسلطة الأمر الذي تفتقد اليه المظاهرات. وبهذا الصدد، يؤكد كلاً من الفياض و رولز ان الديمقراطية لا تخدم في تأصيلها النظري الأغلبية بقدر ما تكترث في الأساس لتحقيق العدالة وضمان حقوق الفرد؛ بينما يظهر لنا الواقع السياسي ان الانتخابات، بوصفها عمود الديمقراطية، هي الآلية التي تعبر من خلالها الأغلبية عن مواقفهم السياسية. وفي هذه النقطة تحديداً، يؤمن رولز بوجود الأغلبية من خلال نظريته عن الليبرالية السياسية، الا انه يؤكد على ان الأغلبية لكي تكون سياسية ومؤمنة بالتنوع والتسامح يجب ان تكون عقلانية ومعتدلة في طروحاتها لكي تضمن حقوق الجميع على قدر من المساواة والإنصاف. كما إن هذه الأغلبية ذاتها يجب ان تراعي نقطة مهمة جداً وهي حماية السلطة من تقلبات الشارع السياسي على ان تكون هذه السلطة شرعية دستورية. لذلك فإن اي تغيير او اصلاح سياسي يجب ان يكون مطابقاً للدستور.
ما يزيد تعقيد هذه العملية في العراق هو عدم وجود اغلبية سياسية واضحة لاسيما في السلطة التشريعية، فضلاً عن غياب المعارضة السياسية. هذه المعوقات لا تتيح الفرصة للدستور للتعبير عن نفسه في عملية الجدل السياسي في الواقع السياسي الأمر الذي يعطل عمل المؤسسات الرسمية و علاقتها ببعضها البعض. غياب التناغم في العلاقات البينية بين السلطات الثلاث له انعكاسات كبيرة على الشارع السياسي العراقي لاسيما وان هذه السلطات تأخذ صبغة معينة بسبب التوزيع الطائفي تحت ما يدعى بالمحاصصة، الأمر الذي يُفقد الجماهير ثقتها ليس فقط بالأحزاب او الشخصيات بل حتى في المؤسسات ذاتها. يدفع هذا الأمر بالمجتمع للبحث عن بدائل من الأسفل قد لا تكون مدنية.
وهنا تعد المظاهرات واحدة من أهم مخرجات القطيعة بين الجماهير والمؤسسات ولكي تنجح هذه المحاولات الشعبية يجب توفير عاملين رئيسيين: مؤسسات قادرة على تلبية المطالب، وثقافة سياسية معتدلة تؤمن بالإصلاح الدستوري. ماحدث في العراق ان الجماهير التي خرجت في المظاهرات في صيف 2015 طالبت رئيس الوزراء بحل البرلمان ومحاسبة السياسيين الأمر الذي يعني بإختصار التفرد بالسلطة.[18] و هذا الأمر سيعود بالعراق الى المربع الأول اي التسلطية والتفرد بعملية إتخاذ القرار الأمر الذي رفضه الدكتور حيدر العبادي متمسكاً بالآليات الدستورية التي لا تتيح له الحق بحل البرلمان. ان الخروج عن السياقات الدستورية لن يؤدي بالوضع السياسي الا الى الفوضى.[19] لذلك يرى خضر عطوان ان الحل يكمن في إصلاحات دستورية ممنهجة تقوم بها الأغلبية السياسية في البرلمان لتحقيق الآتي: تعديل الدستور، تغيير في الثقافة السياسية العامة نحو الإعتدال في السلوك الإنتخابي، تعضيد الهوية الوطنية.[20]
قد يتشائم البعض من قدرة الحكومة العراقية على ترسيخ خطوات حقيقية نحو الإصلاح، ويرجعون ذلك الى عدة أسباب من أهمها إبتعاد الوعي العام عن المحتوى الحقيقي تجاه بعض المفردات المهمة منها الليبرالية والتحديث السياسي.[21] فضلاً عن ربطها بسلوك عدائي مفترض تجاه الدين. الا ان الليبرالية السياسية يمكن لها ان توظف العلمانية السياسية التي تعمل على ضمان حيادية المؤسسات في سلوكها تجاه المكونات المجتمعية المختلفة، كما يتوجب عليها حماية دور الدين في تشكيل الوعي الفردي او الجماعي. فالعلمانية السياسية تسعى الى تعزيز دور المؤسسات الرسمية بكونها محرك للتعاون بين الجميع من خلال ضمان تطبيق مبدئي العدالة والإنصاف.[22] وستخلق الديمقراطية الدستورية بمرور الزمن أرضية جماهيرية خصبة للتغيير السياسي في المجتمعات الإسلامية.
إذ يؤكد علي عباس مراد في كتابه “دولة الشريعة” على ان السلوك الديمقراطي ما هو إلا سلوك أخلاقي متفق عليه ومتكرر بصورة منتظمة، وتقع على السلطة السياسية مسؤولية تثبيت هذا السلوك في الوعي الجمعي والفردي على حد سواء.[23] ومن هنا نستطيع الإستنتاج ان الحياة السياسية في الدولة الحديثة يجب ان تكون محصورة بين الفرد والسلطة الشرعية دون الحاجة الى خلق حلقات وسطية من الرمزيات المجتمعية الاخرى ومنها الدينية. وعلى السلطة هنا ان تكون اكثر حذراً في علاقتها مع الفرد من جهة ومع صلاحياتها من جهة اخرى، كما عليها تجنب توظيف مفردات دينية في تبرير سلوكياتها السياسية العامة او إهمال الدين بالكامل في تشكيل الوعي السياسي الفردي. الإعتدال والوسطية هي الحل الأمثل الذي يحتم عليها التركيز على الدستور والقيم السياسية في آليات عملها اليومي. هذه القيم يجب ان لاتكون غريبة بالكامل عن الوسط السياسي والمجتمعي الذي تنشط فيه. ولنا في ذلك تجربة الولايات المتحدة في العراق بعد عام 2003 بعد إستخدامها للقوة الصلبة لفرض نموذج معين عانى من معضلتين رئيسيتين: اولاً، ارتباطه بقوة خارجية يؤطر علاقتها مع المجتمع العراقي القلق من هدم قيم المجتمع والدين تحديداً تحت مسميات السياسة الامبريالية في الوعي الجمعي العراقي، وثانياً، توظيف الولايات المتحدة للطائفية كوسيلة لكسب القيادات السياسية الفاعلة على الساحة السياسية العراقية في 2003. هاتين المعضلتين ضررت بصورة كبيرة الهوية الوطنية بوصفها العنصر الفعال لضمان التماسك الداخلي.
و لتقديم ادلة على هذا الإستنتاج نجد ان المؤسسات العراقية قد فشلت في حماية الدين من التدخلات السياسية وحماية الحقوق الشخصية والدينية للأفراد.[24] والسبب في ذلك يكمن في فشل العلمانية السياسية لإيجاد دور لها في قاعدة التفاعلات الشعبية ولعدة أسباب من أهمها ضعف كبير في الجذور الفكرية لهذا المفهوم في الوعي العام المجتمعي. وادى غياب الحيادية و الإعتدال في السلوك السياسي الفردي و الرسمي إلى نتيجتين:
عسكرة المجتمع و تصاعد دور الميليشيات.
نتائج الإنتخابات التشريعية التي تلونت بالصبغة الطائفية او القومية.
عند الحديث عن النتيجة الاولى فلا يمكننا إهمال حقيقة مهمة ادت اليها و تتمثل بفشل المؤسسات الرسمية في توفير الأمن ولعدة عوامل من أهمها فداحة الخطر الإرهابي وتعقيد البيئة الإستراتيجية الإقليمية. الا ان المواطن العراقي يتوجه بصورة مباشرة في لومه على المؤسسات العراقية، لذا فإن إنحسار الثقة بهذه المؤسسات سيؤدي بالمواطن للبحث عن مصادر اخرى لتأمين نفسه في مواجهة خطر محدق به. وما يزيد الأمر تعقيداً ان هذه الميليشيات يجب ان تعبر عن هوية فرعية معينة لكي تضمن حقوق مكون مجتمعي بحد ذاته. و هنا، نجد ان الطائفية قد تكرست ليس فقط من الأعلى الى الأسفل بل من القاعدة الجماهيرية كما هو الحال في نتائج الانتخابات. وركزت فنار حداد على جملة من العوامل التي ادت لتعضيم الهوية الطائفية في المجتمع العراقي و كالآتي:
إنحسار الثقة بين مكونات المجتمع العراقي.
تعميم نمطية الدولة الشيعية في التصور العام لدى المكونات الاخرى غير الشيعية.
تصاعد دور القوى الخارجية من أهمها ايران والولايات المتحدة.
العجز المؤسساتي وتفشي الفساد.
هذه العوامل رجعت بذهنية الفرد العراقي الى مربع “دولة الخوف” ولا سيما بسبب حالة الشلل التي تعاني منها العملية السياسية في العراق على اثر المحاصصة السياسية في توزيع المناصب السيادية. كما تم استغلال حالة الإرباك السياسي هذه من قبل عناصر النظام السابق والمنظمات الإرهابية لإفشال التجربة الديمقراطية في العراق.[25]
غياب حالة الإعتدال الفكري في المجتمع العراقي ادت بالأفراد من بعض المكونات الى إفشال هذه التجربة تحت حجج طائفية هزيلة، الأمر الذي ادى الى خلق موجة من الرفض الخانق للحكومة العراقية في بعض المناطق لاسيما في المنطقة الغربية. ويرى البعض ان تصدر الساسة الشيعة للمشهد السياسي مع تصاعد حدة الخطر الإرهابي ادى بالفرد السني الى حالة من الإستغراب من العملية السياسية.[26] و يرجع البعض هذا الأمر الى تنامي دور الدولة العميقة في العراق والقائمة على تنامي دور الميليشيات الشيعية على حساب دور المؤسسات الرسمية.[27]
ولابد هنا من الإشارة الى تاريخ العملية السياسية في العراق بعد 2003. و يجدر القول ان اهم خطوة ادت الى اضعاف الهوية الوطنية هي تأسيس مجلس الحكم الإنتقالي من قبل الإدارة الأمريكية على أساس طائفي-قومي. هذا الأمر سمح للطائفية من التوغل في جسد العملية السياسية. كما ان سيطرة احزاب سياسية معينة دون غيرها على المشهد السياسي عضد من هذه الإشكالية؛ حيث ان اغلب هذه الأحزاب ذات تأطير فكري ديني او قومي قائم على الأساس العقائدي. وبعد تغلغل هذه الأحزاب في المؤسسات العراقية على أثر المحاصصة المقيتة أدى هذا الأمر الى عملية نقل تدريجي للطائفية من الأعلى (النخبة السياسية) الى القاعدة (المجتمع)، لاسيما ان مصالح الأفراد قد تم ربطها بالإنتماء الطائفي او القومي. وعلى أثر هذه التجربة لم يكن لليبرالية السياسية من فرصة للإنتشار في هذا الوسط السياسي والمجتمعي. بل ان العلمانية السياسية بحد ذاتها قد شهدت إنتكاسة كبيرة في وجه موجة قوية من الإسلام السياسي. هنا، يمكن إختصار اسباب فشل الليبرالية السياسية في العراق بالآتي:
ان الخلل لايكمن في صعود الإسلام السياسي في المشهد السياسي بل في فرض هوية عقائدية معينة في التفاعلات السياسية.
تصاعد دور المؤسسات الدينية في الحياة السياسية العامة.
غياب الواعز المدني في الوسط المجتمعي العام.[28]
الظروف السياسية و الإجتماعي التي شهدها الفرد العراقي.
غياب مؤسسات حكومية قوية تؤمن بالتنوع و العلمانية السياسية.
تعقيدات العملية السياسية العراقية.
كل هذه الأساب ادت الى انعدام الثقة بين الأفراد من المكونات المجتمعية المختلفة من جهة، و بين الفرد و السلطة من جهة اخرى. و إن انعدام الثقة بالضرورة يعرقل التعاون و يؤدي الى فشل العملية السياسية. لذلك اطلق البعض على العراق مصطلح “الدولة الهشة” التي تعاني من ضعف في الهوية الوطنية وفي قدرة المؤسسات الحكومية على أداء دورها لتحقيق مبدئي العدالة والإنصاف مما يدفع المجتمع الى العسكرة والعنف المتضاد.[29]
الخاتمة:
من خلال ما تقدم، ممكن استخلاص استنتاج مفاده ان الليبرالية السياسية بمفرداتها الداعمة مثل الإعتدال قد فشلت في ايجاد ارضية صلبة في التجربة الديمقراطية العراقية حتى الآن. الأدلة على ذلك كثيرة، حيث يمكن الإشارة الى الاعلام والإشارات التي تحملها بعض المركبات الحكومية لاسيما التابعة للأجهزة الأمنية والتي تحمل إشارات ورموز دينية أكثرها تتبع طائفة معينة دون غيرها. كما يمكن للبعض الاشارة الى مسألة مهمة وهي إنتشار حواضن المنظمات الإرهابية في مناطق معينة من العراق، وهل يعني ذلك ان مكون معين يدعم الإرهاب؟ الجواب العقلاني يجب ان يكون كلا، الا ان في الوقت ذاته لا يمكن انكار دور بعض القيادات السياسية والإجتماعية التي تساهلت مع وجود هذه المنظمات ولمصالح فئوية.
كما نجد من الضروري الحديث عن دور الدين في التجربة السياسية العراقية. اذ من المفترض ان يكون للدين دور ايجابي في توفير ارضية خصبة للتعاون بين مكونات المجتمع المختلفة. الا ان ما حدث ان التوظيف السياسي لهويات فرعية للدين أدت الى خلق حالة من تآكل في الثقة تحولت فيما بعد الى صراع سياسي بين النخب السياسية ومن ثم الى عسكرة المجتمع. فالإنتخابات بحد ذاتها غير كافية لتحقيق التعاون والإستقرار السياسي بل تحتاج الى ثقافة سياسية معتدلة تؤمن بالتعددية وتحمي حقوق الإنسان وتسعى لتحقيق العدالة الإجتماعية. فالنظام الدستوري يجب ان يعزز قدرات المؤسسات الرسمية لضمان الآتي:
حقوق الفرد بوصفه النواة الرئيسة للنشاط السياسي.
يجب ان تكون السلطة سياسية وحيادية لا تتبع اي دين او قومية.
القيم والمنافع العامة يجب ان تكون للجميع دون تمييز.
فسح المجال للدين ليكون واعز اخلاقي للفرد لتبني سلوك اجتماعي-سياسي معتدل.
المشكلة في العراق سياسية من خلال فشل النخبة السياسية في بناء مؤسسات رسمية قادرة على تعزيز الهوية الوطنية و تأمين العدالة الإجتماعية. لذلك بدأ الفرد من مختلف المكونات الإجتماعية بالإبتعاد عن المؤسسات الرسمية بسبب خلخلة الثقة بقدراتها على توفير الحقوق. و لتجاوز هذه المشكلة وإعادة الثقة بين الفرد والسلطة يجب على النخبة السياسية المتصدرة للمؤسسات القيام بالآتي[30]:
الشروع بالإصلاحات السياسية ولاسيما تعديل الدستور.
تعزيز نظام تعليمي يحترم التعددية ويعزز الشعور بالمواطنة.
تعزيز ثقافة المصلحة العامة في الوعي الجماعي.
ولتحقيق هذا الهدف يجب ان تتبنى النخبة السياسية مبدأ العلمانية السياسية والتي تحافظ على دور الدين في الوسط العام. لا تستهدف العلمانية السياسية دور الدين في المجتمع بل انها تحميه من التدخلات السياسية والتوظيف السلطوي او الفئوي. لذلك فإن العلمانية السياسية لا تشرك الدين في الأداء السياسي للمؤسسات وتدع للفرد مسؤولية تبني الدين كمحرك رئيس وواعز ايجابي لسلوكه التفاعلي البناء.[31]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر باللغة الإنكليزية:
An-na’im, A. Islam and The Secular State: Negotiating The Future of Shari’a. Harvard University Press, 2008.
Audard, C. John Rawls, Stocksfield: Acumen, 2007.
Brinkerhoff, D., and Johnson, R. Decentralized local governance in fragile states: learning from Iraq. International Review of Administrative Sciences, 75 (2009), 585.
Cesari, J. When Islam and Democracy Meet: Muslims in Europe and in the United States. New York: Palgrave Macmillan, 2004.
Cox, C., and Marks, J. The ‘West’, Islam and Islamism: Is ideological Islam compatible with liberal democracy? London: Civitas: Institute for the Study of Civil Society, 2003.
Dallmayr, F. Integral Pluralism: Beyond Culture Wars. The University Press of Kentucky, 2010.
Dobbins J., McGinn … and Timilsina, A. America’s Role in Nation-Building From Germany to Iraq. RAND, 2003.
Dombrowski, D. A. Rawls and Religion: The Case for Political Liberalism. State University of New York, 2001.
Habermas, J. Religious Tolerance-The Peacemaker for Cultural Rights. In: David Held and Henrietta L. Moore with Kevin Young, ed., Cultural Politics in a Global Age: Uncertainty, Solidarity and Innovation. Oxford: Oneworld Publications, 2007. 68-76
Habermas, J. Religious Tolerance- The Peacemaker for Cultural Rights. In: Ted Honderich, , Philosophers of Our Time. Oxford University Press, 2015. 313-324
Haddad, F. The Politics of Sectarianism in Iraq. In: Claire Spencer, Jane Kinninmont and Omar Sirri, ed., Iraq Ten Years On. Chattam House: The Royal Institute of International Affairs, 2013, pp16-19.
Hadi, E., Nisar, T. The unresolved question of Iraq and Syria: global interventionism in the new phase of action. {Online}. ARChumankind: Paper. {Accessed on 15 October, 2016}. Available at:
The unresolved question of Iraq and Syria: global interventionism in the new phase of action
Hadji, H. Rawls and Religion, Politics and Ethics Review, V2, issue 1, (April, 2006), pp62-78.
Kadhim, A. Post-ISIS Iraq: (III) Reclaiming Territories, Reconstruction and Reconciliation, February 21, 2016 {accessed on September 7, 2016}. http://www.abbaskadhim.com/?p=490
Maffettone, S. Rawls: An Introduction, first edition, Cambridge: Polity Press, 2010.
Ramadan, T. Islam and the Arab Awakening. Oxford University Press, 2012.
Rawls, J. The Idea of an Overlapping Consensus, Oxford Journal of Legal Studies, 7, No. 1 (1987), pp. 1-25.
Rawls, J. Law of Peoples, Critical Inquiry, 20, No. 1 (1993), 36-68.
Rawls, J. The Law of Peoples: With the Idea of Public Reason Revisited. Harvard University Press, 2000.
Rawls, J. Political Liberalism. Third edition, New York: Columbia University Press, 2005.
Rogers, P. A War Too Far Iraq, Iran and the New American Century. London: Pluto Press, 2006.
Roy, O. Secularism Confronts Islam, translated by George Holoch, Columbia University Press, 2007.
Tibi, B. Islamism and Islam. Yale University Press, 2012.
Weithman, P. Why Political Liberalism? On John Rawls’s Political Turn. Oxford University Press, 2010.
المصادر باللغة العربية:
عبد الهادي، احسان. “الحداثوية السياسية و دورها في تطوير النظام السياسي الليبرالي”، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، عدد 2(2013)، ص 348-383.
الغرباوي، حسام. “الليبرالية: نظرة في منطلقاتها الفكرية و آفاقها المستقبلية”، مجلة العلوم السياسية، جامعة بغداد، عدد 30 (2005)، ص 27-58.
دخيل، حسين احمد. الأطر السياسية لاقتصاديات التحول: دراسة مقارنة مع إشارة الى حالة العراق، بيروت: دار السنهوري، 2015.
عطوان، خضر عباس. “النظام السياسي في العراق بين الإصلاح و الشرعية”، مجلة الدراسات السياسية، بغداد: بيت الحكمة، عدد 22 (2012)، ص 96-119.
الأسود، صادق. الإجتماع السياسي، الطبعة الثانية، جامعة بغداد، وزارة التعليم العالي، 1991.
فياض، عامر حسن. العراق و مأساة الديمقراطية، عمان: دار اسامة للمطبوعات، 2009.
فياض، عامر حسن. “مشكلة بناء الدولة و الحكم في العراق المعاصر”، مجلة قضايا سياسية، جامعة النهرين، عدد 34 (2014)، ص 35-66.
فياض، عامر حسن. “التعددية والمجتمع المدنيفي الفكر السياسي المعاصر”، مجلة الدراسات الدولية، جامعة بغداد، العدد 29 (2015)، ص 29-38.
فياض، عامر حسن. مراد، علي عباس، و الطعان، عبد الرضا. معضلة السلطة وإنعكاسات العقل الغربي عبر العصور، بغداد: وزارة الثقافة، 2012.
حافظ، عبد العظيم. التحول الديمقراطي في العراق: الواقع و المستقبل، بيروت: مؤسسة مرتضى للكتب العراقية، 2011.
مراد، علي عباس. دولة الشريعة، جدلية العلاقة بين الدين و الساسة لابن سينا، بيروت: دار الطليعة للنشر، 1999.
مراد، علي عباس و البعجة، فتحي محمد. المجتمع المدني والديمقراطية في ظل تجارب التحديث والتنمية العربية، ينغازي: دار الايل للنشر والتوزيع، 2005.
الخفاجي، محمد. جدلية العلاقة بين الحداثة و الأصالة و محاذيرها في الثقافة السياسية العربية، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة النهرين، 2005.
الهاشمي، محمد. الثقافة السياسية للشعب العراقي، بغداد: مركز العراق للدراسات، 2013.
العمار، منعم. “هل بمقدور الديمقراطية ان تكون بوابو لفهم العراق”، مجلة قضايا سياسية، جامعة النهرين، عدد 18 (2009)، 1-18.
الحديثي، مها. “محددات الثقافة السياسية في العالم الثالث”، بغداد: مجلة الدراسات الإستراتيجية، مركز الدراسات الدولية، عدد 4 (1998)، 187-193.
[1] John Rawls, Political Liberalism. Third edition (New York: Columbia University Press, 2005), 134.
[2]يجب ان تضمن التعددية المعتدلة حقوق الفرد و ليس المكونات المجتمعية. بعبارة اخرى، يضمن حقوق الأقليات و الأغلبية على قدر المساواة ولا يسمح لأي من هذه المكونات من الإستخدام المتعسف للحقوق تجاه المكونات الاخرى.
[3] المرجع نفسه، 165.
[4] John Rawls, The Law of Peoples: With the Idea of Public Reason Revisited. (Harvard University Press, 2000), 55.
[5] المرجع نفسه، 143.
[6] Sebastiano Maffettone, Rawls: An Introduction, first edition (Cambridge: Polity Press, 2010), 212.
[7] Jurgen Habermas, “Religious Tolerance-The Peacemaker for Cultural Rights”. In: David Held and Henrietta L. Moore with Kevin Young, ed., Cultural Politics in a Global Age: Uncertainty, Solidarity and Innovation. (Oxford: Oneworld Publications, 2007), 68-76.
[8] Jurgen Habermas, “Religious Tolerance- The Peacemaker for Cultural Rights.” In: Ted Honderich, ed., Philosophers of Our Time (Oxford University Press, 2015), 313-324.
[9]Paul Weithman, Why Political Liberalism? On John Rawls’s Political Turn (Oxford University Press, 2010), 331.
[10] Daniel A. Dombrowski, D. A. Rawls and Religion: The Case for Political Liberalism (State University of New York, 2001), 36.
[11] Christine Audard, John Rawls (Stocksfield: Acumen, 2007), 184.
[12] محمد الهاشمي، الثقافة السياسية للشعب العراقي (بغداد: مركز العراق للدراسات، 2013)، 72.
[13] عامر حسن فياض، “مشكلة بناء الدولة و الحكم في العراق المعاصر”، مجلة قضايا سياسية، جامعة النهرين، عدد 34 (2014)، ص 41.
[14] للمزيد انظر: صادق الأسود، علم الإجتماع السياسي، الطبعة الثانية (جامعة بغداد، وزارة التعليم العالي، 1991)، 326.
[15] مها الحديثي، “محددات الثقافة السياسية في العالم الثالث”، مجلة الدراسات الإستراتيجية، مركز الدراسات الدولية، عدد4 (1998)، 187.
[16] للمزيد انظر: عبد العظيم حافظ، التحول الديمقراطي في العراق: الواقع و المستقبل (بيروت: مؤسسة مرتضى للكتب العراقية)، 63.
[17] منعم العمار، “هل بمقدور الديمقراطية ان تكون بوابو لفهم العراق”، مجلة قضايا سياسية، كلية العلوم السياسية – جامعة النهرين، عدد 8، (2009)، 1.
للمزيد: محمد الخفاجي، جدلية العلاقة بين الحداثة و الأصالة و محاذيرها في الثقافة السياسية العربية، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة النهرين (2005)، 87.
[18] حسام الغرباوي، “الليبرالية: “نظرة في منطلقاتها الفكرية و ىفاقها المستقبلية”، مجلة العلوم السياسية، جامعة بغداد، عدد 30 (2005)، 28.
[19] انظر: حسين احمد دخيل، الاطر السياسية لاقتصاديات التحول: دراسة مقارنة مع اشارة الى العراق (دار السنهوري للطباعة والنشر، 2016)، 85.
[20] خضر عباس عطوان، “النظام السياسي في العراق بين الإصلاح و الشرعية”، مجلة الدراسات السياسية، بيت الحكمة، عدد 22 (2012)، ص 115.
[21] الغرباوي، ص 44. للمزيد انظر:
احسان عبد الهادي سلمان، “الحداثوية السياسية و دورها في تطوير النظام السياسي الليبرالي”، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، عدد2 (2013)، ص 369-370.
[22] عدنان مقراني، “الدولة العلمانية كضرورة دينية”، (اونلاين)، religion and security ، 30/6/2015، شوهد في 15/1/2017، في: http://www.religionandsecurity.org/2015/06/30/the-secular-state-as-a-religious-necessity-an-islamic-perspective/
[23] علي عباس مراد، دولة الشريعة، جدلية العلاقة بين الدين و الساسة لابن سينا، (بيروت: دار الطليعة للنشر، 1999)، 150.
انظر ايضاً: علي عباس مراد، فتحي محمد البعجة، المجتمع المدني والديمقراطية في ظل تجارب التحديث والتنمية العربية، (بنغازي: دار الايل للنشر والتوزيع، 2005)، 25.
[24] Read also: Abbas Kadhim, Post-ISIS Iraq: (III) Reclaiming Territories, Reconstruction and Reconciliation, February 21, 2016 (accessed on September 7, 2016). Available at: http://www.abbaskadhim.com/?p=490
[25] Elaaf R. Hadi, Tehseen Nisar, The unresolved question of Iraq and Syria: global interventionism in the new phase of action. {Online}. ARChumankind: Paper. {Accessed on 15 October, 2016}. Available at:
The unresolved question of Iraq and Syria: global interventionism in the new phase of action
[26] Paul Rogers, A War Too Far Iraq, Iran and the New American Century (London: Pluto Press, 2006), 69.
[27] James Dobbins J., McGinn … and Timilsina, A. America’s Role in Nation-Building From Germany to Iraq (RAND, 2003), 168-9.
[28] Ahmed An-na’im, Islam and The Secular State: Negotiating The Future of Shari’a (Harvard University Press, 2008), 28.
[29] Derick W. Brinkerhoff, and Ronald Johnson, “Decentralized local governance in fragile states: learning from Iraq”. International Review of Administrative Sciences, 75 (2009), 586.
[30] للمزيد انظر:
Caroline Cox, and John Marks, The ‘West’, Islam and Islamism: Is ideological Islam compatible with liberal democracy? (London: Civitas: Institute for the Study of Civil Society, 2003), 75.
Bassam Tibi, Islamism and Islam (Yale University Press, 2012), 239.
Joceline Cesari, When Islam and Democracy Meet: Muslims in Europe and in the United States (New York: Palgrave Macmillan, 2004), 46.
Tariq Ramadan, Islam and the Arab Awakening (Oxford University Press, 2012), 80.
[31] لمزيد انظر:
Oliver Roy, Secularism Confronts Islam, translated by George Holoch (Columbia University Press, 2007), 131.
Fred Dallmayr, Integral Pluralism: Beyond Culture Wars (The University Press of Kentucky, 2010), 67.
تحريرا في 18-7-2017
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دكتور ايلاف راجح هادي:
سكرتير أول في وزارة الخارجية – دكتوراه من جامعة لويس كيدو كارلي الايطالية/ روما.
شغل منصب رئيس القسم القانوني و العلاقات المتعددة في سفارة جمهورية العراق لدى ايطاليا للمدة تشرين الثاني 2009- تموز 2013.
شغل منصب رئيس قسم ”تخطيط السياسات“ في دائرة التخطيط السياسي للمدة آب 2013 – أيلول 2014.- المنسق العام لوزارة الخارجية لشؤون السياسات العامة والعلاقات مع السلطات الثلاث.
م. د. حسين احمد دخيل:
رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء منذ 2015.
شغل منصب عميد كلية القانون في جامعة اهل البيت و لغاية مطلع 2016.
متخصص في آثار التحولات الإقتصادية على التفاعلات المجتمعية و إنعكاساتها على البيئة السياسية.
المصدر/ المركز الديمقراطي العربي للدراسات