16 نوفمبر، 2024 7:36 ص
Search
Close this search box.

الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط – دراسة حالة العراق

الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط – دراسة حالة العراق

اعداد : علاء ابراهيم رجب – باحث في العلاقات الدولية/كلية السياسة والاقتصاد /مصر
المقدمة:
بادئ ذي بدء ،لقد أصبح تعامل الولايات المتحدة مع منطقة الشرق الأوسط منذ فترة ليست بالقصيرة يسير وفق حاجات مصالحها التي تقتضي فرض واقع الاستقرار في المنطقة، فمثلما كان التوتر الدائم في هذه المنطقة أحد متطلبات الحرب الباردة مع السوفييت، فان الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط ابان حكم الرئيس الأسبق جورج بوش الابن أحد المتطلبات الأساسية للولايات المتحدة من أجل تكريس قدرتها غفي الهيمنة والانتصار علي العالم وفرض شروطها علي حلفائها الأساسيين في أوروبا ، وقد احست الولايات المتحدة أن الاعتماد علي برنامجها الأمني والسياسي في الشرق الأوسط الذي يشمل مجموعة من الأولويات الضرورية للارتباط الأمريكي في المنطقة لم يعد كافيا في احداث التغيير المطلوب بالمنطقة فهي لا ترغب في محاربة التهديدات التي تواجهها فقط ولكن رغبتها تشمل أيضا تفسير الديناميكيات الاقليمية التي تأتي بمثل هذه التهديدات، فكان عليها أن تتابع الركائز الاضافية في سياستها المختلفة في دول الشرق الأوسط، كما أنها تقوم علي اغتنام الفرص من أجل تحقيق مصالحها الاستراتيجية العليا علي المستوي الدولي ولاسيما علي المناطق ذات الأهمية الجيوستراتيجية، وتعد العراق من ضمن هذه المناطق في الشرق الأوسط، كما أن الاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط بشكل عام تقوم على تحقيق مصالحها في المنطقة باستخدام كافة الوسائل سواء كانت هذه الوسائل شرعية ام غير شرعية وبغض النظر عن مصالح دول المنطقة ومن مظاهر اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط لأسباب تتعلق بمصالح استراتيجية خاصة بها، وهذا ما يفسر طرح الولايات العديد من المبادرات في الشرق الأوسط مثل مبادرة الشراكة بين أمريكا والشرق الأوسط “بناء الامل في السنوات القادمة

(The US. Middle East partnership initiative “building hope for ahead years”

هدف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة الي معرفة ما هي الاستراتيجية الامريكية التي انتهجتها الإدارة الامريكية في الشرق الأوسط في وخاصة علي الساحة العراقية ،وبذلك يتضح لنا ما مدي ما قامت الولايات المتحدة بفعله في الساحة العراقية وكيف كانت تنظر الولايات المتحدة الي العراق من حيث تحقيق أهدافها الاستراتيجية في إدارة الصراع السياسي القائم في العراق منذ وقت ليس بالقصير، كما تهدف أيضا الي معرفة الرؤية التي تتبناها الإدارة الامريكية وذلك من خلال التعرف علي ابعاد تلك الاستراتيجية في إدارة المشهد السياسي في العراق وكيف تتعامل الإدارة الامريكية مع مختلف القوي المتصارعة علي الساحة العراقية بما يحقق لها أهدافها الاستراتيجية التي ترنوا اليها من ذلك التدخل.

المشكلة البحثية:

في إطار ما يحدث على الساحة العراقية في الآونة الأخيرة من صراعات بين مختلف القوي السياسية وتنازع الارادات السياسية أيضا فان المشكلة البحثية تتلخص في معرفة الاستراتيجية الامريكية في الشرق الأوسط وبخاصة على الساحة العراقية.

وبناءّ على ما تقدم من مشكلة بحثية فهناك عدد من التساؤلات الفرعية والتي تنبع من التساؤل الرئيسي وهي كالاتي:

1-ماهي الاستراتيجية التي تتبناها الإدارة الامريكية تجاه الشرق الأوسط؟
2-ما النتائج المترتبة على اتباع تلك الاستراتيجية؟
3-ما استجابة تلك الاستراتيجية للمتغيرات في الدولة العراقية؟
اقتراب الدراسة:

لما كانت الدراسة ذات أهمية قصوى في مجال العلاقات الدولية، وبناء على ما تقدم من مشكلة بحثية، فسوف تعتمد الدراسة على اقتراب تحليل النظم واقتراب دراسة الحالة.

أولا: اقتراب تحليل النظم:

وهو المنهج الذي قدمه ديفيد ايستون ويستخدم كمنهج تحليلي رئيسي للدراسة ،لأنه يتسق مع طبيعة الدراسة من الناحية النظرية والعملية، فقد قدم ايستون إطارا لتحليل النظام السياسي باعتباره دائرة متكاملة ذات طابع ديناميكي تبدأ بالمدخلات وتنتهي بالمخرجات، مع قيام عملية التغذية المرتدة المعادة بالربط بين المدخلات والمخرجات، وسوف تحاول الدراسة توظيف افتراضات منهج تحليل النظم في معرفة ما هو دور الاستراتيجية الامريكية في إدارة الصراعات السياسية في العراق وذلك من خلال المفاهيم الرئيسية التي يقوم عليها المنهج: النظام والبيئة والمدخلات والمخرجات وعمليات التحويل والتغذية المعادة.

ويعتبر منهج تحليل النظم ملائما للوفاء بمتطلبات الدراسة وذلك لأن المطالب تنشا داخليا وخارجيا، وتصبح قضايا يتعامل معها ويناقشها النخبة الحاكمة بالنظام، من خلال القنوات المعترف بها داخل النظام، ويمثل التأييد توجهات لتطوير وبقاء النظام السياسي، وتأتي المخرجات من النظام في شكل قرارات او أفعال وتصرفات، وتؤثر هذه المخرجات في التغذية الاسترجاعية الراجعة عبر البيئة والتي تؤثر بدورها في اشباع المطالب، وبذلك تولد تأييدا للنظام وقد تكون النتائج عكسية بمعني تصاعد وظهور مطالب جديدة او عدم التأييد للنظام، فالتغذية الراجعة لدي ايستون تمثل عملية مهمة وحيوية لبقاء النظام واستمراره، ان علم النظام بمدي الاستجابة لقراراته وسياساته يجعله قادرا اما علي الاستمرار في طريقه بانتهاج ذات السياسة او تعديلها، او حتي التخلي عنها كليا، والا تعرض وجوده للخطر حال افتقاده للتغذية الراجعة الفعالة.

ثانيا منهج دراسة الحالة:

يقوم منهج دراسة الحالة على دراسة وحدة واحدة تتشابه الي حد كبير وجمع المعلومات من تلك الظاهرة ويمكن استخدام منهج دراسة الحالة كوسيلة لجمع البيانات والمعلومات في دراسة وصفية ويمكن تعميم نتائج الحالة على حالات اخري متشابهة لابد من التأكيد على دراسة أربع جوانب أساسية في دراسة الحالة وهي:

1-إن دراسة الحالة من الممكن أن تكون واحدة من الدراسات أو المناهج الوصفية.
2-تستخدم لاختبار فرضية او مجموعة فرضيات.
3-من الضروري التأكد من وجود تشابه بين الحالة والحالات الأخرى في حالة تعميم النتائج.
4-التأكيد على الموضوعية والابتعاد عن الذاتية.
أما أهمية منهج دراسة الحالة تكمن في عدة جوانب أهمها:

تمكن الباحث من استيعاب الموضوع بشكل واضح.
تمكن الباحث من دراسة الظاهرة في الوقت الحالي فضلا عن التنبؤات بالمستقبل.
تمكن الحالة محل البحث والأشخاص القائمين عليها من تفادي عناصر القلق والمخاوف من خلال تشخيص عناصر الضعف الموجودة في الحالة محل الدراسة.
أولا: الصراع السياسي علي الساحة العراقية:

يمثل المشهد العراقي مجموعة من المسائل العصية لمختلف القِوى والفاعلين داخل العراق فبنية المجتمع العراقي وما يتسم به من تعددية في الانتماء ستؤثر بالتأكيد في مستقبل العراق خصوصاً في ظل تعدد المرجعيات المجتمعية المنبثقة عن تلك التعددية الانتمائية، نظرا لهشاشة المرجعيات السياسية المتولدة عن التغيب القسري للقِوى السياسية المعارضة والمنع التام لقيام أي تفاعلات سياسية على الساحة العراقية الداخلية وعلى مدى عقود عدة، مما أدى بالمحصلة إلى ضعف النُخب السياسية البديلة، ومن ثم ضعف تأثيرها.لكن إذا ما كانت هذه التفاعلات قد ولدَّت جملة من الصراعات على الساحة الداخلية العراقية فإن القراءة الاستراتيجية لهذه الصراعات تجعلنا نخرج بنتيجة مؤداها إن الصراع السياسي والاستراتيجي الدائر في العراق لذو اتجاهين أحدهما يتعاطى مع الواقع العراقي المجتمعي بكل أبعاده وتفرعاته، والثاني يفرز حالة من الإدارة الاستراتيجية لقِوى الاتجاه الأول ويعكس حجم المؤثر الإقليمي والدولي.فالرؤية الكلية – الاستراتيجية والتكتيكية – للصراع تفرض على المتابع، إذا ما اراد الوقوف على آلية إدارته، النظر إلى الصراع من زوايا متعددة تبدأ من الزاوية الداخلية بكل اطرافها وتحالفاتها وتكتلاتها، ومن ثَمّ تقدير حجم الانعكاس المتبادل والتأثير ما بينها وبين زاوية ذلك الفاعل الخارجي الذي يعمل على إدارة هذا الصراع على وفق أنماط و أفعال مدروسة تستدعي اقامة صلات موضوعية ما بين البعدين الداخلي والخارجي، لتجاوز ما قد يحصل من نتائج غير متوقعة نتيجة لضعف التخطيط الاستراتيجية، اذ تكون جميع الاحتمالات قائمة، لتداخل العناصر الداخلية والخارجية وتصارعها… والتي جعلت البلد ينحو باتجاه عدم الاستقرار والتقاطع الحاد بين منطلقات ودوافع كل القِوى المساهمة في الصراع السياسي والمسببة للعنف المستشري في البلاد.وفي ظل حقيقة تؤكد أن دراسة وتحليل اطراف الصراع الداخلي في العراق و من منطلق صراع الارادات السياسية لتتفاعل مع الارادات السياسية الخارجية وتصارعها من أجل الوصول لمصالحها المتطابقة او المتعارضة في العراق، جاءت أهمية هذه الدراسة والتي نظرت بالرؤية الواقعية والموضوعية لما يحدث على الساحة السياسية العراقية ونتائجها مع استشراف رؤية مستقبلية متفائلة.

ثانيا: في معنى الصراع الداخلي أو الأهلي.

لا تخلو الظواهر الاجتماعية الناشئة عن التفاعل بين الافراد من أسباب موضوعية تؤدي إلى حدوثها، اذا ما كانت ظاهرة الصراع مما يعُد من الظواهر الاجتماعية الغريزة الراسخة الجذور في أعماق النفس البشرية، إذ يؤمن الكثيرون بملازمته لعلاقات البشر منذ خلق البشرية، فهو ليس بالحدث العارض أو الطارئ، فإن تعدد مستويات التحليل والتفسير لهذه الظاهرة يجعلنا نقف على حقيقة عدم التسليم بوجود نظرية قاطعة لتفسيرها وارجاعها إلى عامل واحد دون سواه.فعلماء الاجتماع يرون بالصراع ظاهرة طبيعية ملازمة لوجود الجماعة، وانها ربما تأخذ طابعا مرضياّ، مما يؤدي للاختلال الوظيفي نتيجة لتمزيق أو تحطيم كل أو بعض روابط الوحدة التي تكون موجودة بين المتنازعين فالصراع والحالة هذه إن هي إلا نتيجة جانبية للتغيير.

أما بعض نظريات علم النفس فترجع الصراع إلى الطبيعة الإنسانية الحاوية لدوافع عدوانية متأصلة كالطمع والأنانية والغيرة والشغف بالسلطة، يفسر الصراع، طبقاً لسيجموند فرويد، على أنه نتيجة اسقاطات الفرد لما يعمل في داخله على ما يحيط به.

وعليه، تقر النظريات السوسيولوجية والسيكولوجية بأن للصراع اسباب عقلانية تنشأ عن الاختلاف في الأهداف وعن تعارض النتائج المتوقعة، وأسباب غير عقلانية تنشأ عن العدائية في السلوك. كما تكمن أحد أسبابه في التغييرات الحاصلة في المراكز والأدوار، وفي عالم السياسة ينظر المحللون للصراع على انه السعي لامتلاك القوة ومصادرها باستخدام القوة ذاتها وبمختلف أشكالها، لذلك ذهب البعض إلى القول بحقيقة كون الصراع تنازعاً للإرادات الوطنية الرامية الي تحطيم أحداها للأخرى، الأمر الذي رفضه البعض لاستحالة تحقيق ذلك نظراّ للظروف المعقدة للصراعات وتداخل مستوياتها الإقليمية مع العالمية، وعليه أصبح الصراع يرمي إلى تليين الارادات لا تحطيمها لتحقيق الأهداف أو الأغراض الكامنة وهنا ربما يكون بالإمكان اسقاط هذه المحصلة على الصراع الداخلي أو الأهلي الذي يحدث في نطاق الدولة الواحدة، والذي يرتكز في الأساس على تنازع المصالح الخاصة، المادية المصلحية والأدبية المعنوية بين أعضاء الجماعة السياسية الواحدة المنتظمة رسمياً وشكليا داخل أطار الدولة اذ ينتهج هؤلاء سياسات نابعة من انتماءاتهم الفرعية )دينية، طائفية، عرقية.. الخ (لتحقيق نوعاً من التحكم بإرادة الأخرين ابتداءً، ومن ثَمّ الوصول إلى الهدف النهائي للصراع وهو أحكام السيطرة بتليين ارادة الآخر المختلف، فتنشأ حالة اضطراب وتعطيل لعملية اتخاذ القرار، إذ يواجه أطراف الصراع صعوبة في اختيار البديل الأفضل، الأمر الذي يولد حالة عدم توازن نتيجة تعارض مصالح وأهداف تلك الأطراف.

وإذا ما كانت العملية السياسية تعني في أبسط معانيها التنافس السلمي من أجل تداول السلطة على وفق تشريعات ضابطة لحركة المختلفين ومقننة للتعايش المشترك والمشاركة الحقيقة في إدارة الدولة والبلاد والمجتمع، إلا انه وفي ظروف ليست بالسوية، يتطور هذا التنافس ليصبح صراعاّ تحاول اطرافه دعم مركزها على حساب مراكز الآخرين، اذ تعمل على الحيلولة دون تحقيق غاياتهم، أو تحييدهم، بإخراجهم من اللعبة أو حتى بتدميرهم، و مما يساعد على حدوث هذه الدرجة من التنافس المؤدي للصراع هو وجود حالة من العداء والتخوف والشكوك وتصور مسبق بتباين المصالح أو في الرغبة في السيطرة أو تحقيق الانتقام، الأمر الذي يولد توتراّ سابقاً للصراع ومفجراّ له في آن واحد وفي ظل هذه التوصيفات تتنوع وتتعدد مداخل الصراع ضمن إطار الدولة الواحدة، إذ إنها قد تأخذ شكلاً طائفياً، اجتماعياً أو سياسياً، أو شكلاً دينياً عقائدياً، أو طبقياً على وفق تقسيمات اقتصادية، أو عرقيا ،عنصرياّ، قيمياّ، أيديولوجياّ ويكون من الممكن أن يجمع الصراع بين أثنين أو اكثر من هذه المداخل أو التوصيفات، الأمر الذي يضفي على الصراع تعقيدات ليست من السهولة بمكان، خصوصاً إذا ما حاول اطرافه التمسك ب ” حقوق تاريخية” محاولين أضفاء صفة النازع القانوني بدلاً عن الصراع المصلحي.ويتم ذلك عن طريق استدعاء الماضي بثقله وفروضه على الواقع المعاصر، ومن هنا يأتي النزاع على أدعاء امتلاك الوطن تاريخياً أو احتكار تمثيله لشريحة عرقية أو طائفية معينة، كأنموذج لانسياق الذاكرة والفعل للتاريخ، ليكون اطرافه رهن استحقاقات الحاضر لحساب التاريخ.

وعليه، فإن النقطة الجوهرية في إدارة الصراع من قبل اطرافه ترتكز على تحديد كل طرف من اهدافه، والوقوف على عوامل قوته وعوامل ضعفه، اذ يرمي من نشاطه في إدارة الصراع تكتيكياّ و استراتيجياّ وتعظيم عوامل قوته واضعاف عوامل قوة خصمه، وتحقيق أهدافه السياسية واحدة تلو الأخرى، على وفق الواقع المتحقق على الأرض، الذي يغير بدوره أنماط ردود الفعل القاضية باتخاذ تكتيكات مختلفة ومتعددة في إدارة الصراع بين تقدم وتراجع التمسك بتلك الحقوق التاريخية المراد بها الالتفاف الاستراتيجي لتحقيق أكبر قدر من المكاسب.وفي فهم ما يجرى في الصراع الداخلي واستقراء خططه ومستقبله، فان الفكرة الأولية هي التعرف على اطراف الصراع المتحالف منها والمختلف بعضه مع البعض ودرجة هذا الاختلاف وذاك الائتلاف أو التحالف بين كل قوة وأخرى، إذ أن فهم إدارة الصراع ومالاته يقتضى عدم الاكتفاء بفهم أسباب الصراع بين الأطراف المتناقضة وحدود وآفاق الصراع بينها، و انما أيضا فهم طبيعة الصلات بين كل قوة وأخرى في داخل كل تحالف، إذ يؤثر كل ذلك في طرفي إدارة الصراع كما يؤثر في مستقبله إذا وصل إلى مراحل مفصلية.وكذا هو يستدعى فهم نمط صلات وطبيعة التحالف بين كل طرف داخلي وآخر خارجي، لذا تتعرض طبيعة بعض هذه التحالفات للضعف وبعضها ثابت أكثر من غيره بما يعطي تأثيرات مختلفة على مستقبل الاحداث، وكذلك فإن فهم خطط الصراع وادارته يتطلب تحديد أهداف كل طرف من اطراف الصراع ،فإذا افترضنا أن طرف ما من اطراف الصراع يستهدف -مثلا- القضاء على الاطراف الأخرى، و احداث تغيير في معالم القوة بشكل حاسم داخل المجتمع، فذلك يعكس نفسه في أساليب الصراع ووسائله ونمط إدارة الصراع عن حالة يكون فيها الهدف هو مجرد تعديل التوازنات وتحقيق بعض الأهداف الجزئية دون تغييرات جذرية وفي الحالة العراقية ولد هذا الوضع جملة أزمات ترافقت معاً، إلا أنها ليست ذات طابع واحد، وربما تكون واحدة من أعقد وأصعب هذه الأزمات الأزمة السياسية المتولدة عن أزمة أخرى أصعب وأعقد هي أزمة القيادة التي تصاعدت إلى حالة صراعات تجري وقائعها وخطواتها بين أنماط متضادة من الاطراف الداخلية، كانعكاس لاختلاف التوجهات والأهداف والخطط الاستراتيجية والتكتيكية بين تلك الاطراف، كما نحن أمام صراع مخطط تتابع خطواته على وفق يتقدم ويتراجع وفق التغير،” مدافعاً” ثم يعود” مهاجماّ” فهي خطوات مبرمجة من هذا الطرف أو ذاك يتحول فيها طرف إلى حالة الصراع الذي يشهد تضاداً وتعارضاً في الأهداف والاستراتيجيات على نحو بالغ التعقيد، بسبب تعدد القوى داخل كل تحالف وبحكم الحالة الطائفية والمذهبية والسياسية المتداخلة، والتي توضح أن ما يجري في العراق، لو أردنا تحويله حقيقة، هو أزمة بين قوتين تتصارعان نتيجة لوجهات نظر اختلفت حول تفسير التغيير الذي حصل في العراق، إذ ارادت الأولى مكاسب التغيير الذي أعطاها موقع قوة أكثر من أي وقت مضى. بينما لم تر الأخرى سوى الخسارة، إذ لم يأت التغيير على النظام السياسي فقط، أنما كان لها هي الأخرى نصيب غير ذي فائدة حد من طموحها وتطلعاتها في البقاء في قمة الهرم السياسي كما كان شأنها على مدار حقب متعاقبة من تاريخ العراق.ومن هذه النقطة يمكن استشراف حقيقة، وكما وضحها تقرير استخباراتي أمريكي، مؤداها أن العراق يشهد حربين معاً، الأولى ضد الولايات المتحدة الأمريكية، والثانية، وهي الأكثر أهمية بالنسبة للعراقيين، متمثلة في الصراع بين الشيعة والسُنة لتحديد الطرف الذي سيقرر مصير ومستقبل البلد. وما يسجل على هذا الصراع كونه صراعاّ سياسياً، بل، وعلى حد وصف التقرير، صراع حياة وموت، أو صراعا من أجل البقاء، في حالة انسحاب أحد طرفيه سيترك فارغا في الساحة ليشغله الجانب الآخر، لكن هذا لا ينفي وجود قِوى أخرى دخلت الصراع كلاً حسب أجندتها ورؤيتها الحزبية أو الفئوية، حيث دخلت ساحة المنافسة والصراع وأن كانت قوتها أقل من نظيرتيها. ومع ذلك، فإن الصراعات الدائرة على الساحة العراقية ليست ذات صبغة داخلية فحسب، أنما تتداخل معها صبغات ومستويات أخرى اقليمية ودولية فرضتها طبيعة الواقع الاقليمي العراقي، ومعطيات الساحة الدولية وتشابك مصالح لاعبيها واطرافها. فقد امتازت الساحة العراقية كونها شكلت مركزا للتقاطع الاستراتيجي اقليمياً ودولياً، ويكمن سبب تدويل القضية العراقية في تداخلها مع قضايا الصراعات الإقليمية والدولية على مختلف الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ثالثاّ: استجابة الاستراتيجية الأمريكية للواقع والمتغيرات في العراق.

لقد تنوعت وتعددت الخطط الاستراتيجية والبدائل المرسومة للتعاطي مع الشأن العراقي، ونشطت الجهات الرسمية وغير الرسمية في طرح الخيارات الممكنة للوصول إلى أفضل الحلول الواقعية بعيداً من الاستغراق في يوتوبيا لا صلة لها بما يجري وليس بإمكانها توقع ما سيجري. وتمحورت هذه الاستراتيجيات البديلة حول ثلاثة محاور رئيسية هي:

١-توازن التركيبة السكانية بين الفيدرالية والتقسيم. ولدت التركيبة السكانية في العراق كما أسلفنا صراعات وانقسامات مناطقية تستند الى محاور عرقية وطائفية، حتمت التعامل معها بحذر من خلال ما قدمته دراسات ومقترحات من هنا وهناك لإيجاد حلول تساعد الولايات المتحدة الأمريكية على ارضاء جميع الفرقاء السياسيين المعبرين عن التوزيع السكاني للعراق والذين يرتبط معهم الكثيرين بعلاقات استراتيجية مصلحية.علاوة على ارضاء من هم على خلاف معها. فكانت مسألتيّ أقامه فيدرالية عراقية وتقسيم البلاد هي أكثر الحلول رواجاً لدى الساسة والمفكرين.

٢-إيجاد توازن في التركيبة السياسية العراقية. منذ اقرار الاحتلال كأمر واقع في العراق وما جرى بعد الانتخابات، بدأت وسائل الإعلام العربية والأجنبية، الرسمية منها وغير الرسمية، تردد مقولة سقوط السلطة في العراق بأيدي الأغلبية الشيعية أو الشيعة. ويرى الكثير من المراقبين أن صعود الشيعة، أو رجال الدين الشيعة، ولدّ مأزق لواشنطن ثابرت على البحث عن حل له وارادت تحجيم دورهم مع الاحتفاظ بتعاونهم.

وقد حذر هنري كيسنجر من هذا الوضع بعد السقوط مباشرة حين قال: ” إذا أسفرت العملية السياسية في العراق عن صعود للتيار الديني الشيعي، فإن من صالح الولايات المتحدة الأمريكية العمل على تشجيع قيام كيانات ترتبط بعضها ببعض برباط هش “. وطابق هذا الطرح توصيات لجنة الكونغرس الأمريكي وعملاً بهذه النصيحة كان للسياسة الأمريكية دور في خلق ميليشيات مسلحة جديدة لإحداث توازن بين الاطراف المتنازعة. إذ أكد السفير الأمريكي السابق في العراق “زلماي خليل “في تقرير رفعه للإدارة الامريكية منتصف تموز 2006، ضرورة استحداث ميليشيات سُنية موثوقة ومسيطر عليها متعاونة مع الإدارة الأمريكية، واصفاً دورها بالاستراتيجي، لإيجاد توازن مع الميليشيات الشيعية.وقارب القائد الأعلى الأمريكي، الجنرال “ديفيد بتاريوس”، هذا المعنى حين راي أن النزول إلى المستوى القبلي والعمل مع شيوخ العشائر أو الشيوخ المحليين كما يسميهم الأمريكان حتى وأن رعوا في السابق هجمات على القوات الأمريكية، هو الطريقة الوحيدة لإحلال السلام في المناطق السُنية. الأمر الذي ينظر له البعض نظرة حذرة لمردوداته الخطرة، فحسب رأيهم أن الولايات المتحدة الأمريكية بفعلها هذا فإنها تسلح مَنْ يحتمل انقلابه عليها ومهاجمتها، أو مهاجمة ميليشيات شيعية، الأمر الذي يجعل من الولايات المتحدة مذكية لفتيل نيران حرب أهلية جديدة. وهو ما رأه النائب البريطاني “هاري كوهن” في تقرير مفصل أكد فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تحترم السُنة ولا أياً من الفصائل الشيعية، بل أنها تخطط لإبقاء العراقيين في قتال ومحاولة القضاء على الآخر. هذا فضلاً عن أن العمل سوية مع زعماء القبائل والعشائر المحليين وقادة الميليشيات، وإن كان تحركاً ذكياً يؤدي إلى تحسين الأوضاع الأمنية ويسد العجز الموجود في عناصر الشرطة والأمن، إلا أنه يمثل كارثة محققة فيما يتعلق بالآمال العريضة المعقودة على الديمقراطية في العراق ويرى البعض إن استراتيجية التحول من الدين أو الطائفة إلى العشيرة خارج نطاق الحكومة عن طريق تسليح العشائر تحت ما يسمى بمجالس الصحوة، إن هي إلا رد فعل منطقي للفشل العسكري الأمريكي في العراق، وعملية ترميم إداري لخطأ استراتيجي تمثل بحل الجيش وقوى الأمن الأخرى. فريق آخر يرى أن جوهر تشكيل مجالس الصحوة أبعد بكثير من مجرد تخبط أمريكي، فهو ذو أهداف تتجاوز بكثير مجرد خلق جماعات مسلحة جديدة، ومن هذه الأهداف:

1-إيجاد قوات عربية سُنية لها قدرة عسكرية موازية أمام القدرات العسكرية المتواجدة، إذ تستطيع هذه القوات التصدي لأي خلل في توازن القِوى على ساحة الصراعات العراقية.

2-ارضاء بعض الحكومات العربية التي يهمها شأن السُنة العرب في العراق، وحث هذه الحكومات على دعم هذه المجالس بما يؤدي إلى تعزيز قوتها وتحويلها إلى كيانات مؤسسية سياسية.وبالفعل فقد زاد عدد المتطوعين السنة العاملين مع الامريكان والقوات العراقية من صفر ما بين آيار٢٠٠٤ وآيار ٢٠٠٦، إلى ٢٠ ألف عنصر في ايار ٢٠٠٧ ليرتفع ويصل إلى ٨٠ ألف عنصر في ايار٢٠٠٨,الأمر الذي دفع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى الاقرار، بعد زيارتهم للعراق اواخر عام ٢٠٠٨ ، بأن السُنة العرب أصبحوا من أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية المخلصين، إذ كان لاستراتيجية الاستعانة بالعشائر أثاراً واضحاً في أقناعهم بعدم معاونة المتمردين والوقوف إلى جانب واشنطن في محاربة القاعدة وهكذا يري مراسل الشؤون الخارجية الأقدم في صحيفة الغارديان البريطانية، “جوناثان ستيل” في عمود له في الصحيفة نفسها، إن النمو الذي حدث لحركة الصحوة ساعد في تعزيز الأمن، إذ يؤدي أبناء الصحوات دوراّ أمنياً حيوياً في حماية مناطقهم لقاء أجري ويرى “ماكس بوت”، وهو زميل أقدم في دراسات الأمن القومي، في مقال له في صحيفة “الويكلي ستاندرد” لسان حال المحافظين الجدد، إنه إذا ما تم تنظيم الصحوة سياسياً، فمن الممكن أن تشكل قوة للتغيير الإيجابي، لاسيما إذا دعمت مالياً وسراً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إذ بمساعدة عناصر الصحوات، فضلاً عن رجال الأمن، تحوز الولايات المتحدة الأمريكية على فرصة حقيقية في تأمين نصر تاريخي في العراق وفي تحليل لها، نظرت صحيفة “الواشنطن بوست” إلى الأمر من زاوية أخرى، فقد استنتجت من مساعي العشائر والطوائف والجماعات الاثينية إلى تعزيز سلطتها في مناطقها بأن سلطة الحكومة المركزية سائرة إلى الضعف. لإن برنامج تسليح العشائر يخلق تكتلات ذات فائض بالقوة تحاول تصريفه بشتى الطرق، فضلا ًعن لجوئها إلى تهديد ومساومة الحكومة المركزية كلما شعرت بخطر يهدد مصالحها ومكتسباتها.ومن جملة ما قيل يمكن للمتابع لكيفية وظروف بروز مجالس الصحوات، الوقوف على حقيقة كونها ليست ذات فكر أو منهج واحد، فيعتقد بعض المراقبين أنها تتشكل على وفق أحد خطوط أربعة، أولها للقتال ضد القاعدة، وثانيها دفع خطر الميليشيات، وثالثها طلباً للعمل والرزق باستيعاب أهالي المناطق الساخنة، ورابعاّ تم تشكيله من قبل القوات الأمريكية لقتال الفصائل العراقية المسلحة التي ترفع السلاح بوجه القوات الأمريكية، وتقوم الأخيرة، من جانبها بتغطية احتياجاتهم المالية والعسكرية، وتعدّها عنصراّ ضرورياً في تأمين المناطق التي استولت عليها

3-استراتيجية النصر أو الانسحاب. ليس لدينا استراتيجية للانسحاب، لكن ما لدينا هو استراتيجية للنصر هذا ما صرح به وزير الدفاع الأسبق” دونالد رامسفيلد” لجنوده في أثناء زيارة مفاجئة لبغداد في نيسان ٢٠٠٥,وأتى هذا التصريح في وقت كانت فيه الخسائر البشرية والتكاليف المادية تزداد بالنسبة للولايات المتحدة، الأمر الذي رفع من صدى الأصوات المطالبة للإدارة الأمريكية بالانسحاب الأمر الذي دفع” بريجينسكي” إلى وصف استراتيجية النصر أو الهزيمة كونها خياراً استراتيجياً خاطئا ومضللا، كون النصر يتطلب زيادة في عدد القوات الأمريكية لأن حجمها الحالي لا يكفي لسحق التمرد واخماد نار الفتنة الطائفية. ويكمن التضليل، حسب رايه، في مفهوم الهزيمة في المقارنات الدائمة بين الهزيمة في العراق والهزيمة في فيتنام، مع تسجيل أن الهزيمة في العراق تعطي للمتمردين هامشاً من حرية الحركة على عرض المحيط الأطلسي، وامكان شنهم هجمات إرهابية جديدة على الولايات المتحدة، وإذا ما كان هذا السجال يدور في الأوساط الرسمية وغير الرسمية، فإن بريجينسكي يرى في الانسحاب خياراً واقعياً وعمليا ًيسحب البساط من تحت أقدام المتمردين، كما أن تواجداً عسكرياً أمريكياً في المنطقة وفي المناطق الكردية يوفر صمام أمان ضد أي تصاعد مفاجئ لنفوذ التمرد على توازن القِوى السياسية في العراق أو في المنطقة. ككل بينما يرى هنري كيسنجر عدم صحة عقد المقارنة بين فيتنام والعراق، إذ كانت الأولى ميداناً للصراع في إطار الحرب الباردة، في حين يمثل العراق أحد مشاهد الحرب على الإسلام الراديكالي. فالحرب في العراق، باعتقاده، لاتُعدّ صراعاً جيوبوليتيكياً كما حدث في فيتنام، بقدر كونها صداماً بين الأيديولوجيات والثقافات والمعتقدات الدينية، وإذا ما أقيمت دولة أصولية ثورية في العراق، ستجتاح موجات من المد الثوري العالم الإسلامي. لذا يطرح كيسنجر رؤيته المبنية على أن النصر على التمرد هو استراتيجية الانسحاب الوحيد التي تكون عواقبها مضمونة.وهكذا تشكل تياراّ مناهضا للانسحاب المبكر يجادل بأن الانسحاب الأمريكي من العراق كما فعلت في فيتنام أو السماح بهزيمة حلفائها كما حصل مع الشاه في إيران، سيرسل اشارات خاطئة للمتمردين وسيقوي شوكة المسلحين الإسلاميين الذين سيعدون الانسحاب انتصاراً لهم أكبر وأعظم من الانتصار الذي حققها لأفغان عند طردهم للسوفييت، لذا ستعتقد القِوى الراديكالية أنها قادرة على مهاجمة المصالح الأمريكية وتجاهل تهديداتها.ويرى” دانييل بايمان” أنه من بين خيارات عدة مطروحة* للتعامل مع الملف العراقي، يُعدّ خيار تقليل حجم القوات الأمريكية والمتحالفة في العراق هو أفضل معالجة للمشكلة العراقية. فعلى الرغم من أن هذا الخيار يضعف الأمل في أنجاز نصر حقيقي، إلا أنه:

١-يمكن واشنطن من الاستمرار في مقاتلة المقاتلين الأجانب.

٢- يؤمن لأمريكا نفوذاً في العراق بحجم قوات أقل، الأمر الذي سيقلل حجم الخسائر في أرواح الجنود الأمريكيين والدولارات ويقلص من حجم التوتر الذي تعانيه المؤسسة العسكرية الأمريكية. مع ذلك، فأنه يقر أن لخفض حجم القوات الأمريكية في العراق ثمناً باهظاً يتمثل في تقليص إمكانية تحول العراق الي زبيجينو بريجينسكي، ما العمل لتجاوز استراتيجية النصر أو الهزيمة في العراق؟ مجلة المختار لقد قارب طرح بريجينسكي هذا توصيات لجنة بيكر – هاملتون ببقاء وجود عسكري مهم في المنطقة حتى بعد سحب الولايات المتحدة كل فرقها القتالية من العراق، إذ سيسمح هذا التواجد، علاوة على الانتشار الأمريكي الجوي والبري والبحري في الكويت والبحرين وقطر ووجود أكبر في أفغانستان، بتنفيذ مهمات بينها ردع تدخلات سورية وايرانية.

وهذه الخيارات الخمس هي:

١ السير على المنهج السياسي الحالي نفسه، وبمستوى القوات نفسه.
٢- اجراء زيادة كبيرة في حجم الوجود العسكري لمواجهة التحديات الناشئة في العراق.
٣- زيادة محدودة بالقوات، لكن بتحول كبير لتوجيه العمليات العسكرية ضد المتمردين.
٤- تقليص عدد القوات الأمريكية والمتحالفة إلى عدد صغير قادر على النهوض بمهمة محدودة.مثال للديمقراطية يحتذى في المنطقة، علاوة على مخاطر شيوع حالة من الفوضى، وتقليل فرص جعل العراق صوت مؤيد للغرب في العالم العربي. ويعود من ثم، وعلى الرغم من هذه المشاكل، ليؤكد أن خيار تقليل حجم القوات الأمريكية يبقى هو الأفضل، أو بمعنى أدق، الأقل سوءاً، لكنه يُعدّ، وفي الوقت نفسه. واقعياً من الناحية السياسي وعلى الرغم من اقراره ان للانسحاب مردودات إيجابية تتمثل في إيقاف نزيف الأرواح والأموال ويزيد من شرعية النظام الجديد ويهدأ غضب المسلمين ويزيل التوتر الدائم في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، إلا أنه يوافق الآخرين رأيهم كون الانسحاب ينطوي على كوارث أهمها عدّ المقاتلون الأجانب هذا لانسحاب انتصاراً لهم، وقد يقتصر وجودهم على الاف عدة، لكن سيكون لهم نفوذ كبير في حالة غياب قوة مضادة لهم، وسيشكلون قواعد يستطيعون من خلالها ضرب الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها في المنطقة وحتى في أرجاء العالم المختلفة. علاوة على أن القوات العراقية التي دربتها الولايات المتحدة ستجد نفسها عاجزة عن مواجهة المتمردين وردود أفعالها ومن هذه النقطة بالذات ينطلق الأستاذ في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – واشنطن، “أنتوني كوردسمان” في تحليله للوضع العراقي بقوله أن كل شيء تفعله الولايات المتحدة في العراق سيفشل ما لمتطور واشنطن خطة مقنعة وتنفذها فعلياً لخلق قِوى عراقية لديها القيادة والخبرة والتجهيزات والتسهيلات التي تحتاجها لتأمين بلدها دون الحاجة للقوات الأمريكية، فخلق قِوى عراقية محل قوات التحالف هو، برايه، الشرط الضروري للعمل الأمريكي. مع ذلك، فهو يقر أن الخروج تكتيك لا استراتيجية، وفي حالة أجبار الولايات المتحدة على الانسحاب والمغادرة فعليها أن تكون مستعدة لتقديم العون والمساعدة كمستشارة وصديقة لاستمرار مصالحها الاستراتيجيةالحيوية.وعلى الرغم من اقراره بأن الانسحاب خيار محفوف بالمخاطر، إلا أن أستاذ التاريخ في جامعة مشيكن، “خوان كول”، يرى أن اعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن نيتها في سحب قواتها العسكرية من الع ا رق سيدفع الفرقاء السياسيين إلى التفاهم علي تسوية مقبولة وإيجاد حل تفاوضي على غرار ما حصل في ايرلندا الشمالية ولبنان، وعند هذه النقطة يُعدّ البقاء العسكري الأمريكي بمثابة كارثة.ومن جانبه يري مراسل الشؤون الخارجية الأقدم في صحيفة الغارديان البريطانية، جوناثان ستيل، أن أنهاء الاحتلال وانسحاب كامل للقوات الأجنبية هو الشرط المسبق للمصالحة السياسية داخل العراق من جهة، وللتعاون الإقليمي من جهة أخرى، إذ سيقدم الانسحاب حوافز لجيران العراق للمساعدة في إعادة أعماره حين يعلمون أن الولايات المتحدة رحلة بالتأكيد فلا يمكن لأي سياسة أن تنجح براي “كوردسمان” مادامت الولايات المتحدة تسعى للاحتفاظ بقواعد أو البقاء بصفة محتل. وكل ما يحتاجه هو:

1 -وجوب الحذر بشأن الحديث عن إصلاح سياسي وديمقراطي واسقاط حكومات في المنطقة.

2 -فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى الضغط لتحقيق تقدم ارتقائي لحقوق الإنسان وحكم القانون والإصلاح الاقتصادي والسكاني، فليس للديمقراطية العمل بلا أحزاب سياسية حقيقية واستعداد سياسي حقيقي.

٣ – طمأنة الحلفاء في الخليج بضمان أمنهم بغض النظر عما يحدث في العراق، وأن الولايات المتحدة لن تنسحب وتتركهم بلا حماية في مواجهة إيران النووية.كما على الولايات المتحدة الأمريكية إدراك وفهم أن إيران تعُد وبدون أدنى شك، مفتاحاً للمنطقة واستقرارها الأمر الذي يحتم عليها الإكثار من عقد اللقاءات الرسمية معها، مع إعطاء تطمينات للدول العربية، وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي، بإن هذا الأمر لن يشكل موضع قلق من تغيير الدور والمكانة التي تحوزها في المنطقة، اذا ما كان تقرير بيكر – هاملتون قد حرك المناقشات في دوائر السياسة الخارجية، خصوصاً توصياته بسحب القطعات المقاتلة بحلول عام ٢٠٠٨ ، الأمر الذي تجاهلته إدارة بوش بتبنيها للخطة “أ”. فإن إدارة اوباما جاءت لتتبنى الخطة “ب”* لتعلن في ٢٧ شباط ٢٠٠٩ سحب القسم الأكبر من قوات الولايات المتحدة من العراق بحلول آب ٢٠١٠إلا أنه، ومع الارتياح الذي قُوبلت به خطة أوباما، بدت مخاوف من أن الخطر يكمن في انسحاب متعجل يضع الأولويات العسكرية فوق الاعتبارات السياسية.لذلك، ولتبديد هذه المخاوف، أكد الرئيس أوباما في مقابلة مع شبكة سي بي أس الأمريكية يوم الأحد ٢٩ آذار ٢٠٠٩ ، أنه لا ينوي تسريع انسحاب القوات من العراق، إذ لايزال أمام الولايات المتحدة الكثير لفعله، إذ عليها تدريب القوات العراقية من أجل أن تحسن قدراتها، كما وافق أوباما على أن لا يبدأ الانسحاب إلا بعد الانتخابات البرلمانية العراقية في كانون الأول، والتي ستكون، حسب تقرير لمجلة نيوزويك، اختباراً حاسماً فيما إذا كانت الديمقراطية قد ترسخت في العراق.

*- الخطة “أ” هي ما أصبح يعرف بخطة “طفرة القوات” أي أرسال المزيد من القوات إلى العراق. اما الخطة) ب) فتنص على سحب غالبية القوات الأمريكية من العراق مع الاحتفاظ بعدد من الجنود كقوات احتياط في قواعد خارج المدن، من أجل التدخل في حالات الطوارئ. أنظر جون باري، وقد كشفت تصريحات لعدد من كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين، وعلى رأسهم وزير الدفاع روبرت غيتس، عن عملية جارية لإعادة تسمية الوحدات العسكرية الموجودة في العراق، لضمان بقاء الألوية المقاتلة التي أعلن أوباما سحبها، لكن باسم الوية المشورة والمعاونة، لتصبح مقر القوة الانتقالية ابتداءً من آب2010، كما ألمح وزير الدفاع إلى أن انسحاب الألوية القتالية من العراق، سينفذ بعملية خفة يد إدارية أكثر منه انسحاب فعلي لفرق الألوية المقاتلة كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق في السابع من كانون الأول ٢٠٠٨ ، أن الادميرال مايكمولين، رئيس القيادة المشتركة، قد تحدث عن خطة لإعادة تسمية القوات الأمريكية المقاتلة وجعلها قوات عمليات التخطيط في البنتاغون عن نية الابقاء على ٧٠،٠٠٠ جندي أمريكي في العراق مدة طويلة تتجاوز عام ٢٠١١.

المراجع:

(1): محمد وائل العنسى، مكانة العراق في الاستراتيجية الامريكية تجاه الخليج، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم 2013

(2): فاروق يوسف احمد، قواعد المنهج العلمي، القاهرة، مكتبة عين شمس(1985) ص83

(3): د/ايناس عبد السادة علي العنزي، الاستراتيجية الامريكية في إدارة صراعات السياسية على الساحة العراقية، دراسات دولية العدد الحادي والاربعون

(4) د/خليل محمد حسن الشماع، نظرية المنظمة، مطابع دار الشؤون الثقافية العامة بغداد 1989 ص 309

(5) د/ إسماعيل صبري مقلد، الاستراتيجية والسياسة الدولية، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1985 ص117

(6) د/نازلي معوض احمد، الديمقراطية والصراعات في العالم الثالث، المنار العدد 65 1990

(7) جوناثان ستيل، العراق طريق الخروج، المستقبل العربي، العدد 349، 2008 ص17

المصدر/ المركز الديمقراطي العربي

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة