بتاريخ 10حزيران 2014 سيطر مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية على مدينة الموصل وامتد نفوذهم وانتشارهم ليشمل عموم محافظتي نينوى وصلاح الدين في وضع شهد انهزام واندحار وتقهقر القوات الامنية والعسكرية العراقية وانسحابها من مواقعها وكان لهذا الحدث أثاره وتبعياته على منطقة الشرق الاوسط عموما والعراق وسورية خصوصا فشكل هذا الامتداد وضعا جديدا وحالة خاصة جعل جميع المهتمين بالشأن العراقي يتابعون ما حدث بحذر وترقب شديدين .
واهم من كان يراقب ويتابع هي الادارة الامريكية فالمناطق التي شملها تمدد وزحف مقاتلي التنظيم هي التي يطلق عليها مصطلح (المناطق ألسنية )وما حدث وجرى هو على اهالي وابناء عشائر السنة في العراق، وهذا يشكل هدفا استراتيجيا ومحورا رئيسيا في معالجة الاوضاع في العراق فالحدث فرض نفسه في ايقاع جديد لكيفية التعامل مع الواقع الميداني على الارض وما فرضه أوجه النزاع العسكري والمواجهة مع التنظيم .
وشعرت الادارة الامريكية بالخطر الذي بدأ يهدده تنظيم الدولة باتساع رقعة تقدمه ليشمل مواقع واماكن اخرى في محافظتي الانبار وديالى بل واجه صعوبة بالتمدد الذي شهده باتجاه اقليم كردستان العراق ولولا التدخل الفوري لطائرات التحالف الدولي وبدأ العمليات الحربية في 7 أب 2014 لكان الامر اختلف كثيرا على الوضع الامني في مدن الاقليم .
وعليه رأت الادارة الامريكية أن سياستها واستراتيجيتها في المنطقة يجب ان تحددها مسارات الاحداث الجارية في منطقة ملتهبة ومهمة من الشرق الاوسط والمتمثلة بمنطقة الحدود العراقية السورية التركية وما تشكله من انسيابية لزحف وانتقال وحركة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية .
وبدأت أولى خطوات رسم معالم السياسة الامريكية في العراق وكيفية تعاملها مع الاوضاع التي أحدثها سيطرة مقاتلي التنظيم على مدن واقضية واماكن رئيسية ومهمة في مناطق سنية كانت تحكمها الادارة الامنية والعسكرية لحكومة بغداد متبعة اساليب وادوات قمعية في علاقتها مع ابناء وعشائر هذا المكون المهم من مكونات المجتمع العراقي ، وبسبب الانتهاكات والاساليب القمعية التي اتبعت في هذه المناطق والتي ساهمت وبشكل رئيسي في دخول وهيمنة قيادات ومقاتلي التنظيم على الرقعة الجغرافية المحددة لتواجد المكون السني .
شعرت الادارة الامريكية أن عليها أن تتخذ مسارات عملية في معالجة الوضع الامني في العراق واللقاء مع حلفائها من القيادات السنية في العراق والتي ضعفت وفقدت الثقة بها من ابناء المجتمع السني بالعراق بسبب عدم مقدرتهم على مواجهة المخاطر التي ادت لانسحاب وتخاذل القوات الامنية والعسكرية العراقية واندحارها امام تقدم مقاتلي الدولة الاسلامية .
وبدأت هذه القيادات والمجاميع السنية من التحرك وعقد عدة مؤتمرات ولقاءات ومشاورات تدار في اروقة المجالس والجلسات السياسية حول مستقبل العراق ومكانة مكون اجتماعي وديني مهم فيه ولكنها فشلت لانها تفتقد الى رؤية دقيقة ولا تستند الى مشروع واضح المعالم ولبرنامج متكامل يحدد مسارات الوضع القادم في البلاد او مستقبل المكون السياسي والاجتماعي والديني الذي تعقد من اجله هذه اللقاءات والمشاورات بسبب افتقارها للبرامج السياسية الواضحة والمشاريع الميدانية التي ترسم الاسس الرصينة لمعالجة المشاكل القائمة وان اغلب القائمين عليها لديهم اجندات وارتباطات سياسية يسعون من خلالها لخدمة مصالحهم الذاتية وتحقيق مساعيهم واهدافهم السياسية على حساب بلدهم وشعبهم وان هذه اللقاءات لا تحاكي الهموم والمشاكل والمصاعب التي يعانيها أبناء المكون السني بل تذهب بعيدا عن رسم الصورة الواضحة للواقع المؤلم الذي يعيشه البلد .
وبعد ان اقتنعت الادارة الامريكية بضعف الرؤية السياسية لقادة السنة في العراق وعدم ايجاد الحلول الكفيلة للأوضاع في المناطق السنية ولمست حقيقة عدم امتلاك هؤلاء السياسيون لفكر وعقل جوال واطر ومضامين صحيحة للتعامل مع ما حصل في مناطقهم اتجهت لعدة تحولات في سياستها بمعالجة الاوضاع بالعراق اتسمت بالاتي:
1.توجيه رؤية الادارة الامريكية بتصعيد وتائر المواجهة مع تنظيم الدولة الاسلامية بعد اشتداد الوقائع على الارض وسيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من العراق وكان اخرها مدينة الرمادي التي شكلت مفاجئة لقيادة التحالف الدولي .
2.الانفتاح على رؤوساء العشائر السنية واللقاء بهم وحثهم على المشاركة الفعلية في مواجهة تمدد التنظيم والاعتماد عليه في تحديد مسارات الوضع القادم في العراق .
3.العمل بجدية على تدريب المقاتلين السنة من المتطوعين في معسكرات خاصة أعدت لهم وبأشراف حصري من الامريكيين دون تدخل وزارة الدفاع العراقي وتشكيلاتها العسكرية .
4.تقديم ضمانات لرؤساء العشائر السنية بحماية مناطقها وتسليمها لهم بعد تحقيق عنصر المباغتة في مواجهة مقاتلي التنظيم واجباره على الانسحاب من المناطق التي أحكم السيطرة عليها مؤخرا .
5.اعطاء العهود والمواثيق من قبل الادارة الامريكية بعدم اقدام القوات الامنية والعسكرية العراقية بحرق المنازل وتهديم الدور والقيام بعمليات السلب والنهب في المناطق التي يتم تحريرها وتسليمها لأهاليها وعدم تكرار ما حدث في مدينة تكريت وبيجي .
6.استمرار دعم القوات الكردية المسلحة في مواجهة التنظيم في المناطق المحاذية لأقليم كردستان العراق وتقديم المساعدة والمشورة العسكرية والفنية وهو ما شاهدناه ولمسناه عند دخول مدينة سنجار وانسحاب مقاتلي الدولة الاسلامية منها.
7.قيام القائد العسكري (مارتن ديمسي ) رئيس اركان الجيش الامريكي بتوجيه الانظار اليه عندما أعلن عن خطته ورأيه في مواجهة تنظيم الدولة في العراق بأنه وجه كلامه للسنة قائلا(ان هذه الحرب ليس حربا يخوضها الامريكيون وانما هي حملتكم والولايات المتحدة تدعمكم ) واشار ان الخطة العسكرية الجديدة التي تحتكم عليها ادارته العسكرية تتمثل في تحرير مناطق سنية متباعدة جغرافيا من سيطرة التنظيم ثم محاولة تقريبها لبعضها البعض من خلال السيطرة العسكرية المشتركة لمستشاريه الامريكان والقوات التي تقاتل على الارض من ابناء العشائر السنية والمتطوعين دفاعا عن اراضيهم .
ضمن هذه الرؤية العسكرية الامريكية الجديدة في العراق كان لمستشاري الرئيس الامريكي (باراك اوباما) أرائهم في حثه على تغيير سياسته واستراتيجيته في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بالعراق بالاعتماد على المكون السني في العراق وتقديم المشورة له في تبني فكرة انشاء (كيان سني ) بعد الانتهاء من القضاء على تنظيم الدولة في العراق واعطاء دور كبير كبير للسنة في قيادة وحكم أنفسهم ودعم القيادات المحلية وجميع قادة السنة على اختلاف اطيافهم وافكارهم وصولا الى اتفاق يقضي الى جعل المكون الديني الاجتماعي السني أكثر تأثيرا في العراق .
وهذا ما اكده الباحث الامريكي (جون بولتون ) الذي كان مساعد لوزير خارجية امريكا بعهد جورج بوش وممثل الولايات المتحدة في الامم المتحدة للفترة من اب 2005 الى كانون الاول 2006ويعمل حاليا في معهد أميركان انتربرايز في مقاله الاخير الذي نشره بصحيفة نيويورك تايمز وذكر فيه ضرورة تشكيل دولة سنية جديدة تضم شمال شرق سورية وغرب العراق وتكون سنية مستقلة بديلا عن الدولة الاسلامية
فهل نرى في مقبل الايام اعلانا لتأسيس اقليما سنيا يكون بداية لانطلاقة جديدة في رسم ملامح الحكم في العراق ام ستعمل الادارة الامريكية لتعزيز النظام الفيدرالي في العراق ودعم الصلاحيات الداخلية التي ستكفل للسنة حماية مناطقهم ومشاركة فعلية و في حكم انفسهم ؟.
المصدر/ مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية