خاص: قراءة- سماح عادل
تاريخ العنف ضد النساء والإساءة إليهن من قبل أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء أو زملاء العمل أو في المؤسسات التعليمية، يسجل أمثلة كثيرة على أنواع العنف الجسدي والنفسي والمعنوي الذي يقع على النساء. فالمجتمعات العربية من المجتمعات التي تعتبر الرجل صاحب الحق في السيطرة علي الإناث فيها، فهن لا يستطعن الدفاع عن أنفسهن أو المطالبة بحقوقهن ولذا يفضلن تحمل الإساءة حتى لا يتشردن .
وهذا يعني أن العنف ضد المرأة يمثل آلية من الآليات الاجتماعية الخطيرة حتى ترغم المرأة على أن تشغل مرتبة أدنى بالمقارنة مع الرجل، وفي كثير من الحالات يحدث العنف ضد النساء والفتيات في الأسرة داخل المنزل حيث يتم التغاضي عن أعمال العنف ومن هذا المنطلق نسلط الضوء على الاهتمام الكبير بدراسة الآثار الاجتماعية والنفسية المترتبة عن ظاهرة العنف ضد المرأة.
نقرأ هنا دراسة ميدانية على عينة من النساء في المجتمعات الليبية ل “د. رشيد حميد زغير” و “د. جوابي لخضر” جامعة البليدة. ترصد الاثار الناتجة عن العنف ضد المرأة.
تهدف هذه الدراسة لمعرفة مظاهر العنف ضد المرأة الأكثر انتشارا في المجتمع الليبي، والأسباب والدوافع وراء تعرضها للعنف، ومعرفة الآثار النفسية المترتبة على العنف ضد المرأة العربية الليبية، وقد أجريت الدراسة على عينة تتكون من 60 امرأة من المجتمع الليبي تعرضت للعنف بنسب متفاوتة، طبقت عليهن استمارة تتضمن 22 سؤالا تتعلق بالعنف ضد المرأة.
الصحة النفسية..
العنف ضد المرأة يعتبر من أكثر العوامل المؤثرة على صحتها النفسية، والعنف يجعلها تشعر بالذل والإهانة وفقدان الثقة أمام الرجل، وأنه في أحيان كثيرة قد تكون المرأة مغلوبة على أمرها، ولا تستطيع دفع الظلم عن نفسها.
فالعنف سلوك مكتسب نتيجة عوامل وأسباب مختلفة في جوانب الحياة، المجتمعات العربية تتعامل مع هذه الظاهرة بشيء من الخصوصية، حيث أكدت الدراسات إن المرأة الآن ليست كما كانت قبل عقدين أو أكثر بل أحرزت المرأة تقدما كميا في ميادين العلم والعمل، ولكن وضعها الاجتماعي لم يتغير كيفيا فهي ما تزال تبحث عن حريتها الاجتماعية ومن هنا جاء تساؤلات الدراسة :
/1 ما مظاهر العنف ضد المرأة الأكثر انتشارا في المجتمع الليبي؟
/2 ما أهم الأسباب والدوافع وراء تعرض المرأة للعنف في المجتمع الليبي؟
/3 ما هي الآثار النفسية المترتبة على العنف ضد المرأة العربية الليبية؟
المفاهيم..
العنف:
هو ممارسة القوة البدنية لإنزال الأذى بالأشخاص أو الممتلكات كما أنه الفعل أو المعاملة التي تحدث ضررا أو التدخل في الحرية الشخصية.
العنف الأسري:
سلوك يصدره فرد من الأسرة صوب فرد آخر، ينطوي على الاعتداء بدرجة بسيطة أو شديدة بشكل متعمد أمثلة مواقف الغضب أو الإحباط أو الرغبة في الدفاع عن الذات أو الاجبار على اتيان أفعال معينة أو منعه من إتيانها. العنف ضد المرأة يتسم بدرجات متفاوتة بأنه سلوك أو فعل موجه من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية، ناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، والذي يتخذ أشكالا نفسية وجسدية ومتنوعة في الإضرار.
العنف الانفعالي:
هو نوع من الانفجار العاطفي الذي يعبر عن توترات ومشاعر متراكمة لهما أسبابها الملائمة.
العنف المباشر :
هو العدوان الذي يوجه مباشر إلى الشخص الذي يسبب لنا الإحباط والفشل ويتم بالاعتداء على مصدر الإحباط والفشل ويتدرج عن الاعتداء الفعلي على الآخرين إلى التهجم اللفظي والتأنيب.
الدراسات السابقة..
الدراسات المحلية:
أولا: دراسة العنف العائلي الموجه من الرجل نحو المرأة.
أجريت هذه الدراسة في مدينة طرابلس، في عام 2001 وذلك لدراسة المتزوجين، حيث أتبعت الباحثة في دراستها منهج المسح الاجتماعي، وقد تكونت عينة الدراسة من 54 مفردة تم اختبارها بطريقة عمديه، حيث هدفت الدراسة إلى معرفة أهم مظاهر العنف انتشارا داخل الأسرة .
أهم نتائج الدراسة:
-1 تبين من الدراسة أن معظم أفراد العينة من المعتدين كانوا من المتزوجين، حيث بلغت بينهم حوالي 6.76 %من مجموعة أفراد العينة، كما أن معظم المعتدي عليهن كن من النساء المتزوجات حيث بلغت نسبتهن حوالي 3.68 %
-2 تبين الدراسة أن معظم المعتدي عليهن أي حوالي ثلاثة أرباعهن لا يعلمن خارج المنزل، وكن من ربات البيوت، حيث بلغت نسبتهن حوالي 37% من عينة الدراسة .
-3 تبين من الدراسة أن أهم الوسائل التي استهدفت في الاعتداء على نساء ضحايا العنف الأسري كانت متمثلة في اليدين والقدمين، حيث بلغت النسبة 28 % من المجموع الكلي.
-4 تمثل الزوجات غالبية العنف الأسري من النساء حيث بلغت نسبتهن حوالي 73 % وتأتي بعدهن نسبة الضحايا من الأمهات، فالأخوات، فالأبناء الإناث .
-5 تبين الدراسة اختلاف مظاهر العنف الواقع على المرأة في الأسرة، وتميزها بالتنوع، حيث وصلت إلى العصا، شملت العنف بنوعيه اللفظ كالإهانة، والسب، والشتم، والتعدي بالضرب الخفيف والمبرح، والحرق والقتل بالرصاص، أو الطعن بالسكين أو الذبح أو الخنق، والاستيلاء على الممتلكات، وحبس الحريات، والإجبار على القيام بالأعمال والحرمان من الضروريات .
-6 تبين من الدراسة أن ردود فعل النساء يتباين اتجاه العنف الواقع عليهن، وتتخذ ردودهن عدة أشكال منها يتم في إطار قانوني لطلب الطلاق، أو اللجوء إلي الجهات القضائية لطلب الحماية، أو الدفاع عن نفسها بعدة طرق كالرد على العنف بعنف مضاد، حيث بلغت نسبة ضحايا العنف الأسري من النساء اللاتي التجأن للقضاء نسبة 77 % من عينة الدراسة .
-7 تبين من خلال الدراسة أن أهم الوسائل التي استخدمت في إيذاء المعتدي عليهن كانت متمثلة في الآلة الحادة والعصا، حيث بلغت نسبتهن حوالي 8.46 % من المجموع الكلي للعينة.
الآثار الاجتماعية والنفسية لظاهرة العنف ضد المرأة:
أجريت هذه الدراسة في مدينة طرابلس (بشعبيتى الزواية والنقاط الخمس) في 2009 وذلك لدراسة الأثار الاجتماعية والنفسية لظاهرة العنف ضد المرأة، حيث أتبع الباحثات في دارستهم المنهج الوضعي، وذلك لجمع البيانات عن حجم الظاهرة ومحاولة تغير أبعادها وملامحها، وقد تكونت عينة الدراسة من 114 مفردة من الفتيات والسيدات في مختلف الفئات العمرية وتم اختيار العينة ثم سحبها بطريقة عشوائية حيث هدفت الدراسة الراهنة إلى التعرف على الآثار الاجتماعية والنفسية لظاهرة العنف ضد المرأة .
أهم نتائج الدراسة:
-1 كشفت الدراسة الميدانية عن أن العنف سلوك صادر عن شخص سواء داخل الأسرة أو خارجها هدفه السيطرة على المرأة وأضعافها باستعمال التخويف أو الإذلال والايذاء الجسدي أو المعنوي أو الجنسي مستندا في ذلك على مجموعة من الأعراف أو القيم المتوازنة التي كونت عدوانية وجبروته لذا بينت الدراسة عن أن الزواج هو أكثر مصادر العنف ضد المرأة وبنسبة 32.31 يليه الوالد بنسبة 28.19، ثم الغرباء بنسبة 66.15 والأخ بنسبة 46.14 والأهل والأقارب بنسبة. 10.84
-2 أن مجتمع الدراسة يتسم بالترابط الأسري وتلعب العلاقات الاجتماعية بين سكانه الدور الأكيد، ولذا توجد أفكار متجذرة في ثقافات الكثيرين والتي تحمل في طياتها التمييز ضد المرأة مما يؤدي إلى تصغيرها وتعويدها على تقبل ذلك والرضوخ إليه وبالتالي قبولها لأشكال وأنواع العنف الصادر من الرجل ضدها .
-3تعتبر المرأة داخل الأسرة من أكثر الأفراد تعرضا للعنف، تبين الدراسة أن البيت هو أكثر الأماكن الذي يمارس فيه العنف ضد المرأة وبنسبة 8.71 ,% كما أثبتت الدراسة أن من الحقوق التي سلبت من المرأة حق المشاركة والاستشارة في أمور الأسرة بنسبة 4.62 %وحق اختيار شريك الحياة بنسبة 7.48. %
-4 بينت الدراسة أن حوالي 50 % من أفراد العينة ترى أن مفهوم العنف ضد المرأة حبس حريتها وحوالي 25 % ترى أن مفهوم العنف هو إرغام المرأة على القيام بأشياء ضد رغبتها، وأكثر من 25 % أيضا ترى بأن العنف يعني الاستخفاف والسخرية من المرأة وأوضحت نسبة 82.72 %من إجمالي العينة بأنها تعرضت للعنف وأن أكثر الأنواع شيوعا كما بينت الدراسة هو إجبار المرأة على أشياء دون رغبتها بنسبة 78.45 % يلي ذلك المضايقات بنسبة 27% والضرب بنسبة 89.22. %
5- من واقع الدراسة الميدانية أن العنف يحدث للمرأة فقدان ثقتها بنفسها يشعرها بالعجز والسلبية والإحباط والكآبة وعدم الشعور بالاطمئنان وفقدان الإحساس بالإنجاز والمثابرة.
أسباب العنف ضد المرأة..
لا يوجد عامل منفرد يعزى له الصنف الممارس ضد المرأة وهناك أبحاث متزايدة تركز على الارتباطات بين العوامل المختلفة التي من المأمول إن تحسن إدراكنا وفهمنا لإبعاد المشكلة في إطار المجتمعات والثقافات المختلفة، ويمكن تتبع أهم أسباب العنف ضد المرأة في الآتي :
1ـ فقدان الموارد الاقتصادية:
إن فقدان الموارد الاقتصادية يدعم هشاشة المرأة للضعف وصعوبة تخليص أنفسهن من العلاقات العنيفة، ويشكل الربط بين العنف والموارد الاقتصادية والتبعية حلقة مغلقة من ناحية، ومن ناحية أخرى، بدون استقلالية اقتصادية لا يمكن للمرأة إن تتلخص من العلاقات الظالمة.
2ـ الاستقرار الاقتصادي :
وضحت بعض الدراسات في العنف ضد المرأة إلى عدم الاستقرار في الأنماط الاقتصادية بالمجتمع وقد أدت سياسات الاقتصادي الكلي مثل برامج التعديل الهيكلي والعولمة ونمو التباين إلى الزيادة في مستويات العنف في مناطق متعددة مثل أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا، كما أدت مرحلة التحول في وسط وشرق أوروبا والاتحاد السوفيتي السابق بزيادة الفقر والبطالة وصعوبة الحياة وتدهور الدخل والضغوطات وشرب الكحول، إلى زيادة العنف بالمجتمع على وجه العموم بما في ذلك العنف ضد المرأة .
3ـ تعاطي الخمور والمخدرات :
لوحظ كذلك إن تعاطي الكحول والمخدرات من العوامل التي تستفز سلوكيات ذكورية عنيفة ضد المرأة والأطفال، هناك الكثير من الدراسات في بولندا وروسيا تطرقت حول العنف الأسري مثلا بموسكو عن إن نصف حالات العنف الجسدي مرتبطة بالتعاطي المفرط من طرف الزوج للخمر .
4ـ الديانات والعقائد الثقافية :
تعطى العقائد الثقافية (في الدول النامية ودول عالم الثالث) الشرعية للعنف ضد المرأة في حالات معينة وبالتالي يشرع مفهوم الملكية السيطرة على المرأة جنسيا والذي أصبح أساسيا في القوانين للتأكيد على الميراث الأبوي، وارتبط جنس المرأة بمفهوم الشرف في الكثير من المجتمعات والتي تسمح الأعراف التقليدية هذه المجتمعات بقتل المرأة سيئة السمعة مثل الابنة والأخت والزوجة التي تشتبه في تدنيسها شرف العائلة بالانحراف في ممارسات جنسية محرمة، أو الزواج والطلاق دون موافقة الأسرة .
5ـ- العقاب الأسرى: يعتبر العقاب سببا من أسباب إثارة وتنبيه القلق والعدوانية
لدى الأطفال. وأول جهة أو سلطة تمارس العقاب لدى الطفل هي الأسرة. لقد أثبتت دراسات عديدة ومنها دراسة وكر مع الآخرين 1991 تلك التي أجريت على عينة قوامها 177 بأعمار تتراوح ما بين 7 -12 عاما طفلا ذكرا.
وكذلك دراسة أوبرين وفريك 1996 التي أثبتت أن قلق الأطفال يزداد في ظل استجابات العقاب أكثر من استجابات الثواب و كان ذلك على عينة قوامها 132 بواقعً 92 طفلا كعينة تجريبية و40 طفلا كعينة ضابطة بأعمار تتراوح ما بين 6 -10 سنوات 1996 .
6ـ عزل المرأة عن بيئتها :
من المعروف إن عزل المرأة عن أسرا ومجتمعها يساهم في زيادة العنف، خصوصا أولئك اللاتي لا يتواصلن مع أسرهن أو المنظمات المحلية ومن ناحية أخرى لوحظ إن مساهمة المرأة بالمنظومة الاجتماعية من العوامل الحاسمة في التقليل من
هشاشتهن للعنف وفي قدراتهن لحل العنف الأسري، وقد تكون هذه المنظومات الاجتماعية غير رسمية مثلا الأسرة والجيران أو رسمية مثل: التجمعات والمنظمات والمجموعات النسائية أو الاتحادات .
7ـ فقدان الحماية القانونية :
يعتبر فقدان الحماية الأسرية بالتحديد بالبيت من العوامل التي تزيد من حجم العنف ضد المرأة لفترة قريبة شكلت المنظومات القانونية عقبه في طريق حقوق المرأة حتى بخصوص المخالفات التي ترتكب بالبيت وفي الكثير من البلدان، أثير العنف ضد المرأة من قبل الهيئات التشريعية وبعض مسئولي تطبيق القانون الذين لا يعترفون بالعنف الأسري. يمكن الحل أولا في رفع الحصانة عن ممارسة العنف كوسيلة مثلى لتفادي أي أضرار متقلبة .
نتائج الدراسة..
– 1 يتبين من خلال الدراسة أن أغلب العنف يقع على النساء التي يتراوح أعمارهن من 30 – 39 سنة.
– 2 أوضحت الدراسة أن المرأة المتزوجة أكثر تعرضا للعنف من قبل الزوج.
– 3 أن أغلب العنف الذي يقع على المرأة في الأسرة الكبيرة والتي يبلغ عدد إفرادها 6 فأكثر.
– 4أن أغلب النساء اللاتي من الخلفية الريفية أكثر تعرضا للعنف.
– 5 من خلال مهنة المبحوثة اتضح أن من هن ربات بيوت يتعرضن للعنف أكثر.
– 6 يتبين أن شعور المرأة نتيجة تعرضها للعنف هو البكاء والصراخ .
– 7 أن أكثر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة هو الشتم والإهانة .
– 8 أن أغلب المبحوثات اللاتي تعرضن للعنف لم يقمن بإبلاغ الجهات الأمنية .
– 9 أن نتيجة ممارسة العنف ضد المرأة حسب رأي المبحوثات هو عصيان الأوامر .
– 10 الدراسة بينت أن أكثر الآثار الاجتماعية التي تتعرض لها المرأة هي عدم الاستقرار الأسري.
– 11 أن أكثر الآثار النفسية التي تتعرض لها المرأة نتيجة للعنف هو الشعور بالإهانة والإحباط.