خاص: إعداد- سماح عادل
ربما يشكل الانعزال شرط أساسي من شروط القراءة والكتابة، بدونه لا يستطيع الكاتب الاستمتاع بما يقرأ أو يكتب، لكن الكثير ممن لم يطالهم شغف القراءة والكتابة لا يفهمون أو يقدرون تلك المتعة الطاغية التي يوفرها الانعزال.
هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:
- هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
- هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
- هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
- هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
- هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟
الكتابة سحر ولعنة..
يقول الكاتب “علي عبد النبي الزيدي”: “هذه واحدة من الإشارات المهمة التي اتذكرها جيدا، كنت كثير الانعزال عن أقراني الذين كانوا بعمري، أقرأ كثيرا خارج مناهج الدراسة، خاصة قصص الأطفال التي اشتريها من مصروفي اليومي، حتى صار عندي مكتبة أطفال صغيرة متنوعة، أحاول أن أدون بعض الأحداث بدفاتري المدرسية، أكتب درس الإنشاء بشكل جيد، وربما هذا الأمر كان من البواكير التي حددت مستوى تفكيري الذي ذهب مع السنوات باتجاه الكتابة للمسرح.
لذلك أقول أنا مختلف تماما عن أبناء جيلي، ولا أتذكر أحداً ذهب باتجاه الكتابة أو المسرح وسواها . في بداية الأمر الكل يتعامل معك باستخفاف ومن ضمنهم العائلة، مع بدايات التفكير والكتابة، وينظرون باستصغار بالتأكيد، من باب ماذا يمكن أن تكون، أو ماذا ستحقق مع وجود أجيال مهمة لا يمكن أن تكون شيئا مهما بوجودها، ولكن مع السنوات والإنجازات التي تحققت عراقيا وعربيا ودوليا، الأمر اختلف تماما، وتحول هذا الولد الصغير إلى واحد من الأسماء المهمة في الكتابة للمسرح، بعد إنجازات يجدها الأغلب بأنها مختلفة ومهمة. “.
ويضيف: “نعم.. كنت أميل للإنعزال، ولكنه ليس بمعناه الذي يجعلك محط استغراب من العائلة وسواهم، ولكن ربما بواكير القراءة والكتابة هي التي كانت تضع علامات استفهام واستغرب من قبل الجميع حول شخصيتي المختلفة، وكان الاصرار رغم الظروف الصعبة والكارثية التي عشتها، اقتصاديا ونفسيا، الا ان هذا الإصرار في نهاية الأمر حقق كل أحلامي على مستوى الكتابة. “.
ويواصل: “بالتأكيد.. كنت أتمنى ذلك، وأقول مع نفسي ستغيرون كل آرائكم بي عندما أحقق حلم الكتابة والإنجاز الذي أبغى، وهكذا مع الزمن حدث هذا الأمر، رغم أن الأهل كانوا يحبونني كثيرا ويتمنون لي كل الخير، ووقفوا إلي جانبي بعد ذلك، عندما شعروا جدية مشروعي المسرحي”.
ويؤكد: “لو ولدت من جديد، لتمنيت ان أكون كاتبا مسرحيا، المسرح حياة وجمال وسعادة ومتعة، ولا يمكن أن أتخيل حياتي دون المسرح والكتابة، إنه السحر واللعنة معا، لذلك انا واقع تحت سحره، ونصاب بلعنته الجميلة، ولا يمكن لي أن أندم يوما على هذا المشروع المهم في حياتي”.
الكتابة حياة..
ويقول الكاتب المغربي “عزيز ريان”: “بطبيعة الحال، وبدأ الاختلاف منذ بدايات الخربشات الطفولية وفي المراهقة كذلك، فلم يكن عاديا أن تكتب أو تحب التعبير والكتابة بشكل عام بين أقراني الذين يتجنبون القلم غالبا. وهذا ما دفع والدي رحمه الله لكي يدفعني لكي أكتب له الرسائل الرسمية والمقالات ووثائق تدريسه وغيرها. وكنت أرى في هذا تميزا بين إخوتي كذلك”.
وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم، وكيف كان تقبلهم لميله إلى القراءة والكتابة يقول: “البداية بالإحساس بأنني لا أشبههم وخصوصا في إلهام الكتابة أو الانفراد للتخلص من ثقل ما. وسؤالهم عن جدوى الكتابة. لكن التقبل الكامل ظهر عند إصدار أول كتاب، ثم تلاحق بعدها في كتب أخرى”.
وعن هل كان يفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب له ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “في البداية كان الانعزال مبتغى لأنني ظننت أن الكتابة تحتاج للهدوء غالبا، لكن بعد سيرورتها في دمي وإحساسي بالغربة صارت الكتابة ضرورة، وحياة تأتيني في كل الأوقات. وصار الانعزال اختياري دون المساس بعلاقتي بهم وغالبا لتطوير الأفكار والبحث عن الإبداع والجديد”.
وعن تمني أن يتعامل معه الأهل والمحيطون بشكل مختلف يقول: “وقتها نعم. لكنني لا ألومهم الآن لأن ذلك مرتبط بأحكام سابقة لديهم وقيمة الكاتب داخل مجتمعنا المغربي الذي يصر على أن المهنة ليست (مهنة) أصلا”.
وعن الندم على شغفه بالكتابة والقراءة وهل كان يتخيل حياته بدون الكتابة يقول: “بالعكس، استعيد كتاباتي الطفولية والمراهقتية وأقول لنفسي لم ولن أندم على أنني اقترفت الكتابة بكل تنوعها (الشعر العامي، المسرح، الرواية) ولا أتخيل أن أحيا بدونها”.
الكتابة وسط الإحباط..
ويقول الكاتب الليبي “علي الجواشي”: ” نعم كان الاختلاف الذي شعرت به مبكرا يتمثل في نقص مخالطتي للأطفال الذين هم في سني ثم اكتشافي لحبي للقراءة وكتابة مواضيع الإنشاء بشكل مختلف ومتقدم بعض الشيء عن مايكتبه أقراني”.
ويضيف: “لا لم يعاملني الأهل بشكل مختلف وإن كانوا حريصين على الانشغال أكثر بالدراسة ومن ثم الاهتمام بالقراءات الخارجية “.
ويواصل: “إلى حد ما كنت أحب الانعزال لوحدي حتى انغمس في إكمال الواجبات المدرسية، ثم أجد وقتا مستقطعا للقراءات الخارجية والشعور بالاغتراب جاء متأخرا وقد شمل وضعي في المجتمع ثم في الكون”.
ويؤكد: “لم اتعرض لأي ضغوط من قبل العائلة لذلك لم أشعر بالاغتراب كما ذكرت إلا في مرحلة متاخرة ..لا لم يخامرني شعور الندم رغم المعاناة التي نتجت عن حالة الاختلاف التي بت أعيشها، ولا أتخيل نفسي بدون القراءة والكتابة رغم كل العوامل المحبطة التي نعيشها”.
متعة الانعزال..
يقول الكاتب السوري “نصار حسن”: “في فترة الطفولة لم يكن الأمر واضحا ولكن فيما بعد مع شغفي للكتابة بدأت أشعر بذلك. والدي كان لديه شغف بالمطالعة ومن مكتبته الخاصة بدأت الاطلاع على الكتب الرائعة . شجعني والدي على القراءة والكتابة، ثم بدأ يملي نصائحه بعدم الانصراف كليا لها والتفرغ لدراستي بشكل أكبر. والدتي أيضا كانت سعيدة بأنها، أي المطالعة، هي الهواية الأكثر أمانا وتهذيبا قياسا بالهوايات الأخرى التي تعتريها الخطورة والشقاوة، وكانت تشاركني أحيانا بعض ما أقرأ تبادلني ما جاء به من أفكار”.
ويواصل: ” نعم كنت أفضل الانعزال، وكثيرا ماكنت أود الانعزال خاصة مع كتاب أو رواية شيقة. كثيرا ما سبب لي الإحراج مع الآخرين لأن الفترة التي كنت أحتاجها في عزلتي طويلة بعض الشيء مع ماهو متعارف ومألوف بالنسبة لهم.
ويضيف: “نعم كنت أتمنى تفهمهم مقدار المتعة والسعادة التي أحصل عليها من القراءة والكتابة”.
ويؤكد: ” لا استطيع أن أعيش إلا من خلال القراءة والكتابة هي الصديق الأقرب لي”.