19 نوفمبر، 2024 10:26 ص
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (8).. الكتابة جنة تتوافر فيها متعة الروح التي تهوي الانعزال

اغتراب الكاتب/ة (8).. الكتابة جنة تتوافر فيها متعة الروح التي تهوي الانعزال

خاص: إعداد- سماح عادل

هل الكتابة متعلقة بجينات الإنسان، وهل هناك اختلاف يحدث لتلك الجينات يجعل الإنسان يميل إلي الكتابة؟، ربما، لا نعرف ذلك، لكن المؤكد أن بعض الكتاب يشعرون أن الكتابة جنتهم الأرضية يتمتعون بالهروب إليها، والمكوث فيها طويلا، ويعدونها غذاء الروح، ووسيلتهم في تحقيق التميز والانفراد.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

الكتابة شذوذ في التركيب الجيني..

يقول الكاتب المغربي “محمد سعيد احجيوج”: “السؤال يقول ضمنيا بأن الميل إلى الكتابة أسبق وهو لذلك سبب الاختلاف؛ “هل شعرت أن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟” لكن من الصعب الحديث عن “ميل إلى الكتابة” في مرحلة الطفولة، والأسهل القول بأن الاختلاف، أو بالأحرى الاغتراب، يمكن أن يقود إلى، أو بالأحرى يتمظهر في، نزعة الشغف بالكتابة. مع ذلك، ربما لو تعمقنا في البحث أكثر لوجدنا أن نزعة الكتابة، أو لنسميه الشذوذ الجيني الذي يصيب الفرد بهذا السرطان، كامنة في بدن الفرد، ويتمظهر عنها نزعة الاختلاف، والاغتراب، قبل حتى أن تكشف نفسها بفعل الكتابة.

نعم، شعرت منذ فترة الطفولة المبكرة أنني مختلف، مبتعد عن وسطي، والميل إلى الكتابة (والقراءة بطبيعة الحال) نتيجة لذلك وسبب في ذلك”.

ويواصل: “اختلافي كان واضحا جدا، وانغماسي في القراءة لم يكن بالإمكان إخفاؤه. خلق هذا نوعا من التذمر عند الأب، لكن هذا كل شيء. لم يصل الأمر أن يعاملني أهلي كأني منبوذ من وسطهم”.

ويضيف: “نعم فضلت دائما الانعزال، والسبب هو اختلاف الاهتمامات وانغماسي الدائم في القراءة. أما شعور الاغتراب فهو عام يشمل وجودي في المجتمع كاملا. كنت، وما زلت، أحسني غريبا لا أنتمي إلى هذا المجتمع حيث أنا”.

ويتابع: “لا. لم يشكل لي الأمر أي مشكلة، بل بالعكس كنت مستمتعا بوحدتي، مكتفيا بنفسي، أنزعج إذا لم يتركني أهلي وشأني”.

ويؤكد: “إطلاقا لست نادما، حتى وإن كنت أجدني في لحظات التفكير المغرقة في مفارقة الواقع على التأمل في فعل الكتابة باعتبارها مرضا، شذوذا في التركيب الجيني للإنسان. لكن هذا موضوع آخر. لم أندم على شغفي بالقراءة والكتابة، ولا أتخيلني أحيا دونهما”.

الجنة في عزلة الكتابة..

ويقول “عبدالرحيم حسن حمزة” شاعر وكاتب سوداني: “ثمة علاقة خاصة وثيقة بين الفضول الشديد لمعرفة تفاصيل الأشياء الدقيقة ومحاولة إعادة قولبتها وفق رؤية ذاتية لإنتاج تصور شبيه أو موازِ. قد يبدو هذا مدخلا غريبا أعبر به عن ذاتي الكاتبة فما العلاقة؟. لا أبالغ إن قلت إنني أذكر أشياء كنت أفعلها في سنتي الرابعة أو الخامسة!!. وعاء الذاكرة المهيأة للاختزان. أذكر مثلا تفكيكي للأجهزة الكهربائية والألعاب وبراغي الأثاثات، لإمعان النظر في العلاقات الداخلية ما بين الموصلات والخطوط المتشابكة، متسائلا عن المغزى من كل هذا وذاك.

هذا الأمر يضعك مباشرة أمام عزلة غير مسيطر عليها، تحتاج إليها في محيطك الصغير. ينتقل هذا الأمر مع الوقت ومع نمو وعيك الأبجدي إلى أغلفة الكتب والمنشورات الورقية، ثم ترغب في الإحاطة الشاملة بالتفاصيل، ثم تبدأ في عملية محاكاة متواترة مستمرة لا تكاد تنفك عنها، عنوانها السؤال الكبير: (ما السحر الذي تنتجه الحروف والكلمات حين يعاد تفكيكها وتركيبها لصناعة موبيليا جديدة غير قابلة للكساد؟)”.

ويضيف: “يختلف الناس في مستويات تقبلهم لفكرة كونك قارئا شرها وكاتبا مهتما، بحسب الميل والثقافة. بعض الأقارب اعتبروني مهووسا أضيع وقتي سدى حتى أمد قريب، وحتى تبين لهم أنني ربما أفعل أشياء ذات نفع، ومع حصولي على بعض الجوائز كحافز معنوي أو حتى مادي، وأن ابنهم سيشار إليه بالبنان الآن. أذكر أنني توضأت مرة فداهمتني فكرة ملحة لم تزل بي حتى دفعتني للصلاة عكس اتجاه القبلة. لم أستفق إلا على صراخ شقيقي الأكبر بأنني صرت مجنونا دون شك، وأن الكتب التي أحشو بها رأسي قد أفسدتني تماما”.

ويكمل: “إن محراب الكتابة هو محرابك الخاص ومدينتك الأثيرة التي تضع لبناتها المشوقة بشغف لا يستظهره سواك.. لذا، فإن اعتزالك للمحيطين لا يمثل انفصاما تاما، بل هي جولات من التغرب القسري تحاور بها ذاتك وتعالج انفعالاتك بعيدا عمن لا يستشعرونها”.

ويواصل: “إن الكاتب الواعي بنبل تأثير صنعته وحدودها لا يهمه من الأمر سوى الاعتراف به وبأهمية ما يفعل. الأثر المعنوي كلمسة حانية تحفز المضي إلى  المستقبل. ليس على الكاتب أن يشعر بالتميز المفرط الذي ينأى به عن إنسانية حقل المعرفة الوريف”.

ويؤكد: “شغف الاطلاع والكتابة يوازي قدرك المحتوم لا تبغي خلاصا منه ولن تستطيع ولو حرصت. لا يمكنك أن تندم على أمر لا تملك فيه أمرا ولا نهيا. أحد أساتذتي الفضلاء أصدر ما يشبه بيانا لاعتزال مهنة القلم وكنت أعرف أنه لن يفلح حتى نقض غزل بيانه بيديه. تخيل أنك في الصراط يوم القيامة فهل كنت ستجتازه ركضا أو حبوا وفق إرادتك في سبيلك إلى بلوغ الجنة؟.. إنها صناعة مكلفة مرهقة وحسب. إن جنتك في عزلة الكتابة هي تمكنك من خلق بصمة مائزة تجعل منك إنسانا ذا قيمة مضافة لميراث لا ينضب”.

غذاء الروح بالكتابة..

وتقول الكاتبة السورية “مها سليمان”: “نعم شعرت بالاختلاف بفترة الطفولة والميل إلى السياسة بالمرحلة الابتدائية استهواني الشعر الملتزم والهادف لم أكتب خلالها لعدم الاهتمام من الأهل لكثرة عددنا، كنت أحب قراءة الروايات وخاصة المترجمة منها لكتّاب أجانب اختلافي عمّن حولي هو عالمي الخاص وأحلام اليقظة فيها متعة لاتوصف ولا أحد يفهما سواي”.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنها غريبة عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى القراءة والكتابة تقول: “الأهل في القرية لايعيروا انتباههم لمثل هذه المشاعر لكثرة أشغالهم إذ كنا عشرة أخوة وأخوات، ولكن الوالد كان يقرأ علينا الشعر البدوي القديم ويطلب تفسير المعنى فكنت أقدرهم على الإجابة. وأحيانا نتبارى بأبيات الشعر وهذا محفز لحفظ أكبر عدد من الشعر أسماء الشعراء بكل تقدير واحترام لهم، وخاصة الشعر القديم. والذي ميّز أسرتي أننا درسنا جميعنا ونلنا الشهادات العالية والمتوسطة”.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لها ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم تقول: “أحب الاعتزال منذ صغري وإلى الآن ولكن حين أحتك مع أسرتي أتكيف بسرعة أمتلك القدرة على الاعتدال بين الخيال والواقع، هذه الصفة تريحني بالتعامل مع الأهل والأصدقاء وفي العمل أثناء تدريسي للطلاب لا أملّ من الانعزال واجتماعية جدا إن حكمت الظروف”.

وعن تمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطون بشكل مختلف تقول: “نعم أتمنى وخاصة الأهل لقد ولدت بعد أربع أخوات وحين ولد الذكور بعدي كانت المعاملة نوعا ما تزعجني، علما بأن الأهل رائعين وخاصة الوالد ممكن إحساسي الزائد أثر بمشاعري وهذا مايميز صاحب الموهبة عن غير”.

وعن الندم علي شغفها بالكتابة والقراءة وهل كانت تتخيل حياتها بدون الكتابة تقول: “لست نادمة أبدا لأن شغف الكتابة فرض نفسه للموهبة التي مُنحت لي من الله إذ أمتلك عالمين المميز بهما الخيال والواقع، وما بينهما حياة تحمل الكثير من السعادة، ومع كل مُنجز أشعر بدفء العطاء والتميّز، لا يمكن للكاتب أو الشاعر الحياة بدون الكتابة فهي النفَس والغذاء الروحي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة