19 سبتمبر، 2024 3:57 ص
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (4).. الكتابة تحمي الطفلة من أن تنساق لمجتمع منحاز

اغتراب الكاتب/ة (4).. الكتابة تحمي الطفلة من أن تنساق لمجتمع منحاز

 

خاص: إعداد- سماح عادل

الاغتراب التي تشعر به الكاتبة يبدأ في التكون منذ مرحلة الطفولة، حيث تشعر باختلافها كأنثى في مجتمع منحاز للذكر، وتشعر بوطأة اختلافها كفتاة لديها خيال خصب، ولديها رغبة في الانعزال، ولديها شغف بالكتابة والقراءة، هذه المعاملة القاسية من الأسرة ومن باقي المحيطين تزيدها اصرارا، ويحميها الوعي الذي تكتسبه ويتطور من أن تنسحق تحت وطأة قهر الأنثى الذي يحدث لها.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1.  هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

معايشة حيوات الشخصيات..

تقول الكاتبة المصرية “مي الحجار”: “غالبا الموهبة تحتاج لحادثة أو موقف مؤثر حتى تظهر، فكوني كاتبة من ذوى الاحتياجات الخاصة “بإعاقة حركية”، جعل حياتي أقل انطلاقا من حياة الطفل العادي. فلم يكن أمامي سوى الكتب كاختيار أول للتسلية وقضاء الوقت والترويح عن ملكاتي المحبوسة في جسد مريض، ولذلك أجبرتني ظروفي الصحية على استبدال اللعب مع من هم في مثل عمري بالكتب، خاصة القصص وكتب الخيال العلمي. وهذا كان تعويضا كريما جدا من القدر لي.

طبعا كان لي أصدقاء ولكن الكتب كانوا الأصدقاء الأحب والأقرب لقلبي دون أن أشعر وأعي في مثل هذا السن، ولكني الآن أعرف أن الكتب أروع صديق. فيكفي أنك مهما ابتعدت عنه وعدت له ستجده في انتظارك. وكثرت القراءة، جعلتني أحلم بأن أكتب مثل الروائع التي قرأتها، وهذه كانت البداية”.

وعن هل عاملها الأهل داخل الأسرة كأنها غريبة عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى القراءة والكتابة تقول: “كنت محظوظة للغاية بأمي، كانت امرأة رحمها الله استثنائية الجمال والوعي، كان همها الأول والأخير صنعي “أنا” وإخوتي، وتقديمنا للحياة في أبهى الصور. حرفيا ودون مبالغة أفنت نفسها لأكون أجمل شيء استطاعت صنعه، وكأنها خلقت “رحمها الله”  من الحنان والرحمة والذكاء الفطري، الذى سخرته لدعمي وصنع كياني الثقافي. إنها أسطورتي وأستاذتي وأهم قدوة على الإطلاق قد يعرفها إنسان.

لذلك لم تبخل على بالكتب أو المحاضرات أو اصطحابي إلى أي ندوة أو حفل ثقافي أو مسرح له قيمة فنية أو متحف به تاريخ حافل. كانت حرفيا تصنع مني “إنسان سيكون له شأن”. تخيلي أن يهديكي القدر أم بنكهة صديقة” .

وعن هل كانت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لها ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم تقول: “للأسف حاليا العافية والهدوء والسلام النفسي  مصدرهم الأول اعتزال الناس، والمقصود ليس العيش في كهف أو في برج عاجي بعيدا عن الناس وأوجاعهم، ولكني أفضل قضاء الوقت في منزلي بأبسط الطرق كالطبخ أو مشاهدة فيلم قديم  أو كتاب مسلي، عن مجالسة أشخاص همهم القيل والقال أو انتقاد الآخرين للتقليل منهم أو مجالس النميمة النسائية، أما الأسرة، فلهم مثل اهتمامي بالكتب والأفلام والموسيقي الراقية، ويكفيني إذا اجتمعت بأخواتي وأبنائهم في نقاش هادئ أو مشاركة وجبة، فنعوض غيابنا عن بعض أيام وأحيانا أسابيع، فيعود الدفء ويختفي “الاغتراب” من نفسي ولو مؤقتا، بعد غرقي في تفاصيل التفاصيل الخاصة بأبطال رواياتي وكتبي ” .

وعن هل كانت تتمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطون بشكل مختلف تقول: “كنت أتمنى لو أحد أخواتى له نفس موهبة الكتابة لنصنع روايات مشتركة الكتابة، ومع ذلك أنا محظوظة بحب أخواتي وخاصة أبنائهم لي ولكتبي وفخرهم بي وهذه نعمة كبيرة من الله”.

وعن الندم علي شغفها بالكتابة والقراءة وهل كانت تتخيل حياتها بدون الكتابة تقول: “أغلب الناس تحبني لأني أكتب وأطبخ جيدا، ولكنى لا أتخيل نفسي دون قلم دون كلمة حق “احشرها” بين سطور رواية أو قصة لتصل ولو بعد حين لمن يهمه الأمر. لذلك ورغم وجع الكتابة والمجهود الذى يبذل في سبيلها وسبيل إخراج كتاب جدير بالقراءة فأنا لست بنادمة، بل أدعو الرحمن ليل نهار أن يتم نعمته على ويرزقني حروف من ذهب تعبر العقول والقلوب وتنصر المظلوم وتهدى الضال وتعبر المحيطات وتصل لكل قارئ فطن”.

الكتابة القلب النابض لحياتي..

وتقول الشاعرة المغربية “ليلي التجري”: “في طفولتي كنت تواقة لتأمل الأشياء والوجود، وودت أن أرسم السعادة والابتسامة على وجوه الفقراء والمساكين، وأن أمحو حزن قلوبهم. كنت دائمة التأمل ونفسي طواقة لنشر الأمل والبسمة. أحيانا كنت أتأمل السماء والأرض وما تجود به من عطاء وخبايا الأنفس .

في طفولتي كنت أقول للمحيطين بي كل الناس طيبين على سطح الكرة الأرضية ويبتسمون لما أقول، حاولت أن أبدع أفقا لخير يعم ويسعد الجميع، بعيدا عن قوى الشر، في سعي لنفث غبار الوهم من عليها”.

وعن هل معاملة الأهل داخل الأسرة كأنها غريبة عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى القراءة والكتابة تقول: “أسرتي هي السند والدفء، روحي وكياني ولها دور كبير في صقل موهبتي .أتذكر يوم  إصرار والدتي حفظها الله على متابعة دراستي الجامعية .

من تم تولد لدي الرغبة في تحقيق حلم والدتي من جهة، ومن جهة أخرى حلمي أن أصبح كاتبة في يوم ما. وبالفعل انطلقت في الإبداع من تجارب معاشة محاولة في كتاباتي رسم السعادة والبهجة في وجدانهم وهم يقرؤون ما أكتب.

وأسألهم: هل أنتم سعداء لما كتبته؟ فيبتسمون فأبتسم لأنهم يبتسمون”.

وعن هل كانت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟ تقول: “أحيانا كنت أميل للعزلة حينما أود الغوص في تجربة إبداعية جديدة، أجد ملاذي في غرفة لوحدي وأحيانا ألجأ للبحر وأحيانا أخرى أسافر إلى أرض الأجداد جبال مرنيسة المغربية لنفس وإبداع جديد”.

وعن تمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطون بشكل مختلف تقول: “يروقني جلسات العائلة والأصدقاء والحكايات التي كانت ترويها لي جدتي رحمها لها، وحكايات والدي عن تاريخ المغرب، ومغامراته في بلاد المهجر. في تعاملي مع المحيطين بي يعجبني كثيرا حضور اللمة الثقافية، وأن أتعامل معهم بنوع من التقدير والاحترام بالتواضع والبساطة وشغف المعرفة”.

وعن الندم على شغفها بالكتابة والقراءة  وهل كانت تتخيل حياتها بدون كتابة تقول: “على الاطلاق من ذلك شغفي بالكتابة والقراءة يزداد كل يوم، لا حدود لذلك. ومبتغاي أن تتحقق الغائية أمتع وأستمتع وأفيد بما أكتبه. الكتابة مصدر سعادتي وتفريغ أحزاني. من جهة أخرى ينبغي تشجيع المبدعين والمبدعات ودعم خطواتهم الأولى، وتحفيز الناشئة على حب القراءة .

أستحضر هنا أول عمل إبداعي ديوان شعري لي “شظايا ذاكرة “، وأشكر من خلال ذلك الأديب المغربي “مصطفى لغتيري” على تشجيعاته المتواصلة لإصدار أول ديوان لي واهتمامه الراقي بالمبدعين والمبدعات .بالنسبة لي “الكتابة القلب النابض لحياتي”.

الكتابة معرفة ووعي وحماية..

وتقول “انتصار بوراوي” كاتبة وقاصة من ليبيا: “في طفولتي لم أشعر بالاغتراب لأنى كنت طفلة مشاغبة أحب الانطلاق واللعب والخروج من البيت إلى فضاء الشارع للعب مع البنات، ولم يكن يشدني للبيت إلا تلك المكتبة التي كان والدى يخصص لي فيها رف يجمع عليه ما يشتريه من مجلات الأطفال، التي كنت لا أمل من إعادة قراءتها.

ولكن الاغتراب الحقيقي حدث حين صدر قرار من  أسرتي بالتوقف عن الخروج للعب بجوار البيت مع رفيقاتي، باعتبار بأنى وصلت لسن البلوغ ولم أعد طفلة، هنا حدثت الصعقة الأولى وإدراكي بأنى لا أمتلك حرية إخوتي الذكور للخروج والدخول كما أشاء، وأن البيت والمدرسة فقط هما المكانان الذى على أن لا أخرج من إطارهما.

فكانت الكتابة ملاذي لمحاولة فهم الفروقات، وتكون في عقلي وفكري مبكرا تمرد على الواقع المجتمعي الصعب، الذى يرسم تحركات الفتاة منذ بلوغها، وكانت غرفتي هي موطن عزلتي للقراءة والكتابة، فرافقتها ورافقتني وشهدت على كل  أحزاني وأحلامي التي تحقق البعض منها والتي طار البعض منها محلقا بعيدا في فضاء العدم”.

وتضيف: “بالطبع كنت مختلفة في العائلة وكان أقاربي ومعارفي و أخوتي ينظرون إلى باستغراب، رغم أن والدى الله يرحمه كان  قارئ من الطراز الرفيع وكانت لديه هواية كتابة القصائد والقصص في بداية شبابه، ولكنه توقف عنها حينما ثقلت مسئولياته العائلية، وهو الوحيد الذى تفهم اتجاهي للكتابة والقراءة وكان يطلق على لقب “الكاتبة الصغيرة”، وكنت أطلعه على ما أنشره من قصص ومقالات بالصحف. ولكن إخوتي كانوا يستغربون توجهي ويسخرون أحيانا من عزلتي وعشقي ونهمى للقراءة والكتابة،  وكانوا لا يفهمون كيف يمكن أن أقضي ساعات معتزلة  في غرفتي وسط أكوام الكتب والأوراق المتناثرة، لكتابة ما يجول بذهني، وكان دائما هناك شعور بالاغتراب معهم رغم محبتي الكبيرة لهم”.

وتواصل: “طبعا كنت أتمنى أن يعاملني الأهل وحتى محيطي في العمل والمجتمع بطريقة أكثر تفهما، ولكن الحقيقة أن المجتمع العربي والليبي تحديدا لا يتفهم طبيعة الكتابة ولا الكاتبة، وبالنسبة لي تعرضت للمحاربة من أحد المسئولين بالمؤسسة التي أعمل بها في بداية عملي  عندما قرأ ما أكتبه من مقالات وقصص عن المرأة وما تتعرض له بعض النساء من ظلم اجتماعي، وكان يرى بأنى مارقة على المجتمع.

ولكنى أبدا لم أخنع لما تعرضت له من سخرية وإحباطات وعدم فهم من الآخرين، لأنى أدرك الذهنية المبنية عليها المجتمع حولي، وأزددت  إصرارا على مواصلة الطريق مهما كانت الأثمان، ونتيجة لكل ذلك عشت في حالة اغتراب مع المجتمع  حولي الذى لم يتفهم عشقي للكتابة والقراءة ولم يدرك بأنها الهواء الذى اتنفسه ومن غيرهما أشعر بالاختناق”.

وتؤكد: “لست نادمة على شغفي بالقراءة والكتابة وأحيانا يدور في رأسي سؤال  ترى كيف كانت ستصبح حياتي لو لم أعشق القراءة والكتابة؟ ، أتصور بأنى لولا الكتابة ربما كنت امرأة أخرى منساقة تماما لما يمليه المجتمع على عقلها .

ولكن امتلاكي لعقل نقدى وهو عقل الكاتبة والقارئة بداخلي وضعني في مسار آخر للحياة، وربما لو لم يكن والدى عاشق للقراءة والكتابة ولم استيقظ وتتفتح عيوني على مكتبته المذهلة بكتب وروايات نجيب محفوظ ويوسف إدريس والسباعي وأرنست همنجواي والكسندر دوما ودوواين نزار القبانى والسياب وغيرهم من أساطين الأدب العربي والعالمي، لما كنت  الكاتبة التي أنا عليها اليوم، وربما كانت الحياة ستختار لي طريقا آخر قد يكون مؤذيا، ولكنى أدين للكتابة والقراءة بالكثير فهي أهدتني المعرفة والوعى والقدرة على الصمود في مجتمع قاسى صعب ولولاها لاختنقت ولولاها ربما أصبت بالجنون”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة