13 نوفمبر، 2024 12:21 م
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (3).. الكتابة تمنحك حيوات أخري وتهديك التميز

اغتراب الكاتب/ة (3).. الكتابة تمنحك حيوات أخري وتهديك التميز

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك كتاب لم يعانوا من النبذ أو التعامل السيء من قبل الأسرة، بالعكس لاقوا التشجيع والدعم والاهتمام، لكنهم مع ذلك شعروا باغتراب في البيئة المحيطة، هل يجعلنا ذلك نتساءل عن الصورة النمطية للكتابة في أذهان معظم الناس في مجتمعاتنا، وخاصة الطبقات المتوسطة والكادحة، وهل يعتبرون القراءة والكتابة احدي الرفاهيات.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

حيوات أخري مضافة..

تقول الكاتبة العراقية “صبيحة شبر”: “شعرت كثيرا بالغربة أيام الطفولة، ولم يكن الميل إلى الكتابة واضحا في السنين الأولى من الدراسة الابتدائية ، بل ظهر الميل  بوضوح في السنة الثانية، كنت أحب تأليف الحكايات مقلدة ما كانت تقوم به الجدات  من رواية الحكايات والقصص  التراثية أمام أسماعنا نحن الأطفال، وكثيرا ما كنت أضيف أمورا كثيرة وأحداثا لم تحدث في الحكاية الأصلية، فيقوم الأطفال بتصحيحها لي، لكن حب رواية الشعر ظهر عندي في السنة الثالثة، أما الكتابة  فقد شجعتنا عليها معلمة اللغة العربية في السنة الخامسة الابتدائية، وحين طلبت منا كتابة موضوع عن الأم كانت، كتابتي موضع استحسان فقد طلبت مني المعلمة أن أقرأ الموضوع الذي كتبته على مسامع التلميذات، ومنذ ذلك الوقت أحببت الكتابة والقراءة”.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنها غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى القراءة تقول: “كنت  أشعر بالغربة رغم أن الأسرة كانت ترعاني وتوفر لي أسباب الراحة،  فقد كنت البنت الأولى لأبي وأمي وكنت موضع الاهتمام والرعاية، حين ظهر ميلي إلى القراءة شجعني أبواي، وأبي كان يملك مكتبة كبيرة في المنزل شجعني على قراءة الكتب الموجودة فيها، ولم أحب قراءة كتب الأطفال التي كانت تناسب سني حينذاك، بل كنت أفضل كتب الكبار”.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة تقول: “كنت أفضل الانعزال عن أفراد الأسرة  وكان شعوري بالغربة كبيرا، وحتى أنا مع الناس أشعر بالغربة، ولم تتخفف غربتي إلا بعد أن صرت في الثانوية، وكان الكثير من الطالبات يشبهنني في حب القراءة والكتابة  وكانت الأستاذات في الدراسة الثانوية يشجعن على القراءة والكتابة، فكنا نتنافس  في قراءة الكتب وتحليلها والكتابة عنها ونشر التحليلات في نشرات كانت المدرسة تصدرها”.

وعن تمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطون بشكل مختلف تقول: “لم أكن أتمنى ذلك فأنا في موضع يحبني أبي وأمي وأخوتي الأصغر مني،  لكني كنت أشعر بالغربة حين أكون مع أناس لا يحبون القراءة كما أحبها أنا،  ولا يميلون إلى الكتابة كما كنت وصديقاتي في الثانوية وفي الجامعة”.

وعن الندم علي شغفها بالكتابة والقراءة وهل كانت تتخيل حياتها بدون الكتابة تقول: “لست نادمة بل اعتبر الآن أن القراءة هي  التي أفادتني في كل عمري،  فقد أضافت إلى حياتي القصيرة مئات الحيوات الأخرى،  كان من المستحيل أن أعرفها لولا القراءة التي عرفتني إلى الحضارات القديمة ومنعتني من التعصب، وأرى الآن أن القراءة كانت من أجمل الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان ويحافظ عليها، لأن أعباء الحياة كثيرة قد تحول بين المرء وبين القراءة، وخاصة النساء اللاتي عليهن  أعباء كثيرة مثل العمل خارج المنزل والأشغال المنزلية وتربية  الأطفال ورعايتهم،  وهذا يتطلب الكثير من الوقت حيث منعت الكثيرات من مواصلة القراءة والكتابة”.

الكتابة منحة وهدية..

تقول الكاتبة الليبية “محبوبة خليفة”: “الحقيقة من للصعب توصيف مشاعري في تلك الفترة، لكنني مررت بمشاعر مغايرة لمحيطي وتيقنت من ذلك وأتعبتني تلك المشاعر  بعض الشي”.

‎وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنها غريبة عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى القراءة والكتابة تقول: “كانت الأجواء المحيطة بي حاضنة وليست طاردة، وأعتقد أنها ساهمت في تكثيف ارتباطي بالقلم، بالتشجيع وتهيئة المساحة المتاحة لي للقراءة التي ساعدت على الكتابة فيما بعد”.

وعن هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لها ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم تقول: “الانعزال ضرورة لتكثيف التأمل واستدعاء النص، وعني كإنسانة لم يراودني هذا الشعور، الغربة، ولا أعتقد أن المحيطين بي لاحظوا ذلك أو اشتكوا منه”.

وعن  هل كنت تتمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطين بشكل مختلف تقول: “لا كنت متوائمة مع الأهل ومع محيطي، وأجدُ دائماً العذر لمن لا يجيد معاملة المبدع كما يحب. الاقتراب ممن حولك إبداع في حد ذاته وهو كنز للمبدع إن أجاد البحث عنه واكتشافه”.

‎وعن الندم علي شغفها بالكتابة والقراءة وهل كانت تتخيل حياتها بدون الكتابة تقول: “على الإطلاق بل إنني أعتبر الكتابة منحة وهدية أعطت لحياتي بهجةً وسعادة إضافية، ولا يمكنني تخيل حياتي بدونها فهي نعمة تمنح العمر سبباً للاستمتاع به”.

الكتابة خلقت حياة مميزة..

وتقول الكاتبة التونسية “فاطمة بن محمود”: ” كانت طفولة في محيط عائلي واجتماعي فقير، كل شيء منمط وكل العلاقات محددة، اﻷمهات في البيوت واﻷباء في العمل والأطفال بعد الحصص الدراسية في الزقاق. كنت أترك قلبي معلقا بالمدرسة ولم يكن الزقاق يستهويني ولا ألعاب البنات تغريني، لذلك كنت ألوذ بغرفة صغيرة وأجعلها صومعتي اﻷثيرة. هناك أستمتع كثيرا بقراءة كل ما تلمسه يدي وخاصة الصحف التي يأتي بها أبي من مكاتب العمل التي كان ينظفها.

في الغالب هي صحف قديمة غير أنها كانت عالمي الجميل، أتذكر جيدا جريدة “بلادي” وكنت أقرأ فيها كل شيء: مقالات في السياسة والمجتمع وصدى المحاكم وأخبار الرياضة وطرائف من العالم وحظك اليوم و صحتك بين يديك وركن التعارف الخ. كنت لا أفهم الكثير مما أقرأه ولكن كنت أستمتع كثيرا بفعل القراءة في ذاتها. لم أكن أشبه أحد ممن يحيط بي، كنت مختلفة عن الجميع”.

وعن هل عاملها الأهل داخل الأسرة كأنها غريبة عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلها إلى القراءة والكتابة تقول: “الآن وأنا أتذكر تلك المرحلة وأستعيد صورة تلك الطفلة التي لا تحب اللعب مع أترابها كثيرا وتميل إلى العزلة وأدمنت قراءة الجرائد القديمة، وقراءة أوراق المجلات التي تلفّ فيها أشياء يأتي بها اﻷب إلى البيت مثل الغلال، وقراءة كل ما هو مكتوب حتى الملصقات على علب اﻷدوية وغيرها..

بالنسبة لعائلتي  كانت تلك طفلة  غير عادية ولا تميل لوجود الضيوف في البيت ﻷنهم سيقاسمونها غرفتها الصغيرة ويزعجونها في عزلتها، وهذا يعني أني كائن غير أليف لذلك لم أكن طفلة محبوبة. لم تنتبه عائلتي أن اختلافي ميزة، كان بالنسبة إليهم مجرد اختلاف يصلح أن يكون موضوع تهكم وسخرية، وأعتقد أن ذلك خلّف ندبا في ذاكرتي”.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لها ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم تقول: “نعم كنت أفضل الانعزال عن المحيطين بي، الذي عزز هذه الرغبة أنه لم يكن لي إخوة يمكن أن يأخذوني إلى عوالمهم أو آتي بهم إلى غرفتي الصغيرة، لذلك كان من السهل أن أتوغل في عزلتي، تدريجيا تقبّلت العائلة ذلك وربما وجدته مكان آمن بالنسبة لطفلة وأفضل بكثير من اللعب في الزقاق أو في الساحات القريبة من البيت.

بالنسبة لي لم أكن أشعر بالغربة، لم أكن أفهم دلالة الغربة أصلا ولكن كنت أشعر أن تلك الغرفة الضيقة تتسع ﻷحلام طفلة صغيرة تدمن على قراءة الصحف وأصبحت لاحقا تأتي بكتب ملونة من المكتبة العمومية المجاورة لحيها وتستمتع بتلك العوالم المدهشة والساحرة التي أجدها في القصص”.

وعن تمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطين بشكل مختلف تقول: “أعتقد أن التمني لا معنى له الآن، فقد انتهى اﻷمر ولم يعد بالإمكان أن نأتي بذلك الزمن لنغير فيه، ثم إن عدم اﻻهتمام بي في تلك الفترة من طرف العائلة وتحويل اختلافي إلى موضوع للتندر وربما للتنمر عليّ يبدو متناسقا مع محدودية الوعي ﻷبوين أميين ولعائلة فقيرة تسكن منطقة عشوائية. يعني تصرفهم تجاهي كان ينسجم مع الوضعية النفسية والذهنية واﻻجتماعية، وهذا ما يجعل من وضعي الآن ككاتبة أمرا مهما يضفي معنى لحياتي ويدل كم كنت على حظ كبير ﻷني تمسكت بأحلامي التي كانت تبدو مستحيلة في تلك الفترة  وبعدها ﻷكون ما أريد “.

وعن هل هي نادمة علي شغفها بالكتابة والقراءة وهل كانت تتخيل حياتها بدون الكتابة تقول: “أعتقد أنه سؤال سيء الطرح، كنت سأندم بشدة لو لم تنقذني الحياة من نفسي ومن عائلتي ومن العالم الذي نعيشه. بدون الكتابة لم تكن لتكون لي حياة  أصلا.

كنت سأكون نسخة مكررة من الكثير من النساء في العالم، وكنت سأكون عابرة ودون أثر يدل أني كنت يوما في هذه الحياة الجميلة.  الكتابة عندي هي الحياة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة