19 نوفمبر، 2024 6:30 ص
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (29).. واقع مواز وحلمي أكثر اتساعا ورفقا من واقع قاس بلا أبواب

اغتراب الكاتب/ة (29).. واقع مواز وحلمي أكثر اتساعا ورفقا من واقع قاس بلا أبواب

خاص: إعداد- سماح عادل

ربما يسبب الاختلاف بعض الأذى لبعض الكتاب، بسبب عدم تفهم الأهل والمحيطين بيهم جوهر اختلافهم، فيتم التعامل معهم بقسوة، بحدة، بسخرية، ولوم وربما بفرض عقاب، وإجبار علي ترك الانعزال والانسجام والتفاعل مع المحيط، وربما يتم استغلال طبيعة الكاتب المختلفة، والتعامل معه بشكل سيء لكونه غير مرتبط بالواقع بشكل كاف.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

الانحباس في عالم حالم..

يقول الكاتب اليمني “حميد الشامي”: “رغم أنني ومنذ سن الثالثة عشر قد اكتشفت نفسي في الكتابة وبدأت بكتابة كل شيء تقريبا، “شعر غنائي- نثر- قصة إلى آخره”. إلا أنني اعتقد أن العوالم الساحرة التي سكنتنا مبكرا هي لكوننا متلقيين شغوفين. أظن أن عالم السينما والروايات هم الأشد تأثيرا بعوالمهم التي تكبر بداخلنا رويدا رويدا. الاختلاف والغربة ينشئان من هنا “وجود واقع موازي وحلمي أكثر اتساعا ورفقا من واقع قاس بلا أبواب””.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم، وكيف كان تقبلهم لميله إلى القراءة والكتابة يقول: “شخصيا كان ميلي إلى الأدب والفنون عامل من عوامل التميز، ولكن المحيطون بي كان شغفهم في السياسة أكبر وكان هذا المجال قد شكل جزء من اهتمامي، فطالما كنت يساريا مشاكسا قبل أن يأخذني الأدب والفنون والفلسفة إلى التحليق بعيدا عن أية مسارات تأطيرية أو واقعية أخرى”.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب له ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “بالعكس جعلتني الكتابة والتلقي قبل ذلك أعيد تدوير علاقتي بالمحيط الاجتماعي وفقا لمسارات حلمية، حكايا، أغنيات، رغبات، شغب، انعتاق.

هكذا شكلت علاقتي بكل شيء تأملات عوالمي الداخلية، ولكن الألم يأتي من عدم الاكتمال. ثم حصلت الكارثة لاحقا، إذ أنه، وبسبب كوني شخصا مختلفا وحالما اتخذ الكتابة وعوالم الفن والأدب بيتا وهاجسا وجوديا، صرت ضحية للصوصية وجشع المحيطين فيما يتصل بممتلكاتي التقليدية، التي أذود عنها الآن بأساليب واقعية وألم ومعاناة الحالم”.

وعن تمني أن يتعامل معه الأهل والمحيطون بشكل مختلف معه يقول: “كنت أتمنى أن يدعوني وشأني وما يدب من هذا العالم بداخلي، ولكن وكما أسلفت تم استغلال هذا الاختلاف والتعلق بعوالم تمكث بداخلي، وأصبح عالمي الواقعي عرضة للجشع والأذى والسلب والتكسب. وكذا الحرمان الوظيفي أو العمل في منظمات حقوقية وأممية.

إذ أن هذا الحالم بداخلي لا ينفع أن يكون واقعيا ليزاحم أباطرة التسلق. وهذا مؤسف ومؤلم، إذ يتعرض الواحد مننا لجناية وإهمال النخب نفسها فمازال غالبيتها في عالمنا العربي، نخب سياسية أو اجتماعية تقليدية وسقيمة .

وعن الندم علي شغفه بالكتابة والقراءة وهل كان يتخيل حياته بدون الكتابة يقول: “لا  أبدا، بل أنني لا أتخيل أي معنى للحياة بدونهما. ولكن يؤلمني أنني منحت هذا الشغف كل وقتي وطريقة وفن عيشي لهذه الحياة على حساب متطلبات منطقية، منها على سبيل المثال تركي لدراسة الطب، ودراسة الأدب الإنجليزي بدلا من ذلك وكذلك عدم تعاملي مع هذا الواقع بواقعية مما جعلني في دائرة المعاناة الآن بسبب لصوص حمقاء من الأقارب والأصدقاء، بشعين بما يكفي ليغاروا من اختلافك”.

الكتابة سر الله..

تقول الكاتبة المغربية “سلوي الإدريسي”: “كنت طفلة خجولة وانطوائية لحد كبير، أقضي معظم أوقاتي وأنا أتأمل الأشياء، لا يمكن لموكب النمل أن يمر من أمامي دون أن أخلق له قصة في خيالي، بل واخترع سيناريوهات متعددة لما يمكن أن تقوله النملة لصديقتها، كان هذا الانعزال عن الأسرة، يسبب لي الكثير من المتاعب، لأن عائلتي لا تعرف معنى الخصوصية، يجب على كل أفراد الأسرة أن يكونوا في مكان واحد، وإذا اختلى أحدنا بنفسه، ستبدأ دوامات الشك في الظهور علنا”.

وتضيف: “مررت بأوقات عصيبة، للدفاع عن شغفي بالقراءة والكتابة، فالكتب كانت بالنسبة لهم تسبب الفوضى داخل المنزل، كانت أمي تخفيها تحت سريرها، كي لا نعبث بها، أما الدفاتر فكانت نادرة جدا، كانت أمي تقوم باعطائها لبائع اللب والحمص من أجل استعمالها للف بضاعته، في بعض الأحيان لم أكن أجد حتى نصف ورقة من أجل تدوين خواطري، كأننا في عصر ما قبل الورق. وكم كنت أعاني في صمت عندما تراودني الفكرة دون أن أجد مكان هادئا لتدوينها”.

وتكمل: “في آخر المطاف استسلموا لانعزالي، كانوا ينعتونني بالمعقدة، أي كثيرة العقد النفسية. أما إن تمكنوا من العثور على أحد كتاباتي، فكانت تلك هي المصيبة الكبرى. في إحدى المرات عثرت أختي الكبرى على ورقة كتبت فيها عن بعض معاناتي، هددتني أن تقرأها على أمي،  كان الألم تهمة، لا يجب أن تتألم فأنت تأكل وتشرب وترتدي أجود الملابس، لماذا عليك ان تتألم، إذن أنت بالنسبة لهم شخص مذنب” .

وتتابع: “لم أكن حقيقة اهتم بطريقة تعاملهم معي، لأنني بالأساس لم أكن أراهم، صدقوني أن لم أكن هناك، في بعض الأحيان يبدأون بسرد الحكايات عن طفولتنا، أنا لا أتذكر شيئا عن طفولة اخواتي، أعرف أشكالهم لكنني لا أعرف أرواحهم.

لم أكن أريد منهم شيئا سوى زاوية خاصة بي، وليعيشوا هم في قصورهم الفخمة”..

وتؤكد: “لو عاد بي الزمن فلن أطلب من والدي وأخواتي سوى تلك الزاوية، لن أطلب الحب ولا حتى التعاطف. لم أندم يوما لأنني اخترت هذا المسار، لأنني منذ البداية أشعر أن الكتابة سر الله، وأن هناك خيطا ذهبيا يربط بين ما أخطه بيدي وبين السماء”.

الاندماج مع الآخرين..

وتقول الكاتبة الجزائرية “جميلة مراني”: “لم أدرك بأنني أحب الكتابة إلا في سن المراهقة. لكنني كنت مختلفة بحبي للقراء. كنت الوحيدة التي تحب القراءة. والدي ووالدتي كانا متفهمين.

نعم كنت فتاة منعزلة. وفي الانعزال شعور بالغربة وبأنني لا أشبه صديقاتي. لقد كان الانعزال عالمي الخاص. وكنت أحب التواجد وحيدة فيه. لم يؤذن أحد لأنني منعزلة.

لا لست نادمة. لكنني أدركت أن الكتب وحدها لا تكفي. يجب أن نندمج مع الآخرين لنطور شخصياتنا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة