6 أبريل، 2024 8:55 م
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (27).. الكتابة رحلة إلى أشد كهوف الوعي عتمة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

تشجيع الأهل للكاتب وهو طفل علي القراءة والكتابة أمر جيد، يقصر عليه طرق كثيرة، ويعطيه دفعة كبيرة لأن يتطور، ويدعمه نفسيا، وربما يختصر عليه سنوات قد يقضيها وهو يجاهد في ذلك الطريق دون دعم أو مساندة. دور الأهل كبير في حياة الكاتب وخاصة في فترة الطفولة.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

حب الكتابة هبة من الله..

تقول الكاتبة العراقية “شهد المرسومي”: “نعم، كنت طفلة هادئة سارحة في خيالها، لا تستهويها مناكفات الأطفال بل تغوص عميقا في عوالم أخرى نسجتها بنفسها. ربما لم أدرك أن السبب هو مَلَكة الكتابة في حينها، بل لم أدرك السبب حتى هذه اللحظة”.

وتضيف: “محظوظة أنا لكوني من أسرة تمتلك مكتبة ضخمة، رفوف واسعة ملئ بالكتب والمجلات والقصص، أسرة تقدس الذهاب إلى (شارع المتنبي) ومعارض الكتب، وأكثر من فرد في عائلتي يهوى الكتابة بصنوفها المختلفة”.

ويواصل: “الانعزال عندي يكون فكرياً، فلطالما أجلس مع الناس بسكينة، لكني أقوم بمغامرات شيقة في ذهني. الوعي بصورة عامة وهو إحدى أهم الصفات التي يجدر بالكاتب أن يتحلى بها، يسبب للأسف شعورا بالغربة عن محيطنا”.

وتكمل: “لو تعاملوا بشكل مختلف لما أصبحت ما أنا عليه، لو تغيرّ مجرى حياتي قيد أنملة، لما كتبنا هذا الحوار أصلا! إنما هي مرسومة وأقدارنا، وكلٌ منا مهيئ لدوره “.

وتؤكد: “ربما أندم على أيامٍ مرت لم أقرأ فيها، ولم أمسك قلماً، ما نشعر به أثناء الكتابة لا يوصف، هِبة من الله لنا، لا أظن أن يوما سيجيئ وأندم فيه على حبي لتلك السطور المخطوطة بين دفتي كتاب أو ذلك القلم الذي تنساب منه الحروف حينا وتتمنّع حينا”.

الكتابة إنقاذ..

وتقول الكاتبة” سهير علوي ” من اليمن: “كان عقلي مزدحما بالخيال،  كنت ألجأ في الكثير من الأوقات إلى الانعزال والتأمل وأشغل نفسي بقراءة الروايات والكتب الدينية التي كانت متوفرة بكثرة في مكتبة والدي، بالإضافة إلى أنني كنت طفلة  هادئة لكنني غير راضية عن بعض الأشياء التي كنت معظم الوقت  أصرح  بعدم تقبلي لها، سواء من الناحية الدينية أو العادات والتقاليد التي كانت حكرا علينا نحن الفتيات.

لقد كنت أعاني من الاعتراضات المكبوتة في داخلي وهذا نتاج العيش في بيئة متشددة وأسلوب حياة محسومة، كما  كنت أكره الكبار جدا بسبب تسلطهم وسيطرتهم على طريقة تفكيرنا وأسلوب حياتنا، التي نمارسها وفق مبادئهم  وشروطهم، واعبر عن ذلك بالكتابة عن هذه المواضيع لكنني لم أنشرها ذلك الوقت.  وهذا ربما يجعلني مختلفة نوعا ما عن بقية أقراني، ورغم أني ولدت بين عائلة أدبية بامتياز، جميع أفراد عائلتي من الأكاديميين والبعض منهم يميلون إلى الشعر، إلا أنني  لم أجد منهم التشجيع، أما عن الغربة  كنت ومازلت أشعر أني في غربة عن جميع الأشياء التي فرضت علي ولا تشبهني” .

وتواصل: “كنت ألجأ إلى الانعزال حين لا أجد من يفهمني، ويفهم  طريقة تفكيري  وتمسكي بالحرية التي حلمت بها كثيرا، أعيش منذ الصغر حياة أخرى في مخيلتي  كحياة تعويضية، أعيش  في مكان آخر مع أشخاص آخرين، في بيئة تختلف عن البيئة التي أعيش فيها بالواقع، لازمني هذا الشعور حتى الآن” .

وتضيف: “أي شخص في هذه الحياة كان يرغب بمعاملة مثالية من قبل الأهل. والمحيطين به، ولكن المبدعون حساسون جدا وهذا ما يجعل حياة الكاتب أكثر صعوبة من غيره، ويرفض التأقلم مع بيئة لا تناسبه ويظل يشغل تفكيره هو الرحيل إلى حيث يعيش بمخيلته. لم يهتم أحد من العائلة لأي عمل إبداعي كنت أقوم به، على الرغم من أني كنت مؤدية استعراضية بمعنى أسرد قصص من مخيلتي وأقوم بتمثيل دور الشخصية الرئيسية في القصة  بشكل ملفت، والجميع كان يشاهدني   وينصت لي بإمعان لدرجة الذهول، ومع ذلك كانوا يخبرونني أنني فتاة مجنونة وحسب، لكن عندما قررت الكتابة والنشر لم يتفاجأ أحد من عائلتي مما أكتب لأنهم يعرفون مسبقا أنني كنت منذ الصغر مبدعة ولست مجنونة”.

ونؤكد: “لا أبدا لم أندم، على العكس شغفي بالكتابة والقراءة أنقذني من أمور كثيرة وظروف صعبة مررت بها في حياتي، وكانت النجاة منها بعد اللجوء إلى الله هي الكتابة والقراءة والانعزال عن الواقع تماما، لو لم أكن كاتبة وقارئة نهمة ربما كانت حياتي  قد انهارت منذ زمن”.

الكتابة علاج وتأمل بطيء..

ويقول “نهار حسب الله” كاتب قصصي وسيناريست عراقي: “لم أشعر بالاختلاف، بقدر ما تحسست حبي للقراءة، خصوصاً وأني من عائلة تنتمي إلى الوسط الثقافي، وهو الأمر الذي أتاح لي توفر مكتبة كبيرة متنوعة تزدحم بكتب متنوعة، تلامس مزاجي في اختيار ما سأقرأ وقتها. ربما اختلفت اهتماماتي عن أقراني في فترة الطفولة، كنت أحبذ القراءة أكثر من أي شيء آخر”.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم، وكيف كان تقبلهم لميله إلى القراءة والكتابة يقول: “على العكس من ذلك. كان والدي يقترح لي بعض الكتب، ويحثني على قراءة ما يخالف أفكاري، ويكسر قناعاتي الراسخة، ويناقشني بما أقرأ. ويصغي إلي بشكل جيد.

المناخ العائلي حثني على الكتابة، كنت أكتب بعض القصص القصيرة جداً وأضعها على مكتبه، وانتظر انطباعه، كنت ألمس فرحة كبيرة في وجهه. فرحة بنكهة خاصة، وهو يقرأ لأصغر أبنائه. ويبدي رأيه وملاحظاته.

دائماً ما نجتمع أنا ووالدي وأخي دكتور صميم، نجلس لساعات طويلة نتحدث عن المسرح والسينما والدراما والأدب. تلك النقاشات كانت تفرز الكثير من الأفكار.. وتشغل الفضول تجاه اكتشاف المزيد من المعرفة”.

ويواصل عن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “بطبيعتي شخص انعزالي. أفضل الوحدة والهدوء عن أي شيء آخر. نعم لدي كم واسع من العلاقات الاجتماعية الطيبة.. ولكني قليل التواصل مع المحيطين بي.

عند الانشغال بكتابة نص درامي أو قصصي، انقطع تماماً عن العالم الخارجي. ابتعد كلياً عن الحياة الاجتماعية، انعزل في مكتبتي، أكتب لساعات طويلة. وأحياناً لا أفرق بين الليل والنهار.  أكتب تحت ضغط كبير. وأخلق عالماً خاص مع حكايتي وشخصياتي وأعيش معها حياة اجتماعية خاصة، حتى أنها تشاركني تفاصيل حياتي وأحلامي.  من الجيد أن عائلتي تتفهم وتقدر هذه العزلة وتعرف طبيعتها” .

وعن تمني أن يتعامل معه الأهل والمحيطون بشكل مختلف يقول: “لم يسبق لي وأن تمنيت مثل هذه الأمنية، بقدر ما كنت حريصاً على أن أتعامل بشكل أفضل مع المحيطين بي، أحياناً تفرض عليّ الكتابة مزاجاً معيناً لا ينسجم مع من حولي من الأهل والأحبة. وقد يتسبب بسوء فهم تجاه سلوك معين.

ربما يأخذني التفكير والتأمل إلى صمت طويل لا يفهمه المحيط بي. أو تأخذني العزلة تجاه التقصير والإهمال لكثير من الأمور. لذلك أسعى دائماً لا عادة التواصل والاندماج مع من حولي. واضطر أحياناً لمشاركتهم ما يدور في رأسي لأبرر انشغالي عنهم”.

وعن الندم علي شغفه بالكتابة والقراءة وهل كان يتخيل حياته بدون الكتابة يقول: “الشغف بالقراءة يحتاج إلى فهم العلاقة بين الفرد والكتاب، مدى تأثير الكتاب على القارئ.  علاقتي بالقراءة، تشبه علاقتي بصديق قريب جداً عن نفسي، صديق يحمل وعياً عالياً ويقدم وعيه بطريقة ممتعة تنقلني إلى تجارب تخدم مشوار حياتي.

أما عن الكتابة اقتبس مقولة للروائية (إيزابيل الليندي): “الكتابة هي تفحص طويل لأعماق النفس، رحلة إلى أشد كهوف الوعي عتمة، وتأمل بطيْ”.

لم أجد شيئاً في هذا العالم يخلق المتعبة في نفسي أكثر من الكتابة.. إنها إحساس فريد، يشكل جزء من وجودي كإنسان، أشعر من خلالها بقدرتي على معالجة نفسي من كل أمراضها، والبوح بما يجول في رأسي..

أن تصنع حكاية وتخلق شخصياتها وتغوص عميقاً بعوالمها وتحاكي أمزجتها، وتتحدث بلسانها ولجهتها، بما ينسجم أو يتقاطع مع وعيك وقناعاتك. تلك مسألة تحمل درجة عالية من الجهد، ولكنها تخلق متعبة ما بعدها متعة وسعادة”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب