6 أبريل، 2024 8:54 م
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (22).. الوعي لعنة مُزمنة، كارثة مَهولة، إنهُ منفانا الحقيقي

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يكون الوعي لعنة، لأنه يجعل صاحبه يري بعمق أشياء لا يراها من حوله، وربما يخلق ذلك فجوة شاسعة بينه وبين المحيطين به، وأقرب الناس إليه، لكن رغم ذلك يعبر معظم الكتاب عن أنهم متشبثون بالوعي وبالقراءة والكتابة وسحرهم الآخاذ.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

الوعي لعنة ..

يقول الشاعر الليبي “فرج العربي”: “ميلي إلي الكتابة هو اختلافي تجاه الحياة والعالم من حولي وربما رغبتي أن أصير كاتبا، رافقتني منذ طفولتي الأولى وشغفي بالقراءة وتقليدي الكتاب الذين أقرأ لهم، وانبهاري ببعض الشخصيات الأدبية قادني إلى أن أكون نفسي وأعبر عن تجاربي وحيات. الكتابة رغم مرارتها أحيانا هي دافعي الحقيقي للحياة وهي فرحي وأملي” .

ويواصل: “سأبدأ من أبي هو عدوي وصديقي، أكرهه وأحبه لأنه علمني أن اعتمد على نفسي وأرى نفسي مشرعة على كل الاحتمالات. تعامل معي بقسوة وأراد لي أن أكون شيخا وليس كاتبا. ونتيجة تمردي عليه تعلمت التمرد على كل شيء في الحياة بما في ذلك أشكال الكتابة.

الوحيد في الأسرة المهتم بالقراءة كان أخي الذي يكبرني، كان مهتما بقراءة الكتب والمجلات وكان يزودني منذ طفولتي بمجلات “ميكي وسمير وكتب المغامرون الخمسة” وغيرها، من روايات “يوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبدالله إلى نجيب محفوظ”. والروايات العالمية والأشعار المترجمة. الوحيد في الأسرة الذي شجعني عندما كنت أكتب محاولاتي الأولى في الشعر وأرسلها خلسة إلى الصحف والمجلات” .

ويضيف: “الشعور بالغربة ليس عن المحيطين من الأسرة فقط بل حتى عن الزملاء في الدراسة والعمل والأقارب، لأن حالة الإدراك والثقافة والإبداع هي حالات فهم ووعي، وكما يقول سيوران (الوعي لعنة مُزمنة، كارثة مَهولة، إنهُ منفانا الحقيقي)  ليس غريبا أن نشعر بالغربة بل ما يزال مستمرا هذا الشعور ونحن نكبر كل يوم “.

ويتابع: “طبعا كنت أتمنى أن يتعامل معي الآخرون كما أتعامل معهم، وقد وجدت ذلك عند البعض وخاصة الأصدقاء الذين يعنيني أن أراهم وأتعامل معهم، كما أريد وبفرح وبدون ضغط من أحد. وأحب التعامل مع من يمتلك الطاقة الإيجابية ويمنحني الانتصار من أجل الحياة. وما عدت احتمل من  يصدر لي الطاقة السلبية، ابتعد عن الزحمة والندوات الضاجة. أحب أن استفيد من وقتي ولا أضيعه في التفاهة” .

ويؤكد: “شغفي بالكتابة قادني إلى المعرفة والقراءة والاطلاع والسفر، وهذا قادني إلي الإدراك والوعي، وتعلمت من خلاله استشراف نفسي وقراءة العالم من حولي. وطبيعي لم أندم على الكتابة لأنها أعطتني المعنى الحقيقي لنفسي ولحياتي، ومن خلالها انتصرت على كل ما هو سلبي وحزين في هذا العالم”.

بناء المدن الفاضلة..

ويقول الكاتب اليمني “عبد الرقيب الوصابي”: “شعرت نعم بأني مختلف منذ طفولتي، عن بقية من حولي، يسكنني خيال جامح، وأحلام متواصلة، إلى الحد الذي كنت آوي إلى فراشي للنوم، وما يزال عقلي يقظا يفكر ويخطط ويحلق حتى في المنام، لكني لم أكتشف منذ وقت مبكر أن هذا الاختلاف بسبب قدرتي أو رغبتي في الكتابة، ربما لأني عجزت عن تحقيق طموحات شتى، وأحلام كانت عصية على التحقيق لجأت إلى فعل الكتابة حتى أقوم بتعويض الكثير مما لم أقدر على تحقيقه على أرض الواقع من الأحلام المؤجلة، وما أكثرها ! ” .

ويتابع: “كانوا يؤثرون السلامة، محاولين توفير الأجواء التي لا تتنافى مع مزاجي الحاد، أكاد أجزم أنهم أيقنوا مدى اختلافي حتى ظن بي والدي الظنون، وأرجع ذلك إلى مرض عضال أصابني، فقد كان يلجأ للقراءة علي بين الحين والآخر، ويطلب بركة الصالحين من أجل أن أكون على ما يرام، ولكنه في نهاية المطاف رضخ للمزاج الذي أتحرك وفقه في اختيار ما أريده، وما يقنعني، صحيح أن العائلة لم تتقبل شغفي بالقراءة والكتابة، وكثيرا ما سمعتهم يكررون بسخرية “آخرتك تفقد عقلك من وراء هذه الكتب التي تلازمها صباح مساء”، غير أنهم ارتضوا بالأمر الواقع بعد قراءة ما بدأت في نشره هنا أو هناك من المجلات والصحف المحلية، والعربية “.

ويواصل: “بالفعل كنت وما زلت أفضل العزلة، العزلة سبب وجيه للاكتشاف المبكر للذات، وهي خير الوسائط والسبل من أجل التأمل و معرفة كل ما يحيط بالإنسان، للأسف المبدع العربي مثقل بالعلاقات الاجتماعية، وتلك العلاقات والمناسبات الاجتماعية، تستنزف أوقاته وتجعله فارغ الأعماق، سطحي الرؤى والتفكير، ولعل إيماني بالعزلة جعلني غريبا الأطوار في نظر عائلتي، مما جعلهم يبحثون عن وسيلة تضمن بقاء السلام العائلي فيما بيني وبينهم، ومن حينها صرت وبإيحاءٍ أبويٍّ محاطا بدعوات أمي بأن يحفظ الله عليَّ عقلي وينير دروبي بما يضمن لي خير الدارين الدنيا، والآخرة” .

ويضيف: “كنت أتمنى أن يتفهم الأهل والمحيطون بي، وضعي الخاص مبكرا، ربما تفهمهم المبكر كان سيفتح أمامي آفاقا عدة، للإبداع الحر والتحليق المتجاوز، وذلك منذ نعومة أظافري وطراوة التراكيب الأولى التي حاولت إبداعها، لكن ذلك للأسف لم يتحقق، لأكثر من سبب، غير أني أجد لهم حاليا أكثر من عذر، في عدم تفهمهم الوضع الطارئ على شخصيتي الطفولية، بسبب تعليمهم البسيط، وتكنهات المجتمع المدمرة بخصوص طفلهم الغريب عن بقية أقرانه”.

ويكمل: “من الصعب أن أتخيل حياتي بدون كتابة، فالكتابة الإبداعية تضمن توازني الداخلي، بالكتابة أغتسل وأتطهر دائما من صدمات الحياة وآلامها، أكتب ربما لأنني كائن هش لا يقوى على الزحام والعراك مع الآخرين من أجل تحقيق القدر البسيط من أحلامه، كائن حالم تجعله الكتابة على الدوام يخلق مدنه الفاضلة وعوالمه الافتراضية بواسطة الكتابة الإبداعية، ينقش كلمته بإصرارٍ في ذمة الزمان”.

الكتابة صديق درب..

ويقول الشاعر والكاتب المصري “ماجد أبادير”: “لم أكن أعرف أن ميلي إلي العزلة في بيت أبي واحتلالي الغرفة الوسطي ذات الثلاث شرفات والمطلة علي الشارع مباشرة، علي الشارع العمومي بمدينة طهطا جنوب مصر. بينما إخوتي الأربعة احتلوا غرفة واحدة. لا أعرف كيف تم ذلك وكيف اتفقنا عليه، وإنما هو في النهاية ما حدث.

صاحبني في غرفتي جهاز الراديو ذو السماعة الواحدة وكان رفيق سهراتي اليومية، فأنا كائن ليلي بامتياز ولقد تعرفت من خلال هذا الراديو علي العديد من الكتاب والسياسيين، فسمعت “يحيي حقي” ينتهر المذيعة حينما حولت الحوار معه في الثانية بعد منتصف الليل الي ماهي أنواع الوجبات المفضلة لديك ومن هم أولادك، قائلا: “انتي جايبة يحيي حقي في الفجر علشان تسأليه عن ولاده وأنواع الطبيخ، احذفي كلامك هذا وإلا لن أسمح لكي بإذاعته”، فاعتذرت له المذيعة وأخبرته أنهم علي الهواء أصلا ولن يستقطع حرف مما قاله.

كما سمعت “القذافي” يخاطب شعبه في إذاعة ليبيا، أنهم يأكلون اللحم كل يوم بينما شعوب العالم تأكل اللحم ربما مرة واحدة. وأكثر ما كنت أتابعه هي الأغنيات والسهرات الغنائية فسمعت “أم كلثوم وعبد الحليم وفايزة ونجاة”، حتي أنني في بداية كتابتي للشعر لم أحتاج أن أقوم بتقطيع القصيدة علي البحور ولكنني كنت أضبط التفعيلة بأذني فقط  إلي حركات وسكنات”.

ويكمل: “ولو تطرقنا لمعاملة الأهل لي لقد كنت محظوظا بمرضي المبكر بمرض لم يعرف الأطباء له سبب أو دواء. فكنت في كل شتاء ربما وأنا في سن الثامنة أو التاسعة من عمري يحاول الأهل إيقاظي دون جدوي حيث يختفي النبض وتختفي الحرارة وأصبح جثة هامدة. فيجري أبي علي جارنا طبيب الأطفال الذي  كان لا يملك إلا أن يحاول إفاقتي بالعطور أو بإحدى طرق الإفاقة من فقد الوعي.

ومن غرائب  هذا المرض أن لجأ الأهل حتي إلي السحرة كمحاولة من محاولاتهم  المستديمة لشفائي، حتي أنني أذكر رغم أن أبي حاصل علي الليسانس في الآداب من جامعة (فؤاد الأول.. القاهرة الآن) سمع من قريبة لنا أن هناك سيدة من الحبشة اسمها “باتعة” بتسوي الهوايل كما قالت له قريبتنا.

وأذكر أنني جلست أمامها وقد غطت وجهها وتغير صوتها لصوت بشبه صوت الرجال وجلست تتكلم بكلمات غير مفهومة، وكانت قريبتا تكتب ما تقول ولا أدري بأي لغة كانت تتكلم وبأي حروف كانت تكتب. وبعد ما انتهي المشهد أخذوا هذا الورق وقاموا بتقطيعه قطع صغيرة ووضعوه في زجاجة ماء لأشرب منها كلما أحسست بالعطش وذلك من خلال ثلاجتنا.

ويتابع: “واعتقد أن الأمر رغم كل الفتاوي من الجميع عن أسباب مرضي مثل أنني ربما أحسست بالخوف مرة من كلب في الشارع أو حادثة ما ..الخ، ولكنني اعتقد في النهاية أن هذا المرض لم يذهب عني سوي بصلاة وتضرعات أبي وأمي لله سبحانه وتعالى وذهب هذا المرض بدون رجعة وأنا ربما في الصف السادس الابتدائي”.

ويضيف: “وبالإضافة إلي فترة مرضي كنت طفل مختلف، فكنت إيجابي لا أرفض أن أذهب لإحضار الخبز لزوم الساندوتشات المدرسية أو أي طلبات لأمي أو ما سقط سهوا من الطلبات التي يحضرها أبي بشكل يومي أو أسبوعي. فهذا وغيره كان سبب في احتواء أبي وأمي لي وتنفيذ ما أتمناه ربما بشكل أكبر من أخوتي.

بداية مرحلة الكتابة ربما كنت في الصف الثاني الإعدادي بدأت في تقليد بعض الكتابات بالعربية الفصحي، فكتبت إلي إحدي البنات قصيدة ربما قمت بتمزيقها حتي لا يراها أحد، تقول بعض سطورها “عيناك سحر مجهول ينفك حين تبتسمي .. ويداك أشهر غواص ينتشل الغارق في اليم وهكذا” وهو الوصف لملامحها التي تخيلتها فوق ملامح البشر.

ثم تأثرت جدا بالأغاني فتحولت دون أدري إلي الكتابة بالعامية المصرية، فكتبت للحبيبة التي غضبت ذات مرة منها أيضا “حببتي يا صحابي غريبة مش بشر .. ولا زينا مش بيفرق زينا معاها البكا. مش بتبكي  لما بيعدوا بميت تحت بيتها” . والحقيقة هذا الاتهام المباشر كان السبب فيه أمي رحمها الله، التي بمجرد ما تنظر من نافذة المنزل فتجد أن بعض المشيعين يحملون متوفي للصلاة عليه ودفنه فتنهمر في البكاء دون أن تحرك عينيها، فأري الدموع تسيل منهمرة دون أن تعتصر عينيها . فكانت التهمة الموجهة لحبيبتي أنها قليلة الإحساس لأنها لا تبكي مثل أمي”.

ويتابع: “أما لو تكلمت عن السبب الأعظم في استمراري في الكتابة وتشجيعي علي الاستمرار في الاهتمام بموهبتي هي أختي  مني، التي تكبرني بعامين فكنت الترموميتر الذي أقيس عليه جودة كتابتي وصدق قصيدتي. فكنت مثلا عندما أقوم وأنا في المرحلة الثانوية أو السنوات الأولي من الجامعة بكتابة أشعار لمسرحية سواء لقصر الثقافة أو لإحدي الجمعيات الأهلية كنت أقول لها: “تعالي اسمعي اللي كتبته” .

فنجلس سويا في غرفتي لأقرأ عليها الأغنيات وكنت أنظر إلي مؤشر الترومومتر وهو عينيها وأتابع ملامحها التي تتغير شيئا فشيئا كلما قرأت. ويالحظي لو كان ثمة ما كتب من الكلمات الحزينة فكانت تبكي وتحمر عينها فأتوقف وأقول لها  لقد نجحت تلك الأغنية لأنها لمست وجدان أحب الناس لي. نعم مني أختي من لها الفضل في وجودي وتكويني ولغتي فهي هبة من الله لي لكي أكمل سواء علي المستوي الإنساني أو الأدبي”.

ويؤكد: “أما أبي فلم يكن مهتما في البداية بكتاباتي وكنت أخجل من أن أقرأ له شيء مما كتبت، ولكنه  فرح جدا حينما وجد قصيدة لي منشورة في إحدى الدوريات الأدبية لأنه شعر أنني آخذ الأمر بمحمل الجد.

ولقد كانت ومازالت الكتابة بالنسبة لي هي صديق درب لا أتوقع أبدا أن نفترق، فأنا أكتب لأعبر عما يدور في خاطري بل وأكتب فيما أراه وأشعر به من هموم الناس والقضايا العامة والخاصة. واعتقد رغم أن “حامل الهوي تعب ” إلا أنني أري أن رغم أنني مهموم طول الوقت بأولادي وزوجتي وبلدي إلا أنني لا اعتقد أنني لو لم أكن مهموما بهم ما كنت استحق الحياة. فلست نادما أبدا علي الكتابة وعلي هذه الهموم الحلال”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب