14 نوفمبر، 2024 11:14 ص
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (16).. الكتابة ملاذ من عبء التفاصيل اليومية المحتشدة بالهموم

اغتراب الكاتب/ة (16).. الكتابة ملاذ من عبء التفاصيل اليومية المحتشدة بالهموم

خاص: إعداد- سماح عادل

قد تكون الكتابة ملاذا آمنا ووطنا، يهرب إليها الكاتب لكي يرتاح من الزيف في الحياة الواقعية، ومن عبء التفاصيل اليومية المحتشدة بالمسؤوليات، ويعبر عن نفسه، وهموم روحه، وأحلامه وتصوراته عن عالم أجمل.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

الكتابة ملاذ ووطن..

يقول الكاتب “محمد الشحري” من سلطنة عمان: “نعم شعرت بأني مختلف منذ طفولتي حينما وجدت أن هوايات أقراني لا تعني لي شيئا والعكس صحيح. لهذا وجدت نفسي مختلفا أحب أن أقتني المجلات والصحف. وذات مرة في الصف وفي حصة الرياضيات تعرضت للضرب لأني كنت منشغلا بمجلة اشتريتها بمصروفي الأسبوعي. فمزقها الأستاذ على رأسي بعدما أبكاني.

وقد تنبهت مبكرا إلى اختلافي وكان مصدر فخر لي. فكنت أمتن لمن يقول عني إنك مختلف وكأنك لست من هذه البيئة. كنت حينها ألجأ إلى الاستماع إلى المذياع لأنا كنا بدوا رحل لا نستقر ولا نمكث في البيوت.  فكانت الإذاعة سبيلي الوحيد للحصول على المعلومة”.

ويضيف: “كنت أفضل الابتعاد عن الآخرين لعدم وجود رابط مشترك. وذات مرة شعرت بدموعي لأنه شعرت بغربة قاتلة لم أشعر بها طيلة حياتي. أنا الذي عشت غربة تونس وغربة ألمانيا. لكن غربة المكان كانت مؤنسة عكس غربة الانتماء الموحشة. بعد هذه التجربة شكرت الكتابة التي حمتني من الحاجة إلى الآخرين. فبعد غربة واغتراب أجد في الكتابة ملاذ ووطن وحنان أم.

محاكاة الكتاب..

ويقول الكاتب الليبي “محمد فتاح الزروق”: “شعوري بالاختلاف لم يبدأ مع تعلمي الكتابة بل قبل ذلك فقد أخبرتني أمي رحمها الله أنني بدأت في الكلام قبل إتمام السنة الأولى من عمري. لا أعني بالكلام هنا العبارات التي يرددها الأطفال لنداء ذويهم بل التلفظ بجمل مفيدة وكاملة ومفهومة. كما أنني اكتشفت أنني أتذكر أشياء حدثت لي في سن مبكرة جدا وكنت أخبر أمي بها فتتعجب كثيرا.

ومن هنا كانت قدرتي على حفظ الدروس والنصوص سريعة. لكنني كنت أجد صعوبة في أشياء أخرى مثل حفظ الأماكن ولم تكن قدرتي في الحساب بذات براعتي في الحفظ. في التاسعة من عمري اعتدت أن يخبرني أقراني ومعلمي أنني (فلتة). بدأت في هذا العمر في قراءة القصص والمجلات والروايات البوليسية للناشئين.

وفي العاشرة بدأت أفكر في تقليد ما قرأت وظهرت أولى محاولاتي. في السادسة عشر من عمري كتبت أول قصة قصيرة حقيقية مكتملة الأركان. وقبلها كانت لدي محاولات كثيرة لكتابة رواية. في الواقع كان أبناء جيلي يقرؤون مثلي وربما أكثر. لكنني كنت الوحيد فيمن أعرف الذي فكر في محاكاة الكتاب”.

ويواصل: “بالتأكيد كنت أحيانا كثيرة أكره أن أكون مختلفا. تعلمت لوحدي ركوب الدراجة والسباحة ولاحقا قيادة السيارة لأنني كنت أرى الأطفال يفعلون ذلك بأريحية فيما أنا كنت عاجزا عن فعل ذلك. لذلك اختلافي في الطفولة لم أكن أراه إيجابيا. بل كان يسوءني. ومع كل ذلك ظل حبي للقراءة والكتابة يأسرني وتبعت شغفي ولم أتخل عن هوايتي، بل قررت أن أقوي نقاط ضعفي وفي الحادية عشر من عمري انتظمت في أداء التمرينات الرياضية لشعوري بأنني كنت أقل قوة جسمانية من الكثيرين”.

ويتابع: “كان أبي رحمه الله يطلب مني أن أروح عن نفسي وأترك الكتب والكتابة وكان يشجعني على الخروج إلى الشارع عكس بقية الآباء. وعندما كنت أخبر زملائي يقولون لي ما معناه: يا بختك. ليت آباءنا يفعلون ذلك معنا. إنهم يمنعوننا بحجة المذاكرة. لم يكن أبي يكرهني على الدراسة. أما أنا شخصيا فكنت ألعب الكرة مع أقراني في الشارع وعندما ابتعدت كانت أحب الأماكن إلي هي السينما والمركز الثقافي والمكتبات واستاد كرة القدم. لكنني لم أملك الشجاعة لأخبره أنني أذهب لوحدي إلى السينما أو إلى حضور المباريات.

أما أمي فكانت تشجعني على القراءة والكتابة وتري ما أكتبه للأقرباء بفخر لأنها كانت قارئة نهمة في طفولتها وشبابها ولها خط يد جميل. وكانت دائما تبدي استياءها من أنها لم تكمل دراستها الجامعية. أما إخوتي عدا شقيقة تكبرني فكانوا يصغرونني ولهذا وفي تلك المرحلة لم يضايقني أحد منهم.”

شعوري بالانعزال كان مرحليا ومؤقتا عندما أرغب في إنجاز عمل ما أو تعلم مهارة معينة. كنت أكره أن يراقبني شخص ما أثناء أدائي لأي عمل كالكتابة والرسم وحتى تعلم المهارات الفردية. ولذا كنت أنعزل لأفعل ذلك.”

ويكمل: “بالنسبة لتعامل الأهل لم أستأ منه. وكنت أراه عاديا. لكنني كنت أتضايق من فرض بعض الأمور علي والتي لا تناسب شغفي وما أزال أتذكر كم بكيت كثيرا عندما حرمني أبي من الذهاب للتسجيل في الكشافة بعد وافق في البداية. لكنه تراجع عندما أراد شقيقي مرافقتي”.

ويؤكد: “لست نادما. أنا نادم على أي عمل إبداعي لم أكمله أو كتاب لم أتم قراءته أو فرصة لتعلم مهارة أو لغة لم أنجزها. أدرك أن الكتابة ليست وسيلة جيدة لكسب الرزق لكنني لا أتقن شيئا في الدنيا وأحبه بقدرها”.

التعبير عن خلجات الروح..

ويقول الكاتب العراقي” عبد الكريم هداد”: ” لن يك الشعور الطفولي لدى أي طفل فيه القدرة على تبيان الميل إلى الكتابة ابداً وكذلك الاختلاف، لكن كان هناك شعور في الحاجة لطريقة في التعبير عن مراد الطاقة الكامنة في النفس. لهذا كنت حينها مهتماً وميال بشكل كبير للرسم والتمثيل على المسرح من خلال النشاطات المدرسية في مراحلها المتعددة”.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم، وكيف كان تقبلهم لميله الى القراءة والكتابة يقول: ” لم يك ذلك موجوداً أبداً، بحكم أني حين أمتلكت الوعي وأهمية القراءة، وجدت حينها في بيتنا مكتبة متواضعة فيها من الإصدارات المختلفة والمتنوعة، مع صحف يومية. هذا يشير الى أن الجو الثقافي كان موجوداً داخل بيتنا، والأمر كان طبيعيا في ممارسة القراءة في أسرتنا، يضاف إلى ذلك، هو تواجد بعض الأسماء اللامعة في الثقافة العراقية وفنونها ومرورها على منزلنا، وهي أسماء بارزة ثقافياً على مستوى مدينتنا أو العراق.

هذا يؤطر صورة من الألفة لمعنى ودلالة القراءة والكتابة ويرسم طبيعة الجو والطقس الثقافي العام من خلال تلك الحوارات وظلال التعامل المباشرة في بيان معانيها المهمة.  لهذا لم تكن هناك غرابة داخل الأسرة مع الكتاب وهوامش الكتابة  عند التعامل بين أخوتي وبيني وهم أسماء حاضرة في المشهد الثقافي”.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب له ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “ابداً لم يحصل ذلك ابداً، بل على العكس من ذلك، كان الجو في أسرتنا عائلي حميمي فيه الكثير من المحبة والابتهاج والبساطة والتعامل والتعاون المباشر والمسؤول فيما بيننا. ولم أشعر بالغربة إلا خارج وطني ومنزل الأهل. كما أنني لم أمارس الانعزال إلا منذ سنوات وأنا في عمري الأخير هذا”.

وعن تمنى أن يتعامل معه الأهل والمحيطون بشكل مختلف يقول: “لا أتمنى ذلك، لأنه لو تمنيت المختلف،  لكنت الآن أيضاً مختلف عما هو عليه الآن، لأن التجربة بكل تفاصيلها هي من أعطتني عناصر الكتابة بكل تكويناتها، وهي التي صقلت أدوات موهبتي وأعطتني أساسيات وملامح الشخصية والأسلوب وأدواتها، والتي بها أمارس الكتابة بدراية ووعي كامل. إن التمني هنا فشل كبير، فلا يمكن لي الرجوع للوراء ولو بخطوة من أجل البدء مرة أخرى بشكل آخر مختلف”.

وعن الندم على شغفه بالكتابة والقراءة، وهل كان يتخيل حياته بدون الكتابة يقول: “لست نادماً على شغفي في الكتابة والقراءة، بل سأستمر في ذلك، وسأستمر، لأنني أقرأ وأكتب لحاجتي الفردية وللضرورية في التعبير عن تأملاتي وخلجات الروح ومتطلباتها، وأيضاً ما أشاهده من تفاصيل الحياة والمواقف الإنسانية على مساراتها المتعددة.

هنا لا بد لي من الاستمرار في القراءة والكتابة كي أتوازن في حياة صعبة وقاسية يلاطمها إعصار رهيب، فقد بات الإنسان يعيش الخديعة في وضح النهار وفوق ناصية تفاصيله اليومية، فقد بات يمارس حياته في حفل وجوه من الأقنعة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة