14 نوفمبر، 2024 10:57 ص
Search
Close this search box.

اغتراب الكاتب/ة (14).. الكتابة جنية ساحرة تحقق أحلام من يحبها

اغتراب الكاتب/ة (14).. الكتابة جنية ساحرة تحقق أحلام من يحبها

خاص: إعداد- سماح عادل

أجمل ما يشترك فيه الكتاب حب الكتابة، وتقديسها، واعتبارها جنية سحرية تشير بعصاتها فتحول حياتهم إلى حياة أجمل وأكثر قيمة ومليئة بالتفاصيل الممتعة.

هذا الملف عبارة عن آراء كاتبات وكتاب من مختلف البلدان وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:

  1. هل شعرت بأنك مختلف منذ فترة الطفولة وشعرت بأن ميلك إلى الكتابة هو سبب اختلافك؟
  2. هل عاملك الأهل داخل الأسرة كأنك غريب عنهم أو لا تشبههم، وكيف كان تقبلهم لميلك إلى القراءة والكتابة؟
  3. هل كنت تفضل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب لك ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم؟
  4. هل كنت تتمني أن يتعامل معك الأهل والمحيطين بشكل مختلف؟ .
  5. هل أنت نادم علي شغفك بالكتابة والقراءة وهل كنت تتخيل حياتك بدون الكتابة؟

الكتابة منحة من السماء..
 يقول الكاتب المصري “أشرف البولاقي”: “لا.. أظنني كنت طفلا عاديًا، إلا إذا كان الميل إلى القراءة اختلافًا، وهو ما كان باديًا وملحوظًا في محيطي، عند الأسرة وبين المعلمين والأقران، لم تكن فكرة الكتابة واردة على الإطلاق حتى بداية المرحلة الثانوية. بعدها لم أكن مختلفًا فقط، بل كنت كائنًا غريبًا لا ينتمي للبقعة التي أعيش فيها “.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم، وكيف كان تقبلهم لميله إلى القراءة والكتابة يقول: “في الطفولة كان ملاحظاتهم مشجعة، صحيح أنني كنت لا أشبههم، لكن مستقبلا مشرقًا كان ينتظرني، مِن وجهة نظرهم طبعًا، كانوا يظنون أن الإقبال على القراءة يعني النجاح والتفوق وكليّات القمة، وربما لم يكونوا وقتها يفرّقون جيدًا بين قراءة الكتب غير المدرسية، وقراءة الكتب المدرسية، كله قراءة .

لكن بعد ذلك تغير الوضع تمامًا، وأصبحتُ غريبًا جدًا عنهم وعن المحيط الذي يعيشون فيه، وبخاصة عندما بدأتْ الاشتباكات حول وجهات النظر التي بدت غريبة وغير طبيعية عندي، ليس هذا فقط، بل لغتي نفسها أصبحت مختلفة، وتطورت الأمور إلى وصفي بالجنون وإصابتي باللوثة وما إلى ذلك”.

وعن  تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل سبب له ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “نعم، كان الانعزال هو الحل الوحيد لضمان السلامة العقلية لنا جميعًا، مع زيادة اليقين بعدم جدوى أي نقاش، لا سيما وأن الأهل والأسرة،كلهم دون استثناء، أناسٌ طيبون طبيعيون يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق، يجيدون القراءة والكتابة فقط، لكنهم ليسوا مهتمين بأي شيء خارج تلك الدائرة الضيقة. لم يسبب لي انعزالي أي شعور بالغربة، كنت رفيقًا بهم ورقيقًا معهم، وكان لي صحبتي وأصدقائي خارج محيط أهلي وأسرتي”.

وعن تمني أن يتعامل معه الأهل والمحيطون بشكل مختلف يقول: “نعم كنت أتمنى ذلك، فقد كان يمكن لذلك أن يضيف لي كثيرًا من الوعي، كما كان يمكن أن يوفر لي كثيرًا من الجهد، أن يكون أهلك قريبين من وعيك واهتماماتك يثري هذا تجاربك بالحوار والنقاش معهم”.

وعن الندم علي شغفه بالكتابة والقراءة، وهل كان يتخيل حياته بدون الكتابة يقول: “بالتأكيد لستُ نادمًا، هذه واحدة من أروع اختياراتي إذا كانت اختيارًا، وواحدة من أكبر النِّعم إذا كانت منحة من السماء. لا أعرف كيف أتخيل حياتي دون قراءة أو كتابة، رغم كل الحزن والألم والغضب الذي يعيشه الإنسان قارئًا وكاتبًا. نعم من الصعب أن أتخيل حياتي على غير ما هي عليه الآن، عشرات الآلاف من الكتب التي قرأتها تعني عشرات الحيوات التي عشتها، وأكثر من ثلاثين كتابًا لي تعني أيضًا أصنافًا من المتعة واللذة التي لو أدركها مَن لا يكتبون لتمنوا هم أن يكونوا مثلي”.

الكتابة عشق..

ويقول الكاتب السوداني “عثمان خاطر”: “قبل كل شيء أود أن أشكرك على هذه النافذة الرائعة للإدلاء بخفايا نفسي، تلك الخفايا التي ظلت حبيسة في مكانٍ بعيد، ما أود حقاً قوله هو أنني في أيما سعادة من أمري بما يتعلق بحياتي وخصوصية القراءة والكِتابة وكل الظروف القاسية التي أحاول من خلالها المساهمة في مشروع التنوير والمعرفة الإنسانية ، لم أحظ بطفولة يسهل تذكر تفاصيلها كي أجيب بشكل دقيق عن هذا السؤال “هل شعرت بأنني مختلف أم لا”، ليست لأنها طفولة سيئة فحسب بل لأنها مختلفة جداً.

أن تولد في قرية صغيرة غير موجودة في الخريطة الدولة التفاعلية فهذا شيء يستحق الوقوف عنده. في صغري لم يكن لدي شغف الكِتابة كنت مثل أي طفل آخر في القرية، طفل همه الأكبر أن يصبح مثل إخوانه الكبار ليرعى البهائم ويرتع في الأودية والمزارع، يكبر ويتزوج وهكذا دواليك الحياة هناك في المنطقة النائية من ذاكرة الوطن.  إن فكرة الكِتابة والقراءة نَمتا عندي بعد حروب الألفية الثانية، بعد أن نزحنا (الذي ما زال حتى اليوم) وأصبحت لدينا حياة أخرى، اهتمامات أخرى ومواضيع غير التي كانت هناك.

رغم ذلك في تلك الأيام الصعبة المتعلقة بحياة النازحين والمحرومين من أسلوب الحياة العادية أردت حقا أن يكون لدي مساحة صغيرة تحمل لي جزء من تفاصيل حياتي البسيطة. لم أكن مختلفا البتة من بقية الناس حولي، لكني كنت فريدا منهم فيما يخص القراءة لقد ناجحا وبارعاً وهذا هو الشيء الوحيد الذي قربني من والدي. لكنٌ في الحقيقة لا أعي تفاصيل طفولتي بشكل دقيق، وما أستطيع قوله بخصوص طفولتي إنها كانت أياما مليئة بالحروب والظروف القاسية، ولم ينعم لي بال لكي أفكر بطفولة حقيقية مثل كل الأطفال وهذا قدرنا كشعوب العالم الثالث وخاصة السودانيين.

القليل منا مَن يحظى بحياة واقعية. وهذا يعني أنني اكتشفت الكِتابة في مرحلة متأخرة تحديداً في أيام الجامعة”.

وعن معاملة الأهل داخل الأسرة كأنه غريب عنهم أو لا يشبههم وكيف كان تقبلهم لميله إلى القراءة والكِتابة يقول: “يمكن القول أنه من السيء جيداً أن تكتب للتغيير وتكثيف الوعي لدى المجتمع ولا يكون لأهلك معرفة بما تقوم به. وهنا تأتي الأسرة والأهل والأقارب والأصدقاء في المقام الأول إذ أنهم هم الذين يقفون معك في بداية هذا المشروع العريض ثم تفاجأ أنك تبحر لوحدك، هذا الشيء هو الذي يحدث معي بالحرف الواحد، أسرتي ومحيطي الصغيرين بعيدين كل البعد عن هذا المجال ليس لديهم وقت كافي للإدلاء بأصواتهم في هذا الأمر وكذا الحال لديهم ما يشغلهم من الظروف الخاصة.

حتى هذه اللحظة لا علم لوالديٌ بأنني أكتب ونشرت مجموعة قصصية (موسيقى الرفض). لهذا فإنني أخوض معركتي وحيداً، وآمل أن يأتي اليوم الذي ينتبه أبويٌ بما أقوم به، أريد منهما أن يعرفا بأن ابنهما يقوم بعمل رائع، وإن يكن ذلك رأي الشخصي، متأكد من أنني سأجد منهما الدعم والتشجيع الكافيين لأقدم أفضل ما لدي”.

وعن تفضيل الانعزال عن المحيطين من أفراد الأسرة وهل يسبب له ذلك الانعزال الشعور بالغربة عنهم يقول: “الكِتابة والقراءة بالطبع تحتاجان للانعزال، دائما أود أن أكون منعزلا ووحيدا حتى أكتب واقرأ بكل أريحية، فلسفتي من هذه الناحية فلسفة مختلفة أو يمكن أن القول بأنني لا أحبذ وجود الآخر في أوقات القراءة والكِتابة. بسبب هذا الانعزال يراني المقربين والمحيطين عني بأنني شخص انطوائي وغير اجتماعي وهذه النظرة المغلقة نتجت معها تنافر غريب، فبِدتُ أعيش حياتي لوحدي بالطريقة التي أحبها غير مهتم بما يفكر الآخرين.

أؤمن جداً بهذه العبارة “إذا أردت إنجاز أعمالك وتحقيق النجاح فعليك أن لا تستمع لما يقوله الآخرين سلبا عنك”. أعتقد بأن هناك سوء تفاهم بسيط من طرفهم، لكني اعذرهم بسبب مدارك معرفتهم البسيطة عن طبيعة الحياة الإنسانية وأهمية القراءة والكتابة “.

وعن تمنى أن يتعامل معه الأهل بشكل مختلف يقول: “الإنسان كائن اجتماعي بالضرورة والفطرة، يعشق أن يكون جزء من هذا القطيع البشري، يشارك معهم تفاصيل الحياة ويعيش لكل ما يأتي من هؤلاء يسعد حين يكون سعداء ويحزن عندما يكونوا حزينين . لا أود أن أكون أكثر مما أنا عليه الآن، كما أنني لن أطلب من أحد أن يعاملني أكثر من طاقته، فالحياة الإنسانية تستحق أن تكون على حقيقتها وليس على ظروف مصطنعة. أسرتي الصغيرة يكِنون لي أصدق المشاعر ويقدروني أكثر من اللازم، وهذا شرف كبير لي.لكني لن أطلب مهما كان أن يتم تعاملي بشكل مختلف فقط لأني أصبحت كاتباً أو لأي شيء آخر”.

وعن الندم على شغفه بالكِتابة والقراءة وهل كان يتخيل حياته بدون الكِتابة يقول: “الكِتابة من الأشياء القيمة التي لا يمكنني العيش بلاها، ارتبطت بهذا المجال ارتباط روحاني. الكتابة بالنسبة لي أسلوب حياة، تفكير، عشق، متعة، معرفة، طريقة للنجاة من جميع العقبات وهروب من ويلات الحروب والآثار الجانبية للدولة. أكتب لكي أحيا، ولكي أعيش لأطول مدة من السنوات، بطريقة أو بأخرى أبحث عن معنى الحياة والإنسان والوطن.

كما أنني أكتب لأساهم في حركة التغيير وبث الوعي بين الشعوب، هذه المسؤولية الكبيرة التي على عاتق كل الناس في الحياة. والشيء الوحيد المهم في حياتي الذي لن أندم عليه أبدا هو الكتابة والقراءة طالما أنا حي سوف أقرأ وأكتب بكل حب وسلام . حياتي بدون الكتابة؟ بالتأكيد ستكون حياة ناقصة وبائسة. لا أرى نفسي غير ما أنا عليه لكن إن كان لا بد من التكهن يمكنني القول بأنني سأكون أستاذ تاريخ . التدريس شيء لطالما شعرت نحوه بالحب والامتنان”.

الكتابة تعطي للحياة قيمتها..

وتقول الكاتبة الجزائرية “آسيا رحاحلية”: “نعم. حدث ذلك. كنت مولعة بالمطالعة بشكل مرضيّ و بينما كانت رفيقاتي ينشغلن باللعب خارجا مثلا كنت أفضّل العزلة في ركن من حوشنا الكبير وقراءة كتاب. وكانت أمي كثيرا ما توبّخني. فلم أكن أهتم بمساعدتها في البيت بل كانت تراني دائما وحتى لوقت متأخر من الليل وتحت ضوء الفانوس، غارسة رأسي في صفحات كتاب.

كتبت عن ذلك في قصة لي بعنوان “كالعشق أو أكبر” هذا مقطع منها “ينال الغضب من أمي، رغم طبعها الهادئ الحنون، تفلت أعصابها، تصرخ بي على غير عادتها: “ألا تنتهين؟ ألا تملّين؟ أخبريني ما الذي لم تقرئيه بعد؟ قرأتِ كل القصص عن الحب و الزواج و الطلاق و.. .”

و تصمت أمي. ترمقني بنظرة غاضبة ثم تتركني وتعود إلى ما كانت فيه. لا أنبس بحرف، أنكمش في فراشي، أغلق الكتاب الذي بين يديّ. أضعه تحت الوسادة. وأنتظر أن تختفي أمي عن ناظري وتنشغل عني تماما، لكي أحمله من جديد، أدسّه تحت اللّحاف، أرفع اللحاف بيدي قليلا ليتسرّب خيط من نور المصباح يمكّنني من رؤية السطور. يعتقد الجميع أنني نائمة بينما أنا أقرأ وأقرأ، إلى أن يطير بي عالم الحبر إلى عالم الحلم، فأغفو بأحداقٍ حُبلى ب ‘عبرات’ المنفلوطي .

لا أدري كيف خطر لأمي أن ما قرأته كان عن الحب و الزواج و الطلاق فهي لا تعرف الكتابة ولا القراءة. هل حدست بذكائها المفرط أنّه، في تلك الفترة من العمر وزهور الأنوثة بدأت تتفتّح، تكون قصص الحب هي شغلي الوحيد؟ أم تراها استنبطت ذلك من صور الأغلفة على مؤلفات إحسان عبد القدوس، و نجيب محفوظ وجورجي زيدان وغيرها من الكتب التي كانت تنام معي وتستقبل الصباح متناثرة فوق فراشي أو تحت الوسادة؟.

و لكن ما خمّنته أمي لم يكن صحيحا. هل كنت أتخيّر ما أقرأ؟ مطلقا. كنت فقط ألتهم كل ما تقع عليه يداي، كان بي نهم جنونيّ وعطش لا يرتوي للقراءة. والغريب، كلما نهلت من النبع اشتد بي الظمأ، كصحراء تبتلع مياه المحيط وتظل رمالها يابسة”.

وتضيف: “الإحساس بالغربة كان موجودا خارج نطاق العائلة ربما. في الأسرة لا، لأنّ فعل القراءة كان موجودا معنا جميعا أنا وأخواتي. أبي أيضا كان يقرأ الجرائد ويرتّل القرآن. أمي لم تدخل مدرسة أبدا. لم تكن تمانع أن نقرأ أو نكتب ولكنها أحيانا تغضب لأنّ القراءة تجعلنا نتخلّف عن مساعدتها في شؤون البيت. أختي الكبرى كانت تلقّبني بــ”سعيد الورّاق” وهو شخصية في رواية لكتاب نسيت اسمه. لم تكن أخواتي تشعرن بغرابتي لأنّ حب المطالعة كان قاسما مشتركا بيننا بل كنا نتنافس في قراءة الكتب والمجلّات وأحيانا نتشاجر من يقرأ أولا وحدث كثيرا أن أخفيت كتابا عن أختي لحين أنتهي منه”.

وتواصل: “نعم. كنت أفضل أن أكون لوحدي منفردة بغرابتي وأفكاري وأوهامي وذلك طبعا في فترة المراهقة خاصة أثّر عليّ سلبا”.

وعن تمني أن يتعامل معها الأهل والمحيطون بشكل مختلف تقول: “ربما كنت أتمنى لو أنّ أحدا من أفراد عائلتي انتبه لموهبتي في الكتابة وساعدني على صقلها وربما على النشر في المجلات في تلك الفترة. لم ينتبه سوى أستاذي الفلسطيني ‘غباين عبد المنعم’ رحمه الله  ونصحني بأن أرسل أول قصة قصيرة لي إلى مجلّة لكي تنشر ولكني لم أفعل. كان عمري يومها 16 سنة”.

وتتابع: “طبعا لا. لا مجال للندم فما كان قد كان. أحيانا حين يتملكني اليأس، أتمنى لو إنّي لم أصب بفيروس الكتابة وكنت امرأة عادية مثل الكثير من النساء. لكن لحد الندم لا طبعا. القراءة أضافت لي الكثير والكتابة جعلت شخصيتي وحياتي أثمن وربما أقوى”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة